فصل
قال
الرافضي [1] :
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31136الأول : " قول nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر : إن لي شيطانا يعتريني ، فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني . ومن شأن الإمام تكميل الرعية ، فكيف يطلب منهم الكمال ؟ "
والجواب من وجوه : أحدها : أن المأثور عنه أنه قال : " إن لي شيطانا يعتريني " يعني [ عند ]
[2] الغضب " فإذا اعتراني فاجتنبوني لا أؤثر في أبشاركم
[3] " . وقال : " أطيعوني ما أطعت الله ، فإن عصيت الله فلا طاعة لي عليكم " . وهذا الذي قاله
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - من أعظم ما يمدح به ، كما سنبينه إن شاء الله تعالى .
[ ص: 267 ] الثاني : أن الشيطان الذي يعتريه قد فسر بأنه يعرض لابن آدم عند الغضب ، فخاف عند الغضب أن يعتدي على أحد من الرعية ; فأمرهم بمجانبته عند الغضب .
كما ثبت في الصحيح عن النبي - صلى الله عليه وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=678820لا يقضي القاضي بين اثنين وهو غضبان "
[4] ; فنهى عن الحكم عند
[5] الغضب ، وهذا هو الذي أراده
[6] أبو بكر ، أراد أن لا يحكم وقت الغضب ، وأمرهم
[7] أن لا يطلبوا منه حكما ، أو يحملوه
[8] على حكم في هذا الحال . وهذا من طاعته لله ورسوله .
الثالث : أن يقال : الغضب يعتري بني آدم كلهم ، حتى قال سيد ولد
آدم : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=941748اللهم إنما أنا بشر أغضب كما يغضب البشر ، وإني اتخذت عندك عهدا لن تخلفنيه [9] : أيما مؤمن آذيته أو سببته أو جلدته فاجعلها له كفارة [ ص: 268 ] وقربة تقربه إليك يوم القيامة " أخرجاه في الصحيحين عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة [10] .
وأخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم عن
nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661713دخل رجلان على النبي - صلى الله عليه وسلم - فأغضباه ; فسبهما ولعنهما ، فلما خرجا قلت : يا رسول الله من [11] أصاب من الخير ما أصاب هذان [ الرجلان ] [12] . قال : " وما ذاك ؟ " قلت : لعنتهما وسببتهما . قال : " أوما علمت ما شارطت عليه ربي ؟ . قلت : إنما أنا بشر فأي المسلمين سببته أو لعنته [13] فاجعله له زكاة وأجرا [14] " ، وفي رواية
nindex.php?page=showalam&ids=9أنس : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661720إني اشترطت على ربي ، فقلت : إنما أنا بشر أرضى كما يرضى البشر ، وأغضب كما يغضب البشر ، فأيما أحد دعوت عليه من [ ص: 269 ] أمتي بدعوة ليس [15] لها بأهل أن يجعلها له طهورا وزكاة وقربة "
[16] .
وأيضا
فموسى رسول كريم ، وقد أخبر الله عن
[17] غضبه بما ذكره في كتابه
[18] .
فإذا كان مثل هذا لا يقدح في الرسالة ، فكيف يقدح في الإمامة ؟ ! مع أن النبي - صلى الله عليه وسلم - شبه
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر بإبراهيم وعيسى في لينه وحلمه ، وشبه
nindex.php?page=showalam&ids=2عمر بنوح وموسى في شدته في الله . فإذا كانت هذه الشدة لا تنافي الإمامة ، فكيف تنافيها شدة
nindex.php?page=showalam&ids=1أبي بكر ؟ !
الرابع : أن يقال :
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر - رضي الله عنه - قصد بذلك الاحتراز
[19] أن يؤذي أحدا منهم ، فأيما
[20] أكمل : هذا أو غيره ممن غضب على من عصاه ، وقاتلهم وقاتلوه بالسيف ، وسفك دماءهم ؟
فإن قيل : كانوا يستحقون القتال بمعصية الإمام وإغضابه .
