فصل
قال : الدرجة الثالثة :
nindex.php?page=treesubj&link=29703اجتباء الحق عبده . واستخلاصه إياه بخالصته . كما ابتدأ
موسى ، وقد خرج يقتبس نارا ، فاصطنعه لنفسه . وأبقى منه رسما معارا .
قلت : الاجتباء الاصطفاء ، والإيثار . والتخصيص . وهو افتعال من جبيت الشيء : إذا حزته وأحرزته إليك . كجباية المال وغيره .
والاصطناع أيضا الاصطفاء ، والاختيار ، يعني أنه اصطفى
موسى واستخلصه لنفسه . وجعله خالصا له من غير سبب كان من
موسى ، ولا وسيلة . فإنه خرج ليقتبس النار . فرجع وهو كليم الواحد القهار . وأكرم الخلق عليه ، ابتداء منه سبحانه ، من غير سابقة استحقاق ، ولا تقدم وسيلة . وفي مثل هذا قيل :
أيها العبد ، كن لما لست ترجو من صلاح أرجى لما أنت راجي إن موسى أتى ليقبس نارا
من ضياء رآه والليل داجي فانثنى راجعا ، وقد كلمه الل
ه ، وناجاه وهو خير مناجي
وقوله : وأبقى منه رسما معارا .
يحتمل أن يريد بالرسم : البقية التي تقدم بها عليه
محمد صلى الله عليه وسلم . ورفع فوقه بدرجات لأجل بقائها منه .
[ ص: 428 ] ويحتمل - وهو الأظهر - أنه أخذه من نفسه ، واصطنعه لنفسه . واختاره من بين العالمين . وخصه بكلامه ، ولم يبق له من نفسه إلا رسما مجردا يصحب به الخلق ، وتجري عليه فيه أحكام البشرية . إتماما لحكمته ، وإظهارا لقدرته . فهو عارية معه . فإذا قضى ما عليه : استرد ذلك الرسم . وجعله من ماله . فتكملت إذ ذاك مرتبة الاجتباء . ظاهرا وباطنا ، حقيقة ورسما ، ورجعت العارية إلى مالكها الحق ، الذي يرجع إليه الأمر كله . فكما ابتدأت منه عادت إليه .
وموسى عليه السلام : كان في مظهر الجلال ، ولهذا كانت شريعته شريعة جلال وقهر . أمروا بقتل نفوسهم ، وحرمت عليهم الشحوم ، وذوات الظفر وغيرها من الطيبات ، وحرمت عليهم الغنائم . وعجل لهم من العقوبات ما عجل وحملوا من الآصار والأغلال ، ما لم يحمله غيرهم .
وكان
موسى - صلى الله عليه وسلم - من أعظم خلق الله هيبة ووقارا . وأشدهم بأسا وغضبا لله ، وبطشا بأعداء الله ، وكان لا يستطاع النظر إليه .
وعيسى صلى الله عليه وسلم : كان في مظهر الجمال . وكانت شريعته شريعة فضل وإحسان . وكان لا يقاتل ، ولا يحارب . وليس في شريعته قتال ألبتة .
والنصارى يحرم عليهم دينهم القتال . وهم به عصاة لشرعه . فإن الإنجيل يأمرهم فيه : أن من لطمك على خدك الأيمن ، فأدر له خدك الأيسر . ومن نازعك ثوبك . فأعطه رداءك . ومن سخرك ميلا . فامش معه ميلين . ونحو هذا . وليس في شريعتهم مشقة ، ولا آصار ، ولا أغلال ، وإنما
النصارى ابتدعوا تلك الرهبانية من قبل أنفسهم . ولم تكتب عليهم .
وأما نبينا صلى الله عليه وسلم : فكان في مظهر الكمال ، الجامع لتلك القوة والعدل ، والشدة في الله . وهذا اللين والرأفة والرحمة . وشريعته أكمل الشرائع . فهو نبي الكمال ، وشريعته شريعة الكمال . وأمته أكمل الأمم . وأحوالهم ومقاماتهم أكمل الأحوال والمقامات . ولذلك تأتي شريعته بالعدل إيجابا له وفرضا . وبالفضل ندبا إليه واستحبابا . وبالشدة في موضع الشدة . وباللين في موضع اللين . ووضع السيف موضعه . ووضع الندى موضعه . فيذكر الظلم . ويحرمه . والعدل ويوجبه . والفضل ويندب إليه في بعض آيات . كقوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وجزاء سيئة سيئة مثلها فهذا عدل
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فمن عفا وأصلح فأجره على الله فهذا فضل
[ ص: 429 ] nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40إنه لا يحب الظالمين فهذا تحريم للظلم . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وإن عاقبتم فعاقبوا بمثل ما عوقبتم به فهذا إيجاب للعدل ، وتحريم للظلم
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126ولئن صبرتم لهو خير للصابرين ندب إلى الفضل . وقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وإن تبتم فلكم رؤس أموالكم لا تظلمون ولا تظلمون تحريم للظلم .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وإن كان ذو عسرة فنظرة إلى ميسرة عدل .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وأن تصدقوا خير لكم إن كنتم تعلمون فضل .
