الوجه الثاني عشر
[1] : أن يقال :
nindex.php?page=treesubj&link=18480العلم الديني الذي يحتاج إليه الأئمة والأمة نوعان : علم كلي ، كإيجاب الصلوات الخمس ، وصيام شهر رمضان ، والزكاة ، والحج ، وتحريم الزنا والسرقة والخمر ونحو ذلك . وعلم جزئي ، كوجوب الزكاة على هذا ، ووجوب إقامة الحد على هذا ، ونحو ذلك .
فأما الأول ، فالشريعة مستقلة به ، لا تحتاج فيه إلى الإمام . فإن
[2] النبي
[3] إما أن يكون قد نص على كليات الشريعة التي لا بد منها ، أو ترك منها
[4] ما يحتاج إلى القياس . فإن كان الأول ثبت المقصود . وإن كان الثاني فذلك القدر يحصل بالقياس .
وإن قيل : بل ترك فيها ما لا يعلم بنصه ولا بالقياس ،
[5] بل بمجرد قول المعصوم ، كان هذا المعصوم شريكا في النبوة لم يكن نائبا
[6] ; فإنه إذا
[ ص: 411 ] كان يوجب ويحرم من غير إسناد إلى نصوص النبي ، كان مستقلا ، لم يكن متبعا له ، وهذا لا يكون إلا نبيا ، فأما من لا يكون إلا خليفة لنبي ، فلا يستقل دونه .
وأيضا فالقياس إن كان حجة جاز إحالة الناس عليه ، وإن لم يكن حجة وجب أن ينص النبي على الكليات .
وأيضا فقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا ) [ سورة المائدة : 3 ] .
وهذا نص في أن الدين كامل لا يحتاج معه إلى غيره .
والناس في هذا الأصل على ثلاثة أقوال : منهم من يقول : النصوص قد انتظمت جميع
[7] كليات الشريعة فلا حاجة إلى القياس ، بل لا يجوز القياس .
ومنهم من يقول : بل كثير من الحوادث لا يتناولها النصوص ، فالحاجة داعية إلى القياس . ومن هؤلاء من قد يدعي أن أكثر الحوادث كذلك ، وهذا سرف منهم .
ومنهم من يقول : بل النصوص تناولت الحوادث بطرق جلية أو خفية ، فمن الناس من لا يفهم تلك الأدلة
[8] ، أو لا يبلغه النص فيحتاج إلى القياس ، وإن كانت الحوادث قد تناولها النص . أو يقول : إن كل واحد من عموم النص القطعي والقياس المعنوي حجة وطريق يسلك السالك
[ ص: 412 ] [ إليه ] ما أمكنه
[9] ، وهما متفقان لا يتناقضان إلا لفساد أحدهما . وهذا القول أقرب من غيره .
وأما الجزئيات فهذه لا يمكن النص على أعيانها ، بل لا بد فيها من الاجتهاد المسمى بتحقيق المناط ، كما أن الشارع لا يمكن أن ينص لكل مصل على جهة القبلة في حقه ، ولكل حاكم على عدالة كل شاهد ، وأمثال ذلك .
وإذا كان كذلك ، فإن ادعوا عصمة الإمام في الجزئيات ، فهذه مكابرة ، ولا يدعيها أحد ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا - رضي الله عنه - كان يولي من تبين له خيانته وعجزه وغير ذلك ، وقد قطع رجلا بشهادة شاهدين ، ثم قالا : أخطأنا . فقال : لو أعلم أنكما تعمدتما لقطعت أيديكما .
وكذلك كان النبي - صلى الله عليه وسلم - ، ففي الصحيحين عنه أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652483 " إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، وإنما أقضي بنحو ما أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له قطعة من النار " [10] .
وقد ادعى قوم من أهل الخير على ناس من أهل الشر ، يقال لهم :
[ ص: 413 ] بنو أبيرق ، أنهم سرقوا لهم طعاما ودروعا ، فجاء قوم فبرأوا أولئك المتهمين ، فظن النبي - صلى الله عليه وسلم - صدق أولئك المبرئين لهم ، حتى أنزل الله تعالى عليه
[11] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق لتحكم بين الناس بما أراك الله ولا تكن للخائنين خصيما *
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=106واستغفر الله إن الله كان غفورا رحيما *
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما ) الآيات [ سورة النساء : 105 - 107 ]
[12] .
وبالجملة الأمور نوعان : كلية عامة ، وجزئية خاصة . فأما الجزئيات الخاصة ، كالجزئي الذي يمنع تصوره من وقوع الشركة فيه ، مثل ميراث هذا الميت ، وعدل هذا الشاهد ، ونفقة هذه الزوجة ، ووقوع الطلاق بهذا الزوج ، وإقامة الحد على هذا المفسد ، وأمثال ذلك .
فهذا مما لا يمكن لا نبيا ولا إماما ولا أحدا من الخلق أن ينص على كل فرد فرد منه ؛ لأن أفعال بني آدم وأعيانهم يعجز عن معرفة أعيانها الجزئية علم واحد من البشر وعبارته ، لا يمكن بشر
[13] أن يعلم ذلك كله بخطاب الله له ، وإنما الغاية الممكنة ذكر الأمور الكلية العامة .
كما قال - صلى الله عليه وسلم - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=688114بعثت بجوامع الكلم "
[14] . فالإمام لا
[ ص: 414 ] يمكنه الأمر والنهي لجميع رعيته إلا بالقضايا الكلية العامة
[15] . وكذلك إذا ولى نائبا لا يمكنه أن يعهد إليه إلا بقواعد كلية عامة ، ثم النظر في دخول الأعيان تحت تلك الكليات ، أو دخول نوع خاص تحت أعم منه ، لا بد فيه من نظر المتولي واجتهاده ، وقد يصيب تارة ويخطئ أخرى .
فإن اشترط عصمة ( * كل واحد اشترط
[16] عصمة * )
[17] النواب في تلك الأعيان ، وهذا
[18] منتف
[19] بالضرورة واتفاق العقلاء . وإن اكتفى
[20] بالكليات ، فالنبي يمكنه أن ينص على الكليات ، كما جاء به نبينا - صلى الله عليه وسلم - ، إذ ذكر ما يحرم من النساء وما يحل ، فجميع أقارب الرجل من النساء حرام عليه ، إلا بنات عمه ، وبنات عماته ، وبنات خاله ، وبنات خالاته ، كما ذكر هؤلاء الأربع في " سورة الأحزاب " .
وكذلك في الأشربة حرم كل مسكر
[21] دون ما لا يسكر ، وأمثال ذلك .
بل قد حصر المحرمات في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قل إنما حرم ربي الفواحش [ ص: 415 ] ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحق وأن تشركوا بالله ما لم ينزل به سلطانا وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون ) [ سورة الأعراف : 33 ] . فكل ما حرم تحريما مطلقا عاما لا يباح في حال فيباح في أخرى ، كالدم والميتة ولحم الخنزير .
وجميع الواجبات في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قل أمر ربي بالقسط وأقيموا وجوهكم عند كل مسجد وادعوه مخلصين له الدين ) [ سورة الأعراف : 29 ] الآية ، فالواجب كله محصور في حق الله وحق عباده .
وحق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا ، وحقوق عباده العدل . كما في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ - رضي الله عنه - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656825 " كنت رديف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فقال : " يا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، أتدري ما حق الله على عباده ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " حق الله على عباده أن يعبدوه ولا يشركوا به شيئا . يا nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ ، أتدري ما حق العباد على الله إذا فعلوا ذلك ؟ " قلت : الله ورسوله أعلم . قال : " حقهم على الله أن لا يعذبهم " [22] .
ثم إنه سبحانه فصل أنواع الفواحش والبغي ، وأنواع حقوق العباد ، في مواضع أخر
[23] . ففصل المواريث ، وبين من يستحق الإرث ممن لا يستحقه ، وما يستحق الوارث بالفرض والتعصيب . وبين ما يحل من المناكح وما يحرم ، وغير ذلك .
فإن كان يقدر على نصوص كلية تتناول الأنواع ، فالرسول أحق بهذا من الإمام . وإن قيل : لا يمكن ، فالإمام أعجز عن هذا من الرسول .
[ ص: 416 ] والمحرمات
[24] المعينة لا سبيل إلى النص عليها ، لا لرسول الله ولا إمام ، بل لا بد فيها من الاجتهاد والمجتهد فيها يصيب تارة ويخطئ أخرى .
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - إذا اجتهد الحاكم فأصاب فله أجران وإن أخطأ فله أجر "
[25] .
وكما قال
لسعد [26] بن معاذ - وكان حكما في قضية معينة يؤمر فيها الحاكم أن يختار الأصلح - فلما حكم بقتل المقاتلة وسبي الذرية من
بني قريظة ، قال النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652816 " لقد حكمت فيهم بحكم الله من فوق سبعة أرقعة " [27] .
وكما كان يقول لمن يرسله أميرا على سرية أو جيش :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679362 " إذا حاصرت أهل الحصن فسألوك أن تنزلهم على حكم الله ، فإنك لا تدري ما حكم الله فيهم ، ولكن أنزلهم على حكمك وحكم أصحابك " [28] . والأحاديث الثلاثة ثابتة في الصحيح .
فتبين بذلك
nindex.php?page=treesubj&link=28818_21385أنه لا مصلحة في عصمة الإمام إلا وهي حاصلة بعصمة الرسول ، ولله الحمد والمنة . والواقع يوافق هذا . وإنا رأينا كل من كان إلى اتباع السنة والحديث واتباع الصحابة أقرب ، كانت مصلحتهم في الدنيا والدين أكمل ، وكل من كان أبعد من ذلك كان بالعكس .
ولما كانت
الشيعة أبعد الناس عن اتباع المعصوم ، الذي لا ريب في
[ ص: 417 ] عصمته ، وهو رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، الذي أرسله بالهدى ودين الحق بشيرا ونذيرا ، وداعيا إلى الله بإذنه وسراجا منيرا ، الذي أخرج به الناس من الظلمات إلى النور ، وهداهم به إلى صراط العزيز الحميد ، الذي فرق بين الحق والباطل ، والهدى والضلال ، والغي والرشاد ، والنور والظلمة ، وأهل السعادة وأهل الشقاوة ، وجعله القاسم الذي قسم به عباده إلى شقي وسعيد ، فأهل السعادة من آمن به ، وأهل الشقاوة من كذب به وتولى عن طاعته .
nindex.php?page=treesubj&link=21385_28833فالشيعة القائلون بالإمام المعصوم ونحوهم ، من أبعد الطوائف عن اتباع هذا المعصوم ، فلا جرم تجدهم من أبعد الناس عن مصلحة دينهم ودنياهم ، حتى يوجد ممن
[29] هو تحت سياسة أظلم الملوك وأضلهم من هو أحسن حالا منهم ، ولا يكونون
[30] في خير إلا تحت سياسة من ليس منهم .
ولهذا كانوا يشبهون
اليهود في أحوال كثيرة منها هذا : أنه ضربت عليهم الذلة أينما ثقفوا إلا بحبل من الله وحبل من الناس ، وضربت عليهم المسكنة ، فلا يعيشون في الأرض إلا بأن يتمسكوا بحبل بعض ولاة الأمور ، الذي ليس بمعصوم .
ولا بد لهم من نسبة إلى الإسلام يظهرون بها خلاف ما في قلوبهم ، فما جاء به الكتاب والسنة يشهد له ما يرينا الله من الآيات في الآفاق وفي أنفسنا . قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سنريهم آياتنا في الآفاق وفي أنفسهم حتى يتبين لهم أنه الحق ) [ سورة فصلت : 53 ] .
[ ص: 418 ] ومما أرانا أن رأينا
[31] آثار
[32] سبيل المتبعين لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - المعصوم ، أصلح في دينهم ودنياهم من سبيل الإمام المعصوم بزعمهم . وإن زعموا أنهم متبعون للرسول ، فهم من أجهل الناس بأقواله وأفعاله وأحواله .
وهذا الذي ذكرته كل من استقرأه في العالم وجده ، وقد حدثني الثقات الذين لهم خبرة بالبلاد الذين خبروا حال أهلها بما يبين ذلك .
ومثال ذلك أنه يوجد في
الحجاز وسواحل
الشام من
الرافضة من ينتحلون المعصوم . وقد رأينا حال من كان بسواحل
الشام ، مثل
جبل كسروان وغيره ، وبلغنا أخبار غيرهم ، فما رأينا في العالم طائفة أسوأ من حالهم في الدين والدنيا ، ورأينا الذين هم تحت سياسة الملوك على الإطلاق خيرا من حالهم .
فمن كان تحت سياسة ملوك الكفار حالهم في الدين والدنيا أحسن من أحوال ملاحدتهم ،
كالنصيرية والإسماعيلية ونحوهم من الغلاة الذين يدعون الإلهية والنبوة في غير الرسول ، أو يتخلون
[33] عن هذا كله ويعتقدون دين الإسلام ،
كالإمامية والزيدية .
فكل طائفة تحت سياسة ملوك السنة ، ولو أن الملك كان أظلم الملوك في الدين والدنيا ، حاله خير من حالهم ، فإن الأمر الذي يشترك
[ ص: 419 ] فيه
أهل السنة ، ويمتازون به عن ( *
الرافضة ، تقوم
[34] به مصالح المدن وأهلها على بعض الوجوه . وأما الأمر الذي يشترك فيه
الرافضة ويمتازون به عن * )
[35] أهل السنة فلا تقوم به مصلحة مدينة واحدة ولا قرية ، ولا تجد
[36] أهل مدينة ولا قرية يغلب عليهم الرفض ، إلا ولا بد لهم من الاستعانة بغيرهم : إما من
أهل السنة ، وإما من الكفار .
وإلا
فالرافضة وحدهم لا يقوم أمرهم [ قط ]
[37] ، كما أن
اليهود [38] وحدهم لا يقوم أمرهم قط ، بخلاف
أهل السنة ، فإن مدائن كثيرة من
أهل السنة يقومون بدينهم ودنياهم ، لا يحوجهم الله سبحانه وتعالى إلى كافر ولا رافضي .
والخلفاء الثلاثة فتحوا الأمصار ، وأظهروا الدين في مشارق الأرض ومغاربها ، ولم يكن معهم رافضي .
بل
بنو أمية بعدهم ، مع انحراف كثير منهم عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وسب بعضهم له ، غلبوا على مدائن الإسلام كلها ، من مشرق الأرض إلى مغربها ، وكان الإسلام في زمنهم أعز منه فيما بعد ذلك بكثير ، ولم ينتظم بعد انقراض دولتهم العامة لما جاءتهم الدولة العباسية ، صار إلى الغرب
عبد الرحمن بن هشام الداخل إلى
المغرب ، الذي يسمى
صقر قريش ، واستولى هو - ومن بعده - على بلاد الغرب ، وأظهروا الإسلام فيها
[ ص: 420 ] وأقاموه وقمعوا من يليهم من الكفار ، وكانت لهم من السياسة في الدين والدنيا ما هو معروف عند الناس .
وكانوا من أبعد الناس عن مذاهب
أهل العراق ، فضلا عن أقوال
الشيعة [39] ، وإنما كانوا على مذهب
أهل المدينة ، وكان
أهل العراق على مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13760الأوزاعي وأهل الشام ، وكانوا يعظمون مذهب أهل الحديث ، وينصره بعضهم في كثير من الأمور ، وهم من أبعد الناس عن مذهب
الشيعة ، وكان فيهم من الهاشميين الحسينيين
[40] كثير ، ومنهم من صار من ولاة الأمور على مذهب
أهل السنة والجماعة .
ويقال : إن فيهم من كان يسكت عن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، فلا يربع به
[41] في الخلافة ؛ لأن الأمة لم تجتمع عليه ، ولا يسبونه كما كان بعض
الشيعة يسبه .
وقد صنف بعض علماء الغرب كتابا كبيرا في الفتوح فذكر فتوح النبي - صلى الله عليه وسلم - وفتوح الخلفاء بعده :
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ، ولم يذكر
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا مع حبه له وموالاته له ، لأنه لم يكن في زمنه فتوح .
nindex.php?page=treesubj&link=29668وعلماء السنة كلهم : nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=13760والأوزاعي وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد بن حنبل وأصحابه ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة وأصحابه ، وغير هؤلاء كلهم يحب الخلفاء ويتولاهم ويعتقد إمامتهم ، وينكر على من يذكر أحدا منهم بسوء ، فلا يستجيزون ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ولا
nindex.php?page=showalam&ids=7عثمان ولا غيرهما بما يقوله
الرافضة والخوارج .
[ ص: 421 ] وكان صار إلى
المغرب طوائف من
الخوارج والروافض ، كما كان هؤلاء في المشرق ، وفي بلاد كثيرة من بلاد الإسلام . ولكن قواعد هذه المدائن لا تستمر على شيء من هذه المذاهب ، بل إذا ظهر فيها شيء من هذه المذاهب مدة أقام الله ما بعث به
محمدا - صلى الله عليه وسلم - من الهدى ودين الحق الذي يظهر [ على ] باطلهم
[42] .
وبنو عبيد يتظاهرون بالتشيع ، واستولوا من
المغرب على ما استولوا عليه ، وبنوا
المهدية . ثم جاءوا إلى
مصر ، واستولوا عليها مائتي سنة ، واستولوا على
الحجاز والشام نحو مائة سنة ، وملكوا
بغداد في فتنة
البساسيري [43] ، وانضم إليهم الملاحدة في شرق الأرض وغربها ، وأهل البدع والأهواء تحب ذلك منهم ، ومع هذا فكانوا محتاجين إلى
أهل السنة ، ومحتاجين إلى مصانعتهم والتقية لهم .
الْوَجْهُ الثَّانِي عَشَرَ
[1] : أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=treesubj&link=18480الْعِلْمُ الدِّينِيُّ الَّذِي يَحْتَاجُ إِلَيْهِ الْأَئِمَّةُ وَالْأُمَّةُ نَوْعَانِ : عِلْمٌ كُلِّيٌّ ، كَإِيجَابِ الصَّلَوَاتِ الْخَمْسِ ، وَصِيَامِ شَهْرِ رَمَضَانَ ، وَالزَّكَاةِ ، وَالْحَجِّ ، وَتَحْرِيمِ الزِّنَا وَالسَّرِقَةِ وَالْخَمْرِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . وَعِلْمٌ جُزْئِيٌّ ، كَوُجُوبِ الزَّكَاةِ عَلَى هَذَا ، وَوُجُوبِ إِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى هَذَا ، وَنَحْوِ ذَلِكَ .
فَأَمَّا الْأَوَّلُ ، فَالشَّرِيعَةُ مُسْتَقِلَّةٌ بِهِ ، لَا تَحْتَاجُ فِيهِ إِلَى الْإِمَامِ . فَإِنَّ
[2] النَّبِيُّ
[3] إِمَّا أَنْ يَكُونَ قَدْ نَصَّ عَلَى كُلِّيَّاتِ الشَّرِيعَةِ الَّتِي لَا بُدَّ مِنْهَا ، أَوْ تَرَكَ مِنْهَا
[4] مَا يَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَاسِ . فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلَ ثَبَتَ الْمَقْصُودُ . وَإِنْ كَانَ الثَّانِيَ فَذَلِكَ الْقَدْرُ يَحْصُلُ بِالْقِيَاسِ .
وَإِنْ قِيلَ : بَلْ تَرَكَ فِيهَا مَا لَا يُعْلَمُ بِنَصِّهِ وَلَا بِالْقِيَاسِ ،
[5] بَلْ بِمُجَرَّدِ قَوْلِ الْمَعْصُومِ ، كَانَ هَذَا الْمَعْصُومُ شَرِيكًا فِي النُّبُوَّةِ لَمْ يَكُنْ نَائِبًا
[6] ; فَإِنَّهُ إِذَا
[ ص: 411 ] كَانَ يُوجِبُ وَيُحَرِّمُ مِنْ غَيْرِ إِسْنَادٍ إِلَى نُصُوصِ النَّبِيِّ ، كَانَ مُسْتَقِلًّا ، لَمْ يَكُنْ مُتَّبِعًا لَهُ ، وَهَذَا لَا يَكُونُ إِلَّا نَبِيًّا ، فَأَمَّا مَنْ لَا يَكُونُ إِلَّا خَلِيفَةً لِنَبِيٍّ ، فَلَا يَسْتَقِلُّ دُونَهُ .
وَأَيْضًا فَالْقِيَاسُ إِنْ كَانَ حُجَّةً جَازَ إِحَالَةُ النَّاسِ عَلَيْهِ ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ حُجَّةً وَجَبَ أَنْ يَنُصَّ النَّبِيُّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ .
وَأَيْضًا فَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=3الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ وَأَتْمَمْتُ عَلَيْكُمْ نِعْمَتِي وَرَضِيتُ لَكُمُ الْإِسْلَامَ دِينًا ) [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 3 ] .
وَهَذَا نَصٌّ فِي أَنَّ الدِّينَ كَامِلٌ لَا يَحْتَاجُ مَعَهُ إِلَى غَيْرِهِ .
وَالنَّاسُ فِي هَذَا الْأَصْلِ عَلَى ثَلَاثَةِ أَقْوَالٍ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : النُّصُوصُ قَدِ انْتَظَمَتْ جَمِيعَ
[7] كُلِّيَّاتٍ الشَّرِيعَةِ فَلَا حَاجَةَ إِلَى الْقِيَاسِ ، بَلْ لَا يَجُوزُ الْقِيَاسُ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلْ كَثِيرٌ مِنَ الْحَوَادِثِ لَا يَتَنَاوَلُهَا النُّصُوصُ ، فَالْحَاجَةُ دَاعِيَةٌ إِلَى الْقِيَاسِ . وَمِنْ هَؤُلَاءِ مَنْ قَدْ يَدَّعِي أَنَّ أَكْثَرَ الْحَوَادِثِ كَذَلِكَ ، وَهَذَا سَرَفٌ مِنْهُمْ .
وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : بَلِ النُّصُوصُ تَنَاوَلَتِ الْحَوَادِثَ بِطُرُقٍ جَلِيَّةٍ أَوْ خَفِيَّةٍ ، فَمِنَ النَّاسِ مَنْ لَا يَفْهَمُ تِلْكَ الْأَدِلَّةَ
[8] ، أَوْ لَا يَبْلُغُهُ النَّصُّ فَيَحْتَاجُ إِلَى الْقِيَاسِ ، وَإِنْ كَانَتِ الْحَوَادِثُ قَدْ تَنَاوَلَهَا النَّصُّ . أَوْ يَقُولُ : إِنَّ كُلَّ وَاحِدٍ مِنْ عُمُومِ النَّصِّ الْقَطْعِيِّ وَالْقِيَاسِ الْمَعْنَوِيِّ حُجَّةٌ وَطَرِيقٌ يَسْلُكُ السَّالِكُ
[ ص: 412 ] [ إِلَيْهِ ] مَا أَمْكَنَهُ
[9] ، وَهُمَا مُتَّفِقَانِ لَا يَتَنَاقَضَانِ إِلَّا لِفَسَادِ أَحَدِهِمَا . وَهَذَا الْقَوْلُ أَقْرَبُ مِنْ غَيْرِهِ .
وَأَمَّا الْجُزْئِيَّاتُ فَهَذِهِ لَا يُمْكِنُ النَّصُّ عَلَى أَعْيَانِهَا ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الِاجْتِهَادِ الْمُسَمَّى بِتَحْقِيقِ الْمَنَاطِ ، كَمَا أَنَّ الشَّارِعَ لَا يُمْكِنُ أَنْ يَنُصَّ لِكُلِّ مُصَلٍّ عَلَى جِهَةِ الْقِبْلَةِ فِي حَقِّهِ ، وَلِكُلِّ حَاكِمٍ عَلَى عَدَالَةِ كُلِّ شَاهِدٍ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ ، فَإِنِ ادَّعَوْا عِصْمَةَ الْإِمَامِ فِي الْجُزْئِيَّاتِ ، فَهَذِهِ مُكَابَرَةٌ ، وَلَا يَدَّعِيهَا أَحَدٌ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - كَانَ يُوَلِّي مَنْ تَبَيَّنَ لَهُ خِيَانَتُهُ وَعَجْزُهُ وَغَيْرُ ذَلِكَ ، وَقَدْ قَطَعَ رَجُلًا بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ، ثُمَّ قَالَا : أَخْطَأْنَا . فَقَالَ : لَوْ أَعْلَمُ أَنَّكُمَا تَعَمَّدْتُمَا لَقَطَعْتُ أَيْدِيَكُمَا .
وَكَذَلِكَ كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَفِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652483 " إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوِ مَا أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذُهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ قِطْعَةً مِنَ النَّارِ " [10] .
وَقَدِ ادَّعَى قَوْمٌ مِنْ أَهْلِ الْخَيْرِ عَلَى نَاسٍ مِنْ أَهْلِ الشَّرِّ ، يُقَالُ لَهُمْ :
[ ص: 413 ] بَنُو أُبَيْرِقٍ ، أَنَّهُمْ سَرَقُوا لَهُمْ طَعَامًا وَدُرُوعًا ، فَجَاءَ قَوْمٌ فَبَرَّأُوا أُولَئِكَ الْمُتَّهَمِينَ ، فَظَنَّ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - صِدْقَ أُولَئِكَ الْمُبَرِّئِينَ لَهُمْ ، حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ
[11] : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=105إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ لِتَحْكُمَ بَيْنَ النَّاسِ بِمَا أَرَاكَ اللَّهُ وَلَا تَكُنْ لِلْخَائِنِينَ خَصِيمًا *
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=106وَاسْتَغْفِرِ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ غَفُورًا رَحِيمًا *
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا ) الْآيَاتِ [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 105 - 107 ]
[12] .
وَبِالْجُمْلَةِ الْأُمُورُ نَوْعَانِ : كُلِّيَّةٌ عَامَّةٌ ، وَجُزْئِيَّةٌ خَاصَّةٌ . فَأَمَّا الْجُزْئِيَّاتُ الْخَاصَّةُ ، كَالْجُزْئِيِّ الَّذِي يَمْنَعُ تَصَوُّرَهُ مِنْ وُقُوعِ الشَّرِكَةِ فِيهِ ، مِثْلُ مِيرَاثِ هَذَا الْمَيِّتِ ، وَعَدْلِ هَذَا الشَّاهِدِ ، وَنَفَقَةِ هَذِهِ الزَّوْجَةِ ، وَوُقُوعِ الطَّلَاقِ بِهَذَا الزَّوْجِ ، وَإِقَامَةِ الْحَدِّ عَلَى هَذَا الْمُفْسِدِ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
فَهَذَا مِمَّا لَا يُمْكِنُ لَا نَبِيًّا وَلَا إِمَامًا وَلَا أَحَدًا مِنَ الْخَلْقِ أَنْ يَنُصَّ عَلَى كُلِّ فَرْدٍ فَرْدٍ مِنْهُ ؛ لِأَنَّ أَفْعَالَ بَنِي آدَمَ وَأَعْيَانَهُمْ يَعْجَزُ عَنْ مَعْرِفَةِ أَعْيَانِهَا الْجُزْئِيَّةِ عِلْمُ وَاحِدٍ مِنَ الْبَشَرِ وَعِبَارَتِهِ ، لَا يُمْكِنُ بَشَرٌ
[13] أَنْ يَعْلَمَ ذَلِكَ كُلَّهُ بِخِطَابِ اللَّهِ لَهُ ، وَإِنَّمَا الْغَايَةُ الْمُمْكِنَةُ ذِكْرُ الْأُمُورِ الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ .
كَمَا قَالَ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=688114بُعِثْتُ بِجَوَامِعِ الْكَلِمِ "
[14] . فَالْإِمَامُ لَا
[ ص: 414 ] يُمْكِنُهُ الْأَمْرُ وَالنَّهْيُ لِجَمِيعِ رَعِيَّتِهِ إِلَّا بِالْقَضَايَا الْكُلِّيَّةِ الْعَامَّةِ
[15] . وَكَذَلِكَ إِذَا وَلَّى نَائِبًا لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَعْهَدَ إِلَيْهِ إِلَّا بِقَوَاعِدَ كُلِّيَّةٍ عَامَّةٍ ، ثُمَّ النَّظَرُ فِي دُخُولِ الْأَعْيَانِ تَحْتَ تِلْكَ الْكُلِّيَّاتِ ، أَوْ دُخُولِ نَوْعٍ خَاصٍّ تَحْتَ أَعَمَّ مِنْهُ ، لَا بُدَّ فِيهِ مِنْ نَظَرِ الْمُتَوَلِّي وَاجْتِهَادِهِ ، وَقَدْ يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى .
فَإِنِ اشْتَرَطَ عِصْمَةَ ( * كُلِّ وَاحِدٍ اشْتَرَطَ
[16] عِصْمَةَ * )
[17] النُّوَّابِ فِي تِلْكَ الْأَعْيَانِ ، وَهَذَا
[18] مُنْتَفٍ
[19] بِالضَّرُورَةِ وَاتِّفَاقُ الْعُقَلَاءِ . وَإِنِ اكْتَفَى
[20] بِالْكُلِّيَّاتِ ، فَالنَّبِيُّ يُمْكِنُهُ أَنْ يَنُصَّ عَلَى الْكُلِّيَّاتِ ، كَمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّنَا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، إِذْ ذَكَرَ مَا يُحَرَّمُ مِنَ النِّسَاءِ وَمَا يَحِلُّ ، فَجَمِيعُ أَقَارِبِ الرَّجُلِ مِنَ النِّسَاءِ حَرَامٌ عَلَيْهِ ، إِلَّا بَنَاتِ عَمِّهِ ، وَبَنَاتِ عَمَّاتِهِ ، وَبَنَاتِ خَالِهِ ، وَبَنَاتِ خَالَاتِهِ ، كَمَا ذُكِرَ هَؤُلَاءِ الْأَرْبَعُ فِي " سُورَةِ الْأَحْزَابِ " .
وَكَذَلِكَ فِي الْأَشْرِبَةِ حَرَّمَ كُلَّ مُسْكِرٍ
[21] دُونَ مَا لَا يُسْكِرُ ، وَأَمْثَالِ ذَلِكَ .
بَلْ قَدْ حَصَرَ الْمُحَرَّمَاتِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=33قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ [ ص: 415 ] مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 33 ] . فَكُلُّ مَا حُرِّمَ تَحْرِيمًا مُطْلَقًا عَامًّا لَا يُبَاحُ فِي حَالٍ فَيُبَاحُ فِي أُخْرَى ، كَالدَّمِ وَالْمَيْتَةِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيرِ .
وَجَمِيعُ الْوَاجِبَاتِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=29قُلْ أَمَرَ رَبِّي بِالْقِسْطِ وَأَقِيمُوا وُجُوهَكُمْ عِنْدَ كُلِّ مَسْجِدٍ وَادْعُوهُ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 29 ] الْآيَةَ ، فَالْوَاجِبُ كُلُّهُ مَحْصُورٌ فِي حَقِّ اللَّهِ وَحَقِّ عِبَادِهِ .
وَحَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا ، وَحُقُوقُ عِبَادِهِ الْعَدْلُ . كَمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=656825 " كُنْتُ رَدِيفَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَقَالَ : " يَا nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ ، أَتُدْرِي مَا حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " حَقُّ اللَّهِ عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَعْبُدُوهُ وَلَا يُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا . يَا nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ ، أَتَدْرِي مَا حَقُّ الْعِبَادِ عَلَى اللَّهِ إِذَا فَعَلُوا ذَلِكَ ؟ " قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : " حَقُّهُمْ عَلَى اللَّهِ أَنْ لَا يُعَذِّبَهُمْ " [22] .
ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ فَصَّلَ أَنْوَاعَ الْفَوَاحِشِ وَالْبَغْيَ ، وَأَنْوَاعَ حُقُوقِ الْعِبَادِ ، فِي مَوَاضِعَ أُخَرَ
[23] . فَفَصَّلَ الْمَوَارِيثَ ، وَبَيَّنَ مَنْ يَسْتَحِقُّ الْإِرْثَ مِمَّنْ لَا يَسْتَحِقُّهُ ، وَمَا يَسْتَحِقُّ الْوَارِثُ بِالْفَرْضِ وَالتَّعْصِيبِ . وَبَيَّنَ مَا يَحِلُّ مِنَ الْمَنَاكِحِ وَمَا يَحْرُمُ ، وَغَيْرَ ذَلِكَ .
فَإِنْ كَانَ يَقْدِرُ عَلَى نُصُوصٍ كُلِّيَّةٍ تَتَنَاوَلُ الْأَنْوَاعَ ، فَالرَّسُولُ أَحَقُّ بِهَذَا مِنَ الْإِمَامِ . وَإِنْ قِيلَ : لَا يُمْكِنُ ، فَالْإِمَامُ أَعْجَزُ عَنْ هَذَا مِنَ الرَّسُولِ .
[ ص: 416 ] وَالْمُحَرَّمَاتُ
[24] الْمُعَيَّنَةُ لَا سَبِيلَ إِلَى النَّصِّ عَلَيْهَا ، لَا لِرَسُولِ اللَّهِ وَلَا إِمَامٍ ، بَلْ لَا بُدَّ فِيهَا مِنَ الِاجْتِهَادِ وَالْمُجْتَهِدُ فِيهَا يُصِيبُ تَارَةً وَيُخْطِئُ أُخْرَى .
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - إِذَا اجْتَهَدَ الْحَاكِمُ فَأَصَابَ فَلَهُ أَجْرَانِ وَإِنْ أَخْطَأَ فَلَهُ أَجْرٌ "
[25] .
وَكَمَا قَالَ
لِسَعْدِ [26] بْنِ مُعَاذٍ - وَكَانَ حَكَمًا فِي قَضِيَّةٍ مُعَيَّنَةٍ يُؤْمَرُ فِيهَا الْحَاكِمُ أَنْ يَخْتَارَ الْأَصْلَحَ - فَلَمَّا حَكَمَ بِقَتْلِ الْمُقَاتِلَةِ وَسَبْيِ الذُّرِّيَّةِ مِنْ
بَنِي قُرَيْظَةَ ، قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=652816 " لَقَدْ حَكَمْتَ فِيهِمْ بِحُكْمِ اللَّهِ مِنْ فَوْقِ سَبْعَةِ أَرْقِعَةٍ " [27] .
وَكَمَا كَانَ يَقُولُ لِمَنْ يُرْسِلُهُ أَمِيرًا عَلَى سَرِيَّةٍ أَوْ جَيْشٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=679362 " إِذَا حَاصَرَتْ أَهْلَ الْحِصْنِ فَسَأَلُوكَ أَنْ تُنْزِلَهُمْ عَلَى حُكْمِ اللَّهِ ، فَإِنَّكَ لَا تَدْرِي مَا حُكْمُ اللَّهِ فِيهِمْ ، وَلَكِنْ أَنْزِلْهُمْ عَلَى حُكْمِكَ وَحُكْمِ أَصْحَابِكَ " [28] . وَالْأَحَادِيثُ الثَّلَاثَةُ ثَابِتَةٌ فِي الصَّحِيحِ .
فَتَبَيَّنَ بِذَلِكَ
nindex.php?page=treesubj&link=28818_21385أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِي عِصْمَةِ الْإِمَامِ إِلَّا وَهِيَ حَاصِلَةٌ بِعِصْمَةِ الرَّسُولِ ، وَلِلَّهِ الْحَمْدُ وَالْمِنَّةُ . وَالْوَاقِعُ يُوَافِقُ هَذَا . وَإِنَّا رَأَيْنَا كُلَّ مَنْ كَانَ إِلَى اتِّبَاعِ السُّنَّةِ وَالْحَدِيثِ وَاتِّبَاعِ الصَّحَابَةِ أَقْرَبَ ، كَانَتْ مَصْلَحَتُهُمْ فِي الدُّنْيَا وَالدِّينِ أَكْمَلَ ، وَكُلَّ مَنْ كَانَ أَبْعَدَ مِنْ ذَلِكَ كَانَ بِالْعَكْسِ .
وَلَمَّا كَانَتِ
الشِّيعَةُ أَبْعَدَ النَّاسِ عَنِ اتِّبَاعِ الْمَعْصُومِ ، الَّذِي لَا رَيْبَ فِي
[ ص: 417 ] عِصْمَتِهِ ، وَهُوَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، الَّذِي أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا ، وَدَاعِيًا إِلَى اللَّهِ بِإِذْنِهِ وَسِرَاجًا مُنِيرًا ، الَّذِي أَخْرَجَ بِهِ النَّاسَ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ، وَهَدَاهُمْ بِهِ إِلَى صِرَاطِ الْعَزِيزِ الْحَمِيدِ ، الَّذِي فَرَّقَ بَيْنَ الْحَقِّ وَالْبَاطِلِ ، وَالْهُدَى وَالضَّلَالِ ، وَالْغَيِّ وَالرَّشَادِ ، وَالنُّورِ وَالظُّلْمَةِ ، وَأَهْلِ السَّعَادَةِ وَأَهْلِ الشَّقَاوَةِ ، وَجَعَلَهُ الْقَاسِمَ الَّذِي قَسَّمَ بِهِ عِبَادَهُ إِلَى شَقِيٍّ وَسَعِيدٍ ، فَأَهْلُ السَّعَادَةِ مَنْ آمَنَ بِهِ ، وَأَهْلُ الشَّقَاوَةِ مَنْ كَذَّبَ بِهِ وَتَوَلَّى عَنْ طَاعَتِهِ .
nindex.php?page=treesubj&link=21385_28833فَالشِّيعَةُ الْقَائِلُونَ بِالْإِمَامِ الْمَعْصُومِ وَنَحْوُهُمْ ، مِنْ أَبْعَدِ الطَّوَائِفِ عَنِ اتِّبَاعِ هَذَا الْمَعْصُومِ ، فَلَا جَرَمَ تَجِدُهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَصْلَحَةِ دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، حَتَّى يُوجَدَ مِمَّنْ
[29] هُوَ تَحْتَ سِيَاسَةِ أَظْلَمِ الْمُلُوكِ وَأَضَلِّهِمْ مَنْ هُوَ أَحْسَنُ حَالًا مِنْهُمْ ، وَلَا يَكُونُونَ
[30] فِي خَيْرٍ إِلَّا تَحْتَ سِيَاسَةِ مَنْ لَيْسَ مِنْهُمْ .
وَلِهَذَا كَانُوا يُشْبِهُونَ
الْيَهُودَ فِي أَحْوَالٍ كَثِيرَةٍ مِنْهَا هَذَا : أَنَّهُ ضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الذِّلَّةُ أَيْنَمَا ثُقِفُوا إِلَّا بِحَبْلٍ مِنَ اللَّهِ وَحَبْلٍ مِنَ النَّاسِ ، وَضُرِبَتْ عَلَيْهِمُ الْمَسْكَنَةُ ، فَلَا يَعِيشُونَ فِي الْأَرْضِ إِلَّا بِأَنْ يَتَمَسَّكُوا بِحَبَلِ بَعْضِ وُلَاةِ الْأُمُورِ ، الَّذِي لَيْسَ بِمَعْصُومٍ .
وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنْ نِسْبَةٍ إِلَى الْإِسْلَامِ يُظْهِرُونَ بِهَا خِلَافَ مَا فِي قُلُوبِهِمْ ، فَمَا جَاءَ بِهِ الْكِتَابُ وَالسُّنَّةُ يَشْهَدُ لَهُ مَا يُرِينَا اللَّهُ مِنَ الْآيَاتِ فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِنَا . قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=53سَنُرِيهِمْ آيَاتِنَا فِي الْآفَاقِ وَفِي أَنْفُسِهِمْ حَتَّى يَتَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّهُ الْحَقُّ ) [ سُورَةُ فُصِّلَتْ : 53 ] .
[ ص: 418 ] وَمِمَّا أَرَانَا أَنْ رَأَيْنَا
[31] آثَارَ
[32] سَبِيلِ الْمُتَّبِعِينَ لِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَعْصُومِ ، أَصْلَحَ فِي دِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ مِنْ سَبِيلِ الْإِمَامِ الْمَعْصُومِ بِزَعْمِهِمْ . وَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ مُتَّبِعُونَ لِلرَّسُولِ ، فَهُمْ مِنْ أَجْهَلِ النَّاسِ بِأَقْوَالِهِ وَأَفْعَالِهِ وَأَحْوَالِهِ .
وَهَذَا الَّذِي ذَكَرْتُهُ كُلُّ مَنِ اسْتَقْرَأَهُ فِي الْعَالَمِ وَجَدَهُ ، وَقَدْ حَدَّثَنِي الثِّقَاتُ الَّذِينَ لَهُمْ خِبْرَةٌ بِالْبِلَادِ الَّذِينَ خَبَرُوا حَالَ أَهْلِهَا بِمَا يُبَيِّنُ ذَلِكَ .
وَمِثَالُ ذَلِكَ أَنَّهُ يُوجَدُ فِي
الْحِجَازِ وَسَوَاحِلِ
الشَّامِ مِنَ
الرَّافِضَةِ مَنْ يَنْتَحِلُونَ الْمَعْصُومَ . وَقَدْ رَأَيْنَا حَالَ مَنْ كَانَ بِسَوَاحِلِ
الشَّامِ ، مِثْلِ
جَبَلِ كَسْرُوانَ وَغَيْرِهِ ، وَبَلَغَنَا أَخْبَارُ غَيْرِهِمْ ، فَمَا رَأَيْنَا فِي الْعَالَمِ طَائِفَةً أَسْوَأَ مِنْ حَالِهِمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، وَرَأَيْنَا الَّذِينَ هُمْ تَحْتَ سِيَاسَةِ الْمُلُوكِ عَلَى الْإِطْلَاقِ خَيْرًا مِنْ حَالِهِمْ .
فَمَنْ كَانَ تَحْتَ سِيَاسَةِ مُلُوكِ الْكُفَّارِ حَالُهُمْ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا أَحْسَنُ مِنْ أَحْوَالِ مَلَاحِدَتِهِمْ ،
كَالنُّصَيْرِيَّةِ وَالْإِسْمَاعِيلِيَّةِ وَنَحْوِهِمْ مِنَ الْغُلَاةِ الَّذِينَ يَدَّعُونَ الْإِلَهِيَّةَ وَالنُّبُوَّةَ فِي غَيْرِ الرَّسُولِ ، أَوْ يَتَخَلَّوْنَ
[33] عَنْ هَذَا كُلِّهِ وَيَعْتَقِدُونَ دِينَ الْإِسْلَامِ ،
كَالْإِمَامِيَّةِ وَالزَّيْدِيَّةِ .
فَكُلُّ طَائِفَةٍ تَحْتَ سِيَاسَةِ مُلُوكِ السُّنَّةِ ، وَلَوْ أَنَّ الْمَلِكَ كَانَ أَظْلَمَ الْمُلُوكِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا ، حَالُهُ خَيْرٌ مِنْ حَالِهِمْ ، فَإِنَّ الْأَمْرَ الَّذِي يَشْتَرِكُ
[ ص: 419 ] فِيهِ
أَهْلُ السُّنَّةِ ، وَيَمْتَازُونَ بِهِ عَنِ ( *
الرَّافِضَةِ ، تَقُومُ
[34] بِهِ مَصَالِحُ الْمُدُنِ وَأَهْلِهَا عَلَى بَعْضِ الْوُجُوهِ . وَأَمَّا الْأَمْرُ الَّذِي يَشْتَرِكُ فِيهِ
الرَّافِضَةُ وَيَمْتَازُونَ بِهِ عَنْ * )
[35] أَهْلِ السُّنَّةِ فَلَا تَقُومُ بِهِ مَصْلَحَةُ مَدِينَةٍ وَاحِدَةٍ وَلَا قَرْيَةٍ ، وَلَا تَجِدُ
[36] أَهْلَ مَدِينَةٍ وَلَا قَرْيَةٍ يَغْلِبُ عَلَيْهِمُ الرَّفْضُ ، إِلَّا وَلَا بُدَّ لَهُمْ مِنَ الِاسْتِعَانَةِ بِغَيْرِهِمْ : إِمَّا مِنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَإِمَّا مِنَ الْكُفَّارِ .
وَإِلَّا
فَالرَّافِضَةُ وَحْدَهُمْ لَا يَقُومُ أَمْرُهُمْ [ قَطُّ ]
[37] ، كَمَا أَنَّ
الْيَهُودَ [38] وَحْدَهُمْ لَا يَقُومُ أَمْرُهُمْ قَطُّ ، بِخِلَافِ
أَهْلِ السُّنَّةِ ، فَإِنَّ مَدَائِنَ كَثِيرَةً مِنْ
أَهْلِ السُّنَّةِ يَقُومُونَ بِدِينِهِمْ وَدُنْيَاهُمْ ، لَا يُحْوِجُهُمُ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى إِلَى كَافِرٍ وَلَا رَافِضِيٍّ .
وَالْخُلَفَاءُ الثَّلَاثَةُ فَتَحُوا الْأَمْصَارَ ، وَأَظْهَرُوا الدِّينَ فِي مَشَارِقِ الْأَرْضِ وَمَغَارِبِهَا ، وَلَمْ يَكُنْ مَعَهُمْ رَافِضِيٌّ .
بَلْ
بَنُو أُمَيَّةَ بَعْدَهُمْ ، مَعَ انْحِرَافِ كَثِيرٍ مِنْهُمْ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَسَبِّ بَعْضِهِمْ لَهُ ، غَلَبُوا عَلَى مَدَائِنِ الْإِسْلَامِ كُلِّهَا ، مِنْ مَشْرِقِ الْأَرْضِ إِلَى مَغْرِبِهَا ، وَكَانَ الْإِسْلَامُ فِي زَمَنِهِمْ أَعَزَّ مِنْهُ فِيمَا بَعْدَ ذَلِكَ بِكَثِيرٍ ، وَلَمْ يَنْتَظِمْ بَعْدَ انْقِرَاضِ دَوْلَتِهِمُ الْعَامَّةِ لَمَّا جَاءَتْهُمُ الدَّوْلَةُ الْعَبَّاسِيَّةُ ، صَارَ إِلَى الْغَرْبِ
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ هِشَامٍ الدَّاخِلُ إِلَى
الْمَغْرِبِ ، الَّذِي يُسَمَّى
صَقْرَ قُرَيْشٍ ، وَاسْتَوْلَى هُوَ - وَمَنْ بَعْدَهُ - عَلَى بِلَادِ الْغَرْبِ ، وَأَظْهَرُوا الْإِسْلَامَ فِيهَا
[ ص: 420 ] وَأَقَامُوهُ وَقَمَعُوا مَنْ يَلِيهِمْ مِنَ الْكُفَّارِ ، وَكَانَتْ لَهُمْ مِنَ السِّيَاسَةِ فِي الدِّينِ وَالدُّنْيَا مَا هُوَ مَعْرُوفٌ عِنْدَ النَّاسِ .
وَكَانُوا مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَذَاهِبِ
أَهْلِ الْعِرَاقِ ، فَضْلًا عَنْ أَقْوَالِ
الشِّيعَةِ [39] ، وَإِنَّمَا كَانُوا عَلَى مَذْهَبِ
أَهْلِ الْمَدِينَةِ ، وَكَانَ
أَهْلُ الْعِرَاقِ عَلَى مَذْهَبِ
nindex.php?page=showalam&ids=13760الْأَوْزَاعِيِّ وَأَهْلِ الشَّامِ ، وَكَانُوا يُعَظِّمُونَ مَذْهَبَ أَهْلِ الْحَدِيثِ ، وَيَنْصُرُهُ بَعْضُهُمْ فِي كَثِيرٍ مِنَ الْأُمُورِ ، وَهُمْ مِنْ أَبْعَدِ النَّاسِ عَنْ مَذْهَبِ
الشِّيعَةِ ، وَكَانَ فِيهِمْ مِنَ الْهَاشِمِيِّينَ الْحُسَيْنِيِّينَ
[40] كَثِيرٌ ، وَمِنْهُمْ مَنْ صَارَ مِنْ وُلَاةِ الْأُمُورِ عَلَى مَذْهَبِ
أَهْلِ السُّنَّةِ وَالْجَمَاعَةِ .
وَيُقَالُ : إِنَّ فِيهِمْ مَنْ كَانَ يَسْكُتُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، فَلَا يُرَبِّعُ بِهِ
[41] فِي الْخِلَافَةِ ؛ لِأَنَّ الْأُمَّةَ لَمْ تَجْتَمِعْ عَلَيْهِ ، وَلَا يَسُبُّونَهُ كَمَا كَانَ بَعْضُ
الشِّيعَةِ يَسُبُّهُ .
وَقَدْ صَنَّفَ بَعْضُ عُلَمَاءِ الْغَرْبِ كِتَابًا كَبِيرًا فِي الْفُتُوحِ فَذَكَرَ فُتُوحَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَفُتُوحَ الْخُلَفَاءِ بَعْدَهُ :
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا مَعَ حُبِّهِ لَهُ وَمُوَالَاتِهِ لَهُ ، لِأَنَّهُ لَمْ يَكُنْ فِي زَمَنِهِ فُتُوحٌ .
nindex.php?page=treesubj&link=29668وَعُلَمَاءُ السُّنَّةِ كُلُّهُمْ : nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ وَأَصْحَابُهُ ، nindex.php?page=showalam&ids=13760وَالْأَوْزَاعِيُّ وَأَصْحَابُهُ ، nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيُّ وَأَصْحَابُهُ ، nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ وَأَصْحَابُهُ ، nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ وَأَصْحَابُهُ ، وَغَيْرُ هَؤُلَاءِ كُلُّهُمْ يُحِبُّ الْخُلَفَاءَ وَيَتَوَلَّاهُمْ وَيَعْتَقِدُ إِمَامَتَهُمْ ، وَيُنْكِرُ عَلَى مَنْ يَذْكُرُ أَحَدًا مِنْهُمْ بِسُوءٍ ، فَلَا يَسْتَجِيزُونَ ذِكْرَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَلَا
nindex.php?page=showalam&ids=7عُثْمَانَ وَلَا غَيْرِهِمَا بِمَا يَقُولُهُ
الرَّافِضَةُ وَالْخَوَارِجُ .
[ ص: 421 ] وَكَانَ صَارَ إِلَى
الْمَغْرِبِ طَوَائِفُ مِنَ
الْخَوَارِجِ وَالرَّوَافِضِ ، كَمَا كَانَ هَؤُلَاءِ فِي الْمَشْرِقِ ، وَفِي بِلَادٍ كَثِيرَةٍ مِنْ بِلَادِ الْإِسْلَامِ . وَلَكِنَّ قَوَاعِدَ هَذِهِ الْمَدَائِنِ لَا تَسْتَمِرُّ عَلَى شَيْءٍ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ ، بَلْ إِذَا ظَهَرَ فِيهَا شَيْءٌ مِنْ هَذِهِ الْمَذَاهِبِ مُدَّةً أَقَامَ اللَّهُ مَا بَعَثَ بِهِ
مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنَ الْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ الَّذِي يَظْهَرُ [ عَلَى ] بَاطِلِهِمْ
[42] .
وَبَنُو عُبَيْدٍ يَتَظَاهَرُونَ بِالتَّشَيُّعِ ، وَاسْتَوْلَوْا مِنَ
الْمَغْرِبِ عَلَى مَا اسْتَوْلَوْا عَلَيْهِ ، وَبَنُوا
الْمَهْدِيَّةِ . ثُمَّ جَاءُوا إِلَى
مِصْرَ ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَيْهَا مِائَتَيْ سَنَةٍ ، وَاسْتَوْلَوْا عَلَى
الْحِجَازِ وَالشَّامِ نَحْوَ مِائَةِ سَنَةٍ ، وَمَلَكُوا
بَغْدَادَ فِي فِتْنَةِ
الْبَسَاسِيرِيِّ [43] ، وَانْضَمَّ إِلَيْهِمُ الْمَلَاحِدَةُ فِي شَرْقِ الْأَرْضِ وَغَرْبِهَا ، وَأَهْلُ الْبِدَعِ وَالْأَهْوَاءِ تُحِبُّ ذَلِكَ مِنْهُمْ ، وَمَعَ هَذَا فَكَانُوا مُحْتَاجِينَ إِلَى
أَهْلِ السُّنَّةِ ، وَمُحْتَاجِينَ إِلَى مُصَانَعَتِهِمْ وَالتَّقِيَّةِ لَهُمْ .