قيل : ومن عصى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر وأغضبه كان أحق بذلك ، لكن
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر ترك ما يستحقه ، إن كان علي يستحق ذلك ، وإلا فيمتنع أن يقال : من عصى
[ ص: 270 ] nindex.php?page=showalam&ids=8عليا وأغضبه جاز أنه يقاتله ، ومن عصى
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر لم يجز له تأديبه ; فدل على أن ما فعله
nindex.php?page=showalam&ids=1أبو بكر أكمل
[21] من الذي فعله
nindex.php?page=showalam&ids=8علي .
وفي المسند وغيره عن
أبي برزة أن رجلا أغضب
nindex.php?page=showalam&ids=1أبا بكر . قال
[22] : فقلت له : أتأذن لي أن أضرب عنقه يا خليفة رسول الله ؟ قال : فأذهبت كلمتي غضبه ، ثم قال : ما كانت لأحد بعد رسول الله - صلى الله عليه وسلم
[23] . فلم يستحل أن يقتل مسلما بمجرد مخالفة أمره .
والعلماء في حديث
أبي برزة على قولين : منهم من يقول : مراده أنه لم يكن لأحد أن يقتل أحدا سبه إلا الرسول - صلى الله عليه وسلم . ومنهم من يقول : ما كان لأحد أن يحكم بعلمه في الدماء إلا الرسول .
وقد تخلف عن بيعته
nindex.php?page=showalam&ids=228سعد بن عبادة ، فما آذاه بكلمة ، فضلا عن فعل . وقد قيل : إن
nindex.php?page=showalam&ids=8عليا وغيره امتنعوا عن بيعته ستة أشهر ، فما أزعجهم ، ولا
[24] ألزمهم بيعته . فهل هذا كله إلا من كمال ورعه عن أذى الأمة ، وكمال عدله وتقواه ؟
وهكذا قوله : فإذا اعتراني فاجتنبوني .
الخامس : أن في الصحيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود عن النبي - صلى الله عليه
[ ص: 271 ] وسلم - أنه قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=662042ما منكم من أحد إلا وكل به قرينه من الجن " . قالوا : وإياك يا رسول الله ؟ قال : " وإياي ، ولكن ربي أعانني عليه [25] فأسلم ، فلا يأمرني إلا بخير "
[26] .
وفي الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=662043عن nindex.php?page=showalam&ids=25عائشة قالت : يا رسول الله أومعي [27] شيطان ؟ قال : " نعم " . قالت : ومع كل إنسان ؟ قال : " نعم " قالت : " ومعك يا رسول الله ؟ قال : " نعم ، ولكن ربي أعانني عليه حتى أسلم " [28] . والمراد في أصح القولين : استسلم وانقاد لي . ومن قال : حتى أسلم أنا ، فقد حرف معناه . ومن قال : الشيطان صار مؤمنا
[29] ، فقد حرف لفظه .
وقد قال
موسى لما قتل القبطي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15هذا من عمل الشيطان إنه عدو مضل مبين ) [ سورة القصص : 15 ] ، وقال فتى
موسى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=63وما أنسانيه إلا الشيطان أن أذكره ) [ سورة الكهف : 63 ] . وذكر الله في قصة
آدم وحواء (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فأزلهما الشيطان عنها فأخرجهما مما كانا فيه ) [ سورة البقرة : 36 ] ، وقوله :
[ ص: 272 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20فوسوس لهما الشيطان ليبدي لهما ما ووري عنهما من سوآتهما ) [ سورة الأعراف : 20 ] .
فإذا كان عرض
[30] الشيطان لا يقدح في نبوة الأنبياء - عليهم السلام - فكيف يقدح في إمامة الخلفاء ؟ !
وإن ادعى مدع أن هذه النصوص مئولة .
قيل له : فيجوز لغيرك أن يتأول قول الصديق ، لما ثبت بالدلائل الكثيرة من إيمانه وعلمه ، وتقواه وورعه . فإذا ورد لفظ مجمل يعارض ما علم
[31] . وجب تأويله .
