الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أفضل البقاء وحدي وأخاف عند الخروج من المنزل.. أفيدوني

السؤال

السلام عليكم

لا أعلم إن كانت هذه مشاكل فعلًا أم لا؟ لكنني أعاني من أمور كثيرة.

أنا أنفعل بشدة من أيسر الأمور، خصوصًا عندما أشعر أن الشخص الذي أمامي يرفض شيئًا أريده، وأبكي بسهولة ولأتفه الأسباب، ولا أستطيع أن أعبّر عمّا بداخلي أو عمّا أشعر به بصدق.

بشكل عام: لا أجيد النقاش مع الناس، ولا أحب أن يجادلني أحد، ولا أتقبل وجود أشخاص غرباء يدخلون حياتي، خاصة إذا كانوا مفروضين عليّ، مثل أهل الزوج أو زوجة أحد إخوتي، ولا أحب أن أتعرف إلى أهل أي شخص يريد التقدّم لخطبتي؛ لأنني أشعر بأنهم يُفرضون عليّ فرضًا.

أحب أن أكون وحدي في غرفتي، لكنني لستُ انطوائية تمامًا، وأيام الجامعة كنت أجلس مع زميلاتي؛ بحيث إني لديّ صديقات، لكن بمجرد عودتي إلى البيت، لا أحب أن يتحدث معي أحد.

لو بقيت في المنزل شهرًا أو أكثر دون خروج، ثم قررت أن أخرج، أشعر بتردد وخوف من مجرد النزول إلى الشارع. معظم الوقت، أتمنى الموت، ولا أرغب في الاستمرار بالحياة، ولو لم يكن الانتحار محرّمًا، لانتحرت.

كثيرًا ما أدعو الله أن أموت، أو أن يموت من حولي، لأبقى وحدي وأستريح، وأحيانًا أؤذي نفسي لأني أشعر بالراحة بعدها؛ لأنني لا أستطيع التحدث عما بداخلي.

إذا أغضبني أحد أثناء الحديث، أشعر برغبة في إيذائه نفسيًا أو قول كلمات تجرحه، لأشعر بالراحة بدلًا من البقاء منفعلة.

إذا فاجأني أحد بسؤال، أشعر بالخوف، وبألم في بطني، ورعشة في جسمي، وقلبي ينبض بسرعة، ويصيبني برد مفاجئ، ويحدث لي الأمر نفسه أثناء المشاجرات.

أرجو أن أجد حلًا.

الإجابــة

بسم الله الرحمن الرحيم
الأخت الفاضلة/ إيمان حفظها الله.
السلام عليكم ورحمة الله وبركاته، وبعد:

أهلاً بك -أختنا الكريمة- في موقعك إسلام ويب، وإنا نسأل الله أن يحفظك، وأن يبارك في عمرك، وأن يذهب عنك ما حل بك، وأن يطيب لك الدنيا والآخرة.

أختنا الكريمة: لقد قرأنا رسالتك أكثر من مرة، ونحن نتفهم تماماً تلك الحيرة البادية عليك في الرسالة، والباحثة عن سبب ما أنت فيه.

من الواضح أختنا أنك مصابة بأمرين، يتقاطعان أحياناً فتظهر تلك الآثار التي تحدثت عنها، ولكن أمرهما -إن شاء الله- يسير متى ما استعنت بالله، وتعاملت مع المشكلة على أنها طارئة، وتزول بأمر الله تعالى:
الأول: الرهاب المجتمعي.
الثاني: العصبية.

الرهاب المجتمعي هو خلل اجتماعي نفسي، له أسباب مختلفة بعضها يجعل الإنسان متوجِّسًا خيفة من كل جديد عليه، متوجساً من الاجتماع مع الناس، خاصة إن كانوا جدداً، متوجساً من المواقف الصعبة، أو الأسئلة المفاجئة أو الطارئة بصفة عامة، ويحب العزلة ويأنس بها، لكنه مع الوقت يصير انطوائياً، سيء الظن في كل من حوله، ويتطور الأمر أكثر فأكثر إذا لم يعالج.

لتجاوز هذه المشكلة لا بد من عدة أمور:

أولاً: الاقتناع الذاتي بأن المشكلة طارئة وعارضة، وأنك قادرة على تجاوزها، وأن كثيراً من الناس وقعوا فيها، وخرجوا منها، وأن الاعتماد على الله، ثم متابعة الإرشادات العلمية طوق نجاة -إن شاء الله-.

ثانياً: أكثر الناس محبة لك وشفقة عليك ونصحاً لك هم أهلك: والدك ووالدتك ثم إخوانك وأخواتك، ولا بأس إن كان هناك صديقات مقربات لك، أوجدي من هذه الأسرة الصغيرة المرحلة الأولى من علاج الرهاب المجتمعي، وابدئي في الحديث معهم واجعلي أكثر حواراتك إليهم.

ثالثاً: اجتهدي في ممارسة بعض النشاطات المجتمعية التي تعنى بالفقراء والمساكين أو اليتامى أو تعليم الأطفال الصغار، المهم أن تكوني قيادية في هذا العمل المجتمعي، وتبذلي من الجهد والفكر ما يكسر حاجز هذا الخوف .

رابعاً: احرصي على استثمار وقتك في الأشياء المفيدة والنافعة، واجعلي الكتاب وسيلة ارتقاء نفسية لك، واحرصي أن يكون لك ورد دائم من القرآن، بجوار كتاب يسير في التفسير حتى يسهل عليك فهم المراد بسهولة ويسر، وننصحك بأن يكون هذا الورد قليلاً، لكن نرجو أن يكون دائماً، فقليل دائم خير من كثير منقطع.

خامساً: ننصحك بقراءة كتاب: عشرون موقفاً إيجابياً من الأحاديث النبوية، للدكتور إبراهيم الودعان، وكتاب: المرحلة الملكية، للدكتور خالد المنيف، وتطوير الذات، وإدارة الذات، كلاهما للدكتور إبراهيم الفقي، هذه الكتب لها فوائد عدة، أهمها:

- المساعدة على تقليص النظرة السلبية، والحياة السلبية، وفتح آفاق جديدة للإيجابية.
- المساعدة على بناء الثقة بالنفس.
- المساعدة على إدارة وقتك وذاتك وحياتك.
- المساعدة على قتل الفراغ، والذي هو أحد الكوارث التي نريد معالجتها.

سادساً: النجاح لا يمر إلا على جسر من الفشل، فلا تحزني إذا تعثرت في البداية أو فشلت في أي أمر، أو أصابتك العصبية أو الرهاب أثناء التخلص منه، هذه كلها أمور طبيعية، فلا تضغطي على نفسك، ولا تجلديها أكثر من اللازم، وهذه أصول التخلص من الرهاب المجتمعي، ونأتي إلى علاج العصبية.

الغضب والعصبية -أختنا- شهوة منحرفة ثقيلة على النفس، وهي أحد مسببات الاكتئاب النفسي، لكن علاجها كذلك ميسور، ولعل التقيد بما ذكرناه آنفاً يعد عاملاً مهماً في التخلص منه، ولكن نضيف ما يلي:

اعتماد المنهج الإسلامي في علاج الغصب، والتدرب عليه، وهذا المنهج هو:

1- الاستعاذة بالله من الشيطان: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب الرجل فقال: أعوذ بالله. سكن غضبه).
2- الصمت: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم فليسكت).
3- تغير المكان أو الهيئة المحفزة على الرد، كأن يكون واقفاً فليقعد: قال صلى الله عليه وسلم: (إذا غضب أحدكم وهو قائم فليجلس، فإن ذهب عنه الغضب وإلا فليضطجع).

4- تذكر الآثار الإيجابية لكظم الغيظ، ويكفيك حديث النبي صلى الله عليه وسلم: (لا تغضب ولك الجنة)، وقوله عليه الصلاة والسلام: (من كظم غيظاً وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رؤوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره من الحور العين ما شاء).

5- التأسي بهديه صلى الله عليه وسلم، في الغضب، وهذا يحتاج إلى كثرة القراءة حول ذلك، ونسوق لك موقفاً واحداً، فعن أنس رضي الله عنه قال: كنت أمشي مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وعليه بُرد نجراني غليظ الحاشية، فأدركه أعرابي فجبذه بردائه جبذة شديدة، فنظرت إلى صفحة عاتق النبي صلى الله عليه وسلم، -ما بين العنق والكتف- وقد أثرت بها حاشية البُرد، ثم قال: يا محمد مُر لي من مال الله الذي عندك، فالتفت إليه صلى الله عليه وسلم فضحك، ثم أمر له بعطاء.

6- كثرة الدعاء: فالدعاء سلاح المؤمن الذي لا يخيب، والمؤمن دائماً يطلب من ربه أن يخلصه من الشرور، وقد كان من دعائه عليه الصلاة والسلام: (اللهم بعلمك الغيب وقدرتك على الخلق أحيني ما علمت الحياة خيراً لي، وتوفني إذا علمت الوفاة خيراً لي، اللهم أسألك خشيتك في الغيب والشهادة، وأسألك كلمة الإخلاص في الرضا والغضب، وأسألك القصد في الفقر والغنى، وأسألك نعيماً لا ينفد، وقرة عين لا تنقطع، وأسألك الرضا بعد القضاء، وأسألك برد العيش بعد الموت).

ختاماً: التدريب على ما مضى يحتاج إلى صبر، ولن يكون النجاح من أول مرة، فدربي نفسك على ذلك، واستمري في الطريق. وثقي أن الخاتمة ستكون إيجابية تماماً، نسأل الله أن يوفقك لكل خير وأن يرضى عنك، وأن يييسر لك كل عسير، والله الموفق.

مشاركة المحتوى

مواد ذات صلة

الاستشارات

الصوتيات

تعليقات الزوار

أضف تعليقك

لا توجد تعليقات حتى الآن

بحث عن استشارة

يمكنك البحث عن الاستشارة من خلال العديد من الاقتراحات