فالحاصل أن
nindex.php?page=treesubj&link=30379_18082الشفاعة عند الله ليست كالشفاعة عند البشر ، فإن الشفيع عند البشر كما أنه شافع للطالب شفعه في الطلب ، بمعنى أنه صار شفعا فيه بعد أن كان وترا ، فهو أيضا قد شفع المشفوع إليه ، وبشفاعته صار فاعلا للمطلوب ، فقد شفع الطالب والمطلوب منه ، والله تعالى وتر ، لا يشفعه أحد ، فلا يشفع عنده أحد إلا بإذنه ، فالأمر كله إليه ، فلا شريك له بوجه . فسيد الشفعاء يوم القيامة إذا سجد
[ ص: 301 ] وحمد الله تعالى فقال له الله : ارفع رأسك ، وقل يسمع ، واسأل تعطه ، واشفع تشفع ، فيحد له حدا فيدخلهم الجنة ، فالأمر كله لله . كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قل إن الأمر كله لله ( آل عمران : 154 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=128ليس لك من الأمر شيء ( آل عمران : 128 ) . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54ألا له الخلق والأمر ( الأعراف : 54 ) ، فإذا كان لا يشفع عنده أحد إلا بإذنه لمن يشاء ، ولكن يكرم الشفيع بقبول شفاعته ، كما قال صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964292اشفعوا تؤجروا ، ويقضي الله على لسان نبيه ما يشاء . وفي الصحيح أن النبي صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964293يا بني عبد مناف ، لا أملك لكم من الله شيئا ، يا صفية يا عمة رسول الله صلى الله عليه وسلم لا أملك لك من الله شيئا ، يا عباس عم رسول الله ، لا أملك لك من الله شيئا . وفي الصحيح أيضا عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964294لا ألفين أحدكم يأتي يوم القيامة على [ ص: 302 ] رقبته بعير له رغاء ، أو شاة لها يعار ، أو رقاع تخفق ، فيقول : أغثني أغثني ، فأقول : قد أبلغتك ، لا أملك لك من الله من شيء .
فإذا كان سيد الخلق وأفضل الشفعاء يقول لأخص الناس به : لا أملك لكم من الله من شيء فما الظن بغيره ؟ وإذا دعاه الداعي ، وشفع عنده الشفيع ، فسمع الدعاء ، وقبل الشفاعة ، لم يكن هذا هو المؤثر فيه كما يؤثر المخلوق في المخلوق ، فإنه سبحانه وتعالى هو الذي جعل هذا يدعو ويشفع ، وهو الخالق لأفعال العباد ، فهو الذي وفق العبد للتوبة ثم قبلها ، وهو الذي وفقه للعمل ثم أثابه ، وهو الذي وفقه للدعاء ثم أجابه . وهذا مستقيم على أصول أهل السنة المؤمنين بالقدر ، وأن الله خالق كل شيء .
فَالْحَاصِلُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30379_18082الشَّفَاعَةَ عِنْدَ اللَّهِ لَيْسَتْ كَالشَّفَاعَةِ عِنْدَ الْبَشَرِ ، فَإِنَّ الشَّفِيعَ عِنْدَ الْبَشَرِ كَمَا أَنَّهُ شَافِعٌ لِلطَّالِبِ شَفَّعَهُ فِي الطَّلَبِ ، بِمَعْنَى أَنَّهُ صَارَ شَفْعًا فِيهِ بَعْدَ أَنْ كَانَ وِتْرًا ، فَهُوَ أَيْضًا قَدْ شَفَعَ الْمَشْفُوعَ إِلَيْهِ ، وَبِشَفَاعَتِهِ صَارَ فَاعِلًا لِلْمَطْلُوبِ ، فَقَدْ شَفَّعَ الطَّالِبَ وَالْمَطْلُوبَ مِنْهُ ، وَاللَّهُ تَعَالَى وِتْرٌ ، لَا يَشَفَعُهُ أَحَدٌ ، فَلَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ إِلَيْهِ ، فَلَا شَرِيكَ لَهُ بِوَجْهٍ . فَسَيِّدُ الشُّفَعَاءِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِذَا سَجَدَ
[ ص: 301 ] وَحَمِدَ اللَّهَ تَعَالَى فَقَالَ لَهُ اللَّهُ : ارْفَعْ رَأْسَكَ ، وَقُلْ يُسْمَعْ ، وَاسْأَلْ تُعْطَهْ ، وَاشْفَعْ تُشَفَّعْ ، فَيَحُدُّ لَهُ حَدًّا فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ، فَالْأَمْرُ كُلُّهُ لِلَّهِ . كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=154قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ( آلِ عِمْرَانَ : 154 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=128لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ ( آلِ عِمْرَانَ : 128 ) . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=54أَلَا لَهُ الْخَلْقُ وَالْأَمْرُ ( الْأَعْرَافِ : 54 ) ، فَإِذَا كَانَ لَا يَشْفَعُ عِنْدَهُ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ لِمَنْ يَشَاءُ ، وَلَكِنْ يُكْرِمُ الشَّفِيعَ بِقَبُولِ شَفَاعَتِهِ ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964292اشْفَعُوا تُؤْجَرُوا ، وَيَقْضِي اللَّهُ عَلَى لِسَانِ نَبِيِّهِ مَا يَشَاءُ . وَفِي الصَّحِيحِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964293يَا بَنِي عَبْدِ مَنَافٍ ، لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا صَفِيَّةُ يَا عَمَّةَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا أَمْلِكُ لَكِ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا ، يَا عَبَّاسُ عَمَّ رَسُولِ اللَّهِ ، لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا . وَفِي الصَّحِيحِ أَيْضًا عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964294لَا أُلْفِيَنَّ أَحَدَكُمْ يَأْتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى [ ص: 302 ] رَقَبَتِهِ بَعِيرٌ لَهُ رُغَاءٌ ، أَوْ شَاةٌ لَهَا يُعَارٌ ، أَوْ رِقَاعٌ تَخْفِقُ ، فَيَقُولُ : أَغِثْنِي أَغِثْنِي ، فَأَقُولُ : قَدْ أَبْلَغْتُكَ ، لَا أَمْلِكُ لَكَ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ .
فَإِذَا كَانَ سَيِّدُ الْخَلْقِ وَأَفْضَلُ الشُّفَعَاءِ يَقُولُ لِأَخَصِّ النَّاسِ بِهِ : لَا أَمْلِكُ لَكُمْ مِنَ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ فَمَا الظَّنُّ بِغَيْرِهِ ؟ وَإِذَا دَعَاهُ الدَّاعِي ، وَشَفَعَ عِنْدَهُ الشَّفِيعُ ، فَسَمِعَ الدُّعَاءَ ، وَقَبِلَ الشَّفَاعَةَ ، لَمْ يَكُنْ هَذَا هُوَ الْمُؤَثِّرُ فِيهِ كَمَا يُؤَثِّرُ الْمَخْلُوقُ فِي الْمَخْلُوقِ ، فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى هُوَ الَّذِي جَعَلَ هَذَا يَدْعُو وَيَشْفَعُ ، وَهُوَ الْخَالِقُ لِأَفْعَالِ الْعِبَادِ ، فَهُوَ الَّذِي وَفَّقَ الْعَبْدَ لِلتَّوْبَةِ ثُمَّ قَبِلَهَا ، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلْعَمَلِ ثُمَّ أَثَابَهُ ، وَهُوَ الَّذِي وَفَّقَهُ لِلدُّعَاءِ ثُمَّ أَجَابَهُ . وَهَذَا مُسْتَقِيمٌ عَلَى أُصُولِ أَهْلِ السُّنَّةِ الْمُؤْمِنِينَ بِالْقَدَرِ ، وَأَنَّ اللَّهَ خَالِقُ كُلِّ شَيْءٍ .