140 - فصل
[ نصراني تزوج يهودية أو العكس ] .
فإن قيل : فما تقولون في
nindex.php?page=treesubj&link=11447نصراني تزوج يهودية أو بالعكس ، هل
[ ص: 770 ] تقرونهم على ذلك أم لا ؟ وإذا فعلوه فما حكم هذا الولد ؟ قيل لا يخلو ، إما أن يعتقدوا حل ذلك ، أو تحريمه ، فإن اعتقدوا حله جاز ذلك ، ولم يعرض لهم فيه ، وإن اعتقدوا تحريمه لم نقرهم عليه ، فإنا لا نقرهم على نكاح يعتقدون بطلانه ، وأنه زنا .
وقد نص
أحمد أنه إذا تزوج المجوسي كتابية يفرق بينهما ، وأطلق الجواب ، وظاهره التفريق ، وإن لم يترافعوا إلينا .
وأما إن
nindex.php?page=treesubj&link=11447تزوج الذمي وثنية أو مجوسية ، فهل يقر على ذلك ؟ فيه وجهان :
أحدهما : يقر ؛ لأنه أعلى دينا منها ، فيقر على نكاحها كما يقر المسلم على نكاح الكتابية .
والثاني : لا يقر ، لأنها لا يقر المسلم على نكاحها ، فلا يقر الذمي عليه .
وعندي أنه إن اعتقد جواز هذا النكاح أقر عليه وإن اعتقد تحريمه لم يقر .
فإن قيل : فإن أسلموا على ذلك فهل يحتاج إلى تجديد النكاح أم يستمرون عليه ؟ قيل : يحتمل أن يقال : لا بد من تجديد النكاح ؛ لأن الأول لم يكن نكاحا يعتقدون صحته ، ويحتمل أن يقال - وهو أصح - : لا يحتاج إلى تجديد نكاح ، والإسلام صحح ذلك النكاح كما يصحح الأنكحة الفاسدة في حال الكفر إذا لم يكن المفسد قائما .
[ ص: 771 ] وأما حكم الولد هل يتبع أباه أو أمه ، فالولد يتبع خير أبويه دينا ، فإن نكح الكتابي مجوسية فالولد كتابي ، وإن وطئ مجوسي كتابية بشبهة ، فالولد كتابي أيضا ، وإن كان أحدهما يهوديا والآخر نصرانيا ، فالظاهر أن الولد يكون نصرانيا ، وصرح به أصحاب
أبي حنيفة ، فإن
النصارى تؤمن
بموسى ،
والمسيح ،
واليهود تكفر
بالمسيح ،
فالنصارى أقرب إلى المسلمين ،
واليهود خير من منكري النبوات ، كلما كان إيمان الرجل بالنبوات أكثر كان خيرا ممن ينكر ما صدق به .
وأيضا فإن
اليهود بعد مبعث
عيسى خرجوا عن شريعة
موسى ،
وعيسى جميعا ، فإن شريعة
موسى موقتة بمجيء
المسيح ، فكان يجب عليهم اتباعه ، ولهذا قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ) ، ولذلك أبقى الله سبحانه
للنصارى مملكة في العالم ، وسلب
اليهود ملكهم وعزهم بالكلية إلى قيام الساعة .
[ ص: 772 ] 141 - فصول في أحكام مهورهم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=15106إسحاق بن منصور : قلت
لأبي عبد الله :
nindex.php?page=treesubj&link=11203_11450نصراني تزوج نصرانية على قلة من خمر ، ثم أسلما . قال إن دخل بها فهو جائز ، وإن لم يكن دخل بها فلها صداق مثلها .
وقال مهنا : سألت
أبا عبد الله عن
nindex.php?page=treesubj&link=11203_11450نصراني تزوج نصرانية على خنزير ، أو على دن خمر ، ثم أسلما ، فحدثني عن
nindex.php?page=showalam&ids=17314يحيى بن سعيد ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابن جريج ، أنه قال
لعطاء : أبلغك أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم -
أقر أهل الجاهلية على ما أسلموا عليه من نكاح ، أو طلاق ؟ فقال : ما بلغنا إلا ذلك .
فسألته : ما قوله ؟ نكاح ، أو طلاق ؟ قال : يقرون على نكاحهم ، وجوز طلاقهم في الجاهلية .
