[ ص: 126 ] فصل
وقد ذكرنا في غير هذا الموضوع حكم الناس في الوعد والوعيد والثواب والعقاب ، وأن
nindex.php?page=treesubj&link=30526فاعل السيئات تسقط عنه عقوبة جهنم بنحو عشرة أسباب . فإذا كان هذا الحكم في المجتهدين وهذا الحكم في المذنبين حكما عاما في جميع الأمة ، فكيف في
أصحاب [1] رسول الله - صلى الله عليه وسلم ؟ وإذا كان المتأخرون من المجتهدين ومن المذنبين
[2] يندفع عنهم الذم والعقاب بما ذكر من الأسباب ، فكيف بالسابقين الأولين من
المهاجرين والأنصار ؟ .
ونحن نبسط هذا وننبه بالأدنى على الأعلى ؛ فنقول : كلام الذام للخلفاء ولغيرهم من
الصحابة - من رافضي وغيره - هو من باب الكلام في الأعراض ، وفيه حق لله تعالى ، لما يتعلق به من الولاية والعداوة والحب والبغض ، وفيه حق للآدميين أيضا
[3] .
ومعلوم أنا إذا تكلمنا فيمن هو دون
الصحابة ، مثل الملوك المختلفين على الملك ، والعلماء والمشايخ المختلفين في
[4] العلم والدين ، وجب أن يكون الكلام بعلم وعدل لا بجهل وظلم ; فإن العدل واجب لكل أحد على كل أحد في كل حال . والظلم محرم مطلقا ، لا يباح قط بحال .
قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8ولا يجرمنكم شنآن قوم على ألا تعدلوا اعدلوا هو أقرب للتقوى [ ص: 127 ] [ سورة المائدة : 8 ] وهذه الآية نزلت بسبب بغضهم للكفار ، وهو بغض مأمور به . فإذا كان البغض الذي أمر الله به قد نهي صاحبه أن يظلم من أبغضه
[5] ، فكيف في بغض مسلم بتأويل وشبهة أو بهوى نفس ؟ فهو أحق أن لا يظلم ، بل يعدل عليه
[6] .
وأصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أحق من عدل عليهم في القول والعمل . والعدل مما اتفق أهل الأرض على مدحه ومحبته ، والثناء على أهله ومحبتهم . والظلم مما اتفقوا
[7] على بغضه وذمه
[8] وتقبيحه ، وذم أهله وبغضهم ، وليس المقصود الكلام في التحسين والتقبيح العقلي ، فقد تكلمنا عليه في غير هذا الموضوع في مصنف مفرد
[9] ، ولكن المقصود أن
nindex.php?page=treesubj&link=19830العدل محمود محبوب باتفاق أهل الأرض ، وهو محبوب في النفوس ، مركوز حبه في القلوب ، تحبه القلوب وتحمده ، وهو من المعروف الذي تعرفه القلوب ، والظلم من المنكر الذي تنكره القلوب فتبغضه وتذمه .
nindex.php?page=treesubj&link=19828_28749والله تعالى أرسل الرسل ليقوم الناس بالقسط . قال الله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لقد أرسلنا رسلنا بالبينات وأنزلنا معهم الكتاب والميزان ليقوم الناس بالقسط [ سورة الحديد : 25 ]
[10] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17الله الذي أنزل الكتاب بالحق والميزان [ ص: 128 ] [ سورة الشورى : 17 ] . وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [ سورة النساء : 58 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فإن جاءوك فاحكم بينهم أو أعرض عنهم وإن تعرض عنهم فلن يضروك شيئا وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين [ سورة المائدة : 42 ] .
وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق [ سورة المائدة : 48 ] فأمره أن يحكم بالقسط وأن يحكم بما أنزل الله ، فدل ذلك على أن القسط هو ما أنزل الله ، فما أنزل الله هو القسط ، والقسط هو ما أنزل الله .
ولهذا وجب على كل من حكم بين اثنين أن يحكم بالعدل لقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل [ سورة النساء : 58 ] فليس لحاكم أن يحكم بظلم أبدا ، والشرع الذي يجب على حكام المسلمين الحكم به عدل كله ، ليس في الشرع ظلم أصلا ، بل حكم الله أحسن الأحكام
[11] .
والشرع هو ما أنزل الله ; فكل من حكم بما أنزل الله فقد حكم بالعدل ، لكن
nindex.php?page=treesubj&link=19828العدل قد يتنوع بتنوع الشرائع والمناهج ، فيكون العدل في كل شرعة بحسبها .
ولهذا قال تعالى :
[ ص: 129 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42وإن حكمت فاحكم بينهم بالقسط إن الله يحب المقسطين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وكيف يحكمونك وعندهم التوراة فيها حكم الله ثم يتولون من بعد ذلك وما أولئك بالمؤمنين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إنا أنزلنا التوراة فيها هدى ونور يحكم بها النبيون الذين أسلموا للذين هادوا والربانيون والأحبار بما استحفظوا من كتاب الله وكانوا عليه شهداء فلا تخشوا الناس واخشون ولا تشتروا بآياتي ثمنا قليلا ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ سورة المائدة 42 - 44 ] .
إلى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وليحكم أهل الإنجيل بما أنزل الله فيه ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الفاسقون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنا عليه فاحكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم عما جاءك من الحق لكل جعلنا منكم شرعة ومنهاجا ولو شاء الله لجعلكم أمة واحدة ولكن ليبلوكم في ما آتاكم فاستبقوا الخيرات إلى الله مرجعكم جميعا فينبئكم بما كنتم فيه تختلفون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وأن احكم بينهم بما أنزل الله ولا تتبع أهواءهم واحذرهم أن يفتنوك عن بعض ما أنزل الله إليك فإن تولوا فاعلم أنما يريد الله أن يصيبهم ببعض ذنوبهم وإن كثيرا من الناس لفاسقون nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=50أفحكم الجاهلية يبغون ومن أحسن من الله حكما لقوم يوقنون [ سورة المائدة 47 - 50 ] .
ذكر سبحانه حكم التوراة والإنجيل ، ثم ذكر أنه أنزل القرآن ، وأمر نبيه أن يحكم بينهم بالقرآن ولا يتبع أهواءهم عما جاءه من الكتاب ، وأخبر أنه جعل لكل واحد من الأنبياء شرعة ومنهاجا فجعل
لموسى وعيسى ما في التوراة والإنجيل من الشرعة والمنهاج
[12] ، وجعل للنبي - صلى الله عليه
[ ص: 130 ] وسلم - ما في القرآن من الشرعة والمنهاج
[13] ، وأمره أن يحكم بما أنزل الله ، وحذره أن يفتنوه عن بعض ما أنزل الله ، وأخبره أن ذلك هو حكم الله ، ومن ابتغى غيره فقد ابتغى حكم الجاهلية ، وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28803ومن لم يحكم بما أنزل الله فأولئك هم الكافرون [ سورة المائدة 44 ] .
ولا ريب أن من لم يعتقد وجوب الحكم بما أنزل الله على رسوله
[14] فهو كافر ، فمن استحل أن يحكم بين الناس بما يراه هو عدلا من غير اتباع لما أنزل
[15] الله فهو كافر ; فإنه ما من أمة إلا وهي تأمر بالحكم بالعدل ، وقد يكون العدل في دينها ما رآه أكابرهم ، بل كثير من المنتسبين إلى الإسلام يحكمون بعاداتهم التي لم ينزلها الله سبحانه وتعالى ، كسوالف البادية ، وكأوامر المطاعين فيهم
[16] ، ويرون أن هذا هو الذي ينبغي الحكم به دون الكتاب والسنة .
وهذا هو الكفر ، فإن كثيرا من الناس أسلموا ، ولكن مع هذا
nindex.php?page=treesubj&link=28803لا يحكمون إلا بالعادات الجارية لهم التي يأمر بها المطاعون ، فهؤلاء إذا عرفوا أنه لا يجوز الحكم إلا بما أنزل الله فلم يلتزموا ذلك ، بل استحلوا أن يحكموا بخلاف ما أنزل الله فهم كفار ، وإلا كانوا جهالا ، كمن تقدم أمرهم
[17] .
وقد أمر الله
nindex.php?page=treesubj&link=28803_28750المسلمين كلهم إذا تنازعوا في شيء أن يردوه إلى الله [ ص: 131 ] والرسول ، فقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59ياأيها الذين آمنوا أطيعوا الله وأطيعوا الرسول وأولي الأمر منكم فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر ذلك خير وأحسن تأويلا [ سورة النساء 59 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فلا وربك لا يؤمنون حتى يحكموك فيما شجر بينهم ثم لا يجدوا في أنفسهم حرجا مما قضيت ويسلموا تسليما [ سورة النساء 65 ] فمن لم يلتزم تحكيم
[18] الله ورسوله فيما شجر بينهم فقد أقسم الله بنفسه أنه لا يؤمن ، وأما من كان ملتزما لحكم الله ورسوله باطنا وظاهرا ، لكن عصى واتبع هواه ، فهذا بمنزلة أمثاله من العصاة .
وهذه الآية مما يحتج بها
الخوارج على تكفير ولاة الأمر الذين لا يحكمون بما أنزل الله ، ثم يزعمون أن اعتقادهم هو حكم الله . وقد تكلم الناس بما يطول ذكره هنا ، وما ذكرته يدل عليه سياق الآية .
والمقصود أن
nindex.php?page=treesubj&link=19830الحكم بالعدل واجب مطلقا ، في كل زمان ومكان على كل أحد ولكل أحد ، والحكم بما أنزل الله على
محمد - صلى الله عليه وسلم - هو عدل خاص ، وهو أكمل أنواع العدل وأحسنها ، والحكم به واجب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وكل من اتبعه ، ومن لم يلتزم حكم الله ورسوله فهو كافر .
وهذا واجب على الأمة في كل ما تنازعت فيه من الأمور الاعتقادية والعملية . قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كان الناس أمة واحدة فبعث الله النبيين مبشرين ومنذرين وأنزل معهم الكتاب بالحق ليحكم بين الناس فيما اختلفوا فيه وما اختلف فيه إلا الذين أوتوه من بعد ما جاءتهم البينات [ ص: 132 ] [ سورة البقرة 213 ] .
وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وما اختلفتم فيه من شيء فحكمه إلى الله [ سورة الشورى 10 ] . وقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول [ سورة النساء 59 ] فالأمور المشتركة بين الأمة لا يحكم فيها إلا الكتاب والسنة ، ليس لأحد أن يلزم الناس
[19] بقول عالم ولا أمير ولا شيخ ولا ملك .
ومن اعتقد أنه يحكم بين الناس بشيء من ذلك ، ولا يحكم بينهم بالكتاب والسنة فهو كافر ، وحكام المسلمين يحكمون في الأمور المعينة ، لا يحكمون في الأمور الكلية ، وإذا حكموا في المعينات فعليهم أن يحكموا بما في كتاب الله ، فإن لم يكن فبما في سنة رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن لم يجدوا اجتهد الحاكم برأيه .
وقد قال النبي - صلى الله عليه وسلم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=663614القضاة ثلاثة : قاضيان في النار ، وقاض في الجنة ; فمن علم الحق وقضى به فهو في الجنة ، ومن علم الحق وقضى بخلافه فهو في النار ، ومن قضى للناس على جهل فهو في النار "
[20] .
وإذا حكم بعلم وعدل ; فإذا اجتهد فأصاب
[21] فله أجران ، وإذا اجتهد فأخطأ فله أجر كما ثبت ذلك في الصحيحين عن النبي - صلى الله عليه وسلم - من وجهين
[22] .
[ ص: 133 ] والمقصود هنا أنه إذا وجب فيما شجر بين عموم
[23] المؤمنين أن لا يتكلم إلا بعلم وعدل ، ويرد ذلك إلى الله والرسول ، فذاك في أمر
الصحابة أظهر . فلو طعن طاعن في بعض ولاة الأمور ، من ملك وحاكم وأمير وشيخ ونحو ذلك ، وجعله كافرا معتديا على غيره في ولاية أو غيرها ، وجعل غيره هو العالم العادل المبرأ من كل خطأ وذنب ، وجعل كل من أحب الأول وتولاه كافرا أو ظالما مستحقا للسب وأخذ يسبه ، فإنه يجب الكلام في ذلك بعلم وعدل .
[ ص: 126 ] فَصْلٌ
وَقَدْ ذَكَرْنَا فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ حُكْمَ النَّاسِ فِي الْوَعْدِ وَالْوَعِيدِ وَالثَّوَابِ وَالْعِقَابِ ، وَأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30526فَاعِلَ السَّيِّئَاتِ تَسْقُطُ عَنْهُ عُقُوبَةُ جَهَنَّمَ بِنَحْوِ عَشَرَةِ أَسْبَابٍ . فَإِذَا كَانَ هَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُجْتَهِدِينَ وَهَذَا الْحُكْمُ فِي الْمُذْنِبِينَ حُكْمًا عَامًّا فِي جَمِيعِ الْأُمَّةِ ، فَكَيْفَ فِي
أَصْحَابِ [1] رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ؟ وَإِذَا كَانَ الْمُتَأَخِّرُونَ مِنَ الْمُجْتَهِدِينَ وَمِنَ الْمُذْنِبِينَ
[2] يَنْدَفِعُ عَنْهُمُ الذَّمُّ وَالْعِقَابُ بِمَا ذُكِرَ مِنَ الْأَسْبَابِ ، فَكَيْفَ بِالسَّابِقِينَ الْأَوَّلِينَ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ وَالْأَنْصَارِ ؟ .
وَنَحْنُ نَبْسُطُ هَذَا وَنُنَبِّهُ بِالْأَدْنَى عَلَى الْأَعْلَى ؛ فَنَقُولُ : كَلَامُ الذَّامِّ لِلْخُلَفَاءِ وَلِغَيْرِهِمْ مِنَ
الصَّحَابَةِ - مِنْ رَافِضِيٍّ وَغَيْرِهِ - هُوَ مِنْ بَابِ الْكَلَامِ فِي الْأَعْرَاضِ ، وَفِيهِ حَقٌّ لِلَّهِ تَعَالَى ، لِمَا يَتَعَلَّقُ بِهِ مِنِ الْوَلَايَةِ وَالْعَدَاوَةِ وَالْحُبِّ وَالْبُغْضِ ، وَفِيهِ حَقٌّ لِلْآدَمِيِّينَ أَيْضًا
[3] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّا إِذَا تَكَلَّمْنَا فِيمَنْ هُوَ دُونَ
الصَّحَابَةِ ، مِثْلَ الْمُلُوكِ الْمُخْتَلِفِينَ عَلَى الْمُلْكِ ، وَالْعُلَمَاءِ وَالْمَشَايِخِ الْمُخْتَلِفِينَ فِي
[4] الْعِلْمِ وَالدِّينِ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الْكَلَامُ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ لَا بِجَهْلٍ وَظُلْمٍ ; فَإِنَّ الْعَدْلَ وَاجِبٌ لِكُلِّ أَحَدٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ فِي كُلِّ حَالٍ . وَالظُّلْمُ مُحَرَّمٌ مُطْلَقًا ، لَا يُبَاحُ قَطُّ بِحَالٍ .
قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8وَلَا يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلَّا تَعْدِلُوا اعْدِلُوا هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى [ ص: 127 ] [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 8 ] وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ بِسَبَبِ بُغْضِهِمْ لِلْكَفَّارِ ، وَهُوَ بُغْضٌ مَأْمُورٌ بِهِ . فَإِذَا كَانَ الْبُغْضُ الَّذِي أَمَرَ اللَّهُ بِهِ قَدْ نُهِيَ صَاحِبُهُ أَنْ يَظْلِمَ مَنْ أَبْغَضَهُ
[5] ، فَكَيْفَ فِي بُغْضِ مُسْلِمٍ بِتَأْوِيلٍ وَشُبْهَةٍ أَوْ بِهَوَى نَفْسٍ ؟ فَهُوَ أَحَقُّ أَنْ لَا يَظْلِمَ ، بَلْ يَعْدِلَ عَلَيْهِ
[6] .
وَأَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَحَقُّ مَنْ عَدَلَ عَلَيْهِمْ فِي الْقَوْلِ وَالْعَمَلِ . وَالْعَدْلُ مِمَّا اتَّفَقَ أَهْلُ الْأَرْضِ عَلَى مَدْحِهِ وَمَحَبَّتِهِ ، وَالثَّنَاءِ عَلَى أَهْلِهِ وَمَحَبَّتِهِمْ . وَالظُّلْمُ مِمَّا اتَّفَقُوا
[7] عَلَى بُغْضِهِ وَذَمِّهِ
[8] وَتَقْبِيحِهِ ، وَذَمِّ أَهْلِهِ وَبُغْضِهِمْ ، وَلَيْسَ الْمَقْصُودُ الْكَلَامَ فِي التَّحْسِينِ وَالتَّقْبِيحِ الْعَقْلِيِّ ، فَقَدْ تَكَلَّمْنَا عَلَيْهِ فِي غَيْرِ هَذَا الْمَوْضُوعِ فِي مُصَنَّفٍ مُفْرَدٍ
[9] ، وَلَكِنَّ الْمَقْصُودَ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19830الْعَدْلَ مَحْمُودٌ مَحْبُوبٌ بِاتِّفَاقِ أَهْلِ الْأَرْضِ ، وَهُوَ مَحْبُوبٌ فِي النُّفُوسِ ، مَرْكُوزٌ حُبُّهُ فِي الْقُلُوبِ ، تُحِبُّهُ الْقُلُوبُ وَتَحْمَدُهُ ، وَهُوَ مِنَ الْمَعْرُوفِ الَّذِي تَعْرِفُهُ الْقُلُوبُ ، وَالظُّلْمُ مِنَ الْمُنْكَرِ الَّذِي تُنْكِرُهُ الْقُلُوبُ فَتُبْغِضُهُ وَتَذُمُّهُ .
nindex.php?page=treesubj&link=19828_28749وَاللَّهُ تَعَالَى أَرْسَلَ الرُّسُلَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ . قَالَ اللَّهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=25لَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلَنَا بِالْبَيِّنَاتِ وَأَنْزَلْنَا مَعَهُمُ الْكِتَابَ وَالْمِيزَانَ لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ [ سُورَةُ الْحَدِيدِ : 25 ]
[10] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=17اللَّهُ الَّذِي أَنْزَلَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ وَالْمِيزَانَ [ ص: 128 ] [ سُورَةُ الشُّورَى : 17 ] . وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 58 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42فَإِنْ جَاءُوكَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ أَوْ أَعْرِضْ عَنْهُمْ وَإِنْ تُعْرِضْ عَنْهُمْ فَلَنْ يَضُرُّوكَ شَيْئًا وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 42 ] .
وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 48 ] فَأَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْقِسْطِ وَأَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ الْقِسْطَ هُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، فَمَا أَنْزَلَ اللَّهُ هُوَ الْقِسْطُ ، وَالْقِسْطُ هُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ .
وَلِهَذَا وَجَبَ عَلَى كُلِّ مَنْ حَكَمَ بَيْنَ اثْنَيْنِ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعَدْلِ لِقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 58 ] فَلَيْسَ لِحَاكِمٍ أَنْ يَحْكُمَ بِظُلْمٍ أَبَدًا ، وَالشَّرْعُ الَّذِي يَجِبُ عَلَى حُكَّامِ الْمُسْلِمِينَ الْحُكْمُ بِهِ عَدْلٌ كُلُّهُ ، لَيْسَ فِي الشَّرْعِ ظُلْمٌ أَصْلًا ، بَلْ حُكْمُ اللَّهِ أَحْسَنُ الْأَحْكَامِ
[11] .
وَالشَّرْعُ هُوَ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ; فَكُلُّ مَنْ حَكَمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَقَدْ حَكَمَ بِالْعَدْلِ ، لَكِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19828الْعَدْلَ قَدْ يَتَنَوَّعُ بِتَنَوُّعِ الشَّرَائِعِ وَالْمَنَاهِجِ ، فَيَكُونُ الْعَدْلُ فِي كُلِّ شِرْعَةٍ بِحَسَبِهَا .
وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى :
[ ص: 129 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=42وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=43وَكَيْفَ يُحَكِّمُونَكَ وَعِنْدَهُمُ التَّوْرَاةُ فِيهَا حُكْمُ اللَّهِ ثُمَّ يَتَوَلَّوْنَ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ وَمَا أُولَئِكَ بِالْمُؤْمِنِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44إِنَّا أَنْزَلْنَا التَّوْرَاةَ فِيهَا هُدًى وَنُورٌ يَحْكُمُ بِهَا النَّبِيُّونَ الَّذِينَ أَسْلَمُوا لِلَّذِينَ هَادُوا وَالرَّبَّانِيُّونَ وَالْأَحْبَارُ بِمَا اسْتُحْفِظُوا مِنْ كِتَابِ اللَّهِ وَكَانُوا عَلَيْهِ شُهَدَاءَ فَلَا تَخْشَوُا النَّاسَ وَاخْشَوْنِ وَلَا تَشْتَرُوا بِآيَاتِي ثَمَنًا قَلِيلًا وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ 42 - 44 ] .
إِلَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=47وَلْيَحْكُمْ أَهْلُ الْإِنْجِيلِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فِيهِ وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=48وَأَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ مِنَ الْكِتَابِ وَمُهَيْمِنًا عَلَيْهِ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَكَ مِنَ الْحَقِّ لِكُلٍّ جَعَلْنَا مِنْكُمْ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَجَعَلَكُمْ أُمَّةً وَاحِدَةً وَلَكِنْ لِيَبْلُوَكُمْ فِي مَا آتَاكُمْ فَاسْتَبِقُوا الْخَيْرَاتِ إِلَى اللَّهِ مَرْجِعُكُمْ جَمِيعًا فَيُنَبِّئُكُمْ بِمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=49وَأَنِ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ وَاحْذَرْهُمْ أَنْ يَفْتِنُوكَ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلَيْكَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَاعْلَمْ أَنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُصِيبَهُمْ بِبَعْضِ ذُنُوبِهِمْ وَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ لَفَاسِقُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=50أَفَحُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ يَبْغُونَ وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ 47 - 50 ] .
ذَكَرَ سُبْحَانَهُ حُكْمَ التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ ، ثُمَّ ذَكَرَ أَنَّهُ أَنْزَلَ الْقُرْآنَ ، وَأَمَرَ نَبِيَّهُ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ بِالْقُرْآنِ وَلَا يَتَّبِعَ أَهْوَاءَهُمْ عَمَّا جَاءَهُ مِنَ الْكِتَابِ ، وَأَخْبَرَ أَنَّهُ جَعَلَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنَ الْأَنْبِيَاءِ شِرْعَةً وَمِنْهَاجًا فَجَعَلَ
لِمُوسَى وَعِيسَى مَا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ مِنَ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ
[12] ، وَجَعَلَ لِلنَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
[ ص: 130 ] وَسَلَّمَ - مَا فِي الْقُرْآنِ مِنَ الشِّرْعَةِ وَالْمِنْهَاجِ
[13] ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَحْكُمَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَحَذَّرَهُ أَنْ يَفْتِنُوهُ عَنْ بَعْضِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، وَأَخْبَرَهُ أَنَّ ذَلِكَ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ ، وَمَنِ ابْتَغَى غَيْرَهُ فَقَدِ ابْتَغَى حُكْمَ الْجَاهِلِيَّةِ ، وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=44nindex.php?page=treesubj&link=28803وَمَنْ لَمْ يَحْكُمْ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَأُولَئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ 44 ] .
وَلَا رَيْبَ أَنَّ مَنْ لَمْ يَعْتَقِدْ وُجُوبَ الْحُكْمِ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ
[14] فَهُوَ كَافِرٌ ، فَمَنِ اسْتَحَلَّ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا يَرَاهُ هُوَ عَدْلًا مِنْ غَيْرِ اتِّبَاعٍ لِمَا أَنْزَلَ
[15] اللَّهُ فَهُوَ كَافِرٌ ; فَإِنَّهُ مَا مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا وَهِيَ تَأْمُرُ بِالْحُكْمِ بِالْعَدْلِ ، وَقَدْ يَكُونُ الْعَدْلُ فِي دِينِهَا مَا رَآهُ أَكَابِرُهُمْ ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْمُنْتَسِبِينَ إِلَى الْإِسْلَامِ يَحْكُمُونَ بِعَادَاتِهِمُ الَّتِي لَمْ يُنْزِلْهَا اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، كَسَوَالِفِ الْبَادِيَةِ ، وَكَأَوَامِرِ الْمُطَاعِينَ فِيهِمْ
[16] ، وَيَرَوْنَ أَنَّ هَذَا هُوَ الَّذِي يَنْبَغِي الْحُكْمُ بِهِ دُونَ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ .
وَهَذَا هُوَ الْكُفْرُ ، فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ أَسْلَمُوا ، وَلَكِنْ مَعَ هَذَا
nindex.php?page=treesubj&link=28803لَا يَحْكُمُونَ إِلَّا بِالْعَادَاتِ الْجَارِيَةِ لَهُمُ الَّتِي يَأْمُرُ بِهَا الْمُطَاعُونَ ، فَهَؤُلَاءِ إِذَا عَرَفُوا أَنَّهُ لَا يَجُوزُ الْحُكْمُ إِلَّا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَلَمْ يَلْتَزِمُوا ذَلِكَ ، بَلِ اسْتَحَلُّوا أَنْ يَحْكُمُوا بِخِلَافِ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ فَهُمْ كُفَّارٌ ، وَإِلَّا كَانُوا جُهَّالًا ، كَمَنْ تَقَدَّمَ أَمْرُهُمْ
[17] .
وَقَدْ أَمَرَ اللَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28803_28750الْمُسْلِمِينَ كُلَّهُمْ إِذَا تَنَازَعُوا فِي شَيْءٍ أَنْ يَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ [ ص: 131 ] وَالرَّسُولِ ، فَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا [ سُورَةُ النِّسَاءِ 59 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=65فَلَا وَرَبِّكَ لَا يُؤْمِنُونَ حَتَّى يُحَكِّمُوكَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ لَا يَجِدُوا فِي أَنْفُسِهِمْ حَرَجًا مِمَّا قَضَيْتَ وَيُسَلِّمُوا تَسْلِيمًا [ سُورَةُ النِّسَاءِ 65 ] فَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ تَحْكِيمَ
[18] اللَّهِ وَرَسُولِهِ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَهُمْ فَقَدْ أَقْسَمَ اللَّهُ بِنَفْسِهِ أَنَّهُ لَا يُؤْمِنُ ، وَأَمَّا مَنْ كَانَ مُلْتَزِمًا لِحُكْمِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ بَاطِنًا وَظَاهِرًا ، لَكِنْ عَصَى وَاتَّبَعَ هَوَاهُ ، فَهَذَا بِمَنْزِلَةِ أَمْثَالِهِ مِنَ الْعُصَاةِ .
وَهَذِهِ الْآيَةُ مِمَّا يَحْتَجُّ بِهَا
الْخَوَارِجُ عَلَى تَكْفِيرِ وُلَاةِ الْأَمْرِ الَّذِينَ لَا يَحْكُمُونَ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ ، ثُمَّ يَزْعُمُونَ أَنَّ اعْتِقَادَهُمْ هُوَ حُكْمُ اللَّهِ . وَقَدْ تَكَلَّمَ النَّاسُ بِمَا يَطُولُ ذِكْرُهُ هُنَا ، وَمَا ذَكَرْتُهُ يَدُلُّ عَلَيْهِ سِيَاقُ الْآيَةِ .
وَالْمَقْصُودُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=19830الْحُكْمَ بِالْعَدْلِ وَاجِبٌ مُطْلَقًا ، فِي كُلِّ زَمَانٍ وَمَكَانٍ عَلَى كُلِّ أَحَدٍ وَلِكُلِّ أَحَدٍ ، وَالْحُكْمُ بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ عَلَى
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - هُوَ عَدْلٌ خَاصٌّ ، وَهُوَ أَكْمَلُ أَنْوَاعِ الْعَدْلِ وَأَحْسَنُهَا ، وَالْحُكْمُ بِهِ وَاجِبٌ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكُلِّ مَنِ اتَّبَعَهُ ، وَمَنْ لَمْ يَلْتَزِمْ حُكْمَ اللَّهِ وَرَسُولِهِ فَهُوَ كَافِرٌ .
وَهَذَا وَاجِبٌ عَلَى الْأُمَّةِ فِي كُلِّ مَا تَنَازَعَتْ فِيهِ مِنَ الْأُمُورِ الِاعْتِقَادِيَّةِ وَالْعَمَلِيَّةِ . قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=213كَانَ النَّاسُ أُمَّةً وَاحِدَةً فَبَعَثَ اللَّهُ النَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنْذِرِينَ وَأَنْزَلَ مَعَهُمُ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِيَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ فِيمَا اخْتَلَفُوا فِيهِ وَمَا اخْتَلَفَ فِيهِ إِلَّا الَّذِينَ أُوتُوهُ مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَتْهُمُ الْبَيِّنَاتُ [ ص: 132 ] [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ 213 ] .
وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=10وَمَا اخْتَلَفْتُمْ فِيهِ مِنْ شَيْءٍ فَحُكْمُهُ إِلَى اللَّهِ [ سُورَةُ الشُّورَى 10 ] . وَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ [ سُورَةُ النِّسَاءِ 59 ] فَالْأُمُورُ الْمُشْتَرَكَةُ بَيْنَ الْأُمَّةِ لَا يُحَكَّمُ فِيهَا إِلَّا الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ ، لَيْسَ لِأَحَدٍ أَنْ يُلْزِمَ النَّاسَ
[19] بِقَوْلِ عَالِمٍ وَلَا أَمِيرٍ وَلَا شَيْخٍ وَلَا مَلِكٍ .
وَمَنِ اعْتَقَدَ أَنَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَ النَّاسِ بِشَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ ، وَلَا يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ فَهُوَ كَافِرٌ ، وَحُكَّامُ الْمُسْلِمِينَ يَحْكُمُونَ فِي الْأُمُورِ الْمُعَيَّنَةِ ، لَا يَحْكُمُونَ فِي الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ ، وَإِذَا حَكَمُوا فِي الْمُعَيَّنَاتِ فَعَلَيْهِمْ أَنْ يَحْكُمُوا بِمَا فِي كِتَابِ اللَّهِ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ فَبِمَا فِي سُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَإِنْ لَمْ يَجِدُوا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ بِرَأْيِهِ .
وَقَدْ قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=663614الْقُضَاةُ ثَلَاثَةٌ : قَاضِيَانِ فِي النَّارِ ، وَقَاضٍ فِي الْجَنَّةِ ; فَمَنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِهِ فَهُوَ فِي الْجَنَّةِ ، وَمَنْ عَلِمَ الْحَقَّ وَقَضَى بِخِلَافِهِ فَهُوَ فِي النَّارِ ، وَمَنْ قَضَى لِلنَّاسِ عَلَى جَهْلٍ فَهُوَ فِي النَّارِ "
[20] .
وَإِذَا حَكَمَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ ; فَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَصَابَ
[21] فَلَهُ أَجْرَانِ ، وَإِذَا اجْتَهَدَ فَأَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ كَمَا ثَبَتَ ذَلِكَ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ وَجْهَيْنِ
[22] .
[ ص: 133 ] وَالْمَقْصُودُ هُنَا أَنَّهُ إِذَا وَجَبَ فِيمَا شَجَرَ بَيْنَ عُمُومِ
[23] الْمُؤْمِنِينَ أَنْ لَا يُتَكَلَّمَ إِلَّا بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ ، وَيُرَدُّ ذَلِكَ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ ، فَذَاكَ فِي أَمْرِ
الصَّحَابَةِ أَظْهَرُ . فَلَوْ طَعَنَ طَاعِنٌ فِي بَعْضِ وُلَاةِ الْأُمُورِ ، مِنْ مَلِكٍ وَحَاكِمٍ وَأَمِيرٍ وَشَيْخٍ وَنَحْوِ ذَلِكَ ، وَجَعَلَهُ كَافِرًا مُعْتَدِيًا عَلَى غَيْرِهِ فِي وِلَايَةٍ أَوْ غَيْرِهَا ، وَجَعَلَ غَيْرَهُ هُوَ الْعَالِمُ الْعَادِلُ الْمُبَرَّأُ مِنْ كُلِّ خَطَأٍ وَذَنْبٍ ، وَجَعَلَ كُلَّ مَنْ أَحَبَّ الْأَوَّلَ وَتَوَلَّاهُ كَافِرًا أَوْ ظَالِمًا مُسْتَحِقًّا لِلسَّبِّ وَأَخَذَ يَسُبُّهُ ، فَإِنَّهُ يَجِبُ الْكَلَامُ فِي ذَلِكَ بِعِلْمٍ وَعَدْلٍ .