الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

مسوغات طلب المرأة الخلع

السؤال

أنا متزوجة منذ أكثر من 12 سنة، ولم نجتمع سويًّا إلا بعد 11 سنة من الزواج، بسبب إقامته في أوروبا، حيث لم يأتِ خلال تلك المدة إلا نحو خمس مرات فقط. خلال هذه الفترة، صبرتُ كثيرًا؛ صبرت على زواجه بأخرى سرًا، وعلى البعد، ونقص النفقة أحيانًا، وعدم التواصل اليومي، وذلك من أجل ابنتي.
في عام 2023، تمكن من إدخالنا إلى أوروبا، فسكنتُ مع ابنتي في غرفة داخل سكن اللاجئين. في تلك السنة، لم يكن يتواصل معنا يوميًّا للاطمئنان، ولم يعطنا نفقة؛ لأنه لم يكن يعمل بوظيفة ثابتة، فكنا نعتمد على راتب من الدولة. وكان كثيرًا ما يفكر في نفسه فقط، ويريد المجيء إلينا رغم صعوبة الظروف. حتى إنه طلب مني مالًا ليسافر للدعوة في سبيل الله مدة أربعة أشهر، فأعطيته. وبعد عودته، أصرّ على القدوم إلى المسكن والبقاء معنا لبعض الوقت، فرفضتُ خوفًا من أن يكتشف العاملون في السكن أمره. فغضب وهدد بقوله: "إذًا هل أتزوج ثالثة؟"، ثم جاء رغم رفضي.
وبسبب الضغوط النفسية، لم أعد أتحمل، وطلبت الخلع، لأني شعرت أنني لم أعد أطيق الحياة معه، ولا أستطيع إعطاءه حقوقه، وبدأتُ لا أحبه. ومع ذلك، تشاورنا كثيرًا، وفي النهاية، وافقت على الاستمرار معه بشرطين، خاصة بعد أن أكد أنه يحبني، وأنه بذل جهدًا ومالًا كبيرًا ليحضرنا إلى هنا، وأنه لم يتبق إلا القليل لنستقر.
الأول: أن يتواصل مع ابنته بانتظام، حتى تعتاد عليه وتبدأ في حبه؛ لأنها لا تحبه حاليًا وترفض العيش معه.
والثاني: أن يرتّب أوضاعه المعيشية بين البلدان الأربعة التي يتنقل بينها، ويستقر في أحد البلدين حيث زوجتاه، علمًا أنه ليس تاجرًا، ولكنه يحمل إقامات في أكثر من دولة. واتفقنا على ألا ننتقل إلى منزل مستقل حتى يفي بهذه الشروط.
وبعد مرور خمسة أشهر، حصلنا على الإقامة، لكننا لم ننتقل بعد. أمّا الشرطان، فالأول التزم به شهرين فقط، ثم عاد إلى الإهمال، والثاني لم يبدأ فيه إلا بعد ثلاثة أشهر، ولم يُتمّه حتى الآن.
أنا حائرة حقًا، فهو من ناحية بدأ يتحسن، وأصبح ينفق علينا عندما نزوره، ولم يعد يهدد بالزواج بأخرى، ومن ناحية أخرى، هو لا يلتزم بالشروط التي كانت بالنسبة لي أساسًا للاستقرار الأسري، ولكي تتقبله ابنته.
أشعر بصراع نفسي شديد. أفكر في الخلع بمقابل المؤخر؛ لأنه لم يفِ بالشروط، ولم أعد أطيق حتى سماع صوته عبر الهاتف. لكني خائفة أن أكون ظالمة له، وأن أندم إذا عشنا معًا ولم أتحمل الحياة، لأنني أشعر أنني سأكون قليلة الصبر.
أخشى أن يكون طلبي للخلع دون سبب معتبر، فأُحرم من ريح الجنة كما جاء في الحديث، وأبكي لذلك كثيرًا. لكن في الوقت نفسه، لا أرغب في العيش معه، وبدأت أركّز فقط على مساوئه، ولا أرى محاسنه، رغم أنه لا يُعاب في خُلُقه ولا في دينه. فهل يجوز لي طلب الخلع في هذه الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فالمرأة إذا كانت مبغضة لزوجها وتنفر منه بحيث لا تقدر على القيام بحقّه؛ يجوز لها طلب الفراق بالخلع أو الطلاق.

قال ابن قدامة -رحمه الله- في المغني: وجملة الأمر أن المرأة إذا كرهت زوجها، لخلقه، أو خلقه، أو دينه، أو كبره، أو ضعفه، أو نحو ذلك، وخشيت أن لا تؤدي حق الله تعالى في طاعته، جاز لها أن تخالعه بعوض تفتدي به نفسها منه، لقول الله تعالى: فإن خفتم ألا يقيما حدود الله فلا جناح عليهما فيما افتدت به [البقرة: 229]. انتهى.

وأمّا الوعيد المذكور في حديث: المختلعات هنّ المنافقات، فعلى فرض صحة الحديث؛ فالمراد به المختلعات بغير عذر.

جاء في حاشية السيوطي على سنن النسائي: المنتزعات والمختلعات هن المنافقات، قال في النهاية: يعني اللاتي يطلبن الخلع والطلاق من أزواجهن بغير عذر. انتهى.

لكن نصيحتنا لك؛ أن تصبري ولا تفارقي زوجك وأنت تقرينّ بأنّه صاحب دين وخلق، وأنّه محب لك، فالحياة الزوجية -في الغالب- لا تستقيم إلا بالصبر والتغاضي عن بعض المكروهات، والموازنة بين الحسنات والسيئات، والأصل ألا يصار إلى الفراق بين الزوجين إلا عند تعذر الإصلاح، وراجعي الفتوى: 393370.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني