الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط


الذنوب والمعاصي تضر ولابد، فإن مما اتفق عليه العلماء وأرباب السلوك أن للمعاصي آثارا وثارات، وأن لها عقوبات على قلب العاصي وبدنه، وعلى دينه وعقله، وعلى دنياه وآخرته.

اختيار هذا الخط

أحكام تلف البضاعة أثناء الشحن والتعويض عليها

السؤال

أعمل في مجال التجارة الإلكترونية. وقد وصلني طلب من أحد الزبائن في مدينة أخرى، لشراء سراويل، لكن المقاس الذي طلبه لم يكن مناسبًا. فقمتُ بإرسال المقاس الصحيح إليه، وكان من المفترض أن تقوم شركة الشحن باستلام المنتج الأول (الخاطئ) وإرجاعه إليّ، غير أن المنتج المرتجع قد تلف أثناء الشحن (أي السراويل ذات المقاسات غير المناسبة). فهل يحق لي المطالبة بتعويض؟ وإذا كان الجواب نعم، فهل أطالب بتعويض رأس المال فقط، أم بكامل ثمن المنتج بما فيه الربح؟
أنا حريص على أكل المال الحلال، وأسأل الله أن يباعد بيني وبين المال الحرام أو المال المشبوه.
وللتوضيح باختصار: الزبون طلب تبديلًا، وقد أرسلتُ له المنتج الجديد بالمقاس الصحيح، وقد وصله بالفعل. لكن المنتج القديم، الذي كان يجب أن يُعاد إليّ، قد ضاع أثناء الشحن. فما هو الحكم الشرعي في هذه الحالة؟

الإجابــة

الحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله، وعلى آله وصحبه، أما بعد:

فشركة الشحن تعتبر أجيرًا مشتركًا، وتضمين الأجير المشترك فيه تفصيل لأهل العلم، وفي حال ضياع السلعة، فالظاهر أن عليها الضمان؛ لأن هذا السبب يمكن دفعه في العادة.

قال الكاساني في بدائع الصنائع: هؤلاء ‌الأجراء ‌الذين ‌يسلم ‌المال إليهم من غير شهود تخاف الخيانة منهم، فلو علموا أنهم لا يضمنون؛ لهلكت أموال الناس؛ لأنهم لا يعجزون عن دعوى الهلاك. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية: اتفق الفقهاء على أن الأجير المشترك إذا تلف عنده المتاع بتعدٍّ، أو تفريط جسيم: يضمن.
أما إذا تلف بغير هذين، ففيه تفصيل في المذاهب: فالصاحبان (أبو يوسف، ومحمد)، والحنابلة اعتبروا التلف بفعله، سواء كان عن قصد، أو غير قصد، أو بتقصير أو دونه، موجبًا للضمان، تابعوا في ذلك عمر وعليًا؛ حفظًا لأموال الناس، ومثل ذلك إذا كان التلف بغير فعله، وكان من الممكن دفعه -كالسرقة العادية، والحريق العادي-. وإلى هذا ذهب بعض متأخري المالكية، وهو قول للشافعية. ومتقدمو المالكية وزفر ذهبوا إلى عدم التضمين، وهو قول للشافعية أيضًا
. اهـ.

وإذا وجب الضمان، فإنه يكون بالمثل في المثليات، وإلا فبالقيمة.

قال صدر الشريعة المحبوبي في شرح الوقاية: ما يوجدُ له المثلُ في ‌الأسواق ‌بلا ‌تفاوتٍ ‌يعتدُّ به، فهو مثليّ، وما ليس كذلك، فمن ذوات القيم. اهـ.

وجاء في الموسوعة الفقهية الكويتية: اتفق الفقهاء على أنه إذا أتلف شخص مال غيره بغير حق، فعليه ضمانه. والمتلف إن كان من المثليات يضمن بمثله، وإن كان من القيميات يضمن بقيمته، والمعتبر في القيمة مكان الإتلاف. وإذا فقد المثلي بأن لم يوجد في الأسواق، فاتفقوا كذلك على أنه يعدل عن المثلي إلى القيمة. اهـ.

وعند الانتقال إلى القيمة، فالمعتبر في تقديرها هو يوم تلفها، أو يوم ضياعها، وراجع في ذلك الفتويين: 345349، 391357.

وهذه القيمة قد تختلف عن الثمن الذي دفعه السائل فيها، وقد تختلف أيضًا عن هذا الثمن مع ربحه، وتقديرها يرجع إلى تقويم المقومين من أهل الخبرة لقيمتها يوم تلفها أو ضياعها.

قال ابن القيم في بدائع الفوائد: الضمان يكون بثمن المثل، وهو القيمة. اهـ.

وقال أبو بكر الحداد في الجوهرة النيرة: الفرق بين الثمن والقيمة أن الثمن ما تراضى عليه المتبايعان، سواء زاد على القيمة أو نقص. والقيمة ما قُوِّمَ به الشيء ‌بمنزلة ‌المعيار ‌من ‌غير ‌زيادة ولا نقصان. اهـ.

وجاء في مجلة الأحكام العدلية: (المادة 153) الثمن المسمى هو الثمن الذي يسميه ويعينه العاقدان وقت البيع بالتراضي، ‌سواء ‌كان ‌مطابقًا ‌للقيمة ‌الحقيقية، أو ناقصًا عنها، أو زائدًا عليها.
(المادة 154) القيمة هي الثمن الحقيقي للشيء. اهـ.

والله أعلم.

مواد ذات صلة

الفتاوى

الصوتيات

المكتبة

بحث عن فتوى

يمكنك البحث عن الفتوى من خلال البريد الإلكتروني