الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

تعبت من الوساوس في العبادة مع أني لا أستجيب لها

السؤال

السلام عليكم

تعبت كثيراً من الوسوسة في صلاتي ووضوئي، مع أني لا أستجيب لها ولا أعيد صلاتي؛ لعلمي بعدم تأثيرها، لكن أحياناً قليلة مع شدة الضغط أستجيب.

علماً بأني إمام مسجد، وفي هذه الأيام زادت الأعراض عليّ؛ حيث بدأت أنتف شعر لحيتي؛ حيث أثّر عليّ مظهرها، وبدأت معي آثار نسيان شديدة، وإذا نسيت شيئاً أحاول وأجهد نفسي في التفكير حتى أتذكره ولو كان تافهاً؛ مما أثّر على نفسيتي.

أرجوكم أريد حلاً سواء سلوكياً أو دوائياً، وكيف أستخدمه؟

أنا متزوج، ولدي ولدان، ولم أعد أتحمل زوجتي وأولادي بسبب وضعي.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخ الفاضل/ حفظه الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

نشكرك على تواصلك مع إسلام ويب، وعلى ثقتك في هذا الموقع، ونسأل الله تعالى أن يشفيك وأن يعافيك، ونسعد كثيراً أن نعرف أنك إمام لمسجد، فنسأله تعالى أن يجعلك قادراً على القيام بهذه الأمانة في هذا المقام الطيب، وأنا أؤكد لك أن الوساوس القهرية كثيرة جدّاً، وكثيراً ما تحدث لمن نحسبهم من أفضل الناس ولا نزكي على الله أحداً.

الوساوس هي أفكار أو أفعال أو اجترارات أو مخاوف، أو صور ذهنية، أو نوع من الطقوس الرتيبة، تفرض نفسها على الإنسان وتتسلط عليه وتسبب له الكثير من الشكوك والقلق والتوتر وربما شيئاً من الاكتئاب الثانوي، ويحاول الإنسان دفعها والتخلص منها، إلا أنه ربما يجد بعض الصعوبات في ذلك، ولكن في نهاية الأمر يمكن علاجها بفضل الله تعالى.

أخي الكريم: أريد أولاً أن أؤكد لك أن الوساوس لا تعني أبداً ضعفاً في شخصيتك أو في عقيدتك، وإنما هي حالة نفسية تحدث لجميع الناس لبرهم وفاجرهم، غنيهم وفقيرهم، وأبيضهم وأسودهم، ويأتي الفرق في أن المسلم الملتزم يستطيع- إن شاء الله- دفعها والقضاء عليها، ومن هنا أقول لك: إن تفهمك لطبيعة الوساوس مهم جدّاً؛ لا بد أن تفهم بأنها قلق نفسي، وأن خير وسيلة لعلاجها هو عدم اتباعها، وتجاهلها وتحقيرها، وفعل ما هو مضاد لها.

الوساوس كثيراً ما تنشأ من البيئة ومن نمط حياة الناس وطريقة تفكيرهم؛ ولذا نجد أن الوساوس حول العقيدة كثيرة جدّاً، -وإن شاء الله- هذا نوع من الخيرية في هذه الأمة -بعون الله تعالى-، كما حدث ذلك لبعض صحابة رسول الله صلى الله عليهِ وسلم، وقد أقر لهم بأن ذلك من صريح الإيمان.

أخي، أقول لك: من الناحية السلوكية عليك أن تحقر هذه الوساوس، وأن تدفعها، وأن لا تتبعها أبداً، هذا هو المبدأ الأول.

المبدأ الثاني: إذا كان لديك مشكلة في الوضوء كالشك أو الإسراف في استعمال الماء، فهنا عليك أن تحدد كمية الماء، ولا تتوضأ من الصنبور، إنما يمكنك أن تستعمل الماء في إناء أو إبريق، ضع فيه الماء، وحدده بكميته، وحين تقوم بأي من أفعال الوضوء حاول أن تستحضر نفسك عقلياً وذهنياً وجسدياً، وبعد النية والتسمية مثلاً حين تأتي مثلاً في غسل اليدين قل لنفسك (أنا الآن أغسل يديَّ)؛ هذا يجعل الإنسان أقل وسوسة وشكّاً.

بالنسبة للصلاة فالأمر هو كذلك، أن تبني على اليقين وأن تتجاهل الفكر الوسواسي.

بالنسبة لموضوع اللحية ونتف الشعر، هذا دليل أيضاً على القلق الوسواسي، وأعرف أن هذه الحالة مزعجة وتحصل لبعض الناس، وهناك طريقة للعلاج نسميها بالكف بالنقيض، ويقصد بذلك: أن تجلس في مكان هادئ، وتركز وتتأمل في هذا الفعل الوسواسي وهو نتف شعر اللحية، وبعد ذلك قم بوضع يدك على لحيتك، وتصور أنك تنتف الشعر، كرر هذا عدة مرات حتى تحس بالإجهاد، ضع اليد ثم انزعها، ضع اليد ثم انزعها، ضع اليد ثم انزعها، كأنك تنتف شعر اللحية. يجب أن تكرر هذا التمرين وأنت مركز، وقد وُجد أنه يساعد كثيراً في إيصال الإنسان إلى قناعة بسخافة هذا الفعل، ومن ثم يمكن أن يتوقف الفعل أيضاً.

نصيحة أخرى أيضاً أقدمها لك أيها الأخ الكريم: تصور أنك تنتف شعر لحيتك، وأنت في أثناء هذا التفكير العميق قم بالضرب على يدك بشدة شديدة حتى تحس بألم شديد؛ الفكرة وراء هذا التمرين السلوكي البسيط هو أن تربط بين الفكرة أو الفعل الوسواسي وإيقاع الألم على نفسك؛ لأن الألم يعتبر فعلاً أو استشعاراً منفراً وقاسياً على النفس، وحين يتم التزاوج والربط ما بين الفكرة أو الفعل الوسواسي وهذا الاستشعار المقزز والمنفر والمخالف؛ هنا سوف يضعف الفعل الوسواسي.. هذا التمرين يكرر عشر مرات صباحاً ومساءً.

بعد ذلك أقول لك: إن العلاج الدوائي -الحمد لله- موجود ومتوفر، وبفضل الله تعالى الأدوية المضادة للوساوس غيّرت من حياة الناس تماماً، فأنا أقول لك: ابدأ في تناول الدواء الذي سوف أصفه لك، ونصيحتي لك هي الالتزام القاطع بجرعة الدواء، والأدوية التي سأصفها لك هي أدوية معروفة وفعالة جدّاً.

الدواء الأول - وهو الرئيسي - يعرف يسمى علمياً (فلوكستين FLUOXETINE)، ويسمى تجارياً باسم (بروزاك PROZAC)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة كبسولة واحدة في اليوم، وقوة الكبسولة هي عشرة مليجرامات، تناولها بعد الأكل، واستمر عليها لمدة شهر، ثم ارفع الجرعة إلى كبسولتين في اليوم - أي أربعين مليجراماً - يمكن أن تتناولها كجرعة واحدة في اليوم، أو يمكنك أن تقسم الجرعة إلى جرعة صباحية وجرعة مسائية، المهم أن تتناول أربعين مليجراماً يومياً - كبسولتين - تستمر على هذه الجرعة لمدة ستة أشهر، ثم بعد ذلك تخفض الجرعة إلى كبسولة واحدة في اليوم، لمدة ستة أشهر أخرى، ثم بعد ذلك خفضها إلى كبسولة يوماً بعد يوم لمدة شهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

أما الدواء الآخر فهو دواء مساعد يعرف تجارياً باسم (فلوناكسول FLUNAXOL) ويعرف علمياً باسم (فلوبنتكسول FLUPENTHIXOL)، أرجو أن تبدأ في تناوله بجرعة حبة واحدة، وقوة الحبة هي نصف مليجرام، استمر على هذه الجرعة لمدة ثلاثة أشهر، ثم توقف عن تناول الدواء.

هذه الأدوية أدوية سليمة وفعالة وغير إدمانية وليست تعودية، وإن شاء الله إذا أخذت بما ذكرناه لك من إرشادات سلوكية بسيطة، وما تقوم به أنت الآن من ممارسة من مواجهة لهذه الوساوس، وتناول الدواء، والإصرار على التغيير، وبالطبع الالتزام بالدعاء؛ فسوف تذهب هذه الوساوس تماماً.

لا شك أن الدواء والعلاج السلوكي سوف يحسن كثيراً من مزاجك، وعليك أن تكون إيجابياً حيال أسرتك، وتذكر هذه النعم العظيمة، وابن صورة طيبة وإيجابية عن نفسك؛ هذا إن شاء الله سيجعلك تحس براحة ورضا كبير عن النفس.

ختاماً: نشكر لك تواصلك مع إسلام ويب، وبالله التوفيق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات



 
 
 

الأعلى تقيماً