وأما قوله : " فإن استقمت فأعينوني ، وإن زغت فقوموني " ، فهذا من كمال عدله وتقواه ، وواجب على كل إمام أن يقتدي به في ذلك ، وواجب على الرعية أن تعامل الأئمة بذلك ، فإن استقام الإمام
[32] أعانوه على طاعة الله تعالى ، وإن زاغ وأخطأ بينوا له الصواب ودلوه عليه ، وإن تعمد ظلما منعوه منه بحسب الإمكان ، فإذا كان منقادا للحق ،
nindex.php?page=showalam&ids=1كأبي بكر ، فلا عذر لهم في ترك ذلك
[33] ، وإن كان لا يمكن دفع الظلم إلا بما هو أعظم فسادا منه ، لم يدفعوا الشر القليل بالشر الكثير .
فَصْلٌ
قَالَ
الرَّافِضِيُّ [1] :
nindex.php?page=treesubj&link=28833_31136الْأَوَّلُ : " قَوْلُ nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ : إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي ، فَإِنِ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي ، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي . وَمِنْ شَأْنِ الْإِمَامِ تَكْمِيلُ الرَّعِيَّةِ ، فَكَيْفَ يَطْلُبُ مِنْهُمُ الْكَمَالَ ؟ "
وَالْجَوَابُ مِنْ وُجُوهٍ : أَحَدُهَا : أَنَّ الْمَأْثُورَ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّ لِي شَيْطَانًا يَعْتَرِينِي " يَعْنِي [ عِنْدَ ]
[2] الْغَضَبِ " فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي لَا أُؤَثِّرُ فِي أَبْشَارِكُمْ
[3] " . وَقَالَ : " أَطِيعُونِي مَا أَطَعْتُ اللَّهَ ، فَإِنْ عَصَيْتُ اللَّهَ فَلَا طَاعَةَ لِي عَلَيْكُمْ " . وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - مِنْ أَعْظَمِ مَا يُمْدَحُ بِهِ ، كَمَا سَنُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى .
[ ص: 267 ] الثَّانِي : أَنَّ الشَّيْطَانَ الَّذِي يَعْتَرِيهِ قَدْ فُسِّرَ بِأَنَّهُ يَعْرِضُ لِابْنِ آدَمَ عِنْدَ الْغَضَبِ ، فَخَافَ عِنْدَ الْغَضَبِ أَنْ يَعْتَدِيَ عَلَى أَحَدٍ مِنَ الرَّعِيَّةِ ; فَأَمَرَهُمْ بِمُجَانَبَتِهِ عِنْدَ الْغَضَبِ .
كَمَا ثَبَتَ فِي الصَّحِيحِ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=678820لَا يَقْضِي الْقَاضِي بَيْنَ اثْنَيْنِ وَهُوَ غَضْبَانُ "
[4] ; فَنَهَى عَنِ الْحُكْمِ عِنْدَ
[5] الْغَضَبِ ، وَهَذَا هُوَ الَّذِي أَرَادَهُ
[6] أَبُو بَكْرٍ ، أَرَادَ أَنْ لَا يَحْكُمَ وَقْتَ الْغَضَبِ ، وَأَمَرَهُمْ
[7] أَنْ لَا يَطْلُبُوا مِنْهُ حُكْمًا ، أَوْ يَحْمِلُوهُ
[8] عَلَى حُكْمٍ فِي هَذَا الْحَالِ . وَهَذَا مِنْ طَاعَتِهِ لِلَّهِ وَرَسُولِهِ .
الثَّالِثُ : أَنْ يُقَالَ : الْغَضَبُ يَعْتَرِي بَنِي آدَمَ كُلَّهُمْ ، حَتَّى قَالَ سَيِّدُ وَلَدِ
آدَمَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=941748اللَّهُمَّ إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، وَإِنِّي اتَّخَذْتُ عِنْدَكَ عَهْدًا لَنْ تُخْلِفَنِيهِ [9] : أَيُّمَا مُؤْمِنٍ آذَيْتُهُ أَوْ سَبَبْتُهُ أَوْ جَلَدْتُهُ فَاجْعَلْهَا لَهُ كَفَّارَةً [ ص: 268 ] وَقُرْبَةً تُقَرِّبُهُ إِلَيْكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ " أَخْرَجَاهُ فِي الصَّحِيحَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ [10] .
وَأَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٌ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=661713دَخَلَ رَجُلَانِ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَغْضَبَاهُ ; فَسَبَّهُمَا وَلَعَنَهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجَا قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ مَنْ [11] أَصَابَ مِنَ الْخَيْرِ مَا أَصَابَ هَذَانِ [ الرَّجُلَانِ ] [12] . قَالَ : " وَمَا ذَاكَ ؟ " قُلْتُ : لَعَنْتَهُمَا وَسَبَبْتَهُمَا . قَالَ : " أَوَمَا عَلِمْتِ مَا شَارَطْتُ عَلَيْهِ رَبِّي ؟ . قُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ فَأَيُّ الْمُسْلِمِينَ سَبَبْتُهُ أَوْ لَعَنْتُهُ [13] فَاجْعَلْهُ لَهُ زَكَاةً وَأَجْرًا [14] " ، وَفِي رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=9أَنَسٍ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=661720إِنِّي اشْتَرَطْتُ عَلَى رَبِّي ، فَقُلْتُ : إِنَّمَا أَنَا بَشَرٌ أَرْضَى كَمَا يَرْضَى الْبَشَرُ ، وَأَغْضَبُ كَمَا يَغْضَبُ الْبَشَرُ ، فَأَيُّمَا أَحَدٍ دَعَوْتُ عَلَيْهِ مِنْ [ ص: 269 ] أُمَّتِي بِدَعْوَةٍ لَيْسَ [15] لَهَا بِأَهْلٍ أَنْ يَجْعَلَهَا لَهُ طَهُورًا وَزَكَاةً وَقُرْبَةً "
[16] .
وَأَيْضًا
فَمُوسَى رَسُولٌ كَرِيمٌ ، وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْ
[17] غَضَبِهِ بِمَا ذَكَرَهُ فِي كِتَابِهِ
[18] .
فَإِذَا كَانَ مِثْلُ هَذَا لَا يَقْدَحُ فِي الرِّسَالَةِ ، فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي الْإِمَامَةِ ؟ ! مَعَ أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - شَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ بِإِبْرَاهِيمَ وَعِيسَى فِي لِينِهِ وَحِلْمِهِ ، وَشَبَّهَ
nindex.php?page=showalam&ids=2عُمَرَ بِنُوحٍ وَمُوسَى فِي شِدَّتِهِ فِي اللَّهِ . فَإِذَا كَانَتْ هَذِهِ الشِّدَّةُ لَا تُنَافِي الْإِمَامَةَ ، فَكَيْفَ تُنَافِيهَا شِدَّةُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبِي بَكْرٍ ؟ !
الرَّابِعُ : أَنْ يُقَالَ :
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - قَصَدَ بِذَلِكَ الِاحْتِرَازَ
[19] أَنْ يُؤْذِيَ أَحَدًا مِنْهُمْ ، فَأَيُّمَا
[20] أَكْمَلُ : هَذَا أَوْ غَيْرُهُ مِمَّنْ غَضِبَ عَلَى مَنْ عَصَاهُ ، وَقَاتَلَهُمْ وَقَاتَلُوهُ بِالسَّيْفِ ، وَسَفَكَ دِمَاءَهُمْ ؟
فَإِنْ قِيلَ : كَانُوا يَسْتَحِقُّونَ الْقِتَالَ بِمَعْصِيَةِ الْإِمَامِ وَإِغْضَابِهِ .
قِيلَ : وَمَنْ عَصَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ وَأَغْضَبَهُ كَانَ أَحَقَّ بِذَلِكَ ، لَكِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ تَرَكَ مَا يَسْتَحِقُّهُ ، إِنْ كَانَ عَلِيٌّ يَسْتَحِقُّ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَيَمْتَنِعُ أَنْ يُقَالَ : مَنْ عَصَى
[ ص: 270 ] nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا وَأَغْضَبَهُ جَازَ أَنَّهُ يُقَاتِلُهُ ، وَمَنْ عَصَى
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ لَمْ يَجُزْ لَهُ تَأْدِيبُهُ ; فَدَلَّ عَلَى أَنَّ مَا فَعَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبُو بَكْرٍ أَكْمَلُ
[21] مِنَ الَّذِي فَعَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيٌّ .
وَفِي الْمُسْنَدِ وَغَيْرِهِ عَنْ
أَبِي بَرْزَةَ أَنَّ رَجُلًا أَغْضَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=1أَبَا بَكْرٍ . قَالَ
[22] : فَقُلْتُ لَهُ : أَتَأْذَنُ لِي أَنْ أَضْرِبَ عُنُقَهُ يَا خَلِيفَةَ رَسُولِ اللَّهِ ؟ قَالَ : فَأَذْهَبَتْ كَلِمَتِي غَضَبَهُ ، ثُمَّ قَالَ : مَا كَانَتْ لِأَحَدٍ بَعْدَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[23] . فَلَمْ يَسْتَحِلَّ أَنْ يَقْتُلَ مُسْلِمًا بِمُجَرَّدِ مُخَالَفَةِ أَمْرِهِ .
وَالْعُلَمَاءُ فِي حَدِيثِ
أَبِي بَرْزَةَ عَلَى قَوْلَيْنِ : مِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مُرَادُهُ أَنَّهُ لَمْ يَكُنْ لِأَحَدٍ أَنْ يَقْتُلَ أَحَدًا سَبَّهُ إِلَّا الرَّسُولُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ : مَا كَانَ لِأَحَدٍ أَنْ يَحْكُمَ بِعِلْمِهِ فِي الدِّمَاءِ إِلَّا الرَّسُولُ .
وَقَدْ تَخَلَّفَ عَنْ بَيْعَتِهِ
nindex.php?page=showalam&ids=228سَعْدُ بْنُ عُبَادَةَ ، فَمَا آذَاهُ بِكَلِمَةٍ ، فَضْلًا عَنْ فِعْلٍ . وَقَدْ قِيلَ : إِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=8عَلِيًّا وَغَيْرَهُ امْتَنَعُوا عَنْ بَيْعَتِهِ سِتَّةَ أَشْهُرٍ ، فَمَا أَزْعَجَهُمْ ، وَلَا
[24] أَلْزَمَهُمْ بَيْعَتَهُ . فَهَلْ هَذَا كُلُّهُ إِلَّا مِنْ كَمَالِ وَرَعِهِ عَنْ أَذَى الْأُمَّةِ ، وَكَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ ؟
وَهَكَذَا قَوْلُهُ : فَإِذَا اعْتَرَانِي فَاجْتَنِبُونِي .
الْخَامِسُ : أَنَّ فِي الصَّحِيحِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ عَنِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
[ ص: 271 ] وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=662042مَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ إِلَّا وُكِّلَ بِهِ قَرِينُهُ مِنَ الْجِنِّ " . قَالُوا : وَإِيَّاكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " وَإِيَّايَ ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ [25] فَأَسْلَمَ ، فَلَا يَأْمُرُنِي إِلَّا بِخَيْرٍ "
[26] .
وَفِي الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=662043عَنْ nindex.php?page=showalam&ids=25عَائِشَةَ قَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ أَوَمَعِي [27] شَيْطَانٌ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَتْ : وَمَعَ كُلِّ إِنْسَانٍ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالَتْ : " وَمَعَكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ ، وَلَكِنَّ رَبِّي أَعَانَنِي عَلَيْهِ حَتَّى أَسْلَمَ " [28] . وَالْمُرَادُ فِي أَصَحِّ الْقَوْلَيْنِ : اسْتَسْلَمَ وَانْقَادَ لِي . وَمَنْ قَالَ : حَتَّى أَسْلَمَ أَنَا ، فَقَدْ حَرَّفَ مَعْنَاهُ . وَمَنْ قَالَ : الشَّيْطَانُ صَارَ مُؤْمِنًا
[29] ، فَقَدْ حَرَّفَ لَفْظَهُ .
وَقَدْ قَالَ
مُوسَى لَمَّا قَتَلَ الْقِبْطِيَّ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=15هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ ) [ سُورَةُ الْقَصَصِ : 15 ] ، وَقَالَ فَتَى
مُوسَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=18&ayano=63وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ أَنْ أَذْكُرَهُ ) [ سُورَةُ الْكَهْفِ : 63 ] . وَذَكَرَ اللَّهُ فِي قِصَّةِ
آدَمَ وَحَوَّاءَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=36فَأَزَلَّهُمَا الشَّيْطَانُ عَنْهَا فَأَخْرَجَهُمَا مِمَّا كَانَا فِيهِ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 36 ] ، وَقَوْلُهُ :
[ ص: 272 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=20فَوَسْوَسَ لَهُمَا الشَّيْطَانُ لِيُبْدِيَ لَهُمَا مَا وُورِيَ عَنْهُمَا مِنْ سَوْآتِهِمَا ) [ سُورَةُ الْأَعْرَافِ : 20 ] .
فَإِذَا كَانَ عَرْضُ
[30] الشَّيْطَانِ لَا يَقْدَحُ فِي نُبُوَّةِ الْأَنْبِيَاءِ - عَلَيْهِمُ السَّلَامُ - فَكَيْفَ يَقْدَحُ فِي إِمَامَةِ الْخُلَفَاءِ ؟ !
وَإِنِ ادَّعَى مُدَّعٍ أَنَّ هَذِهِ النُّصُوصَ مُئَوَّلَةٌ .
قِيلَ لَهُ : فَيَجُوزُ لِغَيْرِكَ أَنْ يَتَأَوَّلَ قَوْلَ الصِّدِّيقِ ، لِمَا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْكَثِيرَةِ مِنْ إِيمَانِهِ وَعِلْمِهِ ، وَتَقْوَاهُ وَوَرَعِهِ . فَإِذَا وَرَدَ لَفْظٌ مُجْمَلٌ يُعَارِضُ مَا عُلِمَ
[31] . وَجَبَ تَأْوِيلُهُ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : " فَإِنَ اسْتَقَمْتُ فَأَعِينُونِي ، وَإِنْ زُغْتُ فَقَوِّمُونِي " ، فَهَذَا مِنْ كَمَالِ عَدْلِهِ وَتَقْوَاهُ ، وَوَاجِبٌ عَلَى كُلِّ إِمَامٍ أَنْ يَقْتَدِيَ بِهِ فِي ذَلِكَ ، وَوَاجِبٌ عَلَى الرَّعِيَّةِ أَنْ تُعَامِلَ الْأَئِمَّةَ بِذَلِكَ ، فَإِنِ اسْتَقَامَ الْإِمَامُ
[32] أَعَانُوهُ عَلَى طَاعَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَإِنْ زَاغَ وَأَخْطَأَ بَيَّنُوا لَهُ الصَّوَابَ وَدَلُّوهُ عَلَيْهِ ، وَإِنْ تَعَمَّدَ ظُلْمًا مَنَعُوهُ مِنْهُ بِحَسَبِ الْإِمْكَانِ ، فَإِذَا كَانَ مُنْقَادًا لِلْحَقِّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=1كَأَبِي بَكْرٍ ، فَلَا عُذْرَ لَهُمْ فِي تَرْكِ ذَلِكَ
[33] ، وَإِنْ كَانَ لَا يُمْكِنُ دَفْعُ الظُّلْمِ إِلَّا بِمَا هُوَ أَعْظَمُ فَسَادًا مِنْهُ ، لَمْ يَدْفَعُوا الشَّرَّ الْقَلِيلَ بِالشَّرِّ الْكَثِيرِ .