[ ص: 266 ] فصل
قال
الرافضي [1] : " البرهان الخامس والثلاثون : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119ياأيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين ) [ سورة التوبة : 119 ] أوجب الله علينا الكون مع المعلوم منهم الصدق ، وليس إلا المعصوم لتجويز الكذب في غيره ، فيكون هو
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا ; إذ لا معصوم من الأربعة سواه . وفي حديث
أبي نعيم عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنها نزلت في
nindex.php?page=showalam&ids=8علي " .
والجواب من وجوه : أحدها : أن الصديق مبالغة في الصادق ، فكل صديق صادق وليس كل صادق صديقا .
nindex.php?page=treesubj&link=31180_31146_31145 nindex.php?page=showalam&ids=1وأبو بكر - رضي الله عنه - قد ثبت أنه صديق بالأدلة الكثيرة ، فيجب أن تتناوله الآية قطعا وأن تكون معه ، بل تناولها له أولى من تناولها لغيره من الصحابة . وإذا كنا معه مقرين بخلافته ، امتنع أن نقر بأن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا كان هو الإمام دونه ، فالآية تدل على نقيض مطلوبهم .
الثاني : أن يقال :
nindex.php?page=showalam&ids=8علي إما أن يكون صديقا وإما أن لا يكون ، فإن لم يكن صديقا
فأبو بكر الصديق ، فالكون مع الصادق الصديق أولى من الكون مع الصادق الذي ليس بصديق . وإن كان صديقا
nindex.php?page=showalam&ids=2فعمر nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان أيضا صديقون ، وحينئذ فإذا كان الأربعة صديقين ، لم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=8علي مختصا
[ ص: 267 ] بذلك ، ولا بكونه صادقا ، فلا يتعين الكون مع واحد دون الثلاثة . بل لو قدرنا التعارض لكان الثلاثة أولى من الواحد ، فإنهم أكثر عددا ، لا سيما وهم أكمل في الصدق .
الثالث : أن يقال : هذه الآية نزلت في
nindex.php?page=treesubj&link=30880_33963_32369قصة nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك لما تخلف عن غزوة تبوك ، وصدق النبي - صلى الله عليه وسلم - في أنه لم يكن له عذر ، وتاب الله عليه ببركة الصدق ، وكان جماعة أشاروا عليه بأن يعتذر ويكذب ، كما اعتذر غيره من المنافقين وكذبوا . وهذا ثابت في الصحاح والمساند
[2] وكتب التفسير والسير ، والناس متفقون عليه
[3] .
ومعلوم أنه لم يكن
nindex.php?page=showalam&ids=8لعلي اختصاص في هذه القصة ، بل قال
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك : " فقام إلي
nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة يهرول فعانقني ، والله ما قام إلي من
المهاجرين غيره "
[4] فكان
كعب لا ينساها
nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة . وإذا كان كذلك بطل حملها على
nindex.php?page=showalam&ids=8علي وحده .
الوجه الرابع : أن هذه الآية نزلت في هذه القصة ، ولم يكن أحد يقال : إنه معصوم ، لا
nindex.php?page=showalam&ids=8علي ولا غيره . فعلم أن الله أراد (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119مع الصادقين ) ولم يشترط كونه معصوما .
الخامس : أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119مع الصادقين ) وهذه صيغة جمع ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وعلي واحد ، فلا يكون هو المراد وحده .
السادس : أن قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119مع الصادقين ) إما أن يراد : كونوا معهم في
[ ص: 268 ] الصدق وتوابعه ، فاصدقوا كما يصدق الصادقون ، ولا تكونوا مع الكاذبين . كما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43واركعوا مع الراكعين ) [ سورة البقرة : 43 ] ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69ومن يطع الله والرسول فأولئك مع الذين أنعم الله عليهم من النبيين والصديقين والشهداء والصالحين ) [ سورة النساء : 69 ] ، وكما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=146فأولئك مع المؤمنين وسوف يؤت الله المؤمنين أجرا عظيما ) [ سورة النساء : 146 ] .
وإما أن يراد به : كونوا مع الصادقين في كل شيء ، وإن لم يتعلق
[5] بالصدق .
والثاني باطل فإن الإنسان لا يجب عليه أن يكون مع الصادقين في المباحات ، كالأكل والشرب واللباس ونحو ذلك . فإذا كان الأول هو الصحيح ، فليس في هذا أمر
[6] بالكون مع شخص معين ، بل المقصود : اصدقوا ولا تكذبوا .
كما قال النبي - صلى الله عليه وسلم - في الحديث الصحيح : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661729عليكم بالصدق ; فإن الصدق يهدي إلى البر ، وإن البر [7] يهدي إلى الجنة ، ولا يزال الرجل يصدق ويتحرى الصدق حتى يكتب عند الله صديقا . وإياك والكذب ، فإن الكذب يهدي إلى الفجور ، وإن الفجور يهدي إلى النار ، ولا يزال الرجل يكذب ويتحرى الكذب حتى يكتب عند الله كذابا "
[8] .
[ ص: 269 ] وهذا كما يقال : كن مع المؤمنين ، كن مع الأبرار . أي ادخل معهم
[9] في هذا الوصف وجامعهم عليه ، ليس المراد : أنك مأمور بطاعتهم في كل شيء .
الوجه السابع : أن يقال : إذا أريد : كونوا مع الصادقين مطلقا ، فذلك لأن الصدق مستلزم لسائر البر ، كقول
[10] النبي - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661729عليكم بالصدق ، فإن الصدق يهدي إلى البر " الحديث . وحينئذ فهذا وصف ثابت لكل من اتصف به .
الثامن : أن يقال : إن الله أمرنا أن نكون مع الصادقين ، ولم يقل : مع المعلوم فيهم الصدق ، كما أنه قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم وأقيموا الشهادة لله ) [ سورة الطلاق : 2 ] لم يقل : من علمتم أنهم ذوو عدل منكم . وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إن الله يأمركم أن تؤدوا الأمانات إلى أهلها ) [ سورة النساء : 58 ] لم يقل : إلى من علمتم أنهم أهلها . وكما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وإذا حكمتم بين الناس أن تحكموا بالعدل ) [ سورة النساء : 58 ] لم يقل : بما علمتم أنه عدل ، لكن علق الحكم بالوصف .
ونحن علينا الاجتهاد بحسب الإمكان في معرفة الصدق والعدالة وأهل الأمانة والعدل ، ولسنا مكلفين في ذلك بعلم الغيب . كما أن النبي - صلى الله عليه وسلم - المأمور أن يحكم بالعدل قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=95427إنكم تختصمون إلي ، ولعل بعضكم أن يكون ألحن بحجته من بعض ، [11] وإنما أقضي بنحو مما [12] أسمع ، فمن قضيت له من حق أخيه شيئا فلا يأخذه ، فإنما أقطع له من النار [13] .
[ ص: 270 ] الوجه التاسع : هب أن المراد : من المعلوم فيهم الصدق ، لكن العلم كالعلم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فإن علمتموهن مؤمنات ) [ سورة الممتحنة : 10 ] والإيمان أخفى من الصدق . فإذا كان العلم المشروط هناك يمتنع أن يقال فيه : ليس إلا العلم بالمعصوم ، كذلك هنا يمتنع أن يقال : لا يعلم إلا صدق المعصوم
[14] .
الوجه العاشر : هب
[15] أن المراد : علمنا صدقه ، لكن يقال : إن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وعمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وعثمان ونحوهم ممن علم صدقهم ، وأنهم لا يتعمدون الكذب ، وإن جاز عليهم الخطأ أو بعض الذنوب ، فإن الكذب أعظم . ولهذا ترد شهادة الشاهد بالكذبة الواحدة في أحد قولي العلماء ، وهو إحدى الروايتين عن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد . وقد روي في ذلك حديث مرسل
[16] . ونحن قد نعلم يقينا أن هؤلاء لم يكونوا يتعمدون الكذب على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بل ولا يتعمدون الكذب بحال . ولا نسلم أنا لا نعلم انتفاء الكذب إلا عمن يعلم أنه معصوم مطلقا ، بل كثير من الناس إذا اختبرته تيقنت أنه لا يكذب ، وإن كان يخطئ ويذنب ذنوبا أخرى . ولا نسلم أن كل من ليس بمعصوم يجوز أن يتعمد الكذب .
وهذا خلاف الواقع ، فإن
nindex.php?page=treesubj&link=18981الكذب لا يتعمده إلا من هو من شر الناس . وهؤلاء الصحابة لم يكن فيهم من يتعمد الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - وأهل العلم يعلمون بالاضطرار أن مثل
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=16102وشعبة ،
ويحيى بن [ ص: 271 ] سعيد ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004والثوري ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790والشافعي ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وأحمد ونحوهم ، لم يكونوا يتعمدون الكذب على النبي - صلى الله عليه وسلم - بل ولا على غيره ، فكيف
nindex.php?page=showalam&ids=12بابن عمر ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وابن عباس ،
وأبى سعيد وغيرهم ؟ .
الوجه الحادي عشر : أنه لو قدر أن المراد به : المعصوم لا نسلم الإجماع على انتفاء العصمة من غير
[17] nindex.php?page=showalam&ids=8علي ، كما تقدم بيان ذلك ; فإن كثيرا من الناس الذين هم خير من
الرافضة يدعون في شيوخهم هذا المعنى ، وإن غيروا عبارته . وأيضا فنحن لا نسلم انتفاء عصمتهم مع ثبوت عصمته ، بل إما انتفاء الجميع وإما ثبوت الجميع .
[ ص: 266 ] فَصْلٌ
قَالَ
الرَّافِضِيُّ [1] : " الْبُرْهَانُ الْخَامِسُ وَالثَّلَاثُونَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَاأَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ ) [ سُورَةُ التَّوْبَةِ : 119 ] أَوْجَبَ اللَّهُ عَلَيْنَا الْكَوْنَ مَعَ الْمَعْلُومِ مِنْهُمُ الصِّدْقُ ، وَلَيْسَ إِلَّا الْمَعْصُومُ لِتَجْوِيزِ الْكَذِبِ فِي غَيْرِهِ ، فَيَكُونُ هُوَ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا ; إِذْ لَا مَعْصُومَ مِنَ الْأَرْبَعَةِ سِوَاهُ . وَفِي حَدِيثِ
أَبِي نُعَيْمٍ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهَا نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ " .
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الصِّدِّيقَ مُبَالَغَةٌ فِي الصَّادِقِ ، فَكُلُّ صِدِّيقٍ صَادِقٌ وَلَيْسَ كُلُّ صَادِقٍ صِدِّيقًا .
nindex.php?page=treesubj&link=31180_31146_31145 nindex.php?page=showalam&ids=1وَأَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَدْ ثَبَتَ أَنَّهُ صِدِّيقٌ بِالْأَدِلَّةِ الْكَثِيرَةِ ، فَيَجِبُ أَنْ تَتَنَاوَلَهُ الْآيَةُ قَطْعًا وَأَنْ تَكُونَ مَعَهُ ، بَلْ تَنَاوُلُهَا لَهُ أَوْلَى مِنْ تَنَاوُلِهَا لِغَيْرِهِ مِنَ الصَّحَابَةِ . وَإِذَا كُنَّا مَعَهُ مُقِرِّينَ بِخِلَافَتِهِ ، امْتَنَعَ أَنْ نُقِرَّ بِأَنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا كَانَ هُوَ الْإِمَامَ دُونَهُ ، فَالْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى نَقِيضِ مَطْلُوبِهِمْ .
الثَّانِي : أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ إِمَّا أَنْ يَكُونَ صِدِّيقًا وَإِمَّا أَنْ لَا يَكُونَ ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ صِدِّيقًا
فَأَبُو بَكْرٍ الصِّدِّيقُ ، فَالْكَوْنُ مَعَ الصَّادِقِ الصِّدِّيقِ أَوْلَى مِنَ الْكَوْنِ مَعَ الصَّادِقِ الَّذِي لَيْسَ بِصِدِّيقٍ . وَإِنْ كَانَ صِدِّيقًا
nindex.php?page=showalam&ids=2فَعُمَرُ nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانُ أَيْضًا صِدِّيقُونَ ، وَحِينَئِذٍ فَإِذَا كَانَ الْأَرْبَعَةُ صِدِّيقِينَ ، لَمْ يَكُنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ مُخْتَصًّا
[ ص: 267 ] بِذَلِكَ ، وَلَا بِكَوْنِهِ صَادِقًا ، فَلَا يَتَعَيَّنُ الْكَوْنُ مَعَ وَاحِدٍ دُونَ الثَّلَاثَةِ . بَلْ لَوْ قَدَّرْنَا التَّعَارُضَ لَكَانَ الثَّلَاثَةُ أَوْلَى مِنَ الْوَاحِدِ ، فَإِنَّهُمْ أَكْثَرُ عَدَدًا ، لَا سِيَّمَا وَهُمْ أَكْمَلُ فِي الصِّدْقِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يُقَالَ : هَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=30880_33963_32369قِصَّةِ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ لَمَّا تَخَلَّفَ عَنْ غَزْوَةِ تَبُوكَ ، وَصَدَقَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لَهُ عُذْرٌ ، وَتَابَ اللَّهُ عَلَيْهِ بِبَرَكَةِ الصِّدْقِ ، وَكَانَ جَمَاعَةٌ أَشَارُوا عَلَيْهِ بِأَنْ يَعْتَذِرَ وَيَكْذِبَ ، كَمَا اعْتَذَرَ غَيْرُهُ مِنَ الْمُنَافِقِينَ وَكَذَبُوا . وَهَذَا ثَابِتٌ فِي الصِّحَاحِ وَالْمَسَانِدِ
[2] وَكُتُبِ التَّفْسِيرِ وَالسِّيَرِ ، وَالنَّاسُ مُتَّفِقُونَ عَلَيْهِ
[3] .
وَمَعْلُومٌ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ
nindex.php?page=showalam&ids=8لِعَلِيٍّ اخْتِصَاصٌ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ، بَلْ قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : " فَقَامَ إِلَيَّ
nindex.php?page=showalam&ids=55طَلْحَةُ يُهَرْوِلُ فَعَانَقَنِي ، وَاللَّهِ مَا قَامَ إِلَيَّ مِنَ
الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ "
[4] فَكَانَ
كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا
nindex.php?page=showalam&ids=55لِطَلْحَةَ . وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ بَطَلَ حَمْلُهَا عَلَى
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ وَحْدَهُ .
الْوَجْهُ الرَّابِعُ : أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي هَذِهِ الْقِصَّةِ ، وَلَمْ يَكُنْ أَحَدٌ يُقَالُ : إِنَّهُ مَعْصُومٌ ، لَا
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ وَلَا غَيْرُهُ . فَعَلِمَ أَنَّ اللَّهَ أَرَادَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119مَعَ الصَّادِقِينَ ) وَلَمْ يُشْتَرَطْ كَوْنُهُ مَعْصُومًا .
الْخَامِسُ : أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119مَعَ الصَّادِقِينَ ) وَهَذِهِ صِيغَةُ جَمْعٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=8وَعَلِيٌّ وَاحِدٌ ، فَلَا يَكُونُ هُوَ الْمُرَادَ وَحْدَهُ .
السَّادِسُ : أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119مَعَ الصَّادِقِينَ ) إِمَّا أَنْ يُرَادَ : كُونُوا مَعَهُمْ فِي
[ ص: 268 ] الصِّدْقِ وَتَوَابِعِهِ ، فَاصْدُقُوا كَمَا يَصْدُقُ الصَّادِقُونَ ، وَلَا تَكُونُوا مَعَ الْكَاذِبِينَ . كَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=43وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 43 ] ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=69وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُولَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 69 ] ، وَكَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=146فَأُولَئِكَ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ وَسَوْفَ يُؤْتِ اللَّهُ الْمُؤْمِنِينَ أَجْرًا عَظِيمًا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 146 ] .
وَإِمَّا أَنْ يُرَادَ بِهِ : كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، وَإِنْ لَمْ يَتَعَلَّقْ
[5] بِالصِّدْقِ .
وَالثَّانِي بَاطِلٌ فَإِنَّ الْإِنْسَانَ لَا يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ فِي الْمُبَاحَاتِ ، كَالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَاللِّبَاسِ وَنَحْوِ ذَلِكَ . فَإِذَا كَانَ الْأَوَّلُ هُوَ الصَّحِيحَ ، فَلَيْسَ فِي هَذَا أَمْرٌ
[6] بِالْكَوْنِ مَعَ شَخْصٍ مُعَيَّنٍ ، بَلِ الْمَقْصُودُ : اصْدُقُوا وَلَا تَكْذِبُوا .
كَمَا قَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661729عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ; فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ ، وَإِنَّ الْبِرَّ [7] يَهْدِي إِلَى الْجَنَّةِ ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَصْدُقُ وَيَتَحَرَّى الصِّدْقَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ صِدِّيقًا . وَإِيَّاكَ وَالْكَذِبَ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ يَهْدِي إِلَى الْفُجُورِ ، وَإِنَّ الْفُجُورَ يَهْدِي إِلَى النَّارِ ، وَلَا يَزَالُ الرَّجُلُ يَكْذِبُ وَيَتَحَرَّى الْكَذِبَ حَتَّى يُكْتَبَ عِنْدَ اللَّهِ كَذَّابًا "
[8] .
[ ص: 269 ] وَهَذَا كَمَا يُقَالُ : كُنْ مَعَ الْمُؤْمِنِينَ ، كُنْ مَعَ الْأَبْرَارِ . أَيِ ادْخُلْ مَعَهُمْ
[9] فِي هَذَا الْوَصْفِ وَجَامِعْهُمْ عَلَيْهِ ، لَيْسَ الْمُرَادُ : أَنَّكَ مَأْمُورٌ بِطَاعَتِهِمْ فِي كُلِّ شَيْءٍ .
الْوَجْهُ السَّابِعُ : أَنْ يُقَالَ : إِذَا أُرِيدَ : كُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ مُطْلَقًا ، فَذَلِكَ لِأَنَّ الصِّدْقَ مُسْتَلْزِمٌ لِسَائِرِ الْبِرِّ ، كَقَوْلِ
[10] النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661729عَلَيْكُمْ بِالصِّدْقِ ، فَإِنَّ الصِّدْقَ يَهْدِي إِلَى الْبِرِّ " الْحَدِيثَ . وَحِينَئِذٍ فَهَذَا وَصْفٌ ثَابِتٌ لِكُلِّ مَنِ اتَّصَفَ بِهِ .
الثَّامِنُ : أَنْ يُقَالَ : إِنَّ اللَّهَ أَمَرَنَا أَنْ نَكُونَ مَعَ الصَّادِقِينَ ، وَلَمْ يَقُلْ : مَعَ الْمَعْلُومِ فِيهِمُ الصِّدْقُ ، كَمَا أَنَّهُ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ وَأَقِيمُوا الشَّهَادَةَ لِلَّهِ ) [ سُورَةُ الطَّلَاقِ : 2 ] لَمْ يَقُلْ : مَنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ ذَوُو عَدْلٍ مِنْكُمْ . وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الْأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 58 ] لَمْ يَقُلْ : إِلَى مَنْ عَلِمْتُمْ أَنَّهُمْ أَهْلُهَا . وَكَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=58وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ ) [ سُورَةُ النِّسَاءِ : 58 ] لَمْ يَقُلْ : بِمَا عَلِمْتُمْ أَنَّهُ عَدْلٌ ، لَكِنْ عَلَّقَ الْحُكْمَ بِالْوَصْفِ .
وَنَحْنُ عَلَيْنَا الِاجْتِهَادُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ فِي مَعْرِفَةِ الصِّدْقِ وَالْعَدَالَةِ وَأَهْلِ الْأَمَانَةِ وَالْعَدْلِ ، وَلَسْنَا مُكَلَّفِينَ فِي ذَلِكَ بِعِلْمِ الْغَيْبِ . كَمَا أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْمَأْمُورُ أَنْ يَحْكُمَ بِالْعَدْلِ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=95427إِنَّكُمْ تَخْتَصِمُونَ إِلَيَّ ، وَلَعَلَّ بَعْضَكُمْ أَنْ يَكُونَ أَلْحَنَ بِحُجَّتِهِ مِنْ بَعْضٍ ، [11] وَإِنَّمَا أَقْضِي بِنَحْوٍ مِمَّا [12] أَسْمَعُ ، فَمَنْ قَضَيْتُ لَهُ مِنْ حَقِّ أَخِيهِ شَيْئًا فَلَا يَأْخُذْهُ ، فَإِنَّمَا أَقْطَعُ لَهُ مِنَ النَّارِ [13] .
[ ص: 270 ] الْوَجْهُ التَّاسِعُ : هَبْ أَنَّ الْمُرَادَ : مِنَ الْمَعْلُومِ فِيهِمُ الصِّدْقُ ، لَكِنَّ الْعِلْمَ كَالْعِلْمِ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=60&ayano=10فَإِنْ عَلِمْتُمُوهُنَّ مُؤْمِنَاتٍ ) [ سُورَةُ الْمُمْتَحِنَةِ : 10 ] وَالْإِيمَانُ أَخْفَى مِنَ الصِّدْقِ . فَإِذَا كَانَ الْعِلْمُ الْمَشْرُوطُ هُنَاكَ يُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ فِيهِ : لَيْسَ إِلَّا الْعِلْمُ بِالْمَعْصُومِ ، كَذَلِكَ هُنَا يُمْتَنَعُ أَنْ يُقَالَ : لَا يُعْلَمُ إِلَّا صِدْقُ الْمَعْصُومِ
[14] .
الْوَجْهُ الْعَاشِرُ : هَبْ
[15] أَنَّ الْمُرَادَ : عَلِمْنَا صِدْقَهُ ، لَكِنْ يُقَالُ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=2وَعُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=7وَعُثْمَانَ وَنَحْوَهُمْ مِمَّنْ عُلِمَ صِدْقُهُمْ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ ، وَإِنْ جَازَ عَلَيْهِمُ الْخَطَأُ أَوْ بَعْضُ الذُّنُوبِ ، فَإِنَّ الْكَذِبَ أَعْظَمُ . وَلِهَذَا تَرِدُ شَهَادَةُ الشَّاهِدِ بِالْكَذِبَةِ الْوَاحِدَةِ فِي أَحَدِ قَوْلَيِ الْعُلَمَاءِ ، وَهُوَ إِحْدَى الرِّوَايَتَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ . وَقَدْ رُوِيَ فِي ذَلِكَ حَدِيثٌ مُرْسَلٌ
[16] . وَنَحْنُ قَدْ نَعْلَمُ يَقِينًا أَنَّ هَؤُلَاءِ لَمْ يَكُونُوا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَلَا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ بِحَالٍ . وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّا لَا نَعْلَمُ انْتِفَاءَ الْكَذِبِ إِلَّا عَمَّنْ يُعْلَمُ أَنَّهُ مَعْصُومٌ مُطْلَقًا ، بَلْ كَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ إِذَا اخْتَبَرْتَهُ تَيَقَّنْتَ أَنَّهُ لَا يَكْذِبُ ، وَإِنْ كَانَ يُخْطِئُ وَيُذْنِبُ ذُنُوبًا أُخْرَى . وَلَا نُسَلِّمُ أَنَّ كُلَّ مَنْ لَيْسَ بِمَعْصُومٍ يَجُوزُ أَنْ يَتَعَمَّدَ الْكَذِبَ .
وَهَذَا خِلَافُ الْوَاقِعِ ، فَإِنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=18981الْكَذِبَ لَا يَتَعَمَّدُهُ إِلَّا مَنْ هُوَ مِنْ شَرِّ النَّاسِ . وَهَؤُلَاءِ الصَّحَابَةُ لَمْ يَكُنْ فِيهِمْ مَنْ يَتَعَمَّدُ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَهْلُ الْعِلْمِ يَعْلَمُونَ بِالِاضْطِرَارِ أَنَّ مِثْلَ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16102وَشُعْبَةَ ،
وَيَحْيَى بْنِ [ ص: 271 ] سَعِيدٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16004وَالثَّوْرِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=13790وَالشَّافِعِيِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=12251وَأَحْمَدَ وَنَحْوِهِمْ ، لَمْ يَكُونُوا يَتَعَمَّدُونَ الْكَذِبَ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ وَلَا عَلَى غَيْرِهِ ، فَكَيْفَ
nindex.php?page=showalam&ids=12بِابْنِ عُمَرَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=11وَابْنِ عَبَّاسٍ ،
وَأَبَى سَعِيدٍ وَغَيْرِهِمْ ؟ .
الْوَجْهُ الْحَادِيَ عَشَرَ : أَنَّهُ لَوْ قُدِّرَ أَنَّ الْمُرَادَ بِهِ : الْمَعْصُومُ لَا نُسَلِّمُ الْإِجْمَاعَ عَلَى انْتِفَاءِ الْعِصْمَةِ مِنْ غَيْرِ
[17] nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٍّ ، كَمَا تَقَدَّمَ بَيَانُ ذَلِكَ ; فَإِنَّ كَثِيرًا مِنَ النَّاسِ الَّذِينَ هُمْ خَيْرٌ مِنَ
الرَّافِضَةِ يَدَّعُونَ فِي شُيُوخِهِمْ هَذَا الْمَعْنَى ، وَإِنْ غَيَّرُوا عِبَارَتَهُ . وَأَيْضًا فَنَحْنُ لَا نُسَلِّمُ انْتِفَاءَ عِصْمَتِهِمْ مَعَ ثُبُوتِ عِصْمَتِهِ ، بَلْ إِمَّا انْتِفَاءُ الْجَمِيعِ وَإِمَّا ثُبُوتُ الْجَمِيعِ .