وكذلك تحريم ما حرم على أمته صيانة وحمية .
حرم عليهم كل خبيث وضار ، وأباح لهم كل طيب ونافع . فتحريمه عليهم رحمة ، وعلى من قبلهم لم يخل من عقوبة . وهداهم لما ضلت عنه الأمم قبلهم . ووهب لهم من علمه وحلمه . وجعلهم خير أمة أخرجت للناس . وكمل لهم من المحاسن ما فرقه في الأمم قبلهم . كما كمل نبيهم صلى الله عليه وسلم من المحاسن بما فرقه في الأنبياء قبله . وكمل في كتابه من المحاسن بما فرقها في الكتب قبله . وكذلك في شريعته .
فهؤلاء الضنائن وهم المجتبون الأخيار . كما قال تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78هو اجتباكم وما جعل عليكم في الدين من حرج . وجعلهم شهداء على الناس . فأقامهم في ذلك مقام الأنبياء الشاهدين على أممهم .
وتفصيل تفضيل هذه الأمة وخصائصها يستدعي سفرا . بل أسفارا . وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء . والله ذو الفضل العظيم .
فَصْلٌ
قَالَ : الدَّرَجَةُ الثَّالِثَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=29703اجْتِبَاءُ الْحَقِّ عَبْدَهُ . وَاسْتِخْلَاصُهُ إِيَّاهُ بِخَالِصَتِهِ . كَمَا ابْتَدَأَ
مُوسَى ، وَقَدْ خَرَجَ يَقْتَبِسُ نَارًا ، فَاصْطَنَعَهُ لِنَفْسِهِ . وَأَبْقَى مِنْهُ رَسْمًا مُعَارًا .
قُلْتُ : الِاجْتِبَاءُ الِاصْطِفَاءُ ، وَالْإِيثَارُ . وَالتَّخْصِيصُ . وَهُوَ افْتِعَالُ مِنْ جَبَيْتُ الشَّيْءَ : إِذَا حُزْتَهُ وَأَحْرَزْتَهُ إِلَيْكَ . كَجِبَايَةِ الْمَالِ وَغَيْرِهِ .
وَالِاصْطِنَاعُ أَيْضًا الِاصْطِفَاءُ ، وَالِاخْتِيَارُ ، يَعْنِي أَنَّهُ اصْطَفَى
مُوسَى وَاسْتَخْلَصَهُ لِنَفْسِهِ . وَجَعَلَهُ خَالِصًا لَهُ مِنْ غَيْرِ سَبَبٍ كَانَ مِنْ
مُوسَى ، وَلَا وَسِيلَةٍ . فَإِنَّهُ خَرَجَ لِيَقْتَبِسَ النَّارَ . فَرَجَعَ وَهُوَ كَلِيمُ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ . وَأَكْرَمُ الْخَلْقِ عَلَيْهِ ، ابْتِدَاءً مِنْهُ سُبْحَانَهُ ، مِنْ غَيْرِ سَابِقَةِ اسْتِحْقَاقٍ ، وَلَا تَقَدُّمِ وَسِيلَةٍ . وَفِي مِثْلِ هَذَا قِيلَ :
أَيُّهَا الْعَبْدُ ، كُنْ لِمَا لَسْتَ تَرْجُو مِنْ صَلَاحٍ أَرْجَى لِمَا أَنْتَ رَاجِي إِنَّ مُوسَى أَتَى لِيَقْبِسَ نَارًا
مِنْ ضِياءٍ رَآهُ وَالْلَيْلُ دَاجِي فَانْثَنَى رَاجِعًا ، وَقَدْ كَلَّمَهُ الْلَّ
هُ ، وَنَاجَاهُ وَهْوَ خَيْرُ مُنَاجِي
وَقَوْلُهُ : وَأَبْقَى مِنْهُ رَسْمًا مُعَارًا .
يُحْتَمَلُ أَنْ يُرِيدَ بِالرَّسْمِ : الْبَقِيَّةَ الَّتِي تَقَدَّمَ بِهَا عَلَيْهِ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . وَرُفِعَ فَوْقَهُ بِدَرَجَاتٍ لِأَجْلِ بَقَائِهَا مِنْهُ .
[ ص: 428 ] وَيُحْتَمَلُ - وَهُوَ الْأَظْهَرُ - أَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْ نَفْسِهِ ، وَاصْطَنَعَهُ لِنَفْسِهِ . وَاخْتَارَهُ مِنْ بَيْنِ الْعَالَمِينَ . وَخَصَّهُ بِكَلَامِهِ ، وَلَمْ يُبْقِ لَهُ مِنْ نَفْسِهِ إِلَّا رَسْمًا مُجَرَّدًا يَصْحَبُ بِهِ الْخَلْقَ ، وَتَجْرِي عَلَيْهِ فِيهِ أَحْكَامُ الْبَشَرِيَّةِ . إِتْمَامًا لِحِكْمَتِهِ ، وَإِظْهَارًا لِقُدْرَتِهِ . فَهُوَ عَارِيَةٌ مَعَهُ . فَإِذَا قَضَى مَا عَلَيْهِ : اسْتَرَدَّ ذَلِكَ الرَّسْمَ . وَجَعَلَهُ مِنْ مَالِهِ . فَتَكَمَّلَتْ إِذْ ذَاكَ مَرْتَبَةُ الِاجْتِبَاءِ . ظَاهِرًا وَبَاطِنًا ، حَقِيقَةً وَرَسْمًا ، وَرَجَعَتِ الْعَارِيَةُ إِلَى مَالِكِهَا الْحَقِّ ، الَّذِي يُرْجَعُ إِلَيْهِ الْأَمْرُ كُلُّهُ . فَكَمَا ابْتَدَأَتْ مِنْهُ عَادَتْ إِلَيْهِ .
وَمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : كَانَ فِي مَظْهَرِ الْجَلَالِ ، وَلِهَذَا كَانَتْ شَرِيعَتُهُ شَرِيعَةَ جَلَالٍ وَقَهْرٍ . أُمِرُوا بِقَتْلِ نُفُوسِهِمْ ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الشُّحُومُ ، وَذَوَاتُ الظُّفُرِ وَغَيْرُهَا مِنَ الطَّيِّبَاتِ ، وَحُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ الْغَنَائِمُ . وَعُجِّلَ لَهُمْ مِنَ الْعُقُوبَاتِ مَا عُجِّلَ وَحُمِّلُوا مِنَ الْآصَارِ وَالْأَغْلَالِ ، مَا لَمْ يَحْمِلْهُ غَيْرُهُمْ .
وَكَانَ
مُوسَى - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَنْ أَعْظَمِ خَلْقِ اللَّهِ هَيْبَةً وَوَقَارًا . وَأَشَدِّهِمْ بَأْسًا وَغَضَبًا لِلَّهِ ، وَبَطْشًا بِأَعْدَاءِ اللَّهِ ، وَكَانَ لَا يُسْتَطَاعُ النَّظَرُ إِلَيْهِ .
وَعِيسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : كَانَ فِي مَظْهَرِ الْجَمَالِ . وَكَانَتْ شَرِيعَتُهُ شَرِيعَةَ فَضْلٍ وَإِحْسَانٍ . وَكَانَ لَا يُقَاتِلُ ، وَلَا يُحَارِبُ . وَلَيْسَ فِي شَرِيعَتِهِ قِتَالٌ أَلْبَتَّةَ .
وَالنَّصَارَى يُحَرِّمُ عَلَيْهِمْ دِينُهُمُ الْقِتَالَ . وَهُمْ بِهِ عُصَاةٌ لِشَرْعِهِ . فَإِنَّ الْإِنْجِيلَ يَأْمُرُهُمْ فِيهِ : أَنَّ مِنْ لَطَمَكَ عَلَى خَدِّكَ الْأَيْمَنِ ، فَأَدِرْ لَهُ خَدَّكَ الْأَيْسَرَ . وَمَنْ نَازَعَكَ ثَوْبَكَ . فَأَعْطِهِ رِدَاءَكَ . وَمَنْ سَخَّرَكَ مِيلًا . فَامْشِ مَعَهُ مِيلَيْنِ . وَنَحْوَ هَذَا . وَلَيْسَ فِي شَرِيعَتِهِمْ مَشَقَّةٌ ، وَلَا آصَارٌ ، وَلَا أَغْلَالٌ ، وَإِنَّمَا
النَّصَارَى ابْتَدَعُوا تِلْكَ الرَّهْبَانِيَّةَ مِنْ قِبَلِ أَنْفُسِهِمْ . وَلَمْ تُكْتَبْ عَلَيْهِمْ .
وَأَمَّا نَبِيُّنَا صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : فَكَانَ فِي مَظْهَرِ الْكَمَالِ ، الْجَامِعِ لِتِلْكَ الْقُوَّةِ وَالْعَدْلِ ، وَالشِّدَّةِ فِي اللَّهِ . وَهَذَا اللِّينِ وَالرَّأْفَةِ وَالرَّحْمَةِ . وَشَرِيعَتُهُ أَكْمَلُ الشَّرَائِعِ . فَهُوَ نَبِيُّ الْكَمَالِ ، وَشَرِيعَتُهُ شَرِيعَةُ الْكَمَالِ . وَأُمَّتُهُ أَكْمَلُ الْأُمَمِ . وَأَحْوَالُهُمْ وَمَقَامَاتُهُمْ أَكْمَلُ الْأَحْوَالِ وَالْمَقَامَاتِ . وَلِذَلِكَ تَأْتِي شَرِيعَتُهُ بِالْعَدْلِ إِيجَابًا لَهُ وَفَرْضًا . وَبِالْفَضْلِ نَدْبًا إِلَيْهِ وَاسْتِحْبَابًا . وَبِالشِّدَّةِ فِي مَوْضِعِ الشِّدَّةِ . وَبِاللِّينِ فِي مَوْضِعِ اللِّينِ . وَوُضِعَ السَّيْفُ مَوْضِعَهُ . وَوُضِعَ النَّدَى مَوْضِعَهُ . فَيَذْكُرَ الظُّلْمَ . وَيُحَرِّمَهُ . وَالْعَدْلَ وَيُوجِبُهُ . وَالْفَضْلَ وَيَنْدُبُ إِلَيْهِ فِي بَعْضِ آيَاتٍ . كَقَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَهَذَا عَدْلٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ فَهَذَا فَضْلٌ
[ ص: 429 ] nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=40إِنَّهُ لَا يُحِبُّ الظَّالِمِينَ فَهَذَا تَحْرِيمٌ لِلظُّلْمِ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَإِنْ عَاقَبْتُمْ فَعَاقِبُوا بِمِثْلِ مَا عُوقِبْتُمْ بِهِ فَهَذَا إِيجَابٌ لِلْعَدْلِ ، وَتَحْرِيمٌ لِلظُّلْمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=126وَلَئِنْ صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِلصَّابِرِينَ نَدَبَ إِلَى الْفَضْلِ . وَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=279وَإِنْ تُبْتُمْ فَلَكُمْ رُؤُسُ أَمْوَالِكُمْ لَا تَظْلِمُونَ وَلَا تُظْلَمُونَ تَحْرِيمٌ لِلظُّلْمِ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ عَدْلٌ .
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=280وَأَنْ تَصَدَّقُوا خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ فَضْلٌ .
وَكَذَلِكَ تَحْرِيمُ مَا حَرَّمَ عَلَى أُمَّتِهِ صِيَانَةً وَحِمْيَةً .
حَرَّمَ عَلَيْهِمْ كُلَّ خَبِيثٍ وَضَارٍّ ، وَأَبَاحَ لَهُمْ كُلُّ طَيِّبٍ وَنَافِعٍ . فَتَحْرِيمُهُ عَلَيْهِمْ رَحْمَةٌ ، وَعَلَى مَنْ قَبْلَهُمْ لَمْ يَخْلُ مِنْ عُقُوبَةٍ . وَهَدَاهُمْ لِمَا ضَلَّتْ عَنْهُ الْأُمَمُ قَبْلَهُمْ . وَوَهَبَ لَهُمْ مِنْ عِلْمِهِ وَحِلْمِهِ . وَجَعَلَهُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ . وَكَمَّلَ لَهُمْ مِنَ الْمَحَاسِنِ مَا فَرَّقَهُ فِي الْأُمَمِ قَبْلَهُمْ . كَمَا كَمَّلَ نَبِيَّهُمْ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِنَ الْمَحَاسِنِ بِمَا فَرَّقَهُ فِي الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَهُ . وَكَمَّلَ فِي كِتَابِهِ مِنَ الْمَحَاسِنِ بِمَا فَرَّقَهَا فِي الْكُتُبِ قَبْلَهُ . وَكَذَلِكَ فِي شَرِيعَتِهِ .
فَهَؤُلَاءِ الضَّنَائِنُ وَهُمُ الْمُجْتَبُونَ الْأَخْيَارُ . كَمَا قَالَ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=78هُوَ اجْتَبَاكُمْ وَمَا جَعَلَ عَلَيْكُمْ فِي الدِّينِ مِنْ حَرَجٍ . وَجَعَلَهُمْ شُهَدَاءَ عَلَى النَّاسِ . فَأَقَامَهُمْ فِي ذَلِكَ مَقَامَ الْأَنْبِيَاءِ الشَّاهِدِينَ عَلَى أُمَمِهِمْ .
وَتَفْصِيلُ تَفْضِيلِ هَذِهِ الْأُمَّةِ وَخَصَائِصِهَا يَسْتَدْعِي سِفْرًا . بَلْ أَسْفَارًا . وَذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ . وَاللَّهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ .