[ ص: 181 ] خاتمة في
nindex.php?page=treesubj&link=27885طريق معرفة الناسخ والمنسوخ
فنقول : النصان إذا تعارضا إما أن يتعارضا من كل وجه أو من وجه دون وجه ، فإن تنافيا من كل وجه فإما أن يكونا معلومين أو مظنونين أو أحدهما معلوما والآخر مظنونا ، فإن كانا معلومين أو مظنونين فإما أن يعلم تأخر أحدهما عن الآخر أو اقترانهما أو لا يعلم شيء من ذلك ، فإن علم تأخر أحدهما عن الآخر فهو ناسخ والمتقدم منسوخ .
وذلك قد يعرف إما بلفظ النسخ والمنسوخ كما لو قال النبي صلى الله عليه وسلم : " هذا ناسخ وهذا منسوخ "
[1] أو أجمعت الأمة على ذلك .
وإما بالتاريخ ، وذلك قد يعلم إما بأن يكون في اللفظ ما يدل على التقدم والتأخر كقوله صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355348كنت نهيتكم عن زيارة القبور فزوروها " .
وإما بإسناد الراوي أحدهما إلى شيء متقدم كقوله : كان هذا في السنة الفلانية وهذا في السنة الفلانية . وإحداهما معلومة التقدم على الأخرى ، هذا كله إذا كان سند الناسخ والمنسوخ مستويا .
وليس من الطرق الصحيحة في معرفة النسخ أن يقول الصحابي : " كان الحكم كذا ثم نسخ " فإنه ربما قال ذلك عن اجتهاد ، ولا أن يقول في أحد المتواترين إنه كان قبل الآخر ; لأنه يتضمن نسخ المتواتر بقول الواحد ولا يلزم ثبوت نسب الولد من صاحب الفراش ضمنا من قبول قول القابلة في الولد إنه من إحدى المرأتين ، وأن النسب لا يثبت بقولها ابتداء مثل ذلك هاهنا كما قاله
nindex.php?page=showalam&ids=14959القاضي عبد الجبار ، فإن غاية ذلك الجواز ولا يلزم منه الوقوع .
ولا أن يكون أحدهما مثبتا في المصحف بعد الآخر لأنه ليس ترتيب الآيات في المصحف على ترتيبها في النزول ، ولا أن يكون راوي أحدهما من أحداث
[ ص: 182 ] الصحابة لأنه قد ينقل عمن تقدمت صحبته ، وإن روى عن النبي صلى الله عليه وسلم من غير واسطة ، فلجواز أن تكون رواية متقدم الصحبة متأخرة .
ولا أن يكون إسلام أحد الراويين بعد إسلام الآخر ; لما ذكرناه في رواية الحدث ، ولا أن يكون أحد الراويين متجدد الصحبة بعد انقطاع صحبة الراوي الآخر ; لجواز سماعه عمن تقدمت صحبته .
ولا أن يكون أحد النصين على وفق قضية العقل والبراءة الأصلية والآخر على خلافه ، فإنه ليس تقدم الموافق لذلك أولى من المخالف .
وأما إن علم اقترانهما مع تعذر الجمع بينهما فعندي أن ذلك غير متصور الوقوع وإن جوزه قوم ، وبتقدير وقوعه فالواجب إما الوقف عن العمل بأحدهما
[2] أو التخيير بينهما إن أمكن ، وكذلك الحكم فيما إذا لم يعلم شيء من ذلك .
وأما إن كان أحدهما معلوما والآخر مظنونا ، فالعمل بالمعلوم واجب سواء تقدم أو تأخر
[3] ، أو جهل الحال في ذلك لكنه إن كان متأخرا عن المظنون كان ناسخا وإلا كان مع وجوبه العمل غير ناسخ . هذا كله فيما إذا تنافيا من كل وجه .
وأما إن تنافيا من وجه دون وجه بأن يكون كل واحد منهما أعم من الآخر من وجه دون وجه كما في قوله صلى الله عليه وسلم : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355355من بدل دينه فاقتلوه )
[4] فإنه خاص بالمبدل وعام في النساء والرجال ، وقوله : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355356نهيت عن قتل النسوان "
[5] فإنه خاص في النساء وعام بالنسبة إلى المبدل ، فالحكم فيهما كما لو تنافيا من كل وجه فعليك بالاعتبار ، والله أعلم
[ ص: 181 ] خَاتِمَةٌ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=27885طَرِيقِ مَعْرِفَةِ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ
فَنَقُولُ : النَّصَّانِ إِذَا تَعَارَضَا إِمَّا أَنْ يَتَعَارَضَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ أَوْ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ ، فَإِنْ تَنَافَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَإِمَّا أَنْ يَكُونَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ أَوْ أَحَدُهُمَا مَعْلُومًا وَالْآخِرُ مَظْنُونًا ، فَإِنْ كَانَا مَعْلُومَيْنِ أَوْ مَظْنُونَيْنِ فَإِمَّا أَنْ يُعْلَمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ أَوِ اقْتِرَانُهُمَا أَوْ لَا يُعْلَمُ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ ، فَإِنْ عُلِمَ تَأَخُّرُ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ فَهُوَ نَاسِخٌ وَالْمُتَقَدِّمُ مَنْسُوخٌ .
وَذَلِكَ قَدْ يُعْرَفُ إِمَّا بِلَفْظِ النَّسْخِ وَالْمَنْسُوخِ كَمَا لَوْ قَالَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : " هَذَا نَاسِخٌ وَهَذَا مَنْسُوخٌ "
[1] أَوْ أَجْمَعَتِ الْأُمَّةُ عَلَى ذَلِكَ .
وَإِمَّا بِالتَّارِيخِ ، وَذَلِكَ قَدْ يُعْلَمُ إِمَّا بِأَنْ يَكُونَ فِي اللَّفْظِ مَا يَدُلُّ عَلَى التَّقَدُّمِ وَالتَّأَخُّرِ كَقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355348كُنْتُ نَهَيْتُكُمْ عَنْ زِيَارَةِ الْقُبُورِ فَزُورُوهَا " .
وَإِمَّا بِإِسْنَادِ الرَّاوِي أَحَدَهُمَا إِلَى شَيْءٍ مُتَقَدِّمٍ كَقَوْلِهِ : كَانَ هَذَا فِي السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ وَهَذَا فِي السَّنَةِ الْفُلَانِيَّةِ . وَإِحْدَاهُمَا مَعْلُومَةُ التَّقَدُّمِ عَلَى الْأُخْرَى ، هَذَا كُلُّهُ إِذَا كَانَ سَنَدُ النَّاسِخِ وَالْمَنْسُوخِ مُسْتَوِيًا .
وَلَيْسَ مِنَ الطُّرُقِ الصَّحِيحَةِ فِي مَعْرِفَةِ النَّسْخِ أَنْ يَقُولَ الصَّحَابِيُّ : " كَانَ الْحُكْمُ كَذَا ثُمَّ نُسِخَ " فَإِنَّهُ رُبَّمَا قَالَ ذَلِكَ عَنِ اجْتِهَادٍ ، وَلَا أَنْ يَقُولَ فِي أَحَدِ الْمُتَوَاتِرَيْنِ إِنَّهُ كَانَ قَبْلَ الْآخَرِ ; لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ نَسْخَ الْمُتَوَاتِرِ بِقَوْلِ الْوَاحِدِ وَلَا يَلْزَمُ ثُبُوتُ نَسَبِ الْوَلَدِ مِنْ صَاحِبِ الْفِرَاشِ ضِمْنًا مِنْ قَبُولِ قَوْلِ الْقَابِلَةِ فِي الْوَلَدِ إِنَّهُ مِنْ إِحْدَى الْمَرْأَتَيْنِ ، وَأَنَّ النَّسَبَ لَا يَثْبُتُ بِقَوْلِهَا ابْتِدَاءً مِثْلَ ذَلِكَ هَاهُنَا كَمَا قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14959الْقَاضِي عَبْدُ الْجَبَّارِ ، فَإِنَّ غَايَةَ ذَلِكَ الْجَوَازُ وَلَا يَلْزَمُ مِنْهُ الْوُقُوعُ .
وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُهُمَا مُثْبَتًا فِي الْمُصْحَفِ بَعْدَ الْآخَرِ لِأَنَّهُ لَيْسَ تَرْتِيبُ الْآيَاتِ فِي الْمُصْحَفِ عَلَى تَرْتِيبِهَا فِي النُّزُولِ ، وَلَا أَنْ يَكُونَ رَاوِي أَحَدِهِمَا مِنْ أَحْدَاثِ
[ ص: 182 ] الصَّحَابَةِ لِأَنَّهُ قَدْ يَنْقُلُ عَمَّنْ تَقَدَّمَتْ صُحْبَتُهُ ، وَإِنْ رَوَى عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنْ غَيْرِ وَاسِطَةٍ ، فَلِجَوَازِ أَنْ تَكُونَ رِوَايَةُ مُتَقَدِّمِ الصُّحْبَةِ مُتَأَخِّرَةً .
وَلَا أَنْ يَكُونَ إِسْلَامُ أَحَدِ الرَّاوِيَيْنِ بَعْدَ إِسْلَامِ الْآخَرِ ; لِمَا ذَكَرْنَاهُ فِي رِوَايَةِ الْحَدَثِ ، وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ الرَّاوِيَيْنِ مُتَجَدِّدَ الصُّحْبَةِ بَعْدَ انْقِطَاعِ صُحْبَةِ الرَّاوِي الْآخَرِ ; لِجَوَازِ سَمَاعِهِ عَمَّنْ تَقَدَّمَتْ صُحْبَتُهُ .
وَلَا أَنْ يَكُونَ أَحَدُ النَّصَّيْنِ عَلَى وِفْقِ قَضِيَّةِ الْعَقْلِ وَالْبَرَاءَةِ الْأَصْلِيَّةِ وَالْآخَرُ عَلَى خِلَافِهِ ، فَإِنَّهُ لَيْسَ تَقَدُّمُ الْمُوَافِقِ لِذَلِكَ أَوْلَى مِنَ الْمُخَالِفِ .
وَأَمَّا إِنْ عُلِمَ اقْتِرَانُهُمَا مَعَ تَعَذُّرِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا فَعِنْدِي أَنَّ ذَلِكَ غَيْرُ مُتَصَوَّرِ الْوُقُوعِ وَإِنْ جَوَّزَهُ قَوْمٌ ، وَبِتَقْدِيرِ وُقُوعِهِ فَالْوَاجِبُ إِمَّا الْوَقْفُ عَنِ الْعَمَلِ بِأَحَدِهِمَا
[2] أَوِ التَّخْيِيرُ بَيْنَهُمَا إِنْ أَمْكَنَ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ فِيمَا إِذَا لَمْ يُعْلَمْ شَيْءٌ مِنْ ذَلِكَ .
وَأَمَّا إِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا مَعْلُومًا وَالْآخِرُ مَظْنُونًا ، فَالْعَمَلُ بِالْمَعْلُومِ وَاجِبٌ سَوَاءٌ تَقَدَّمَ أَوْ تَأَخَّرَ
[3] ، أَوْ جُهِلَ الْحَالُ فِي ذَلِكَ لَكِنَّهُ إِنْ كَانَ مُتَأَخِّرًا عَنِ الْمَظْنُونِ كَانَ نَاسِخًا وَإِلَّا كَانَ مَعَ وُجُوبِهِ الْعَمَلُ غَيْرَ نَاسِخٍ . هَذَا كُلُّهُ فِيمَا إِذَا تَنَافَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَأَمَّا إِنْ تَنَافَيَا مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ بِأَنْ يَكُونَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أَعَمَّ مِنَ الْآخَرِ مِنْ وَجْهٍ دُونَ وَجْهٍ كَمَا فِي قَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : (
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355355مَنْ بَدَّلَ دِينَهُ فَاقْتُلُوهُ )
[4] فَإِنَّهُ خَاصٌّ بِالْمُبَدِّلِ وَعَامٌّ فِي النِّسَاءِ وَالرِّجَالِ ، وَقَوْلُهُ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=10355356نُهِيتُ عَنْ قَتْلِ النِّسْوَانِ "
[5] فَإِنَّهُ خَاصٌّ فِي النِّسَاءِ وَعَامٌّ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْمُبَدِّلِ ، فَالْحُكْمُ فِيهِمَا كَمَا لَوْ تَنَافَيَا مِنْ كُلِّ وَجْهٍ فَعَلَيْكَ بِالِاعْتِبَارِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