فصل منزلة الحزن
ومن
nindex.php?page=treesubj&link=28972منازل nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد وإياك نستعين منزلة الحزن
وليست من المنازل المطلوبة ، ولا المأمور بنزولها ، وإن كان لا بد للسالك من نزولها ،
nindex.php?page=treesubj&link=29487ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهيا عنه ، أو منفيا .
فالمنهي عنه كقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139ولا تهنوا ولا تحزنوا وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88ولا تحزن عليهم في غير موضع ، وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لا تحزن إن الله معنا والمنفي كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فلا خوف عليهم ولا هم يحزنون .
[ ص: 501 ] وسر ذلك أن الحزن موقف غير مسير ، ولا مصلحة فيه للقلب ، وأحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن سيره ، ويوقفه عن سلوكه ، قال الله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=10إنما النجوى من الشيطان ليحزن الذين آمنوا ونهى النبي صلى الله عليه وسلم الثلاثة أن يتناجى اثنان منهم دون الثالث ، لأن ذلك يحزنه . فالحزن ليس بمطلوب ، ولا مقصود ، ولا فيه فائدة ، وقد استعاذ منه النبي صلى الله عليه وسلم ، فقال
nindex.php?page=hadith&LINKID=980302اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن فهو قرين الهم ، والفرق بينهما أن المكروه الذي يرد على القلب ، إن كان لما يستقبل أورثه الهم ، وإن كان لما مضى أورثه الحزن ، وكلاهما مضعف للقلب عن السير ، مقتر للعزم .
ولكن نزول منزلته ضروري بحسب الواقع ، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الحمد لله الذي أذهب عنا الحزن فهذا يدل على أنهم كان يصيبهم في الدنيا الحزن ، كما يصيبهم سائر المصائب التي تجري عليهم بغير اختيارهم .
وأما قوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92ولا على الذين إذا ما أتوك لتحملهم قلت لا أجد ما أحملكم عليه تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنا أن لا يجدوا ما ينفقون فلم يمدحوا على نفس الحزن ، وإنما مدحوا على ما دل عليه الحزن من قوة إيمانهم ، حيث تخلفوا عن رسول الله صلى الله عليه وسلم لعجزهم عن النفقة ، ففيه تعريض بالمنافقين الذين لم يحزنوا على تخلفهم ، بل غبطوا نفوسهم به .
وأما قوله صلى الله عليه وسلم في الحديث الصحيح
nindex.php?page=hadith&LINKID=980303ما يصيب المؤمن من هم ولا نصب ولا حزن إلا كفر الله به من خطاياه فهذا يدل على أنه مصيبة من الله يصيب بها العبد ،
[ ص: 502 ] يكفر بها من سيئاته ، لا يدل على أنه مقام ينبغي طلبه واستيطانه .
وأما حديث
هند بن أبي هالة في صفة النبي صلى الله عليه وسلم إنه كان متواصل الأحزان فحديث لا يثبت ، وفي إسناده من لا يعرف .
وكيف يكون
nindex.php?page=treesubj&link=29411متواصل الأحزان ، وقد صانه الله عن الحزن على الدنيا وأسبابها ، ونهاه عن الحزن على الكفار ، وغفر له ما تقدم من ذنبه وما تأخر ؟ فمن أين يأتيه الحزن ؟ .
بل كان دائم البشر ، ضحوك السن ، كما في صفته " الضحوك القتال " صلوات الله وسلامه عليه .
وأما الخبر المروي "
إن الله يحب كل قلب حزين " فلا يعرف إسناده ، ولا من رواه ، ولا تعلم صحته .
وعلى تقدير صحته فالحزن مصيبة من المصائب ، التي يبتلي الله بها عبده ، فإذا ابتلى به العبد فصبر عليه ، أحب صبره على بلائه .
وأما الأثر الآخر "
إذا أحب الله عبدا نصب في قلبه نائحة ، وإذا أبغض عبدا جعل في قلبه مزمارا " فأثر إسرائيلي ، قيل : إنه في التوراة ، وله معنى صحيح ، فإن المؤمن حزين على ذنوبه ، والفاجر لاه لاعب ، مترنم فرح .
[ ص: 503 ] وأما قوله تعالى عن نبيه
إسرائيل nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وابيضت عيناه من الحزن فهو كظيم فهو إخبار عن حاله بمصابه بفقد ولده ، وحبيبه ، وأنه ابتلاه بذلك كما ابتلاه بالتفريق بينه وبينه .
وأجمع أرباب السلوك على أن حزن الدنيا غير محمود إلا
nindex.php?page=showalam&ids=12079أبا عثمان الحيري ، فإنه قال : الحزن بكل وجه فضيلة ، وزيادة للمؤمن ، ما لم يكن بسبب معصية ، قال : لأنه إن لم يوجب تخصيصا ، فإنه يوجب تمحيصا .
فيقال : لا ريب أنه محنة وبلاء من الله ، بمنزلة المرض والهم والغم ، وأما إنه من منازل الطريق فلا ، والله سبحانه أعلم .
