وأما
nindex.php?page=treesubj&link=30431أبدية النار ودوامها ، فللناس في ذلك ثمانية أقوال :
أحدها : أن من دخلها لا يخرج منها أبد الآباد ، وهذا قول
الخوارج والمعتزلة .
والثاني : أن أهلها يعذبون فيها ، ثم تنقلب طبيعتهم وتبقى طبيعة
[ ص: 625 ] نارية يتلذذون بها لموافقتها لطبعهم ! وهذا قول إمام الاتحادية
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابن عربي الطائي ! !
الثالث : أن أهلها يعذبون فيها إلى وقت محدود ، ثم يخرجون منها ، ويخلفهم فيها قوم آخرون ، وهذا القول حكاه
اليهود للنبي صلى الله عليه وسلم ، وأكذبهم فيه ، وقد أكذبهم الله تعالى ، فقال عز من قائل : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80وقالوا لن تمسنا النار إلا أياما معدودة قل أتخذتم عند الله عهدا فلن يخلف الله عهده أم تقولون على الله ما لا تعلمون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بلى من كسب سيئة وأحاطت به خطيئته فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون [ البقرة : 80 - 81 ] .
الرابع : يخرجون منها ، وتبقى على حالها ليس فيها أحد .
الخامس : أنها تفنى بنفسها ، لأنها حادثة وما ثبت حدوثه استحال بقاؤه ! ! وهذا قول
الجهم وشيعته ، ولا فرق عنده في ذلك بين الجنة والنار ، كما تقدم .
السادس : تفنى حركات أهلها ويصيرون جمادا ، لا يحسون بألم ، وهذا قول
nindex.php?page=showalam&ids=14809أبي الهذيل العلاف كما تقدم .
السابع : أن الله يخرج منها من يشاء ، كما ورد في الحديث ، ثم يبقيها شيئا ، ثم يفنيها ، فإنه جعل لها أمدا تنتهي إليه .
الثامن : أن الله تعالى يخرج منها من شاء ، كما ورد في السنة ، ويبقى فيها الكفار ، بقاء لا انقضاء له ، كما قال الشيخ رحمه الله .
[ ص: 626 ] وما عدا هذين القولين الأخيرين ظاهر البطلان . وهذان القولان لأهل السنة ينظر في دليلهما .
فمن أدلة القول الأول منهما : قوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=128قال النار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء الله إن ربك حكيم عليم " [ الأنعام : 128 ] . وقوله تعالى . "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فأما الذين شقوا ففي النار لهم فيها زفير وشهيق nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خالدين فيها ما دامت السماوات والأرض إلا ما شاء ربك إن ربك فعال لما يريد " [ هود : 106 - 107 ] . ولم يأت بعد هذين الاستثناءين ما أتى بعد الاستثناء المذكور لأهل الجنة ، وهو قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عطاء غير مجذوذ " [ هود : 108 ] . وقوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=23لابثين فيها أحقابا " [ النبأ : 23 ] .
وهذا القول ، أعني القول بفناء النار دون الجنة - منقول عن
عمر ، nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود ، nindex.php?page=showalam&ids=3وأبي هريرة ، وأبي سعيد ، وغيرهم .
[ ص: 627 ] [ ص: 628 ] وقد روى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عبد بن حميد في تفسيره المشهور ، بسنده إلى
عمر رضي الله عنه ، أنه قال : لو لبث أهل النار في النار كقدر رمل عالج ، لكان لهم على ذلك وقت يخرجون فيه ، ذكر ذلك في تفسير قوله تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=23لابثين فيها أحقابا " [ النبأ : 23 ] . قالوا :
nindex.php?page=treesubj&link=30433والنار موجب غضبه ،
nindex.php?page=treesubj&link=30404والجنة موجب رحمته . وقد قال صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=964498لما قضى الله الخلق ، كتب كتابا ، فهو عنده فوق العرش : إن رحمتي سبقت غضبي " . وفي رواية : تغلب غضبي . رواه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري في صحيحه من حديث
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة رضي الله عنه . قالوا : والله سبحانه يخبر عن العذاب أنه : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=15عذاب يوم عظيم " [ الأنعام : 15 ] . وأليم [ هود : 26 ] . وعقيم [ الحج : 55 ] . ولم يخبر ولا في موضع واحد عن النعيم أنه نعيم يوم . وقد قال تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156عذابي أصيب به من أشاء ورحمتي وسعت كل شيء " [ الأعراف : 156 ] . وقال تعالى حكاية عن الملائكة : "
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7ربنا وسعت كل شيء رحمة وعلما " [ غافر : 7 ] . فلا بد أن تسع رحمته هؤلاء المعذبين ، فلو بقوا في العذاب لا إلى غاية لم تسعهم رحمته . وقد ثبت في الصحيح
nindex.php?page=treesubj&link=30298تقدير يوم القيامة بخمسين ألف سنة ، والمعذبون فيها
[ ص: 629 ] متفاوتون في مدة لبثهم في العذاب بحسب جرائمهم ، وليس في حكمة أحكم الحاكمين ورحمة أرحم الراحمين أن يخلق خلقا يعذبهم أبد الآباد عذابا سرمدا لا نهاية له . وأما أنه يخلق خلقا ينعم عليهم ويحسن إليهم نعيما سرمدا ، فمن مقتضى الحكمة . والإحسان مراد لذاته ، والانتقام مراد بالعرض .
قالوا : وما ورد من الخلود فيها ، والتأبيد ، وعدم الخروج ، وأن عذابها مقيم ، وأنه غرام - : كله حق مسلم ، لا نزاع فيه ، وذلك يقتضي الخلود في دار العذاب ما دامت باقية ، وإنما يخرج منها في حال بقائها أهل التوحيد . ففرق بين من يخرج من الحبس وهو حبس على حاله ، وبين من يبطل حبسه بخراب الحبس وانتقاضه .
ومن أدلة القائلين ببقائها وعدم فنائها : قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=37ولهم عذاب مقيم [ المائدة : 37 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=75لا يفتر عنهم وهم فيه مبلسون " [ الزخرف : 75 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فلن نزيدكم إلا عذابا " [ النبأ : 30 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6خالدين فيها أولئك " [ البينة : 8 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=48وما هم منها بمخرجين " [ الحجر : 48 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=167وما هم بخارجين من النار " [ البقرة : 167 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لا يدخلون الجنة حتى يلج الجمل في سم الخياط " [ الأعراف : 40 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36لا يقضى عليهم فيموتوا ولا يخفف عنهم من عذابها " [ فاطر : 36 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65إن عذابها كان غراما " [ الفرقان : 65 ] أي مقيما لازما .
وقد دلت السنة المستفيضة أنه
nindex.php?page=treesubj&link=30444يخرج من النار من قال : لا إله إلا الله : وأحاديث الشفاعة صريحة في خروج عصاة الموحدين من النار ، وأن هذا حكم مختص بهم ، فلو خرج الكفار منها لكانوا بمنزلتهم ، ولم يختص الخروج بأهل الإيمان . وبقاء الجنة والنار ليس لذاتهما ، بل بإبقاء الله لهما .
[ ص: 630 ] وقوله : وخلق لهما أهلا - قال تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179ولقد ذرأنا لجهنم كثيرا من الجن والإنس " الآية [ الأعراف : 179 ] . وعن
عائشة رضي الله عنها ، قالت :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964499دعي رسول الله صلى الله عليه وسلم إلى جنازة صبي من الأنصار ، فقلت : يا رسول الله ، طوبى لهذا ، عصفور من عصافير الجنة ، لم يعمل سوءا ولم يدركه ، فقال : أو غير ذلك يا عائشة ، إن الله خلق للجنة أهلا ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم ، وخلق للنار أهلا ، خلقهم لها وهم في أصلاب آبائهم . رواه
مسلم وأبو داود nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي .
وقال تعالى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إنا خلقنا الإنسان من نطفة أمشاج نبتليه فجعلناه سميعا بصيرا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إنا هديناه السبيل إما شاكرا وإما كفورا [ الدهر : 2 - 3 ] . والمراد الهداية العامة ، وأعم منها الهداية المذكورة في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50الذي أعطى كل شيء خلقه ثم هدى [ طه : 50 ] .
فالموجودات نوعان : أحدهما مسخر بطبعه ، والثاني متحرك
[ ص: 631 ] بإرادته فهدى الأول لما سخره له طبيعة ، وهدى الثاني هداية إرادية تابعة لشعوره وعلمه بما ينفعه ويضره .
ثم قسم هذا النوع إلى ثلاثة أنواع :
نوع لا يريد إلا الخير ولا يتأتى منه إرادة سواه ، كالملائكة .
ونوع لا يريد إلا الشر ولا يتأتى منه إرادة سواه ، كالشياطين .
ونوع يتأتى منه إرادة القسمين ، كالإنسان . ثم جعله ثلاثة أصناف : صنفا يغلب إيمانه ومعرفته وعقله هواه وشهوته ، فيلتحق بالملائكة . وصنفا عكسه ، فيلتحق بالشياطين . وصنفا تغلب شهوته البهيمية عقله ، فيلتحق بالبهائم .
وَأَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=30431أَبَدِيَّةُ النَّارِ وَدَوَامُهَا ، فَلِلنَّاسِ فِي ذَلِكَ ثَمَانِيَةُ أَقْوَالٍ :
أَحَدُهَا : أَنَّ مَنْ دَخَلَهَا لَا يَخْرُجُ مِنْهَا أَبَدَ الْآبَادِ ، وَهَذَا قَوْلُ
الْخَوَارِجِ وَالْمُعْتَزِلَةِ .
وَالثَّانِي : أَنَّ أَهْلَهَا يُعَذَّبُونَ فِيهَا ، ثُمَّ تَنْقَلِبُ طَبِيعَتُهُمْ وَتَبْقَى طَبِيعَةً
[ ص: 625 ] نَارِيَّةً يَتَلَذَّذُونَ بِهَا لِمُوَافَقَتِهَا لِطَبْعِهِمْ ! وَهَذَا قَوْلُ إِمَامِ الِاتِّحَادِيَّةِ
nindex.php?page=showalam&ids=12816ابْنِ عَرَبِيٍّ الطَّائِيِّ ! !
الثَّالِثُ : أَنَّ أَهْلَهَا يُعَذَّبُونَ فِيهَا إِلَى وَقْتٍ مَحْدُودٍ ، ثُمَّ يَخْرُجُونَ مِنْهَا ، وَيَخْلُفُهُمْ فِيهَا قَوْمٌ آخَرُونَ ، وَهَذَا الْقَوْلُ حَكَاهُ
الْيَهُودُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَأَكْذَبَهُمْ فِيهِ ، وَقَدْ أَكْذَبَهُمُ اللَّهُ تَعَالَى ، فَقَالَ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=80وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=81بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ [ الْبَقَرَةِ : 80 - 81 ] .
الرَّابِعُ : يَخْرُجُونَ مِنْهَا ، وَتَبْقَى عَلَى حَالِهَا لَيْسَ فِيهَا أَحَدٌ .
الْخَامِسُ : أَنَّهَا تَفْنَى بِنَفْسِهَا ، لِأَنَّهَا حَادِثَةٌ وَمَا ثَبَتَ حُدُوثُهُ اسْتَحَالَ بَقَاؤُهُ ! ! وَهَذَا قَوْلُ
الْجَهْمِ وَشِيعَتِهِ ، وَلَا فَرْقَ عِنْدَهُ فِي ذَلِكَ بَيْنَ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ ، كَمَا تَقَدَّمَ .
السَّادِسُ : تَفْنَى حَرَكَاتُ أَهْلِهَا وَيَصِيرُونَ جَمَادًا ، لَا يُحِسُّونَ بِأَلَمٍ ، وَهَذَا قَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=14809أَبِي الْهُذَيْلِ الْعَلَّافِ كَمَا تَقَدَّمَ .
السَّابِعُ : أَنَّ اللَّهَ يُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ يَشَاءُ ، كَمَا وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ ، ثُمَّ يُبْقِيهَا شَيْئًا ، ثُمَّ يُفْنِيهَا ، فَإِنَّهُ جَعَلَ لَهَا أَمَدًا تَنْتَهِي إِلَيْهِ .
الثَّامِنُ : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُخْرِجُ مِنْهَا مَنْ شَاءَ ، كَمَا وَرَدَ فِي السُّنَّةِ ، وَيَبْقَى فِيهَا الْكُفَّارُ ، بَقَاءً لَا انْقِضَاءَ لَهُ ، كَمَا قَالَ الشَّيْخُ رَحِمَهُ اللَّهُ .
[ ص: 626 ] وَمَا عَدَا هَذَيْنِ الْقَوْلَيْنِ الْأَخِيرَيْنِ ظَاهِرُ الْبُطْلَانِ . وَهَذَانِ الْقَوْلَانِ لِأَهْلِ السُّنَّةِ يُنْظَرُ فِي دَلِيلِهِمَا .
فَمِنْ أَدِلَّةِ الْقَوْلِ الْأَوَّلِ مِنْهُمَا : قَوْلُهُ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=128قَالَ النَّارُ مَثْوَاكُمْ خَالِدِينَ فِيهَا إِلَّا مَا شَاءَ اللَّهُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ " [ الْأَنْعَامِ : 128 ] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى . "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=106فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=107خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَاوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ " [ هُودٍ : 106 - 107 ] . وَلَمْ يَأْتِ بَعْدَ هَذَيْنِ الِاسْتِثْنَاءَيْنِ مَا أَتَى بَعْدَ الِاسْتِثْنَاءِ الْمَذْكُورِ لِأَهْلِ الْجَنَّةِ ، وَهُوَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=11&ayano=108عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ " [ هُودٍ : 108 ] . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=23لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا " [ النَّبَأِ : 23 ] .
وَهَذَا الْقَوْلُ ، أَعْنِي الْقَوْلَ بِفَنَاءِ النَّارِ دُونَ الْجَنَّةِ - مَنْقُولٌ عَنْ
عُمَرَ ، nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ ، nindex.php?page=showalam&ids=3وَأَبِي هُرَيْرَةَ ، وَأَبِي سَعِيدٍ ، وَغَيْرِهِمْ .
[ ص: 627 ] [ ص: 628 ] وَقَدْ رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=16298عَبْدُ بْنُ حُمَيْدٍ فِي تَفْسِيرِهِ الْمَشْهُورِ ، بِسَنَدِهِ إِلَى
عُمَرَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، أَنَّهُ قَالَ : لَوْ لَبِثَ أَهْلُ النَّارِ فِي النَّارِ كَقَدْرِ رَمْلِ عَالِجٍ ، لَكَانَ لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ وَقْتٌ يَخْرُجُونَ فِيهِ ، ذُكِرَ ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=23لَابِثِينَ فِيهَا أَحْقَابًا " [ النَّبَأِ : 23 ] . قَالُوا :
nindex.php?page=treesubj&link=30433وَالنَّارُ مُوجَبُ غَضَبِهِ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30404وَالْجَنَّةُ مُوجَبُ رَحْمَتِهِ . وَقَدْ قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=964498لَمَّا قَضَى اللَّهُ الْخَلْقَ ، كَتَبَ كِتَابًا ، فَهُوَ عِنْدَهُ فَوْقَ الْعَرْشِ : إِنَّ رَحْمَتِي سَبَقَتْ غَضَبِي " . وَفِي رِوَايَةٍ : تَغْلِبُ غَضَبِي . رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ فِي صَحِيحِهِ مِنْ حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ . قَالُوا : وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ يُخْبِرُ عَنِ الْعَذَابِ أَنَّهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=15عَذَابَ يَوْمٍ عَظِيمٍ " [ الْأَنْعَامِ : 15 ] . وَأَلِيمٍ [ هُودٍ : 26 ] . وَعَقِيمٍ [ الْحَجِّ : 55 ] . وَلَمْ يُخْبِرْ وَلَا فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ عَنِ النَّعِيمِ أَنَّهُ نَعِيمُ يَوْمٍ . وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156عَذَابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشَاءُ وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ " [ الْأَعْرَافِ : 156 ] . وَقَالَ تَعَالَى حِكَايَةً عَنِ الْمَلَائِكَةِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=40&ayano=7رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا " [ غَافِرٍ : 7 ] . فَلَا بُدَّ أَنْ تَسَعَ رَحْمَتُهُ هَؤُلَاءِ الْمُعَذَّبِينَ ، فَلَوْ بَقُوا فِي الْعَذَابِ لَا إِلَى غَايَةٍ لَمْ تَسَعْهُمْ رَحْمَتُهُ . وَقَدْ ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=treesubj&link=30298تَقْدِيرُ يَوْمِ الْقِيَامَةِ بِخَمْسِينَ أَلْفَ سَنَةٍ ، وَالْمُعَذَّبُونَ فِيهَا
[ ص: 629 ] مُتَفَاوِتُونَ فِي مُدَّةِ لُبْثِهِمْ فِي الْعَذَابِ بِحَسَبِ جَرَائِمِهِمْ ، وَلَيْسَ فِي حِكْمَةِ أَحْكَمِ الْحَاكِمِينَ وَرَحْمَةِ أَرْحَمِ الرَّاحِمِينَ أَنْ يَخْلُقَ خَلْقًا يُعَذِّبُهُمْ أَبَدَ الْآبَادِ عَذَابًا سَرْمَدًا لَا نِهَايَةَ لَهُ . وَأَمَّا أَنَّهُ يَخْلُقُ خَلْقًا يُنْعِمُ عَلَيْهِمْ وَيُحْسِنُ إِلَيْهِمْ نَعِيمًا سَرْمَدًا ، فَمِنْ مُقْتَضَى الْحِكْمَةِ . وَالْإِحْسَانُ مُرَادٌ لِذَاتِهِ ، وَالِانْتِقَامُ مُرَادٌ بِالْعَرَضِ .
قَالُوا : وَمَا وَرَدَ مِنَ الْخُلُودِ فِيهَا ، وَالتَّأْبِيدِ ، وَعَدَمِ الْخُرُوجِ ، وَأَنَّ عَذَابَهَا مُقِيمٌ ، وَأَنَّهُ غَرَامٌ - : كُلُّهُ حَقٌّ مُسَلَّمٌ ، لَا نِزَاعَ فِيهِ ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي الْخُلُودَ فِي دَارِ الْعَذَابِ مَا دَامَتْ بَاقِيَةً ، وَإِنَّمَا يُخْرَجُ مِنْهَا فِي حَالِ بَقَائِهَا أَهْلُ التَّوْحِيدِ . فَفَرْقٌ بَيْنَ مَنْ يَخْرُجُ مِنَ الْحَبْسِ وَهُوَ حَبْسٌ عَلَى حَالِهِ ، وَبَيْنَ مَنْ يَبْطُلُ حَبْسُهُ بِخَرَابِ الْحَبْسِ وَانْتِقَاضِهِ .
وَمِنْ أَدِلَّةِ الْقَائِلِينَ بِبَقَائِهَا وَعَدَمِ فَنَائِهَا : قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=37وَلَهُمْ عَذَابٌ مُقِيمٌ [ الْمَائِدَةِ : 37 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=75لَا يُفَتَّرُ عَنْهُمْ وَهُمْ فِيهِ مُبْلِسُونَ " [ الزُّخْرُفِ : 75 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=78&ayano=30فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذَابًا " [ النَّبَأِ : 30 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=98&ayano=6خَالِدِينَ فِيهَا أُولَئِكَ " [ الْبَيِّنَةِ : 8 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=48وَمَا هُمْ مِنْهَا بِمُخْرَجِينَ " [ الْحِجْرِ : 48 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=167وَمَا هُمْ بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ " [ الْبَقَرَةِ : 167 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=40لَا يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ حَتَّى يَلِجَ الْجَمَلُ فِي سَمِّ الْخِيَاطِ " [ الْأَعْرَافِ : 40 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=36لَا يُقْضَى عَلَيْهِمْ فَيَمُوتُوا وَلَا يُخَفَّفُ عَنْهُمْ مِنْ عَذَابِهَا " [ فَاطِرٍ : 36 ] . "
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=65إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا " [ الْفَرْقَانِ : 65 ] أَيْ مُقِيمًا لَازِمًا .
وَقَدْ دَلَّتِ السُّنَّةُ الْمُسْتَفِيضَةُ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=30444يَخْرُجُ مِنَ النَّارِ مَنْ قَالَ : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ : وَأَحَادِيثُ الشَّفَاعَةِ صَرِيحَةٌ فِي خُرُوجِ عُصَاةِ الْمُوَحِّدِينَ مِنَ النَّارِ ، وَأَنَّ هَذَا حُكْمٌ مُخْتَصٌّ بِهِمْ ، فَلَوْ خَرَجَ الْكُفَّارُ مِنْهَا لَكَانُوا بِمَنْزِلَتِهِمْ ، وَلَمْ يَخْتَصَّ الْخُرُوجُ بِأَهْلِ الْإِيمَانِ . وَبَقَاءُ الْجَنَّةِ وَالنَّارِ لَيْسَ لِذَاتِهِمَا ، بَلْ بِإِبْقَاءِ اللَّهِ لَهُمَا .
[ ص: 630 ] وَقَوْلُهُ : وَخَلَقَ لَهُمَا أَهْلًا - قَالَ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=179وَلَقَدْ ذَرَأْنَا لِجَهَنَّمَ كَثِيرًا مِنَ الْجِنِّ وَالْإِنْسِ " الْآيَةَ [ الْأَعْرَافِ : 179 ] . وَعَنْ
عَائِشَةَ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهَا ، قَالَتْ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=964499دُعِيَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى جَنَازَةِ صَبِيٍّ مِنَ الْأَنْصَارِ ، فَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، طُوبَى لِهَذَا ، عُصْفُورٌ مِنْ عَصَافِيرِ الْجَنَّةِ ، لَمْ يَعْمَلْ سُوءًا وَلَمْ يُدْرِكْهُ ، فَقَالَ : أَوَ غَيْرَ ذَلِكَ يَا عَائِشَةُ ، إِنَّ اللَّهَ خَلَقَ لِلْجَنَّةِ أَهْلًا ، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ ، وَخَلَقَ لِلنَّارِ أَهْلًا ، خَلَقَهُمْ لَهَا وَهُمْ فِي أَصْلَابِ آبَائِهِمْ . رَوَاهُ
مُسْلِمٌ وَأَبُو دَاوُدَ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ .
وَقَالَ تَعَالَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=2إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=76&ayano=3إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا [ الدَّهْرِ : 2 - 3 ] . وَالْمُرَادُ الْهِدَايَةُ الْعَامَّةُ ، وَأَعَمُّ مِنْهَا الْهِدَايَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=50الَّذِي أَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ خَلْقَهُ ثُمَّ هَدَى [ طَهَ : 50 ] .
فَالْمَوْجُودَاتُ نَوْعَانِ : أَحَدُهُمَا مُسَخَّرٌ بِطَبْعِهِ ، وَالثَّانِي مُتَحَرِّكٌ
[ ص: 631 ] بِإِرَادَتِهِ فَهَدَى الْأَوَّلَ لِمَا سَخَّرَهُ لَهُ طَبِيعَةً ، وَهَدَى الثَّانِي هِدَايَةً إِرَادِيَّةً تَابِعَةً لِشُعُورِهِ وَعِلْمِهِ بِمَا يَنْفَعُهُ وَيَضُرُّهُ .
ثُمَّ قَسَّمَ هَذَا النَّوْعَ إِلَى ثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ :
نَوْعٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الْخَيْرَ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ سِوَاهُ ، كَالْمَلَائِكَةِ .
وَنَوْعٌ لَا يُرِيدُ إِلَّا الشَّرَّ وَلَا يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ سِوَاهُ ، كَالشَّيَاطِينِ .
وَنَوْعٌ يَتَأَتَّى مِنْهُ إِرَادَةُ الْقِسْمَيْنِ ، كَالْإِنْسَانِ . ثُمَّ جَعَلَهُ ثَلَاثَةَ أَصْنَافٍ : صِنْفًا يَغْلِبُ إِيمَانُهُ وَمَعْرِفَتُهُ وَعَقْلُهُ هَوَاهُ وَشَهْوَتَهُ ، فَيَلْتَحِقُ بِالْمَلَائِكَةِ . وَصِنْفًا عَكْسُهُ ، فَيَلْتَحِقُ بِالشَّيَاطِينِ . وَصِنْفًا تَغْلِبُ شَهْوَتُهُ الْبَهِيمِيَّةُ عَقْلَهُ ، فَيَلْتَحِقُ بِالْبَهَائِمِ .