المسألة العاشرة :
هذه الأمة ظهر أن فيها فرقة زائدة على الفرق الأخرى اليهود والنصارى ، فالثنتان والسبعون من الهالكين المتوعدين بالنار ، والواحدة في الجنة . فإذا انقسمت هذه الأمة بحسب هذا الافتراق قسمين : قسم في النار ، وقسم في الجنة ، ولم يبين ذلك في فرق اليهود ولا في فرق النصارى ، إذ لم يبين الحديث أن لا تقسيم لهذه الأمة ، فيبقى النظر :
nindex.php?page=treesubj&link=28826هل في اليهود والنصارى فرقة ناجية أم لا ؟ وينبني على ذلك نظران : هل زادت هذه الأمة فرقة هالكة : أم لا ؟
[ ص: 745 ] وهذا النظر وإن كان لا ينبني عليه . . . ولكنه من تمام الكلام في الحديث .
فظاهر النقل في مواضع من الشريعة أن كل طائفة من اليهود والنصارى لابد أن يوجد فيها من آمن بكتابه وعمل بسنته ، كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16ولا يكونوا كالذين أوتوا الكتاب من قبل فطال عليهم الأمد فقست قلوبهم وكثير منهم فاسقون ففيه إشارة إلى أن منهم من لم يفسق ، وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون وقال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66منهم أمة مقتصدة وهذا كالنص .
وفي الحديث الصحيح عن
أبي موسى أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005591أيما رجل من أهل الكتاب آمن بنبيه وآمن بي فله أجران فهذا يدل بإشارته على العمل بما جاء به نبيه . وخرج
عبد الله بن عمر ،
عن nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود قال : قال رسول الله [ ص: 746 ] صلى الله عليه وسلم : يا nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود : - قلت : لبيك رسول الله قال - أتدري أي عرى الإيمان أوثق ؟ - قال - قلت : الله ورسوله أعلم . قال : الولاية في الله، والحب في الله ، والبغض فيه - ثم قال : يا nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ! - قلت : لبيك رسول الله ! ثلاث مرات ، قال - أتدري أي الناس أفضل ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال - فإن أفضل الناس أفضلهم عملا إذا فقهوا في دينهم - ثم قال - يا nindex.php?page=showalam&ids=10عبد الله بن مسعود ! - قلت لبيك يا رسول الله ! ثلاث مرات . قال - هل تدري أي الناس أعلم ؟ قلت : الله ورسوله أعلم . قال : أعلم الناس أبصرهم للحق إذا اختلف الناس ، وإن كان مقصرا في العمل ، وإن كان يزحف على استه ، واختلف من قبلنا على ثنتين وسبعين فرقة نجا منهم ثلاث وهلك سائرها ، فرقة آذت الملوك وقاتلتهم على دين عيسى ابن مريم حتى قتلوا ، وفرقة لم يكن لهم طاقة بمؤاذاة الملوك ، فأقاموا بين ظهراني قومهم فدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فأخذتهم الملوك وقطعتهم بالمناشير ، وفرقة لم يكن لهم طاقة بمؤاذاة الملوك ولا بأن يقيموا بين ظهراني قومهم فيدعوهم إلى دين الله ودين عيسى ابن مريم ، فساحوا في الجبال وهربوا فيها ، فهم الذين قال الله عز وجل فيهم : nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27ورهبانية ابتدعوها ما كتبناها عليهم إلا ابتغاء رضوان الله فما رعوها حق رعايتها فآتينا الذين آمنوا منهم أجرهم وكثير منهم فاسقون . فالمؤمنون الذين آمنوا بي وصدقوا بي ، والفاسقون الذين كذبوا بي وجحدوا بي ، [ ص: 747 ] فأخبر أن فرقا ثلاثا نجت من تلك الفرق المعدودة والباقية هلكت .
وخرج
ابن وهب من حديث
علي - رضي الله عنه - أنه دعا رأس الجالوت وأسقف النصارى فقال : إني سائلكما عن أمر وأنا أعلم به منكما فلا تكتما ،
[ ص: 748 ] يا رأس جالوت ! أنشدك الله الذي أنزل التوراة على
موسى ، وأطعمكم المن والسلوى ، وضرب لكم في البحر طريقا يبسا ، وجعل لكم الحجر الطوري يخرج لكم منه اثنتي عشرة عينا لكل سبط من
بني إسرائيل عين ! إلا ما أخبرتني على كم افترقت اليهود من فرقة بعد
موسى ؟ فقال له : ولا فرقة واحدة . فقال له
علي : كذبت والذي لا إله إلا هو ، لقد افترقت على إحدى وسبعين فرقة كلها في النار إلا فرقة واحدة .
ثم دعا الأسقف ، فقال : أنشدك الله الذي أنزل الإنجيل على
عيسى ، وجعل على رجله البركة ، وأراكم العبرة ، فأبرأ الأكمه والأبرص وأحيا الموتى ، وصنع لكم من الطين طيورا وأنبأكم بما تأكلون وما تدخرون في بيوتكم . فقال : دون هذا الصدق يا أمير المؤمنين . فقال له
علي - رضي الله عنه - . كم افترقت النصارى بعد
عيسى ابن مريم من فرقة ؟ قال : لا . والله ولا فرقة . فقال ثلاث مرات : كذبت والله الذي لا إله إلا الله . لقد افترقت على اثنتين وسبعين فرقة كلها في النار إلا واحدة ، فقال : أما أنت يا يهودي ! فإن الله يقول :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159ومن قوم موسى أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فهي التي تنجو ، وأما نحن فيقول الله فينا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وممن خلقنا أمة يهدون بالحق وبه يعدلون فهذه التي تنجو من هذه الأمة .
[ ص: 749 ] ففي هذا أيضا دليل .
وخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13652الآجري أيضا من طريق
أنس بمعنى حديث
علي - رضي الله عنه - : إن واحدة من فرق اليهود ومن فرق النصارى في الجنة .
وخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور في تفسيره من حديث
عبد الله : أن
بني إسرائيل لما طال عليهم الأمد فقست قلوبهم اخترعوا كتابا من عند أنفسهم استهوته قلوبهم واستحلته ألسنتهم ، وكان الحق يحول بين كثير من شهواتهم ، حتى نبذوا كتاب الله وراء ظهورهم كأنهم لا يعلمون ، فقالوا : اعرضوا هذا الكتاب على
بني إسرائيل فإن تابعوكم فاتركوهم ، وإن خالفوكم فاقتلوهم ، قالوا : لا ! بل أرسلوا إلى فلان - رجل من علمائهم - فاعرضوا عليه هذا الكتاب فإن تابعكم فلن يخالفكم أحد بعده ، وإن خالفكم فاقتلوه ؛ فلن يختلف عليكم بعده أحد، فأرسلوا إليه فأخذ ورقة فكتب فيها الكتاب ثم جعلها في قرنه، ثم علقها في عنقه ، ثم لبس عليها الثياب ، ثم أتاهم فعرضوا عليه الكتاب ، فقالوا : أتؤمن بهذا ؟ فأومأ إلى صدره فقال : آمنت بهذا ، وما لي لا أومن بهذا ؟ ( يعني الكتاب الذي في القرن ) فخلوا سبيله ، وكان له أصحاب يغشونه ، فلما مات نبشوه فوجدوا القرن ووجدوا الكتاب ، فقالوا : ألا ترون قوله : آمنت بهذا ، وما لي لا أومن بهذا ؟ وإنما عنى هذا الكتاب . فاختلف
بنو إسرائيل على بضع وسبعين ملة ، وخير مللهم أصحاب ذلك القرن - قال
عبد الله - : وإن من بقي منكم سيرى منكرا بحسب أمره ، يرى
[ ص: 750 ] منكرا لا يستطيع أن يغيره ، إن يعلم الله من قلبه خيرا كاره .
فهذا الخبر يدل على أن في
بني إسرائيل فرقة كانت على الحق الصريح في زمانهم ، لكن لا أضمن عهدة صحته ولا صحة ما قبله .
وإذا ثبت أن في اليهود والنصارى فرقة ناجية لزم من ذلك أن يكون في هذه الأمة فرقة ناجية زائدة على رواية الثنتين والسبعين ، أو فرقتين بناء على رواية الإحدى والسبعين ، فيكون لها نوع من التفرق لم يكن لمن تقدم من أهل الكتاب ، لأن الحديث المتقدم أثبت أن هذه الأمة تبعث من قبلها من أهل الكتابين في أعيان مخالفتها ، فثبت أنها تبعتها في أمثال بدعتها ، وهذه هي :
الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ :
هَذِهِ الْأُمَّةُ ظَهَرَ أَنَّ فِيهَا فِرْقَةً زَائِدَةً عَلَى الْفِرَقِ الْأُخْرَى الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى ، فَالثِّنْتَانِ وَالسَّبْعُونَ مِنَ الْهَالِكِينَ الْمُتَوَعَّدِينَ بِالنَّارِ ، وَالْوَاحِدَةُ فِي الْجَنَّةِ . فَإِذَا انْقَسَمَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ بِحَسَبِ هَذَا الِافْتِرَاقِ قِسْمَيْنِ : قِسْمٌ فِي النَّارِ ، وَقِسْمٌ فِي الْجَنَّةِ ، وَلَمْ يُبَيَّنْ ذَلِكَ فِي فِرَقِ الْيَهُودِ وَلَا فِي فِرَقِ النَّصَارَى ، إِذْ لَمْ يُبَيِّنِ الْحَدِيثُ أَنْ لَا تَقْسِيمَ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ ، فَيَبْقَى النَّظَرُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28826هَلْ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ أَمْ لَا ؟ وَيَنْبَنِي عَلَى ذَلِكَ نَظَرَانِ : هَلْ زَادَتْ هَذِهِ الْأُمَّةُ فِرْقَةً هَالِكَةً : أَمْ لَا ؟
[ ص: 745 ] وَهَذَا النَّظَرُ وَإِنْ كَانَ لَا يَنْبَنِي عَلَيْهِ . . . وَلَكِنَّهُ مِنْ تَمَامِ الْكَلَامِ فِي الْحَدِيثِ .
فَظَاهِرُ النَّقْلِ فِي مَوَاضِعَ مِنَ الشَّرِيعَةِ أَنَّ كُلَّ طَائِفَةٍ مِنَ الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى لَابُدَّ أَنْ يُوجَدَ فِيهَا مَنْ آمَنَ بِكِتَابِهِ وَعَمِلَ بِسُنَّتِهِ ، كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=16وَلَا يَكُونُوا كَالَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلُ فَطَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ فَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِنْهُمْ مَنْ لَمْ يَفْسُقْ ، وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ وَقَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=66مِنْهُمْ أُمَّةٌ مُقْتَصِدَةٌ وَهَذَا كَالنَّصِّ .
وَفِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ عَنْ
أَبِي مُوسَى أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=1005591أَيُّمَا رَجُلٍ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ آمَنَ بِنَبِيِّهِ وَآمَنَ بِي فَلَهُ أَجْرَانِ فَهَذَا يَدُلُّ بِإِشَارَتِهِ عَلَى الْعَمَلِ بِمَا جَاءَ بِهِ نَبِيُّهُ . وَخَرَّجَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ ،
عَنِ nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ [ ص: 746 ] صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ : - قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ قَالَ - أَتَدْرِي أَيُّ عُرَى الْإِيمَانِ أَوْثَقُ ؟ - قَالَ - قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : الْوِلَايَةُ فِي اللَّهِ، وَالْحُبُّ فِي اللَّهِ ، وَالْبُغْضُ فِيهِ - ثُمَّ قَالَ : يَا nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ! - قُلْتُ : لَبَّيْكَ رَسُولَ اللَّهِ ! ثَلَاثَ مَرَّاتٍ ، قَالَ - أَتَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَفْضَلُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ - فَإِنَّ أَفْضَلَ النَّاسِ أَفْضَلُهُمْ عَمَلًا إِذَا فَقُهُوا فِي دِينِهِمْ - ثُمَّ قَالَ - يَا nindex.php?page=showalam&ids=10عَبْدَ اللَّهِ بْنَ مَسْعُودٍ ! - قُلْتُ لَبَّيْكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! ثَلَاثَ مَرَّاتٍ . قَالَ - هَلْ تَدْرِي أَيُّ النَّاسِ أَعْلَمُ ؟ قُلْتُ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ : أَعْلَمُ النَّاسِ أَبْصَرُهُمْ لِلْحَقِّ إِذَا اخْتَلَفَ النَّاسُ ، وَإِنْ كَانَ مُقَصِّرًا فِي الْعَمَلِ ، وَإِنْ كَانَ يَزْحَفُ عَلَى اسْتِهِ ، وَاخْتَلَفَ مَنْ قَبْلَنَا عَلَى ثِنْتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً نَجَا مِنْهُمْ ثَلَاثٌ وَهَلَكَ سَائِرُهَا ، فِرْقَةٌ آذَتِ الْمُلُوكَ وَقَاتَلَتْهُمْ عَلَى دِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ حَتَّى قُتِلُوا ، وَفِرْقَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَاقَةٌ بِمُؤَاذَاةِ الْمُلُوكِ ، فَأَقَامُوا بَيْنَ ظَهْرَانَيْ قَوْمِهِمْ فَدَعَوْهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، فَأَخَذَتْهُمُ الْمُلُوكُ وَقَطَّعَتْهُمْ بِالْمَنَاشِيرِ ، وَفِرْقَةٌ لَمْ يَكُنْ لَهُمْ طَاقَةٌ بِمُؤَاذَاةِ الْمُلُوكِ وَلَا بِأَنْ يُقِيمُوا بَيْنَ ظَهَرَانَيْ قَوْمِهِمْ فَيَدْعُوهُمْ إِلَى دِينِ اللَّهِ وَدِينِ عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ، فَسَاحُوا فِي الْجِبَالِ وَهَرَبُوا فِيهَا ، فَهُمُ الَّذِينَ قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيهِمْ : nindex.php?page=tafseer&surano=57&ayano=27وَرَهْبَانِيَّةً ابْتَدَعُوهَا مَا كَتَبْنَاهَا عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغَاءَ رِضْوَانِ اللَّهِ فَمَا رَعَوْهَا حَقَّ رِعَايَتِهَا فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فَاسِقُونَ . فَالْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ آمَنُوا بِي وَصَدَّقُوا بِي ، وَالْفَاسِقُونَ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِي وَجَحَدُوا بِي ، [ ص: 747 ] فَأَخْبَرَ أَنْ فِرَقًا ثَلَاثًا نَجَتْ مِنْ تِلْكَ الْفِرَقِ الْمَعْدُودَةِ وَالْبَاقِيَةُ هَلَكَتْ .
وَخَرَّجَ
ابْنُ وَهْبٍ مِنْ حَدِيثِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - أَنَّهُ دَعَا رَأْسَ الْجَالُوتِ وَأَسْقُفَ النَّصَارَى فَقَالَ : إِنِّي سَائِلُكُمَا عَنْ أَمْرٍ وَأَنَا أَعْلَمُ بِهِ مِنْكُمَا فَلَا تَكْتُمَا ،
[ ص: 748 ] يَا رَأْسَ جَالُوتٍ ! أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ التَّوْرَاةَ عَلَى
مُوسَى ، وَأَطْعَمَكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى ، وَضَرَبَ لَكُمْ فِي الْبَحْرِ طَرِيقًا يَبَسًا ، وَجَعَلَ لَكُمُ الْحَجَرَ الطُّورِيَّ يَخْرُجُ لَكُمْ مِنْهُ اثْنَتَيْ عَشْرَةَ عَيْنًا لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْ
بَنِي إِسْرَائِيلَ عَيْنٌ ! إِلَّا مَا أَخْبَرْتَنِي عَلَى كَمِ افْتَرَقَتِ الْيَهُودُ مِنْ فِرْقَةٍ بَعْدَ
مُوسَى ؟ فَقَالَ لَهُ : وَلَا فِرْقَةً وَاحِدَةً . فَقَالَ لَهُ
عَلِيٌّ : كَذَبْتَ وَالَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ، لَقَدِ افْتَرَقَتْ عَلَى إِحْدَى وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا فِرْقَةً وَاحِدَةً .
ثُمَّ دَعَا الْأَسْقُفَ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ الَّذِي أَنْزَلَ الْإِنْجِيلَ عَلَى
عِيسَى ، وَجَعَلَ عَلَى رِجْلِهِ الْبَرَكَةَ ، وَأَرَاكُمُ الْعِبْرَةَ ، فَأَبْرَأَ الْأَكْمَهَ وَالْأَبْرَصَ وَأَحْيَا الْمَوْتَى ، وَصَنَعَ لَكُمْ مِنَ الطِّينِ طُيُورًا وَأَنْبَأَكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ . فَقَالَ : دُونَ هَذَا الصِّدْقُ يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ . فَقَالَ لَهُ
عَلِيٌّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - . كَمِ افْتَرَقَتِ النَّصَارَى بَعْدَ
عِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ مِنْ فِرْقَةٍ ؟ قَالَ : لَا . وَاللَّهِ وَلَا فِرْقَةً . فَقَالَ ثَلَاثَ مَرَّاتٍ : كَذَبْتَ وَاللَّهِ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ . لَقَدِ افْتَرَقَتْ عَلَى اثْنَتَيْنِ وَسَبْعِينَ فِرْقَةً كُلُّهَا فِي النَّارِ إِلَّا وَاحِدَةً ، فَقَالَ : أَمَّا أَنْتَ يَا يَهُودِيُّ ! فَإِنَّ اللَّهَ يَقُولُ :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=159وَمِنْ قَوْمِ مُوسَى أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ فَهِيَ الَّتِي تَنْجُو ، وَأَمَّا نَحْنُ فَيَقُولُ اللَّهُ فِينَا :
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=181وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ فَهَذِهِ الَّتِي تَنْجُو مِنْ هَذِهِ الْأُمَّةِ .
[ ص: 749 ] فَفِي هَذَا أَيْضًا دَلِيلٌ .
وَخَرَجَّهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13652الْآجُرِّيُّ أَيْضًا مِنْ طَرِيقِ
أَنَسٍ بِمَعْنَى حَدِيثِ
عَلِيٍّ - رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ - : إِنَّ وَاحِدَةً مِنْ فِرَقِ الْيَهُودِ وَمِنْ فِرَقِ النَّصَارَى فِي الْجَنَّةِ .
وَخَرَّجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدُ بْنُ مَنْصُورٍ فِي تَفْسِيرِهِ مِنْ حَدِيثِ
عَبْدِ اللَّهِ : أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ لَمَّا طَالَ عَلَيْهِمُ الْأَمَدُ فَقَسَتْ قُلُوبُهُمُ اخْتَرَعُوا كِتَابًا مِنْ عِنْدِ أَنْفُسِهِمُ اسْتَهْوَتْهُ قُلُوبُهُمْ وَاسْتَحَلَّتْهُ أَلْسِنَتُهُمْ ، وَكَانَ الْحَقُّ يَحُولُ بَيْنَ كَثِيرٍ مِنْ شَهَوَاتِهِمْ ، حَتَّى نَبَذُوا كِتَابَ اللَّهِ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ كَأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ ، فَقَالُوا : اعْرِضُوا هَذَا الْكِتَابَ عَلَى
بَنِي إِسْرَائِيلَ فَإِنْ تَابَعُوكُمْ فَاتْرُكُوهُمْ ، وَإِنْ خَالَفُوكُمْ فَاقْتُلُوهُمْ ، قَالُوا : لَا ! بَلْ أَرْسِلُوا إِلَى فُلَانٍ - رَجُلٍ مِنْ عُلَمَائِهِمْ - فَاعْرِضُوا عَلَيْهِ هَذَا الْكِتَابَ فَإِنْ تَابَعَكُمْ فَلَنْ يُخَالِفَكُمْ أَحَدٌ بَعْدَهُ ، وَإِنْ خَالَفَكُمْ فَاقْتُلُوهُ ؛ فَلَنْ يَخْتَلِفَ عَلَيْكُمْ بَعْدَهُ أَحَدٌ، فَأَرْسَلُوا إِلَيْهِ فَأَخَذَ وَرَقَةً فَكَتَبَ فِيهَا الْكِتَابَ ثُمَّ جَعَلَهَا فِي قَرْنِهِ، ثُمَّ عَلَّقَهَا فِي عُنُقِهِ ، ثُمَّ لَبِسَ عَلَيْهَا الثِّيَابَ ، ثُمَّ أَتَاهُمْ فَعَرَضُوا عَلَيْهِ الْكِتَابَ ، فَقَالُوا : أَتُؤْمِنُ بِهَذَا ؟ فَأَوْمَأَ إِلَى صَدْرِهِ فَقَالَ : آمَنْتُ بِهَذَا ، وَمَا لِيَ لَا أُومِنُ بِهَذَا ؟ ( يَعْنِي الْكِتَابَ الَّذِي فِي الْقَرْنِ ) فَخَلُّوا سَبِيلَهُ ، وَكَانَ لَهُ أَصْحَابٌ يَغْشَوْنَهُ ، فَلَمَّا مَاتَ نَبَشُوهُ فَوَجَدُوا الْقَرْنَ وَوَجَدُوا الْكِتَابَ ، فَقَالُوا : أَلَا تَرَوْنَ قَوْلَهُ : آمَنْتُ بِهَذَا ، وَمَا لِي لَا أُومِنُ بِهَذَا ؟ وَإِنَّمَا عَنَى هَذَا الْكِتَابَ . فَاخْتَلَفَ
بَنُو إِسْرَائِيلَ عَلَى بِضْعٍ وَسَبْعِينَ مِلَّةً ، وَخَيْرُ مِلَلِهِمْ أَصْحَابُ ذَلِكَ الْقَرْنِ - قَالَ
عَبْدُ اللَّهِ - : وَإِنَّ مَنْ بَقِيَ مِنْكُمْ سَيَرَى مُنْكَرًا بِحَسَبِ أَمْرِهِ ، يَرَى
[ ص: 750 ] مُنْكَرًا لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُغَيِّرَهُ ، إِنْ يَعْلَمِ اللَّهُ مِنْ قَلْبِهِ خَيْرًا كَاره .
فَهَذَا الْخَبَرُ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ فِي
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِرْقَةً كَانَتْ عَلَى الْحَقِّ الصَّرِيحِ فِي زَمَانِهِمْ ، لَكِنْ لَا أَضْمَنُ عُهْدَةَ صِحَّتِهِ وَلَا صِحَّةَ مَا قَبْلَهُ .
وَإِذَا ثَبَتَ أَنَّ فِي الْيَهُودِ وَالنَّصَارَى فَرِقَّةٌ نَاجِيَةٌ لَزِمَ مِنْ ذَلِكَ أَنْ يَكُونَ فِي هَذِهِ الْأُمَّةِ فِرْقَةٌ نَاجِيَةٌ زَائِدَةٌ عَلَى رِوَايَةِ الثِّنْتَيْنِ وَالسَّبْعِينَ ، أَوْ فِرْقَتَيْنِ بِنَاءً عَلَى رِوَايَةِ الْإِحْدَى وَالسَّبْعِينَ ، فَيَكُونُ لَهَا نَوْعٌ مِنَ التَّفَرُّقِ لَمْ يَكُنْ لِمَنْ تَقَدَّمَ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ ، لِأَنَّ الْحَدِيثَ الْمُتَقَدِّمَ أَثْبَتَ أَنَّ هَذِهِ الْأُمَّةَ تَبْعَثُ مَنْ قَبْلَهَا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابَيْنِ فِي أَعْيَانِ مُخَالَفَتِهَا ، فَثَبَتَ أَنَّهَا تَبِعَتْهَا فِي أَمْثَالِ بِدْعَتِهَا ، وَهَذِهِ هِيَ :