فَصْلٌ مَنْزِلَةُ الْحُزْنِ
وَمِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=28972مَنَازِلِ nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ مَنْزِلَةُ الْحُزْنِ
وَلَيْسَتْ مِنَ الْمَنَازِلِ الْمَطْلُوبَةِ ، وَلَا الْمَأْمُورِ بِنُزُولِهَا ، وَإِنْ كَانَ لَا بُدَّ لِلسَّالِكِ مِنْ نُزُولِهَا ،
nindex.php?page=treesubj&link=29487وَلَمْ يَأْتِ الْحُزْنُ فِي الْقُرْآنِ إِلَّا مَنْهِيًّا عَنْهُ ، أَوْ مَنْفِيًّا .
فَالْمَنْهِيُّ عَنْهُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=139وَلَا تَهِنُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=88وَلَا تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ فِي غَيْرِ مَوْضِعٍ ، وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=40لَا تَحْزَنْ إِنَّ اللَّهَ مَعَنَا وَالْمَنْفِيُّ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=38فَلَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ .
[ ص: 501 ] وَسِرُّ ذَلِكَ أَنَّ الْحُزْنَ مُوقِفٌ غَيْرُ مُسَيِّرٍ ، وَلَا مَصْلَحَةَ فِيهِ لِلْقَلْبِ ، وَأَحَبُّ شَيْءٍ إِلَى الشَّيْطَانِ أَنْ يَحْزَنَ الْعَبْدُ لِيَقْطَعَهُ عَنْ سَيْرِهِ ، وَيُوقِفَهُ عَنْ سُلُوكِهِ ، قَالَ اللَّهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=58&ayano=10إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الثَّلَاثَةَ أَنْ يَتَنَاجَى اثْنَانِ مِنْهُمْ دُونَ الثَّالِثِ ، لِأَنَّ ذَلِكَ يُحْزِنُهُ . فَالْحُزْنُ لَيْسَ بِمَطْلُوبٍ ، وَلَا مَقْصُودٍ ، وَلَا فِيهِ فَائِدَةٌ ، وَقَدِ اسْتَعَاذَ مِنْهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، فَقَالَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980302اللَّهُمَّ إِنِّي أَعُوذُ بِكَ مِنَ الْهَمِّ وَالْحَزَنِ فَهُوَ قَرِينُ الْهَمِّ ، وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْمَكْرُوهَ الَّذِي يَرِدُ عَلَى الْقَلْبِ ، إِنْ كَانَ لِمَا يُسْتَقْبَلُ أَوْرَثَهُ الْهَمَّ ، وَإِنْ كَانَ لِمَا مَضَى أَوْرَثَهُ الْحُزْنَ ، وَكِلَاهُمَا مُضْعِفٌ لِلْقَلْبِ عَنِ السَّيْرِ ، مُقَتِّرٌ لِلْعَزْمِ .
وَلَكِنَّ نُزُولَ مَنْزِلَتِهِ ضَرُورِيٌّ بِحَسَبِ الْوَاقِعِ ، وَلِهَذَا يَقُولُ أَهْلُ الْجَنَّةِ إِذَا دَخَلُوهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=34الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُمْ كَانَ يُصِيبُهُمْ فِي الدُّنْيَا الْحَزَنُ ، كَمَا يُصِيبُهُمْ سَائِرُ الْمَصَائِبِ الَّتِي تَجْرِي عَلَيْهِمْ بِغَيْرِ اخْتِيَارِهِمْ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=92وَلَا عَلَى الَّذِينَ إِذَا مَا أَتَوْكَ لِتَحْمِلَهُمْ قُلْتَ لَا أَجِدُ مَا أَحْمِلُكُمْ عَلَيْهِ تَوَلَّوْا وَأَعْيُنُهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ حَزَنًا أَنْ لَا يَجِدُوا مَا يُنْفِقُونَ فَلَمْ يُمْدَحُوا عَلَى نَفْسِ الْحَزَنِ ، وَإِنَّمَا مُدِحُوا عَلَى مَا دَلَّ عَلَيْهِ الْحَزَنُ مِنْ قُوَّةِ إِيمَانِهِمْ ، حَيْثُ تَخَلَّفُوا عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَجْزِهِمْ عَنِ النَّفَقَةِ ، فَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِالْمُنَافِقِينَ الَّذِينَ لَمْ يَحْزَنُوا عَلَى تَخَلُّفِهِمْ ، بَلْ غَبَطُوا نُفُوسَهُمْ بِهِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْحَدِيثِ الصَّحِيحِ
nindex.php?page=hadith&LINKID=980303مَا يُصِيبُ الْمُؤْمِنَ مِنْ هَمٍّ وَلَا نَصَبٍ وَلَا حَزَنٍ إِلَّا كَفَّرَ اللَّهُ بِهِ مِنْ خَطَايَاهُ فَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مُصِيبَةٌ مِنَ اللَّهِ يُصِيبُ بِهَا الْعَبْدَ ،
[ ص: 502 ] يُكَفِّرُ بِهَا مِنْ سَيِّئَاتِهِ ، لَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ مَقَامٌ يَنْبَغِي طَلَبُهُ وَاسْتِيطَانُهُ .
وَأَمَّا حَدِيثُ
هِنْدِ بْنِ أَبِي هَالَةَ فِي صِفَةِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِنَّهُ كَانَ مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ فَحَدِيثٌ لَا يَثْبُتُ ، وَفِي إِسْنَادِهِ مَنْ لَا يُعْرَفُ .
وَكَيْفَ يَكُونُ
nindex.php?page=treesubj&link=29411مُتَوَاصِلَ الْأَحْزَانِ ، وَقَدْ صَانَهُ اللَّهُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَى الدُّنْيَا وَأَسْبَابِهَا ، وَنَهَاهُ عَنِ الْحُزْنِ عَلَى الْكُفَّارِ ، وَغَفَرَ لَهُ مَا تَقَدَّمَ مِنْ ذَنْبِهِ وَمَا تَأَخَّرَ ؟ فَمِنْ أَيْنَ يَأْتِيهِ الْحُزْنُ ؟ .
بَلْ كَانَ دَائِمَ الْبِشْرِ ، ضَحُوكَ السِّنِّ ، كَمَا فِي صِفَتِهِ " الضَّحُوكُ الْقَتَّالُ " صَلَوَاتُ اللَّهِ وَسَلَامُهُ عَلَيْهِ .
وَأَمَّا الْخَبَرُ الْمَرْوِيُّ "
إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ كُلَّ قَلْبٍ حَزِينٍ " فَلَا يُعْرَفُ إِسْنَادُهُ ، وَلَا مَنْ رَوَاهُ ، وَلَا تُعْلَمُ صِحَّتُهُ .
وَعَلَى تَقْدِيرِ صِحَّتِهِ فَالْحُزْنُ مُصِيبَةٌ مِنَ الْمَصَائِبِ ، الَّتِي يَبْتَلِي اللَّهُ بِهَا عَبْدَهُ ، فَإِذَا ابْتَلَى بِهِ الْعَبْدَ فَصَبَرَ عَلَيْهِ ، أَحَبَّ صَبْرَهُ عَلَى بَلَائِهِ .
وَأَمَّا الْأَثَرُ الْآخَرُ "
إِذَا أَحَبَّ اللَّهُ عَبْدًا نَصَبَ فِي قَلْبِهِ نَائِحَةً ، وَإِذَا أَبْغَضَ عَبْدًا جَعَلَ فِي قَلْبِهِ مِزْمَارًا " فَأَثَرٌ إِسْرَائِيلِيٌّ ، قِيلَ : إِنَّهُ فِي التَّوْرَاةِ ، وَلَهُ مَعْنًى صَحِيحٌ ، فَإِنَّ الْمُؤْمِنَ حَزِينٌ عَلَى ذُنُوبِهِ ، وَالْفَاجِرَ لَاهٍ لَاعِبٌ ، مُتَرَنِّمٌ فَرِحٌ .
[ ص: 503 ] وَأَمَّا قَوْلُهُ تَعَالَى عَنْ نَبِيِّهِ
إِسْرَائِيلَ nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=84وَابْيَضَّتْ عَيْنَاهُ مِنَ الْحُزْنِ فَهُوَ كَظِيمٌ فَهُوَ إِخْبَارٌ عَنْ حَالِهِ بِمُصَابِهِ بِفَقْدِ وَلَدِهِ ، وَحَبِيبِهِ ، وَأَنَّهُ ابْتَلَاهُ بِذَلِكَ كَمَا ابْتَلَاهُ بِالتَّفْرِيقِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ .
وَأَجْمَعَ أَرْبَابُ السُّلُوكِ عَلَى أَنَّ حُزْنَ الدُّنْيَا غَيْرُ مَحْمُودٍ إِلَّا
nindex.php?page=showalam&ids=12079أَبَا عُثْمَانَ الْحِيرِيَّ ، فَإِنَّهُ قَالَ : الْحُزْنُ بِكُلِّ وَجْهِ فَضِيلَةٌ ، وَزِيَادَةٌ لِلْمُؤْمِنِ ، مَا لَمْ يَكُنْ بِسَبَبِ مَعْصِيَةٍ ، قَالَ : لِأَنَّهُ إِنْ لَمْ يُوجِبْ تَخْصِيصًا ، فَإِنَّهُ يُوجِبُ تَمْحِيصًا .
فَيُقَالُ : لَا رَيْبَ أَنَّهُ مِحْنَةٌ وَبَلَاءٌ مِنَ اللَّهِ ، بِمَنْزِلَةِ الْمَرَضِ وَالْهَمِّ وَالْغَمِّ ، وَأَمَّا إِنَّهُ مِنْ مَنَازِلِ الطَّرِيقِ فَلَا ، وَاللَّهُ سُبْحَانَهُ أَعْلَمُ .