السؤال
أنا قاصر، ولم أكن أعلم بوجوب الزكاة، وكنت أظن أنها تجب فقط على الكبار ومن لديهم مصدر رزق، وقد أخبرني أهلي بذلك أيضًا.
لقد حاولت حساب زكاتي للسنوات الماضية، ونجحت في ذلك، لكنني لا أستطيع دفعها كاملة الآن؛ أولًا لأن مبلغ الزكاة المتراكم أكبر من المال الذي أملكه حاليًا، وثانيًا لأني قاصر -كما ذكرت- وليس لدي جهة موثوقة أو شخص أعرفه يمكنني التبرع له، كما أن أهلي لن يسمحوا لي بالتبرع بهذا المبلغ، حتى لو لم أدفعه دفعة واحدة. فهم لم يتبرعوا به مباشرة، وقد لا يوصلونه إلى المحتاجين فعلًا؛ لأن والدتي تبرعت في مرة من المرات لطلاب في غير مدينتهم -على ما أذكر- وكانوا غير قادرين على تأمين طعامهم. فما الذي يجب علي فعله؟ هل يجوز لي الادخار حتى أبلغ سن الرشد (18 سنة) ثم أتولى إخراج الزكاة بنفسي، خاصة أن الله لا يكلّف نفسًا إلا وسعها؟
أنا لا أرغب في إعطاء المال لأهلي؛ لأني أشك في أنهم سيوصلونه لمن يستحق فعلًا، كما أنهم ينزعجون عند مناقشتهم في هذه الأمور.
جزاكم الله خيرًا.
الإجابــة
الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:
فإن الزكاة تجب باتفاق أهل العلم على البنت البالغة بلوغًا شرعيًا بالحيض، أو ببلوغ خمس عشرة سنة ونحوها من علامات البلوغ، لعموم قوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا [التوبة: 103].
ولعموم قوله صلى الله عليه وسلم لمعاذ لما أرسله إلى اليمن: فأعلمهم أن الله افترض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم فتردّ على فقرائهم. رواه البخاري ومسلم من حديث ابن عباس -رضي الله عنهما-.
والزكاة حق للفقراء في المال، وليست تبرعاً من المزكي، فيجب إخراجها بنية الزكاة، ولا تجزئ بنية التبرع، ولا صدقة التطوع، فقد قال ابن قدامة: مذهب عامة الفقهاء أن النية شرط في أداء الزكاة. انتهى.
وقال الشيخ زكريا الأنصاري في أسنى المطالب: (تشترط نية زكاة المال أو) نية (صدقة المال المفروضة)، وفي معناها ما صرح به الأصل نية فرض صدقة المال، لدلالة كل من ذلك على المقصود، (ولا يشترط النطق) بالنية (ولا يجزئ) النطق (وحده)، كما في غير الزكاة، والتصريح بعدم اشتراط النطق بالنية من زيادته (ولا) تجزئ (صدقة المال فقط)؛ لأنها قد تكون نافلة، (ولا فرض المال)؛ لأنه قد يكون كفارة ونذرًا، ولا فرض الصدقة لشموله صدقة الفطر. اهـ.
والمسؤول عن زكاة مال القاصر وليه، ولا يجوز أن يؤخر الزكاة عن وقت وجوبها، وهو تمام الحول؛ لأن الزكاة واجبة على الفور على الراجح، وقد بينّا في الفتوى: 38200، أن المسؤول عن زكاة مال القاصر هو من تحت يده المال، وليًا كان أو وصيًا، وهو المسؤول عن ذلك أمام الله، فإذا لم يدفع زكاة المال، فإنه يجب أن يزكيها عن الماضي من السنين التي لم يخرج فيها زكاتها، أو تزكيها البنت إذا رشدت واستلمت مالها، فالتقادم لا يسقط الزكاة.
فقد جاء في التاج والإكليل نقلاً عن المدونة: لو حال الحول، ففرّط في إخراج زكاته حتى ضاع، ضمن الزكاة. انتهى.
وقال النووي في المجموع: مذهبنا أنها إذا وجبت الزكاة، وتمكّن من إخراجها، وجب الإخراج على الفور، فإن أخّرها أثم، وبه قال مالك وأحمد وجمهور العلماء.... إذا مضت عليه سنون ولم يؤد زكاتها، لزمه إخراج الزكاة عن جميعها، سواء علم وجوب الزكاة أم لا، وسواء كان في دار الإسلام أم دار الحرب. انتهى بتصرف.
وقال ابن قدامة في المغني: تجب الزكاة على الفور، فلا يجوز تأخير إخراجها مع القدرة عليه، والتمكن منه، إذا لم يخش ضرراً؛ لأن الأمر المطلق يقتضي الفور...
قال الأثرم: سمعت أبا عبد الله سئل عن الرجل يحول الحول على ماله، فيؤخّر عن وقت الزكاة؟ فقال: لا، ولم يؤخر إخراجها؟ وشدد في ذلك. قيل: فابتدأ في إخراجها، فجعل يخرج أولاً فأولاً، فقال: لا بل يخرجها كلها إذا حال الحول. فأما إذا كانت عليه مضرّة في تعجيل الإخراج، مثل من خشي في إخراجها ضرراً في نفسه أو مال له سواها، فله تأخيرها، لقول النبي صلى الله عليه وسلم: لا ضرر ولا ضرار. انتهى بتصرف. وراجعي للفائدة الفتوى: 33965.
والله أعلم.