[ ص: 773 ] وقال
الخرقي : وما سمى لها ، وهما كافران فقبضته ثم أسلما ، وإن كانت حراما فليس لها غيره ، ولو لم تقبضه ، وهو حرام فلها عليه مهر مثلها أو نصفه حيث وجب ذلك .
وهذا الذي ذكره هو الذي دل عليه الكتاب وسيرة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه في الكفار في هذا وفيما هو أعم منه من عقودهم ومعاملاتهم .
قال الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وذروا ما بقي من الربا إن كنتم مؤمنين ) فأمر تعالى بترك ما بقي دون ما قبض .
وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فمن جاءه موعظة من ربه فانتهى فله ما سلف وأمره إلى الله ) ، وقد أسلم الخلق العظيم على عهد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وخلفائه ، وأصحابه ، فلم يتعرض لأحد منهم في صداق أصدقه في حال الكفر ، إلا أن يكون المفسد مقارنا للإسلام كنكاح أكثر
[ ص: 774 ] من أربع ، ونكاح الأختين ، وكذلك ما مضى من بياعاتهم وسائر عقودهم ، ومواريثهم ، وهذا معلوم بالاضطرار من دينه وسيرته .
فإن لم يتقابضا ، ثم أسلما ، أو ترافعا إلينا ، فإن كان المسمى صحيحا حكمنا لها به ، أو بنصفه حيث يتنصف ، وإن كان حراما كالخمر والخنزير بطلت تسميته ، ولم نحكم به .
ثم اختلف الفقهاء : بماذا نحكم لها به ؟ فقال
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي ،
وأحمد ، وأصحابهما : لها مهر المثل أو نصفه ؛ لأن التسمية بطلت بالإسلام ، فصارت كأن لم تكن ، فتعين المصير إلى مهر المثل كالتعويض .
وقال
أبو حنيفة : إن كان صداقها خمرا ، أو خنزيرا معينين فليس لها إلا ذلك ، وإن كانا غير معينين ، فلها في الخمر القيمة ، وفي الخنزير مهر المثل استحسانا ، قالوا : لأن الملك في ذلك ثابت في حال الكفر ، ومعنى " اليد " - وهو التصرف - ثابت أيضا ، والمتخلف بالإسلام صورة اليد ، والمسلم غير ممنوع من إثبات اليد صورة ، والذي يمتنع إثبات اليد الصورية .
وأيضا فإذا عينا خمرا ، أو خنزيرا أجري تعيينه مجرى قبضه لتمكنها بالمطالبة متى شاءت ، ولإقرارنا لهم على تعيينه ، والتعاقد عليه .
وسر المسألة أن لها حق القبض في العين ، وأما إذا لم تعين فليس لها حق القبض .
ثم اختلف
أبو حنيفة وأصحابه ، فقال
أبو حنيفة : يجب في الخمر القيمة ، وفي الخنزير مهر المثل ، وقال
أبو يوسف : لها مهر المثل فيهما ، وقال
محمد : لها القيمة فيهما .
[ ص: 775 ] ووجه قول
محمد : أن التسمية صحت في العقد ، وصحة التسمية تمنع المصير إلى مهر المثل ، لكن تعذر القبض بالإسلام فصار كما لو تعذر بالهلاك ، فوجبت القيمة .
وأبو يوسف يقول : لو تعذر القبض كان الفساد في حق القبض بمنزلة الفساد في حق العقد ، فوجب مهر المثل .
وأبو حنيفة يقول : الأصل صحة التسمية ، وهي تمنع المصير إلى مهر المثل ، إلا أنا استقبحنا في الخنزير إيجاب قيمته ، فأوجبنا مهر المثل ؛ لأن القيمة كانت واجبة قبل الإسلام أصلا في حق التسليم لا خلفا ، فإن القدرة على الأصل تمنع المصير إلى الخلف ، ولو جاءها بالقيمة هاهنا أجبرت على القبول مع القدرة على الخنزير ، فدل على أنها وجبت أصلا ، فلا يمكن إيجابها بعد الإسلام خلفا ، ولا يمكن الإيجاب على ما كان قبل الإسلام ؛ لأنه إنما وجب قبله ضمنا لوجوب تسليم الخنزير ، وقد سقط وجوب التسليم بالإسلام .
ومن أوجب مهر المثل في هذه المقدمات ، أو في بعضها يقول : الخمر لا قيمة له في الإسلام ، فهو كالخنزير ، فصار وجود تسميته كعدمها ، فقد خلا النكاح من التسمية المعتبرة شرعا ، فيجب مهر المثل .
قالوا : وليس في شريعة الإسلام للخمر قيمة حتى نعتبرها هاهنا ، وإنما يقومه الكفار ، ونحن لا نعتبر قيمته عندهم ، وليس له عندنا قيمة ألبتة .
ويقوي قول
محمد أنها قد رضيت بإخراج بضعها على هذا المسمى ، والزوج إنما دخل على ذلك ، فلا يلزمه أكثر منه ، ولم يلزمه ، ولا ألزمه به الشارع ، وكون الخمر والخنزير لا قيمة له عندنا لا يمنع من اعتبار قيمته
[ ص: 776 ] وقت العقد ، فإنها رضيت بماليته ، وانحصار المالية في هذا الجنس ، فإذا فات ما انحصرت فيه المالية بالإسلام صرنا إلى قيمته وقت العقد كما لو عدم ذلك الجنس ، ولا محذور في تقويم ذلك لتعيين مقدار الواجب للضرورة كما تقوم الحر عبدا في " باب الأرش " لتعيين مقدار الواجب .
يوضحه أن المسمى حال العقد كان مالا بالنسبة إليهم ، فكان متقوما بالنسبة إلى هذا العقد والمتعاقدين ، وبالإسلام فاتت ماليته ، فتعينت قيمته حين العقد ، وهذا القول هو الذي نختاره ، والله أعلم .
140 - فَصْلٌ
[ نَصْرَانِيٌّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوِ الْعَكْسُ ] .
فَإِنْ قِيلَ : فَمَا تَقُولُونَ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=11447نَصْرَانِيٍّ تَزَوَّجَ يَهُودِيَّةً أَوْ بِالْعَكْسِ ، هَلْ
[ ص: 770 ] تُقِرُّونَهُمْ عَلَى ذَلِكَ أَمْ لَا ؟ وَإِذَا فَعَلُوهُ فَمَا حُكْمُ هَذَا الْوَلَدِ ؟ قِيلَ لَا يَخْلُو ، إِمَّا أَنْ يَعْتَقِدُوا حِلَّ ذَلِكَ ، أَوْ تَحْرِيمَهُ ، فَإِنِ اعْتَقَدُوا حِلَّهُ جَازَ ذَلِكَ ، وَلَمْ يُعْرَضْ لَهُمْ فِيهِ ، وَإِنِ اعْتَقَدُوا تَحْرِيمَهُ لَمْ نُقِرَّهُمْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّا لَا نُقِرُّهُمْ عَلَى نِكَاحٍ يَعْتَقِدُونَ بُطْلَانَهُ ، وَأَنَّهُ زَنًا .
وَقَدْ نَصَّ
أَحْمَدُ أَنَّهُ إِذَا تَزَوَّجَ الْمَجُوسِيُّ كِتَابِيَّةً يُفَرَّقُ بَيْنَهُمَا ، وَأَطْلَقَ الْجَوَابَ ، وَظَاهِرُهُ التَّفْرِيقُ ، وَإِنْ لَمْ يَتَرَافَعُوا إِلَيْنَا .
وَأَمَّا إِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11447تَزَوَّجَ الذِّمِّيُّ وَثَنِيَّةً أَوْ مَجُوسِيَّةً ، فَهَلْ يُقَرُّ عَلَى ذَلِكَ ؟ فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : يُقَرُّ ؛ لِأَنَّهُ أَعْلَى دِينًا مِنْهَا ، فَيُقَرُّ عَلَى نِكَاحِهَا كَمَا يُقَرُّ الْمُسْلِمِ عَلَى نِكَاحِ الْكِتَابِيَّةِ .
وَالثَّانِي : لَا يُقَرُّ ، لِأَنَّهَا لَا يُقَرُّ الْمُسْلِمُ عَلَى نِكَاحِهَا ، فَلَا يُقَرُّ الذِّمِّيُّ عَلَيْهِ .
وَعِنْدِي أَنَّهُ إِنِ اعْتَقَدَ جَوَازَ هَذَا النِّكَاحِ أُقِرَّ عَلَيْهِ وَإِنِ اعْتَقَدَ تَحْرِيمَهُ لَمْ يُقَرَّ .
فَإِنْ قِيلَ : فَإِنْ أَسْلَمُوا عَلَى ذَلِكَ فَهَلْ يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ النِّكَاحِ أَمْ يَسْتَمِرُّونَ عَلَيْهِ ؟ قِيلَ : يُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : لَا بُدَّ مِنْ تَجْدِيدِ النِّكَاحِ ؛ لِأَنَّ الْأَوَّلَ لَمْ يَكُنْ نِكَاحًا يَعْتَقِدُونَ صِحَّتَهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ - وَهُوَ أَصَحُّ - : لَا يَحْتَاجُ إِلَى تَجْدِيدِ نِكَاحٍ ، وَالْإِسْلَامُ صَحَّحَ ذَلِكَ النِّكَاحَ كَمَا يُصَحِّحُ الْأَنْكِحَةَ الْفَاسِدَةَ فِي حَالِ الْكُفْرِ إِذَا لَمْ يَكُنِ الْمُفْسِدُ قَائِمًا .
[ ص: 771 ] وَأَمَّا حُكْمُ الْوَلَدِ هَلْ يَتْبَعُ أَبَاهُ أَوْ أُمَّهُ ، فَالْوَلَدُ يَتْبَعُ خَيْرَ أَبَوَيْهِ دِينًا ، فَإِنْ نَكَحَ الْكِتَابِيُّ مَجُوسِيَّةً فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ ، وَإِنْ وَطِئَ مَجُوسِيٌّ كِتَابِيَّةً بِشُبْهَةٍ ، فَالْوَلَدُ كِتَابِيٌّ أَيْضًا ، وَإِنْ كَانَ أَحَدُهُمَا يَهُودِيًّا وَالْآخَرُ نَصْرَانِيًّا ، فَالظَّاهِرُ أَنَّ الْوَلَدَ يَكُونُ نَصْرَانِيًّا ، وَصَرَّحَ بِهِ أَصْحَابُ
أَبِي حَنِيفَةَ ، فَإِنَّ
النَّصَارَى تُؤْمِنُ
بِمُوسَى ،
وَالْمَسِيحِ ،
وَالْيَهُودَ تَكْفُرُ
بِالْمَسِيحِ ،
فَالنَّصَارَى أَقْرَبُ إِلَى الْمُسْلِمِينَ ،
وَالْيَهُودُ خَيْرٌ مِنْ مُنْكِرِي النُّبُوَّاتِ ، كُلَّمَا كَانَ إِيمَانُ الرَّجُلِ بِالنُّبُوَّاتِ أَكْثَرَ كَانَ خَيْرًا مِمَّنْ يُنْكِرُ مَا صَدَّقَ بِهِ .
وَأَيْضًا فَإِنَّ
الْيَهُودَ بَعْدَ مَبْعَثِ
عِيسَى خَرَجُوا عَنْ شَرِيعَةِ
مُوسَى ،
وَعِيسَى جَمِيعًا ، فَإِنَّ شَرِيعَةَ
مُوسَى مُوَقَّتَةٌ بِمَجِيءِ
الْمَسِيحِ ، فَكَانَ يَجِبُ عَلَيْهِمُ اتِّبَاعُهُ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى ) ، وَلِذَلِكَ أَبْقَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ
لِلنَّصَارَى مَمْلَكَةً فِي الْعَالَمِ ، وَسَلَبَ
الْيَهُودَ مُلْكَهُمْ وَعِزَّهُمْ بِالْكُلِّيَّةِ إِلَى قِيَامِ السَّاعَةِ .
[ ص: 772 ] 141 - فُصُولٌ فِي أَحْكَامِ مُهُورِهِمْ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15106إِسْحَاقُ بْنُ مَنْصُورٍ : قُلْتُ
لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ :
nindex.php?page=treesubj&link=11203_11450نَصَرَانِيٌّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً عَلَى قِلَّةٍ مِنْ خَمْرٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَا . قَالَ إِنْ دَخَلَ بِهَا فَهُوَ جَائِزٌ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ دَخَلَ بِهَا فَلَهَا صَدَاقُ مِثْلِهَا .
وَقَالَ مُهَنَّا : سَأَلْتُ
أَبَا عَبْدِ اللَّهِ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=11203_11450نَصْرَانِيٍّ تَزَوَّجَ نَصْرَانِيَّةً عَلَى خِنْزِيرٍ ، أَوْ عَلَى دَنِّ خَمْرٍ ، ثُمَّ أَسْلَمَا ، فَحَدَّثَنِي عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=17314يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13036ابْنِ جُرَيْجٍ ، أَنَّهُ قَالَ
لِعَطَاءٍ : أَبَلَغَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -
أَقَرَّ أَهْلَ الْجَاهِلِيَّةِ عَلَى مَا أَسْلَمُوا عَلَيْهِ مِنْ نِكَاحٍ ، أَوْ طَلَاقٍ ؟ فَقَالَ : مَا بَلَغَنَا إِلَّا ذَلِكَ .
فَسَأَلْتُهُ : مَا قَوْلُهُ ؟ نِكَاحٌ ، أَوْ طَلَاقٌ ؟ قَالَ : يُقَرُّونَ عَلَى نِكَاحِهِمْ ، وَجَوَّزَ طَلَاقَهُمْ فِي الْجَاهِلِيَّةِ .
[ ص: 773 ] وَقَالَ
الْخِرَقِيُّ : وَمَا سَمَّى لَهَا ، وَهُمَا كَافِرَانِ فَقَبَضَتْهُ ثُمَّ أَسْلَمَا ، وَإِنْ كَانَتْ حَرَامًا فَلَيْسَ لَهَا غَيْرُهُ ، وَلَوْ لَمْ تَقْبِضْهُ ، وَهُوَ حَرَامٌ فَلَهَا عَلَيْهِ مَهْرُ مِثْلِهَا أَوْ نِصْفُهُ حَيْثُ وَجَبَ ذَلِكَ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرَهُ هُوَ الَّذِي دَلَّ عَلَيْهِ الْكِتَابُ وَسِيرَةُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَصْحَابِهِ فِي الْكُفَّارِ فِي هَذَا وَفِيمَا هُوَ أَعَمُّ مِنْهُ مِنْ عُقُودِهِمْ وَمُعَامَلَاتِهِمْ .
قَالَ اللَّهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=278يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا مَا بَقِيَ مِنَ الرِّبَا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) فَأَمَرَ تَعَالَى بِتَرْكِ مَا بَقِيَ دُونَ مَا قُبِضَ .
وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=275فَمَنْ جَاءَهُ مَوْعِظَةٌ مِنْ رَبِّهِ فَانْتَهَى فَلَهُ مَا سَلَفَ وَأَمْرُهُ إِلَى اللَّهِ ) ، وَقَدْ أَسْلَمَ الْخَلْقُ الْعَظِيمُ عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَخُلَفَائِهِ ، وَأَصْحَابِهِ ، فَلَمْ يَتَعَرَّضْ لِأَحَدٍ مِنْهُمْ فِي صَدَاقٍ أَصْدَقَهُ فِي حَالِ الْكُفْرِ ، إِلَّا أَنْ يَكُونَ الْمُفْسِدُ مُقَارِنًا لِلْإِسْلَامِ كَنِكَاحِ أَكْثَرَ
[ ص: 774 ] مِنْ أَرْبَعٍ ، وَنِكَاحِ الْأُخْتَيْنِ ، وَكَذَلِكَ مَا مَضَى مِنْ بِيَاعَاتِهِمْ وَسَائِرِ عُقُودِهِمْ ، وَمَوَارِيثِهِمْ ، وَهَذَا مَعْلُومٌ بِالِاضْطِرَارِ مِنْ دِينِهِ وَسِيرَتِهِ .
فَإِنْ لَمْ يَتَقَابَضَا ، ثُمَّ أَسْلَمَا ، أَوْ تَرَافَعَا إِلَيْنَا ، فَإِنْ كَانَ الْمُسَمَّى صَحِيحًا حَكَمْنَا لَهَا بِهِ ، أَوْ بِنِصْفِهِ حَيْثُ يَتَنَصَّفُ ، وَإِنْ كَانَ حَرَامًا كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ بَطَلَتْ تَسْمِيَتُهُ ، وَلَمْ نَحْكُمْ بِهِ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ الْفُقَهَاءُ : بِمَاذَا نَحْكُمُ لَهَا بِهِ ؟ فَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ ،
وَأَحْمَدُ ، وَأَصْحَابُهُمَا : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ أَوْ نِصْفُهُ ؛ لِأَنَّ التَّسْمِيَةَ بَطَلَتْ بِالْإِسْلَامِ ، فَصَارَتْ كَأَنْ لَمْ تَكُنْ ، فَتَعَيَّنَ الْمَصِيرُ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ كَالتَّعْوِيضِ .
وَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : إِنْ كَانَ صَدَاقُهَا خَمْرًا ، أَوْ خِنْزِيرًا مُعَيَّنَيْنِ فَلَيْسَ لَهَا إِلَّا ذَلِكَ ، وَإِنْ كَانَا غَيْرَ مُعَيَّنَيْنِ ، فَلَهَا فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ ، وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ اسْتِحْسَانًا ، قَالُوا : لِأَنَّ الْمِلْكَ فِي ذَلِكَ ثَابِتٌ فِي حَالِ الْكُفْرِ ، وَمَعْنَى " الْيَدِ " - وَهُوَ التَّصَرُّفُ - ثَابِتٌ أَيْضًا ، وَالْمُتَخَلِّفُ بِالْإِسْلَامِ صُورَةُ الْيَدِ ، وَالْمُسْلِمُ غَيْرُ مَمْنُوعٍ مِنْ إِثْبَاتِ الْيَدِ صُورَةً ، وَالَّذِي يَمْتَنِعُ إِثْبَاتُ الْيَدِ الصُّورِيَّةِ .
وَأَيْضًا فَإِذَا عَيَّنَا خَمْرًا ، أَوْ خِنْزِيرًا أُجْرِيَ تَعْيِينُهُ مَجْرَى قَبْضِهِ لِتَمَكُّنِهَا بِالْمُطَالَبَةِ مَتَى شَاءَتْ ، وَلِإِقْرَارِنَا لَهُمْ عَلَى تَعْيِينِهِ ، وَالتَّعَاقُدِ عَلَيْهِ .
وَسِرُّ الْمَسْأَلَةِ أَنَّ لَهَا حَقَّ الْقَبْضِ فِي الْعَيْنِ ، وَأَمَّا إِذَا لَمْ تُعَيِّنْ فَلَيْسَ لَهَا حَقُّ الْقَبْضِ .
ثُمَّ اخْتَلَفَ
أَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، فَقَالَ
أَبُو حَنِيفَةَ : يَجِبُ فِي الْخَمْرِ الْقِيمَةُ ، وَفِي الْخِنْزِيرِ مَهْرُ الْمِثْلِ ، وَقَالَ
أَبُو يُوسُفَ : لَهَا مَهْرُ الْمِثْلِ فِيهِمَا ، وَقَالَ
مُحَمَّدٌ : لَهَا الْقِيمَةُ فِيهِمَا .
[ ص: 775 ] وَوَجْهُ قَوْلِ
مُحَمَّدٍ : أَنَّ التَّسْمِيَةَ صَحَّتْ فِي الْعَقْدِ ، وَصِحَّةُ التَّسْمِيَةِ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، لَكِنْ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ بِالْإِسْلَامِ فَصَارَ كَمَا لَوْ تَعَذَّرَ بِالْهَلَاكِ ، فَوَجَبَتِ الْقِيمَةُ .
وَأَبُو يُوسُفَ يَقُولُ : لَوْ تَعَذَّرَ الْقَبْضُ كَانَ الْفَسَادُ فِي حَقِّ الْقَبْضِ بِمَنْزِلَةِ الْفَسَادِ فِي حَقِّ الْعَقْدِ ، فَوَجَبَ مَهْرُ الْمِثْلِ .
وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ : الْأَصْلُ صِحَّةُ التَّسْمِيَةِ ، وَهِيَ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إِلَى مَهْرِ الْمِثْلِ ، إِلَّا أَنَّا اسْتَقْبَحْنَا فِي الْخِنْزِيرِ إِيجَابَ قِيمَتِهِ ، فَأَوْجَبْنَا مَهْرَ الْمِثْلِ ؛ لِأَنَّ الْقِيمَةَ كَانَتْ وَاجِبَةً قَبْلَ الْإِسْلَامِ أَصْلًا فِي حَقِّ التَّسْلِيمِ لَا خَلَفًا ، فَإِنَّ الْقُدْرَةَ عَلَى الْأَصْلِ تَمْنَعُ الْمَصِيرَ إِلَى الْخَلْفِ ، وَلَوْ جَاءَهَا بِالْقِيمَةِ هَاهُنَا أُجْبِرَتْ عَلَى الْقَبُولِ مَعَ الْقُدْرَةِ عَلَى الْخِنْزِيرِ ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّهَا وَجَبَتْ أَصْلًا ، فَلَا يُمْكِنُ إِيجَابُهَا بَعْدَ الْإِسْلَامِ خَلَفًا ، وَلَا يُمْكِنُ الْإِيجَابُ عَلَى مَا كَانَ قَبْلَ الْإِسْلَامِ ؛ لِأَنَّهُ إِنَّمَا وَجَبَ قَبْلَهُ ضِمْنًا لِوُجُوبِ تَسْلِيمِ الْخِنْزِيرِ ، وَقَدْ سَقَطَ وُجُوبُ التَّسْلِيمِ بِالْإِسْلَامِ .
وَمَنْ أَوْجَبَ مَهْرَ الْمِثْلِ فِي هَذِهِ الْمُقَدِّمَاتِ ، أَوْ فِي بَعْضِهَا يَقُولُ : الْخَمْرُ لَا قِيمَةَ لَهُ فِي الْإِسْلَامِ ، فَهُوَ كَالْخِنْزِيرِ ، فَصَارَ وُجُودُ تَسْمِيَتِهِ كَعَدَمِهَا ، فَقَدْ خَلَا النِّكَاحُ مِنَ التَّسْمِيَةِ الْمُعْتَبَرَةِ شَرْعًا ، فَيَجِبُ مَهْرُ الْمِثْلِ .
قَالُوا : وَلَيْسَ فِي شَرِيعَةِ الْإِسْلَامِ لِلْخَمْرِ قِيمَةٌ حَتَّى نَعْتَبِرَهَا هَاهُنَا ، وَإِنَّمَا يُقَوِّمُهُ الْكُفَّارُ ، وَنَحْنُ لَا نَعْتَبِرُ قِيمَتَهُ عِنْدَهُمْ ، وَلَيْسَ لَهُ عِنْدَنَا قِيمَةٌ أَلْبَتَّةَ .
وَيُقَوِّي قَوْلَ
مُحَمَّدٍ أَنَّهَا قَدْ رَضِيَتْ بِإِخْرَاجِ بُضْعِهَا عَلَى هَذَا الْمُسَمَّى ، وَالزَّوْجُ إِنَّمَا دَخَلَ عَلَى ذَلِكَ ، فَلَا يَلْزَمُهُ أَكْثَرُ مِنْهُ ، وَلَمْ يَلْزَمْهُ ، وَلَا أَلْزَمَهُ بِهِ الشَّارِعُ ، وَكَوْنُ الْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ لَا قِيمَةَ لَهُ عِنْدَنَا لَا يَمْنَعُ مِنِ اعْتِبَارِ قِيمَتِهِ
[ ص: 776 ] وَقْتَ الْعَقْدِ ، فَإِنَّهَا رَضِيَتْ بِمَالِيَّتِهِ ، وَانْحِصَارِ الْمَالِيَّةِ فِي هَذَا الْجِنْسِ ، فَإِذَا فَاتَ مَا انْحَصَرَتْ فِيهِ الْمَالِيَّةُ بِالْإِسْلَامِ صِرْنَا إِلَى قِيمَتِهِ وَقْتَ الْعَقْدِ كَمَا لَوْ عُدِمَ ذَلِكَ الْجِنْسُ ، وَلَا مَحْذُورَ فِي تَقْوِيمِ ذَلِكَ لِتَعْيِينِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ لِلضَّرُورَةِ كَمَا تُقَوِّمُ الْحُرَّ عَبْدًا فِي " بَابِ الْأَرْشِ " لِتَعْيِينِ مِقْدَارِ الْوَاجِبِ .
يُوَضِّحُهُ أَنَّ الْمُسَمَّى حَالَ الْعَقْدِ كَانَ مَالًا بِالنِّسْبَةِ إِلَيْهِمْ ، فَكَانَ مُتَقَوِّمًا بِالنِّسْبَةِ إِلَى هَذَا الْعَقْدِ وَالْمُتَعَاقِدِينَ ، وَبِالْإِسْلَامِ فَاتَتْ مَالِيَّتُهُ ، فَتَعَيَّنَتْ قِيمَتُهُ حِينَ الْعَقْدِ ، وَهَذَا الْقَوْلُ هُوَ الَّذِي نَخْتَارُهُ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .