الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل يمكن أن يعود الاكتئاب بعد التحسن وهل للوراثة علاقة؟

السؤال

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

أنا شاب، وقبل فترة قيل لي إن شقيقي مصاب بالاكتئاب، وحالته ربما تكون ذات طابع وراثي، وبعد سماعي لهذا الأمر بدأتُ أشعر بالخوف من أن أصاب بنفس المرض، وسرعان ما بدأت أعاني من أعراض القلق، مثل تسارع ضربات القلب، والتوجس، والخوف المستمر من أن يكون مصيري كمصير أخي.

لاحقًا، بدأت تظهر عليّ أعراض نفسية أخرى، مثل الحزن المستمر، فقدان البهجة، تشتت الانتباه، الارتجاف الجسدي، وضعف التركيز، وعندما مررت بنوبة قلق ثانية، تناولت حبة واحدة من دواء (الزولام)، وفي اليوم التالي شعرت بتحسّن كبير، وكأنني لم أكن مريضًا؛ عاد إليّ نشاطي وحبي للعمل وحماسي للحياة.

لكن بعد ثلاثة أيام، بدأت أشعر بشدّ في الرأس، تصاعد تدريجيًا حتى أصبح لديّ شعور غريب وكأنني خارج الوعي، مع صعوبة في تحريك الفك، ورجفة شاملة في الجسد، إضافة إلى سرعة الغضب وحدة في المزاج.

أتساءل الآن: هل من الطبيعي أن يستعيد مريض الاكتئاب ثقته بنفسه وتفاؤله، وحبه للنظام والعمل والتواصل الاجتماعي، ثم يفقد كل ذلك مرة أخرى ويجد نفسه عاجزًا حتى عن التعبير؟

لقد تناولت مؤخرًا حبة من دواء (زولفت)، لكنني لاحظت أن القلق ازداد بعد تناولها.

فما الحالة التي أمرّ بها؟ وهل ما أشعر به طبيعي؟ أرجو منكم التوضيح والمساعدة.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ خالد .. حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

فإن الاكتئاب النفسي لا تعرف أسبابه بدقة، هذه هي النقطة والركيزة الأساسية التي يجب أن نبدأ منها، ولكن أيضًا هنالك ملاحظات تنطبق على بعض حالات الاكتئاب، ومن أهم هذه الملاحظات أن بعض الناس يتأثر بما يعرف بالعوامل المهيئة، والعوامل المهيئة هي التكوين الغريزي للإنسان، وكذلك ما يرثه من والديه.

والذي يجب أن تعلمه -أيها الفاضل الكريم- أن أثر الوراثة على الاكتئاب لا يتبع بما يعرف بقانون (نيلسون مانديا) الخاص بالجينات، وهذا القانون ببساطة: أنه يوجد بعض الأمراض الوراثية، إذا أصابت أحد الوالدين أو كليهما؛ فإنه وبصورة حتمية -وبإذن الله تعالى- سوف يُصاب أحد الذرية، هذا هو التأثير الوراثي المباشر.

أمَّا في حالة الاكتئاب فالأمر ليس كذلك، إلا أنه ربما يورث نوعًا من الاستعداد والميول للاكتئاب، إذا تهيأت الظروف المرسِّبة، ونعني بالظروف المرسِّبة الصعوبات والضغوطات الحياتية، أو التغيرات الجسدية والكيميائية التي قد تحدث للإنسان.

إذًا لا نستطيع أن نقول: إن الوراثة تعتبر عاملًا رئيسيًا في جميع أنواع الاكتئاب، نعم هنالك أنواع من الاكتئاب -خاصة ما يعرف بالاكتئاب الوجداني ثنائي القطبية- ربما تلعب الوراثة فيه دورًا، ولكنها أيضًا ليست وراثة تتبع (قانون مانديا) الذي ذكرته سابقًا، إنما الذي يورث أيضًا هو الاستعداد والميول لحدوث الاكتئاب، وهذا في نطاق ضيق جدًّا.

والوراثة تكون أقوى أثرًا إذا كان المرض حدث للوالدين، أمَّا إذا حدث لأحد الوالدين فنسبة الوراثة أضعف، وإذا كان المرض يعاني منه أحد الإخوة فنسبة الوراثة لإصابة إخوته الآخرين أقل وأقل بكثير، وهذا ما ينطبق في حالتك.

فأرجو -أيها الفاضل الكريم- أن تطمئن تمامًا أن ما ذكره الطبيب من أن الاكتئاب اكتئاب وراثي ليس كلامًا دقيقًا -مع احترامي الشديد للطبيب-، وقد أوضحتُ لك أن الذي قد يُورث -وبنسبة ضعيفة- هو الاستعداد للاكتئاب وليس الاكتئاب نفسه، فأرجو أن تطمئن.

أمَّا ما حدث لك من قلق وخوف وتسارع في ضربات القلب، ففي رأيي هذه حالة قلق حادة نسميها بـ (الاضطراب الفزعي) أو (اضطراب الرهاب أو الهرع)، وأنا أتفق معك أنها حالة فعلًا مخيفة، ولكنها ليست خطيرة.

يعرف عن الـ (زولام، Zolam) أو كما يُسمّى (زناكس، Xanax) أو (ألبرازولام، Alprazolam) أنه من أفضل الأدوية التي تُجهض هذه النوبات القلقية المخيفة، وهذه هي الاستجابة التي حدثت لك، وقد جربت ذلك، وما دامت الحالة تستجيب لحبة واحدة أو حبتين؛ فلابد أن تكون حالة بسيطة، والتحسُّن السريع الذي حدث لك؛ أرجو أن يكون عاملًا ومطمئنًا بالنسبة لك.

إذًا حالتك من وجهة نظري هي حالة قلق، وليست أكثر من ذلك، وأعتقد ما ذُكر لك حول علاقة الاكتئاب بالوراثة قد أثر عليك، وجعلك أكثر عرضة لهذا القلق، فاطمئن -أخي الكريم- وتوكل على الله، واسأل الله تعالى أن يحفظك.

هذه النوبات -كما ذكرتُ- هي نوبات قلق، وحتى نساعدك تمامًا -إن شاء الله- في القضاء عليها سأصف لك دواء بسيط جدًّا يعرف تجاريًا وعلميًا باسم (موتيفال Motival)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة ليلًا لمدة أسبوعين، ثم ارفع الجرعة إلى حبة صباحًا وحبة مساءً لمدة ثلاثة أشهر، ثم خفضها إلى حبة واحدة في المساء لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء، هو من الأدوية السليمة جدًّا كما ذكرت لك، وهو علاج فعال وسليم بإذن الله تعالى.

نصيحتي لك أيضًا أن تمارس الرياضة؛ لأن الرياضة تُعَدِّل السلوك إلى سلوك إيجابي، وتمتص كل الطاقات النفسية السلبية خاصة القلق النفسي، وتبني لديك -إن شاء الله- أيضًا توجهات مزاجية إيجابية، فكن حريصًا على هذا.

وبالطبع لابد أن تكون متفائلًا، ولابد أن تثق في مقدراتك، وأنت الآن في مرحلة دراسية، من الضروري جدًّا أن تستثمر وقتك بصورة صحيحة، وأن تكون أهدافك واضحة، ويجب أن تعلو بهمتك، ولا تقبل بالقليل، خاصةً فيما يخص العلم، ولا تشغل نفسك بما وصفته بفقدان القدرة على التعبير، هذا مجرد قلق نفسي، هو الذي أدى إلى هذه المشاعر السلبية.

الحمد لله أنت مقتدر، لك الإيجابيات التعبيرية، وأرجو أن لا تقلل من قيمة ذاتك؛ لأن هذا مهم جدًّا، وأنصحك بالصحبة الطيبة والرفقة الحسنة، ودائمًا صاحب الطيبين والخيرين، وحاول أن تذهب إلى حلقات تعلُّم القرآن الكريم وحفظه، وهذا -إن شاء الله- فيه خير كثير.

أمَّا بالنسبة للـ (زولفت، Zoloft) وهو الـ (سيرترالين، Sertraline) فأرى أنه لا داعي لتناوله؛ لأن حالتك بسيطة حقيقة، والموتيفال (Motival) سوف يكون كافيًا جدًّا.

وبالنسبة لزيادة القلق التي حدثت لك، فأعتقد أن ذلك ناتج من عدة أسباب:
أولًا: أنت لم تتلق العلاج الكامل بالنسبة للقلق.
ثانيًا: أنت لديك بعض الحساسية في شخصيتك.
ثالثًا: لوجود الهواجس والتوجس والقلق حول مستقبلك، يزيد من التوتر لديك.

أخي الكريم! توكل على الله، واسعَ، وتجاهل هذه الأعراض كما ذكرت لك، واجتهد في دراستك، ونسأل الله لك التوفيق والسداد، ونشكرك على التواصل مع إسلام ويب.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً