المسألة السابعة
اتفق الجمهور من الأئمة على
nindex.php?page=treesubj&link=21489عدالة الصحابة [1] .
وقال قوم إن حكمهم في العدالة حكم من بعدهم في لزوم البحث عن عدالتهم عند الرواية .
ومنهم من قال إنهم لم يزالوا عدولا إلى حين ما وقع من الاختلاف والفتن فيما بينهم ، وبعد ذلك ، فلا بد من البحث في العدالة عن الراوي أو الشاهد منهم ، إذا لم يكن ظاهر العدالة .
[ ص: 91 ] ومنهم من قال بأن كل من قاتل
عليا عالما منهم ، فهو فاسق مردود الرواية والشهادة ، لخروجهم عن الإمام الحق .
ومنهم من قال برد رواية الكل وشهادتهم ; لأن أحد الفريقين فاسق ، وهو غير معلوم ولا معين .
ومنهم من قال بقبول رواية كل واحد منهم وشهادته إذا انفرد ; لأن الأصل فيه العدالة ، وقد شككنا في فسقه ، ولا يقبل ذلك منه مع مخالفة غيره لتحقق فسق أحدهما من غير تعيين .
والمختار إنما هو مذهب الجمهور من الأئمة ، وذلك بما تحقق من الأدلة الدالة على عدالتهم ونزاهتهم وتخييرهم على من بعدهم .
فمن ذلك قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وكذلك جعلناكم أمة وسطا ) أي عدولا .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كنتم خير أمة أخرجت للناس ) وهو خطاب مع الصحابة الموجودين في زمن النبي - صلى الله عليه وسلم - .
ومنها قوله - صلى الله عليه وسلم : "
أصحابي كالنجوم بأيهم اقتديتم اهتديتم "
[2] والاهتداء بغير عدل محال .
وقوله - صلى الله عليه وسلم : "
إن الله اختار لي أصحابا وأصهارا وأنصارا "
[3] واختيار الله تعالى لا يكون لمن ليس بعدل .
ومنها ما ظهر واشتهر بالنقل المتواتر الذي لا مراء فيه من مناصرتهم للرسول والهجرة إليه ، والجهاد بين يديه ، والمحافظة على أمور الدين ، وإقامة القوانين ، والتشدد في امتثال أوامر الشرع ونواهيه ، والقيام بحدوده ومراسيمه ، حتى إنهم قتلوا الأهل والأولاد حتى قام الدين واستقام ، ولا أدل على العدالة أكثر من ذلك .
وعند ذلك ، فالواجب أن يحمل كل ما جرى بينهم من الفتن على أحسن حال ، وأن ذلك إنما كان لما أدى إليه اجتهاد كل فريق من اعتقاده أن الواجب ما صار إليه ، وأنه أوفق للدين وأصلح للمسلمين .
وعلى هذا فإما أن يكون كل مجتهد مصيبا أو أن المصيب واحد والآخر مخطئ في اجتهاده .
[ ص: 92 ] وعلى كلا التقديرين ، فالشهادة والرواية من الفريقين لا تكون مردودة أما بتقدير الإصابة فظاهر ، وأما بتقدير الخطأ مع الاجتهاد فبالإجماع .
وإذ أتينا على ما أردناه من بيان عدالة الصحابة ، فلا بد من الإشارة إلى بيان من يقع عليه اسم الصحابي .
الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ
اتَّفَقَ الْجُمْهُورُ مِنَ الْأَئِمَّةِ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=21489عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ [1] .
وَقَالَ قَوْمٌ إِنَّ حُكْمَهُمْ فِي الْعَدَالَةِ حُكْمُ مَنْ بَعْدَهُمْ فِي لُزُومِ الْبَحْثِ عَنْ عَدَالَتِهِمْ عِنْدَ الرِّوَايَةِ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ إِنَّهُمْ لَمْ يَزَالُوا عُدُولًا إِلَى حِينِ مَا وَقَعَ مِنَ الِاخْتِلَافِ وَالْفِتَنِ فِيمَا بَيْنَهُمْ ، وَبَعْدَ ذَلِكَ ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْبَحْثِ فِي الْعَدَالَةِ عَنِ الرَّاوِي أَوِ الشَّاهِدِ مِنْهُمْ ، إِذَا لَمْ يَكُنْ ظَاهِرَ الْعَدَالَةِ .
[ ص: 91 ] وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِأَنَّ كُلَّ مَنْ قَاتَلَ
عَلِيًّا عَالِمًا مِنْهُمْ ، فَهُوَ فَاسِقٌ مَرْدُودُ الرِّوَايَةِ وَالشَّهَادَةِ ، لِخُرُوجِهِمْ عَنِ الْإِمَامِ الْحَقِّ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِرَدِّ رِوَايَةِ الْكُلِّ وَشَهَادَتِهِمْ ; لِأَنَّ أَحَدَ الْفَرِيقَيْنِ فَاسِقٌ ، وَهُوَ غَيْرُ مَعْلُومٍ وَلَا مُعَيَّنٍ .
وَمِنْهُمْ مَنْ قَالَ بِقَبُولِ رِوَايَةِ كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ وَشَهَادَتِهِ إِذَا انْفَرَدَ ; لِأَنَّ الْأَصْلَ فِيهِ الْعَدَالَةُ ، وَقَدْ شَكَكْنَا فِي فِسْقِهِ ، وَلَا يُقْبَلُ ذَلِكَ مِنْهُ مَعَ مُخَالَفَةِ غَيْرِهِ لِتَحَقُّقِ فِسْقِ أَحَدِهِمَا مِنْ غَيْرِ تَعْيِينٍ .
وَالْمُخْتَارُ إِنَّمَا هُوَ مَذْهَبُ الْجُمْهُورِ مِنَ الْأَئِمَّةِ ، وَذَلِكَ بِمَا تَحَقَّقَ مِنَ الْأَدِلَّةِ الدَّالَّةِ عَلَى عَدَالَتِهِمْ وَنَزَاهَتِهِمْ وَتَخْيِيرِهِمْ عَلَى مَنْ بَعْدَهُمْ .
فَمِنْ ذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطًا ) أَيْ عُدُولًا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=110كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ ) وَهُوَ خِطَابٌ مَعَ الصَّحَابَةِ الْمَوْجُودِينَ فِي زَمَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
وَمِنْهَا قَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
أَصْحَابِي كَالنُّجُومِ بِأَيِّهِمُ اقْتَدَيْتُمُ اهْتَدَيْتُمْ "
[2] وَالِاهْتِدَاءُ بِغَيْرِ عَدْلٍ مُحَالٌ .
وَقَوْلُهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
إِنَّ اللَّهَ اخْتَارَ لِي أَصْحَابًا وَأَصْهَارًا وَأَنْصَارًا "
[3] وَاخْتِيَارُ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَكُونُ لِمَنْ لَيْسَ بِعَدْلٍ .
وَمِنْهَا مَا ظَهَرَ وَاشْتُهِرَ بِالنَّقْلِ الْمُتَوَاتِرِ الَّذِي لَا مِرَاءَ فِيهِ مِنْ مُنَاصَرَتِهِمْ لِلرَّسُولِ وَالْهِجْرَةِ إِلَيْهِ ، وَالْجِهَادِ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَالْمُحَافَظَةِ عَلَى أُمُورِ الدِّينِ ، وَإِقَامَةِ الْقَوَانِينِ ، وَالتَّشَدُّدِ فِي امْتِثَالِ أَوَامِرِ الشَّرْعِ وَنَوَاهِيهِ ، وَالْقِيَامِ بِحُدُودِهِ وَمَرَاسِيمِهِ ، حَتَّى إِنَّهُمْ قَتَلُوا الْأَهْلَ وَالْأَوْلَادَ حَتَّى قَامَ الدِّينُ وَاسْتَقَامَ ، وَلَا أَدَلَّ عَلَى الْعَدَالَةِ أَكْثَرُ مِنْ ذَلِكَ .
وَعِنْدَ ذَلِكَ ، فَالْوَاجِبُ أَنْ يُحْمَلَ كُلُّ مَا جَرَى بَيْنَهُمْ مِنَ الْفِتَنِ عَلَى أَحْسَنِ حَالٍ ، وَأَنَّ ذَلِكَ إِنَّمَا كَانَ لِمَا أَدَّى إِلَيْهِ اجْتِهَادُ كُلِّ فَرِيقٍ مِنِ اعْتِقَادِهِ أَنَّ الْوَاجِبَ مَا صَارَ إِلَيْهِ ، وَأَنَّهُ أَوْفَقُ لِلدِّينِ وَأَصْلَحُ لِلْمُسْلِمِينَ .
وَعَلَى هَذَا فَإِمَّا أَنْ يَكُونَ كُلُّ مُجْتَهِدٍ مُصِيبًا أَوْ أَنَّ الْمُصِيبَ وَاحِدٌ وَالْآخَرُ مُخْطِئٌ فِي اجْتِهَادِهِ .
[ ص: 92 ] وَعَلَى كِلَا التَّقْدِيرَيْنِ ، فَالشَّهَادَةُ وَالرِّوَايَةُ مِنَ الْفَرِيقَيْنِ لَا تَكُونُ مَرْدُودَةً أَمَّا بِتَقْدِيرِ الْإِصَابَةِ فَظَاهِرٌ ، وَأَمَّا بِتَقْدِيرِ الْخَطَأِ مَعَ الِاجْتِهَادِ فَبِالْإِجْمَاعِ .
وَإِذْ أَتَيْنَا عَلَى مَا أَرَدْنَاهُ مِنْ بَيَانِ عَدَالَةِ الصَّحَابَةِ ، فَلَا بُدَّ مِنَ الْإِشَارَةِ إِلَى بَيَانِ مَنْ يَقَعُ عَلَيْهِ اسْمُ الصَّحَابِيِّ .