الوجه العاشر
[1] nindex.php?page=treesubj&link=28833أن يقال : المطلوب من الأئمة أن يكون الصلاح بهم أكثر من الفساد ، وأن يكون الإنسان معهم أقرب إلى المصلحة وأبعد عن المفسدة ، مما لو عدموا ولم يقم مقامهم ؟ أم المقصود بهم وجود صلاح لا فساد معه ؟ أم مقدار معين من الصلاح ؟ .
فإن كان الأول ، فهذا المقصود حاصل لغالب ولاة الأمور . وقد حصل هذا المقصود على عهد أبي بكر وعمر وعثمان ، أعظم مما حصل على عهد
nindex.php?page=showalam&ids=8علي . وهو حاصل بخلفاء
بني أمية وبني العباس ، أعظم مما هو حاصل بالاثني عشر ، وهذا حاصل بملوك
الترك والهند ، أكثر مما هو حاصل بالمنتظر الملقب صاحب الزمان ، فإنه ما من أمير يتولى ثم يقدر عدمه بلا نظير ، إلا كان الفساد في عدمه أعظم من الفساد في وجوده ، لكن قد يكون الصلاح في غيره أكثر منه ، كما قد قيل : " ستون سنة مع
[2] إمام جائر خير من ليلة واحدة بلا إمام .
وإن قيل : بل المطلوب وجود صلاح لا فساد معه .
قيل : فهذا لم يقع ، ولم يخلق الله ذلك ، ولا خلق أسبابا توجب ذلك لا محالة . فمن أوجب ذلك ، وأوجب ملزوماته على الله ، كان إما مكابرا لعقله ، وإما ذاما لربه . وخلق ما يمكن معه وجود ذلك ، لا يحصل به ذلك ، إن لم يخلق ما يكون به ذلك .
[ ص: 408 ] ومثل هذا يقال في أفعال العباد ، لكن القول في المعصوم أشد ؛ لأن مصلحته تتوقف على أسباب خارجة عن قدرته ، بل عن قدرة الله عند هؤلاء الذين هم معتزلة رافضة ، فإيجاب ذلك على الله أفسد من إيجاب خلق مصلحة كل عبد له .
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ
[1] nindex.php?page=treesubj&link=28833أَنْ يُقَالَ : الْمَطْلُوبُ مِنَ الْأَئِمَّةِ أَنْ يَكُونَ الصَّلَاحُ بِهِمْ أَكْثَرَ مِنَ الْفَسَادِ ، وَأَنْ يَكُونَ الْإِنْسَانُ مَعَهُمْ أَقْرَبَ إِلَى الْمَصْلَحَةِ وَأَبْعَدَ عَنِ الْمَفْسَدَةِ ، مِمَّا لَوْ عُدِمُوا وَلَمْ يُقَمْ مَقَامُهُمْ ؟ أَمِ الْمَقْصُودُ بِهِمْ وُجُودُ صَلَاحٍ لَا فَسَادَ مَعَهُ ؟ أَمْ مِقْدَارٌ مُعَيَّنٌ مِنَ الصَّلَاحِ ؟ .
فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ، فَهَذَا الْمَقْصُودُ حَاصِلٌ لِغَالِبِ وُلَاةِ الْأُمُورِ . وَقَدْ حَصَلَ هَذَا الْمَقْصُودُ عَلَى عَهْدِ أَبِي بَكْرٍ وَعُمَرَ وَعُثْمَانَ ، أَعْظَمَ مِمَّا حَصَلَ عَلَى عَهْدِ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ . وَهُوَ حَاصِلٌ بِخُلَفَاءَ
بَنِي أُمَيَّةَ وَبَنِي الْعَبَّاسِ ، أَعْظَمُ مِمَّا هُوَ حَاصِلٌ بِالِاثْنَيْ عَشَرَ ، وَهَذَا حَاصِلٌ بِمُلُوكِ
التُّرْكِ وَالْهِنْدِ ، أَكْثَرُ مِمَّا هُوَ حَاصِلٌ بِالْمُنْتَظَرِ الْمُلَقَّبِ صَاحِبِ الزَّمَانِ ، فَإِنَّهُ مَا مِنْ أَمِيرٍ يَتَوَلَّى ثُمَّ يُقَدَّرُ عَدَمُهُ بِلَا نَظِيرٍ ، إِلَّا كَانَ الْفَسَادُ فِي عَدَمِهِ أَعْظَمَ مِنَ الْفَسَادِ فِي وُجُودِهِ ، لَكِنْ قَدْ يَكُونُ الصَّلَاحُ فِي غَيْرِهِ أَكْثَرَ مِنْهُ ، كَمَا قَدْ قِيلَ : " سِتُّونَ سَنَةً مَعَ
[2] إِمَامٍ جَائِرٍ خَيْرٌ مِنْ لَيْلَةٍ وَاحِدَةٍ بِلَا إِمَامٍ .
وَإِنْ قِيلَ : بَلِ الْمَطْلُوبُ وُجُودُ صَلَاحٍ لَا فَسَادَ مَعَهُ .
قِيلَ : فَهَذَا لَمْ يَقَعْ ، وَلَمْ يَخْلُقِ اللَّهُ ذَلِكَ ، وَلَا خَلَقَ أَسْبَابًا تُوجِبُ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ . فَمَنْ أَوْجَبَ ذَلِكَ ، وَأَوْجَبَ مَلْزُومَاتِهِ عَلَى اللَّهِ ، كَانَ إِمَّا مُكَابِرًا لِعَقْلِهِ ، وَإِمَّا ذَامًّا لِرَبِّهِ . وَخَلْقُ مَا يُمْكِنُ مَعَهُ وُجُودُ ذَلِكَ ، لَا يَحْصُلُ بِهِ ذَلِكَ ، إِنْ لَمْ يَخْلُقْ مَا يَكُونُ بِهِ ذَلِكَ .
[ ص: 408 ] وَمِثْلُ هَذَا يُقَالُ فِي أَفْعَالِ الْعِبَادِ ، لَكِنَّ الْقَوْلَ فِي الْمَعْصُومِ أَشَدُّ ؛ لِأَنَّ مَصْلَحَتَهُ تَتَوَقَّفُ عَلَى أَسْبَابٍ خَارِجَةٍ عَنْ قُدْرَتِهِ ، بَلْ عَنْ قُدْرَةِ اللَّهِ عِنْدَ هَؤُلَاءِ الَّذِينَ هُمْ مُعْتَزِلَةٌ رَافِضَةٌ ، فَإِيجَابُ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ أَفْسَدُ مِنْ إِيجَابِ خَلْقِ مَصْلَحَةِ كُلِّ عَبْدٍ لَهُ .