nindex.php?page=treesubj&link=18570حقوق الأخوة والصحبة :
اعلم أن لأخيك عليك حقا في المال ، وفي الإعانة بالنفس ، وفي اللسان والقلب ، وفي العفو ، وفي الدعاء ، وفي الوفاء والإخلاص ، وفي التخفيف ، وفي ترك التكلف والتكليف وذلك يجعلها ثماني جمل .
الحق الأول في المال :
روي أن "
مثل الأخوين مثل اليدين تغسل إحداهما الأخرى " وذلك لأنهما يتعاونان على غرض واحد ، وكذلك الأخوان إنما تتم أخوتهما إذا ترافقا في مقصد واحد فهما من وجه كالشخص الواحد ، وهذا يقتضي المساهمة في السراء والضراء ، والمشاركة في المآل والحال ، وارتفاع الاختصاص والاستئثار .
nindex.php?page=treesubj&link=18571والمواساة بالمال مع الأخوة على ثلاث مراتب :
أدناها : أن تنزله منزلة خادمك فتقوم بحاجته من فضلة مالك ، فإذا سنحت له حاجة وكانت عندك فضلة عن حاجتك أعطيته ابتداء ولم تحوجه إلى السؤال ، فإن أحوجته إلى السؤال فهو غاية التقصير في حق الأخوة .
الثانية : أن تنزله منزلة نفسك وترضى بمشاركته إياك في مالك ونزوله منزلتك حتى تسمح بمشاطرته في المال .
والثالثة : هي العليا أن تؤثره على نفسك وتقدم حاجته على حاجتك ، وهذه رتبة الصديقين ومنتهى رتبة المتحابين ، ومنتهى هذه الرتبة الإيثار بالنفس أيضا .
فإن لم تصادف نفسك في رتبة من هذه الرتب مع أخيك فاعلم أن عقد الأخوة لم ينعقد بعد في الباطن ، وإنما
[ ص: 130 ] الجاري بينكما مخالطة رسمية لا وقع لها في العقل والدين ، فقد قال "
nindex.php?page=showalam&ids=17188ميمون بن مهران " : " من رضي من الإخوان بترك الإفضال فليؤاخ أهل القبور " . وأما الدرجة الأولى فليست أيضا مرضية عند ذوي الدين ؛ روي أن "
nindex.php?page=showalam&ids=16538عتبة الغلام " رحمه الله جاء إلى منزل رجل كان قد آخاه فقال : " أحتاج من مالك إلى أربعة آلاف " ، فقال : " خذ ألفين " ، فأعرض عنه وقال : " آثرت الدنيا على الله ، أما استحييت أن تدعي الأخوة في الله وتقول هذا " . وأما الرتبة العليا فهي التي وصف الله تعالى المؤمنين بها في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=38وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون ) [ الشورى : 38 ] أي كانوا خلطاء في الأموال لا يميز بعضهم رحله عن بعض ، وكان منهم من لا يصحب من قال : نعلي ؛ لأنه أضافه إلى نفسه ، ومنهم من كان يعتق أمته إذا حدثته بمجيء أخيه وأخذه من ماله حاجته في غيبته سرورا بما فعل ، وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=16600زين العابدين علي بن الحسين " رضي الله عنهما لرجل : " هل يدخل أحدكم يده في كم أخيه أو كيسه فيأخذ منه ما يريد بغير إذن ؟ " قال : لا ، قال : فلستم بإخوان ، وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=12ابن عمر " رضي الله عنهما : " أهدي لرجل من أصحاب رسول الله - صلى الله عليه وسلم - رأس شاة فقال : " أخي فلان أحوج مني إليه " ، فبعث به إليه ، فبعثه ذلك الإنسان إلى آخر ، فلم يزل يبعث به واحد إلى آخر حتى رجع إلى الأول بعد أن تداوله سبعة . وقال "
nindex.php?page=showalam&ids=12032أبو سليمان الداراني " : " لو أن الدنيا كلها لي فجعلتها في فم أخ من إخواني لاستقللتها له " . ولما كان الإنفاق على الإخوان أفضل من الصدقات على الفقراء قال "
علي " رضي الله عنه : " لعشرون درهما أعطيها أخي في الله أحب إلي من أن أتصدق بمائة درهم على المساكين " . وفي الصفاء في الأخوة الانبساط في بيوت الإخوان كما كان عليه كثير من السلف ، وقد قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61أو صديقكم ) [ النور : 61 ] . وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61أو ما ملكتم مفاتحه ) [ النور : 61 ] إذ كان الأخ يدفع مفاتيح بيته إلى أخيه ويفوض إليه التصرف كما يريد ، وكان يتحرج عن الأكل بحكم التقوى حتى أنزل الله هذه الآية وأذن لهم في الانبساط في طعام الإخوان والأصدقاء .
nindex.php?page=treesubj&link=18570حُقُوقُ الْأُخُوَّةِ وَالصُّحْبَةِ :
اعْلَمْ أَنَّ لِأَخِيكَ عَلَيْكَ حَقًّا فِي الْمَالِ ، وَفِي الْإِعَانَةِ بِالنَّفْسِ ، وَفِي اللِّسَانِ وَالْقَلْبِ ، وَفِي الْعَفْوِ ، وَفِي الدُّعَاءِ ، وَفِي الْوَفَاءِ وَالْإِخْلَاصِ ، وَفِي التَّخْفِيفِ ، وَفِي تَرْكِ التَّكَلُّفِ وَالتَّكْلِيفِ وَذَلِكَ يَجْعَلُهَا ثَمَانِيَ جُمَلٍ .
الْحَقُّ الْأَوَّلُ فِي الْمَالِ :
رُوِيَ أَنَّ "
مَثَلَ الْأَخَوَيْنِ مَثَلُ الْيَدَيْنِ تَغْسِلُ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى " وَذَلِكَ لِأَنَّهُمَا يَتَعَاوَنَانِ عَلَى غَرَضٍ وَاحِدٍ ، وَكَذَلِكَ الْأَخَوَانِ إِنَّمَا تَتِمُّ أُخُوَّتُهُمَا إِذَا تَرَافَقَا فِي مَقْصِدٍ وَاحِدٍ فَهُمَا مِنْ وَجْهٍ كَالشَّخْصِ الْوَاحِدِ ، وَهَذَا يَقْتَضِي الْمُسَاهَمَةَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ ، وَالْمُشَارَكَةَ فِي الْمَآلِ وَالْحَالِ ، وَارْتِفَاعَ الِاخْتِصَاصِ وَالِاسْتِئْثَارِ .
nindex.php?page=treesubj&link=18571وَالْمُوَاسَاةُ بِالْمَالِ مَعَ الْأُخُوَّةِ عَلَى ثَلَاثِ مَرَاتِبَ :
أَدْنَاهَا : أَنْ تُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ خَادِمِكَ فَتَقُومَ بِحَاجَتِهِ مِنْ فَضْلَةِ مَالِكَ ، فَإِذَا سَنَحَتْ لَهُ حَاجَةٌ وَكَانَتْ عِنْدَكَ فَضْلَةٌ عَنْ حَاجَتِكَ أَعْطَيْتَهُ ابْتِدَاءً وَلَمْ تُحْوِجْهُ إِلَى السُّؤَالِ ، فَإِنْ أَحْوَجْتَهُ إِلَى السُّؤَالِ فَهُوَ غَايَةُ التَّقْصِيرِ فِي حَقِّ الْأُخُوَّةِ .
الثَّانِيَةُ : أَنْ تُنْزِلَهُ مَنْزِلَةَ نَفْسِكَ وَتَرْضَى بِمُشَارَكَتِهِ إِيَّاكَ فِي مَالِكَ وَنُزُولِهِ مَنْزِلَتَكَ حَتَّى تَسْمَحَ بِمُشَاطَرَتِهِ فِي الْمَالِ .
وَالثَّالِثَةُ : هِيَ الْعُلْيَا أَنْ تُؤْثِرَهُ عَلَى نَفْسِكَ وَتُقَدِّمَ حَاجَتَهُ عَلَى حَاجَتِكَ ، وَهَذِهِ رُتْبَةُ الصِّدِّيقِينَ وَمُنْتَهَى رُتْبَةِ الْمُتَحَابِّينَ ، وَمُنْتَهَى هَذِهِ الرُّتْبَةِ الْإِيثَارُ بِالنَّفْسِ أَيْضًا .
فَإِنْ لَمْ تُصَادِفْ نَفْسَكَ فِي رُتْبَةٍ مِنْ هَذِهِ الرُّتَبِ مَعَ أَخِيكَ فَاعْلَمْ أَنَّ عَقْدَ الْأُخُوَّةِ لَمْ يَنْعَقِدْ بَعْدُ فِي الْبَاطِنِ ، وَإِنَّمَا
[ ص: 130 ] الْجَارِي بَيْنَكُمَا مُخَالَطَةٌ رَسْمِيَّةٌ لَا وَقْعَ لَهَا فِي الْعَقْلِ وَالدِّينِ ، فَقَدْ قَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=17188مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ " : " مَنْ رَضِيَ مِنَ الْإِخْوَانِ بِتَرْكِ الْإِفْضَالِ فَلْيُؤَاخِ أَهْلَ الْقُبُورِ " . وَأَمَّا الدَّرَجَةُ الْأُولَى فَلَيْسَتْ أَيْضًا مَرْضِيَّةً عِنْدَ ذَوِي الدِّينِ ؛ رُوِيَ أَنَّ "
nindex.php?page=showalam&ids=16538عُتْبَةَ الْغُلَامَ " رَحِمَهُ اللَّهُ جَاءَ إِلَى مَنْزِلِ رَجُلٍ كَانَ قَدْ آخَاهُ فَقَالَ : " أَحْتَاجُ مِنْ مَالِكَ إِلَى أَرْبَعَةِ آلَافٍ " ، فَقَالَ : " خُذْ أَلْفَيْنِ " ، فَأَعْرَضَ عَنْهُ وَقَالَ : " آثَرْتَ الدُّنْيَا عَلَى اللَّهِ ، أَمَا اسْتَحْيَيْتَ أَنْ تَدَّعِيَ الْأُخُوَّةَ فِي اللَّهِ وَتَقُولَ هَذَا " . وَأَمَّا الرُّتْبَةُ الْعُلْيَا فَهِيَ الَّتِي وَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى الْمُؤْمِنِينَ بِهَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=38وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ ) [ الشُّورَى : 38 ] أَيْ كَانُوا خُلَطَاءَ فِي الْأَمْوَالِ لَا يُمَيِّزُ بَعْضُهُمْ رَحْلَهُ عَنْ بَعْضٍ ، وَكَانَ مِنْهُمْ مَنْ لَا يَصْحَبُ مَنْ قَالَ : نَعْلِي ؛ لِأَنَّهُ أَضَافَهُ إِلَى نَفْسِهِ ، وَمِنْهُمْ مَنْ كَانَ يُعْتِقُ أَمَتَهُ إِذَا حَدَّثَتْهُ بِمَجِيءِ أَخِيهِ وَأَخْذِهِ مِنْ مَالِهِ حَاجَتَهُ فِي غَيْبَتِهِ سُرُورًا بِمَا فَعَلَ ، وَقَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=16600زَيْنُ الْعَابِدِينَ عَلِيُّ بْنُ الْحُسَيْنِ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا لِرَجُلٍ : " هَلْ يُدْخِلُ أَحَدُكُمْ يَدَهُ فِي كُمِّ أَخِيهِ أَوْ كِيسِهِ فَيَأْخُذُ مِنْهُ مَا يُرِيدُ بِغَيْرِ إِذْنٍ ؟ " قَالَ : لَا ، قَالَ : فَلَسْتُمْ بِإِخْوَانٍ ، وَقَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=12ابْنُ عُمَرَ " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا : " أُهْدِيَ لِرَجُلٍ مِنْ أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأْسُ شَاةٍ فَقَالَ : " أَخِي فُلَانٌ أَحْوَجُ مِنِّي إِلَيْهِ " ، فَبَعَثَ بِهِ إِلَيْهِ ، فَبَعَثَهُ ذَلِكَ الْإِنْسَانُ إِلَى آخَرَ ، فَلَمْ يَزَلْ يَبْعَثُ بِهِ وَاحِدٌ إِلَى آخَرَ حَتَّى رَجَعَ إِلَى الْأَوَّلِ بَعْدَ أَنْ تَدَاوَلَهُ سَبْعَةٌ . وَقَالَ "
nindex.php?page=showalam&ids=12032أَبُو سُلَيْمَانَ الدَّارَانِيُّ " : " لَوْ أَنَّ الدُّنْيَا كُلَّهَا لِي فَجَعَلْتُهَا فِي فَمِ أَخٍ مِنْ إِخْوَانِي لَاسْتَقْلَلْتُهَا لَهُ " . وَلَمَّا كَانَ الْإِنْفَاقُ عَلَى الْإِخْوَانِ أَفْضَلَ مِنَ الصَّدَقَاتِ عَلَى الْفُقَرَاءِ قَالَ "
علي " رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ : " لَعِشْرُونَ دِرْهَمًا أُعْطِيهَا أَخِي فِي اللَّهِ أَحَبُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَتَصَدَّقَ بِمِائَةِ دِرْهَمٍ عَلَى الْمَسَاكِينِ " . وَفِي الصَّفَاءِ فِي الْأُخُوَّةِ الِانْبِسَاطُ فِي بُيُوتِ الْإِخْوَانِ كَمَا كَانَ عَلَيْهِ كَثِيرٌ مِنَ السَّلَفِ ، وَقَدْ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61أَوْ صَدِيقِكُمْ ) [ النُّورِ : 61 ] . وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=61أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَفَاتِحَهُ ) [ النُّورِ : 61 ] إِذْ كَانَ الْأَخُ يَدْفَعُ مَفَاتِيحَ بَيْتِهِ إِلَى أَخِيهِ وَيُفَوِّضُ إِلَيْهِ التَّصَرُّفَ كَمَا يُرِيدُ ، وَكَانَ يَتَحَرَّجُ عَنِ الْأَكْلِ بِحُكْمِ التَّقْوَى حَتَّى أَنْزَلَ اللَّهُ هَذِهِ الْآيَةَ وَأَذِنَ لَهُمْ فِي الِانْبِسَاطِ فِي طَعَامِ الْإِخْوَانِ وَالْأَصْدِقَاءِ .