الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

هل كان الصحابة يذكرون الله في كل أوقاتهم دون توقف؟

السؤال

هل كان الصحابة يذكرون الله تعالى طوال اليوم وكل الوقت؟ أم إنهم كانوا أحيانًا يتوقفون عن الذكر قليلًا لأخذ قسط من الراحة، كوقت الاسترخاء أو الاضطجاع للنوم دون التفكير في أي شيء؟
وشكرًا جزيلًا.

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فما ذكرته أقرب إلى حال الملائكة الكرام، فهم الذين قال الله تعالى في شأنهم: يُسَبِّحُونَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ لَا يَفْتُرُونَ {الأنبياء: 20}.

أمّا الصحابة -رضي الله عنهم- فهم بَشَر، صحيح أنهم كانوا يكثرون من ذكر الله، ويحرصون عليه في معظم أوقاتهم، لكن هذا لا يعني بالضرورة أنهم كانوا يذكرون الله بشكل مستمر دون توقف طوال اليوم والليلة، فقد كان لديهم أوقات للراحة والنوم والاسترخاء وطلب المعاش، وهذا جزء طبيعي من الحياة البشرية.

وقد ورد في الحديث الذي رواه حنظلة الأسيدي -وكان من كتّاب رسول الله صلى الله عليه وسلم- قال: لقيني أبو بكر فقال: كيف أنت يا حنظلة؟ قال: قلت: نافق حنظلة، قال: سبحان الله! ما تقول؟ قال: قلت: نكون عند رسول الله صلى الله عليه وسلم يذكّرنا بالجنة والنار، حتى كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، نسينا كثيرًا، قال أبو بكر: فوالله إنا لنلقى مثل هذا، فانطلقت أنا وأبو بكر حتى دخلنا على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قلت: نافق حنظلة يا رسول الله! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: وما ذاك؟ قلت: يا رسول الله نكون عندك تذكرنا بالنار والجنة؛ كأنا رأي عين، فإذا خرجنا من عندك عافسنا الأزواج، والأولاد، والضيعات، نسينا كثيرًا، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: والذي نفسي بيده، لو تدومون على ما تكونون عندي، وفي الذكر، لصافحتكم الملائكة على فرشكم، وفي طرقكم، ولكن يا حنظلة، ساعة وساعة، ثلاث مرات.

قال الإمام القرطبي في المفهم: (قول أبي بكر -رضي الله عنه-: والله إنا لنلقى مثل هذا) رد على غلاة الصوفية الذين يزعمون دوام مثل تلك الحال، ولا يعرجون بسببها على أهل ولا مال، ووجه الرد أن أبا بكر -رضي الله عنه- أفضل الناس كلهم بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يوم القيامة، ومع ذلك فلم يدع خروجًا عن جبلة البشرية، ولا تعاطى من دوام الذكر وعدم الفترة، ما هو خاصة الملائكة. اهـ.

وقال النووي في شرح مسلم: وأما قوله: (ولكن ‌ساعة فساعة) تقديره: ولكن تكونون ‌ساعة في الحضور فتؤدون حقوق ربكم، ‌وساعة في الغيبة فتقضون حقوق أنفسكم. اهـ.

وقال المظهري في المفاتيح شرح المصابيح: قوله: "‌ساعة ‌وساعة"؛ يعني: لا يكون الرجل منافقًا بأن يكون في وقتٍ على غاية الحضور وصفاء القلب وفي الذكر، وفي وقتٍ لا يكون بهذه الصفة، بل لا بأسَ في وقت بأن يكون ‌ساعة في الذكر، ‌وساعة في الاستراحة والنوم والزراعة ومعاشرة النساء والأولاد، وغير ذلك من المُباحات. اهـ.

وقد جاء في المسند وغيره، والحديث قال عنه الترمذي: حسن صحيح عن جابر بن سمرة، قال: شهدت النبي صلى الله عليه وسلم أكثر من مئة مرة في المسجد، وأصحابه ‌يتذاكرون الشعر وأشياء من أمر ‌الجاهلية، فربما تبسم معهم.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني