الفصل السابع
في لطائف قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله " ، وفوائد الأسماء الخمسة المذكورة في هذه السورة
أما لطائف قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله " فأربع نكت :
النكتة الأولى : روي عن النبي صلى الله عليه وسلم
أن إبراهيم الخليل عليه السلام سأل ربه وقال : يا رب ، ما جزاء من حمدك فقال : الحمد لله ؟ فقال تعالى : nindex.php?page=treesubj&link=29484_28972الحمد لله فاتحة الشكر [ ص: 228 ] وخاتمته ، قال أهل التحقيق : لما كانت هذه الكلمة فاتحة الشكر جعلها الله فاتحة كلامه ، ولما كانت خاتمته جعلها الله خاتمة كلام أهل الجنة فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وآخر دعواهم أن الحمد لله رب العالمين ) [ يونس : 10 ] . وروي عن
علي عليه السلام أنه قال : خلق الله العقل من نور مكنون مخزون من سابق علمه ، فجعل العلم نفسه ، والفهم روحه ، والزهد رأسه ، والحياء عينه ، والحكمة لسانه ، والخير سمعه ، والرأفة قلبه ، والرحمة همه ، والصبر بطنه ، ثم قيل له تكلم ، فقال : الحمد لله الذي ليس له ند ولا ضد ولا مثل ولا عدل ، الذي ذل كل شيء لعزته ، فقال الرب : وعزتي وجلالي ما خلقت خلقا أعز علي منك . وأيضا نقل أن
آدم عليه السلام لما عطس فقال : الحمد لله فكان أول كلامه ذلك ، إذا عرفت هذا فنقول : أول مراتب المخلوقات هو العقل ، وآخر مراتبها
آدم ، وقد نقلنا أول كلام العقل هو قوله : الحمد لله وأول كلام
آدم هو قوله : الحمد ، فثبت أن أول كلام لفاتحة المحدثات هو هذه الكلمة وأول كلام لخاتمة المحدثات هو هذه الكلمة ، فلا جرم جعلها الله فاتحة كتابه فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين ) وأيضا ثبت أن أول كلمات الله قوله : الحمد لله ، وآخر أنبياء الله
محمد رسول الله ، وبين الأول والآخر مناسبة ، فلا جرم جعل قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله ) أول آية من كتاب
محمد رسوله ، ولما كان كذلك وضع
لمحمد عليه السلام من كلمة الحمد اسمان : أحمد
ومحمد ، وعند هذا قال عليه السلام : "
أنا في السماء أحمد ، وفي الأرض محمد " فأهل السماء في تحميد الله ، ورسول الله أحمدهم ، والله تعالى في تحميد أهل الأرض كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19فأولئك كان سعيهم مشكورا ) [ الإسراء : 19 ] ورسول الله محمدهم .
والنكتة الثانية : أن
nindex.php?page=treesubj&link=33147الحمد لا يحصل إلا عند الفوز بالنعمة والرحمة ، فلما كان الحمد أول الكلمات وجب أن تكون النعمة والرحمة أول الأفعال والأحكام فلهذا السبب قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011316سبقت رحمتي غضبي .
النكتة الثالثة : أن الرسول اسمه أحمد ، ومعناه أنه أحمد الحامدين أي : أكثرهم حمدا ، فوجب أن تكون نعم الله عليه أكثر لما بينا أن كثرة الحمد بحسب كثرة النعمة والرحمة ، وإذا كان كذلك لزم أن تكون
nindex.php?page=treesubj&link=19963_19960رحمة الله في حق محمد عليه السلام أكثر منها في حق جميع العالمين . فلهذا السبب قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] .
النكتة الرابعة : أن المرسل له اسمان مشتقان من الرحمة ، وهما الرحمن الرحيم ، وهما يفيدان المبالغة ، والرسول له أيضا اسمان مشتقان من الرحمة ، وهما محمد وأحمد ، لأنا بينا أن حصول الحمد مشروط بحصول الرحمة ، فقولنا محمد وأحمد جار مجرى قولنا مرحوم وأرحم . وجاء في بعض الروايات أن
nindex.php?page=treesubj&link=29396من أسماء الرسول : الحمد ، والحامد ، والمحمود ، فهذه خمسة للرسول دالة على الرحمة ، إذا ثبت هذا فنقول : إنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=49نبئ عبادي أني أنا الغفور الرحيم ) [ الحجر : 49 ] فقوله نبئ إشارة إلى
محمد صلى الله عليه وسلم ، وهو مذكور قبل العباد ، والياء في قوله عبادي ضمير عائد إلى الله تعالى والياء في قوله أني عائد إليه ، وقوله أنا عائد إليه ، وقوله الغفور الرحيم صفتان لله ، فهي خمسة ألفاظ دالة على الله الكريم الرحيم ، فالعبد يمشي يوم القيامة وقدامه الرسول صلى الله عليه وسلم مع خمسة أسماء تدل على الرحمة ، وخلفه خمسة ألفاظ من أسماء الله تدل على الرحمة ، ورحمة الرسول كثيرة كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين ) [ الأنبياء : 107 ] ورحمة الله غير متناهية كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156ورحمتي وسعت كل شيء ) [ الأعراف : 156 ]
[ ص: 229 ] فكيف يعقل أن يضيع المذنب مع هذه البحار الزاخرة العشرة المملوءة من الرحمة ؟ .
وأما فوائد الأسماء الخمسة المذكورة في هذه السورة فأشياء :
النكتة الأولى : أن سورة الفاتحة فيها عشرة أشياء ، منها خمسة من صفة الربوبية ، وهي : الله ، والرب ، والرحمن ، والرحيم ، والمالك ؛ وخمسة أشياء من صفات العبد وهي : العبودية ، والاستعانة ، وطلب الهداية ، وطلب الاستقامة ، وطلب النعمة كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم ) فانطبقت تلك الأسماء الخمسة على هذه الأحوال الخمسة ، فكأنه قيل : إياك نعبد لأنك أنت الله ، وإياك نستعين لأنك أنت الرب ، اهدنا الصراط المستقيم لأنك أنت الرحمن ، وارزقنا الاستقامة لأنك أنت الرحيم ، وأفض علينا سجال نعمك وكرمك لأنك مالك يوم الدين .
النكتة الثانية :
nindex.php?page=treesubj&link=28661الإنسان مركب من خمسة أشياء : بدنه ، ونفسه الشيطانية ، ونفسه الشهوانية ، ونفسه الغضبية ، وجوهره الملكي العقلي ، فتجلى الحق سبحانه بأسمائه الخمسة لهذه المراتب الخمسة ، فتجلى اسم الله للروح الملكية العقلية الفلكية القدسية فخضع وأطاع كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28ألا بذكر الله تطمئن القلوب ) [ الرعد : 28 ] وتجلى للنفس الشيطانية بالبر والإحسان - وهو اسم الرب - فترك العصيان وانقاد لطاعة الديان ، وتجلى للنفس الغضبية السبعية باسم الرحمن وهذا الاسم مركب من القهر واللطف كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26الملك يومئذ الحق للرحمن ) [ الفرقان : 26 ] فترك الخصومة وتجلى للنفس الشهوانية البهيمية باسم الرحيم ، وهو أنه أطلق المباحات والطيبات كما قال (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4أحل لكم الطيبات ) [ المائدة : 4 ] فلان وترك العصيان ، وتجلى للأجساد والأبدان بقهر قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) فإن البدن غليظ كثيف ، فلا بد من قهر شديد ، وهو القهر الحاصل من خوف يوم القيامة ، فلما تجلى الحق سبحانه بأسمائه الخمسة لهذه المراتب انغلقت أبواب النيران ، وانفتحت أبواب الجنان ، ثم هذه المراتب ابتدأت بالرجوع كما جاءت فأطاعت الأبدان وقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد ) ، وأطاعت النفوس الشهوانية فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وإياك نستعين ) على ترك اللذات والإعراض عن الشهوات ، وأطاعت النفوس الغضبية فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا ) وأرشدنا وعلى دينك فثبتنا ، وأطاعت النفس الشيطانية وطلبت من الله الاستقامة والصون عن الانحراف فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهدنا الصراط المستقيم ) وتواضعت الأرواح القدسية الملكية فطلبت من الله أن يوصلها بالأرواح القدسية العالية المطهرة المعظمة فقالت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صراط الذين أنعمت عليهم غير المغضوب عليهم ولا الضالين ) .
النكتة الثالثة : قال عليه السلام
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011317nindex.php?page=treesubj&link=28633بني الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت ، فشهادة أن لا إله إلا الله حاصلة من تجلي نور اسم الله ، وإقام الصلاة من تجلي الرب ؛ لأن الرب مشتق من التربية والعبد يربي إيمانه بمدد الصلاة ، وإيتاء الزكاة من تجلي اسم الرحمن ؛ لأن الرحمن مبالغة في الرحمة ، وإيتاء الزكاة لأجل الرحمة على الفقراء ، ووجوب صوم رمضان من تجلي اسم الرحيم ؛ لأن الصائم إذا جاع تذكر جوع الفقراء فيعطيهم ما يحتاجون إليه ، وأيضا إذا جاع حصل له فطام عن الالتذاذ بالمحسوسات فعند الموت يسهل عليه مفارقتها ، ووجوب الحج من تجلي اسم مالك يوم الدين ؛ لأن عند الحج يجب هجرة الوطن ومفارقة الأهل والولد ، وذلك يشبه سفر يوم القيامة ، وأيضا الحاج يصير حافيا حاسرا عاريا وهو يشبه حال أهل القيامة وبالجملة فالنسبة بين الحج وبين أحوال القيامة كثيرة جدا .
النكتة الرابعة : أنواع القبلة خمسة :
بيت المقدس ،
والكعبة ، والبيت المعمور ، والعرش وحضرة جلال
[ ص: 230 ] الله . فوزع هذه الأسماء الخمسة على الأنواع الخمسة من القبلة .
النكتة الخامسة : الحواس خمس : أدب البصر بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فاعتبروا ياأولي الأبصار ) [ الحشر : 2 ] والسمع بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=18الذين يستمعون القول فيتبعون أحسنه ) [ الزمر : 18 ] والذوق بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51ياأيها الرسل كلوا من الطيبات واعملوا صالحا ) [ المؤمنون : 51 ] والشم بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=94إني لأجد ريح يوسف لولا أن تفندون ) [ يوسف : 94 ] واللمس بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5والذين هم لفروجهم حافظون ) [ المؤمنون : 5 ] فاستعن بأنوار هذه الأسماء الخمسة على دفع مضار هذه الأعداء الخمسة .
النكتة السادسة : اعلم أن الشطر الأول من الفاتحة مشتمل على الأسماء الخمسة فتفيض الأنوار على الأسرار ، والشطر الثاني منها مشتمل على الصفات الخمسة للعبد فتصعد منها أسرار إلى مصاعد تلك الأنوار ، وبسبب هاتين الحالتين يحصل للعبد معراج في صلاته : فالأول هو النزول ، والثاني هو الصعود ، والحد المشترك بين القسمين هو الحد الفاصل بين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مالك يوم الدين ) وبين قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إياك نعبد ) وتقرير هذا الكلام أن حاجة العبد إما في طلب الدنيا وهو قسمان : إما دفع الضرر ، أو جلب النفع ، وإما في طلب الآخرة ، وهو أيضا قسمان : دفع الضرر وهو الهرب من النار ، وطلب الخير وهو طلب الجنة ، فالمجموع أربعة ، والقسم الخامس - وهو الأشرف - طلب خدمة الله وطاعته وعبوديته لما هو هو لا لأجل رغبة ولا لأجل رهبة ، فإن شاهدت نور اسم الله لم تطلب من الله شيئا سوى الله ، وإن طالعت نور الرب طلبت منه خيرات الجنة ، وإن طالعت منه نور الرحمن طلبت منه خيرات هذه الدنيا ، وإن طالعت نور الرحيم طلبت منه أن يعصمك عن مضار الآخرة ، وإن طالعت نور مالك يوم الدين طلبت منه أن يصونك عن آفات هذه الدنيا وقبائح الأعمال فيها لئلا تقع في عذاب الآخرة .
النكتة السابعة : يمكن أيضا تنزيل هذه الأسماء الخمسة على المراتب الخمس المذكورة في الذكر المشهور - وهو قوله : سبحان الله والحمد لله ولا إله إلا الله والله أكبر ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم - أما قولنا : سبحان الله ، فهو فاتحة سورة واحدة وهي : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سبحان الذي أسرى بعبده ليلا ) [ الإسراء : 1 ] وأما قولنا : الحمد لله ، فهو فاتحة خمس سور ، وأما قولنا : لا إله إلا الله فهو فاتحة سورة واحدة وهي قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2الله لا إله إلا هو ) [ آل عمران : 1 ] وأما قولنا : الله أكبر فهو مذكور في القرآن لا بالتصريح في موضعين مضافا إلى الذكر تارة وإلى الرضوان أخرى فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45ولذكر الله أكبر ) [ العنكبوت : 45 ] وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72ورضوان من الله أكبر ) [ التوبة : 72 ] وأما قولنا : لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ، فهو غير مذكور في القرآن صريحا لأنه من كنوز الجنة والكنز يكون مخفيا ولا يكون ظاهرا فالأسماء الخمسة المذكورة في سورة الفاتحة مباد لهذه الأذكار الخمسة ، فقولنا " الله " مبدأ لقولنا سبحان الله ، وقولنا " رب " مبدأ لقولنا الحمد لله ، وقولنا " الرحمن " مبدأ لقولنا لا إله إلا الله ، فإن قولنا لا إله إلا الله إنما يليق بمن يحصل له كمال القدرة وكمال الرحمة ، وذلك هو الرحمن ؛ وقولنا " الرحيم " مبدأ لقولنا الله أكبر ومعناه أنه أكبر من أن لا يرحم عباده الضعفاء ، وقولنا مالك يوم الدين مبدأ لقولنا لا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم ؛ لأن الملك والمالك هو الذي لا يقدر عبيده على أن يعملوا شيئا على خلاف إرادته ، والله أعلم .
الْفَصْلُ السَّابِعُ
فِي لَطَائِفِ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ " ، وَفَوَائِدُ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ
أَمَّا لَطَائِفُ قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ " فَأَرْبَعُ نُكَتٍ :
النُّكْتَةُ الْأُولَى : رُوِيَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
أَنَّ إِبْرَاهِيمَ الْخَلِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ سَأَلَ رَبَّهُ وَقَالَ : يَا رَبِّ ، مَا جَزَاءُ مَنْ حَمِدَكَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ؟ فَقَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=treesubj&link=29484_28972الْحَمْدُ لِلَّهِ فَاتِحَةُ الشُّكْرِ [ ص: 228 ] وَخَاتِمَتُهُ ، قَالَ أَهْلُ التَّحْقِيقِ : لَمَّا كَانَتْ هَذِهِ الْكَلِمَةُ فَاتِحَةَ الشُّكْرِ جَعَلَهَا اللَّهُ فَاتِحَةَ كَلَامِهِ ، وَلَمَّا كَانَتْ خَاتِمَتَهُ جَعَلَهَا اللَّهُ خَاتِمَةَ كَلَامِ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=10وَآخِرُ دَعْوَاهُمْ أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) [ يُونُسَ : 10 ] . وَرُوِيَ عَنْ
عَلِيٍّ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَنَّهُ قَالَ : خَلَقَ اللَّهُ الْعَقْلَ مِنْ نُورٍ مَكْنُونٍ مَخْزُونٍ مِنْ سَابِقِ عِلْمِهِ ، فَجَعَلَ الْعِلْمَ نَفْسَهُ ، وَالْفَهْمَ رُوحَهُ ، وَالزُّهْدَ رَأْسَهُ ، وَالْحَيَاءَ عَيْنَهُ ، وَالْحِكْمَةَ لِسَانَهُ ، وَالْخَيْرَ سَمْعَهُ ، وَالرَّأْفَةَ قَلْبَهُ ، وَالرَّحْمَةَ هَمَّهُ ، وَالصَّبْرَ بَطْنَهُ ، ثُمَّ قِيلَ لَهُ تَكَلَّمْ ، فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَيْسَ لَهُ نِدٌّ وَلَا ضِدٌّ وَلَا مِثْلٌ وَلَا عَدْلٌ ، الَّذِي ذَلَّ كُلُّ شَيْءٍ لِعِزَّتِهِ ، فَقَالَ الرَّبُّ : وَعِزَّتِي وَجَلَالِي مَا خَلَقْتُ خَلْقًا أَعَزَّ عَلَيَّ مِنْكَ . وَأَيْضًا نُقِلَ أَنَّ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا عَطَسَ فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ فَكَانَ أَوَّلُ كَلَامِهِ ذَلِكَ ، إِذَا عَرَفْتَ هَذَا فَنَقُولُ : أَوَّلُ مَرَاتِبِ الْمَخْلُوقَاتِ هُوَ الْعَقْلُ ، وَآخِرُ مَرَاتِبِهَا
آدَمُ ، وَقَدْ نَقَلْنَا أَوَّلَ كَلَامِ الْعَقْلِ هُوَ قَوْلُهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ وَأَوَّلُ كَلَامِ
آدَمَ هُوَ قَوْلُهُ : الْحَمْدُ ، فَثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ كَلَامٍ لِفَاتِحَةِ الْمُحْدَثَاتِ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ وَأَوَّلَ كَلَامٍ لِخَاتِمَةِ الْمُحْدَثَاتِ هُوَ هَذِهِ الْكَلِمَةُ ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَهَا اللَّهُ فَاتِحَةَ كِتَابِهِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ) وَأَيْضًا ثَبَتَ أَنَّ أَوَّلَ كَلِمَاتِ اللَّهِ قَوْلُهُ : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَآخِرَ أَنْبِيَاءِ اللَّهِ
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، وَبَيْنَ الْأَوَّلِ وَالْآخِرِ مُنَاسَبَةٌ ، فَلَا جَرَمَ جَعَلَ قَوْلَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ ) أَوَّلَ آيَةٍ مِنْ كِتَابِ
مُحَمَّدٍ رَسُولِهِ ، وَلَمَّا كَانَ كَذَلِكَ وَضَعَ
لِمُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ مِنْ كَلِمَةِ الْحَمْدِ اسْمَانِ : أَحْمَدُ
وَمُحَمَّدٌ ، وَعِنْدَ هَذَا قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ : "
أَنَا فِي السَّمَاءِ أَحْمَدُ ، وَفِي الْأَرْضِ مُحَمَّدٌ " فَأَهْلُ السَّمَاءِ فِي تَحْمِيدِ اللَّهِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ أَحْمَدُهُمْ ، وَاللَّهُ تَعَالَى فِي تَحْمِيدِ أَهْلِ الْأَرْضِ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=19فَأُولَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 19 ] وَرَسُولُ اللَّهِ مُحَمَّدُهُمْ .
وَالنُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ : أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33147الْحَمْدَ لَا يَحْصُلُ إِلَّا عِنْدَ الْفَوْزِ بِالنِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْحَمْدُ أَوَّلَ الْكَلِمَاتِ وَجَبَ أَنْ تَكُونَ النِّعْمَةُ وَالرَّحْمَةُ أَوَّلَ الْأَفْعَالِ وَالْأَحْكَامِ فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011316سَبَقَتْ رَحْمَتِي غَضَبِي .
النُّكْتَةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّ الرَّسُولَ اسْمُهُ أْحَمْدُ ، وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَحْمَدُ الْحَامِدِينَ أَيْ : أَكْثَرُهُمْ حَمْدًا ، فَوَجَبَ أَنْ تَكُونَ نِعَمُ اللَّهِ عَلَيْهِ أَكْثَرَ لِمَا بَيَّنَّا أَنَّ كَثْرَةَ الْحَمْدِ بِحَسَبِ كَثْرَةِ النِّعْمَةِ وَالرَّحْمَةِ ، وَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ لَزِمَ أَنْ تَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=19963_19960رَحْمَةُ اللَّهِ فِي حَقِّ مُحَمَّدٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَكْثَرَ مِنْهَا فِي حَقِّ جَمِيعِ الْعَالَمِينَ . فَلِهَذَا السَّبَبِ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 107 ] .
النُّكْتَةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّ الْمُرْسِلَ لَهُ اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَهُمَا الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ ، وَهُمَا يُفِيدَانِ الْمُبَالَغَةَ ، وَالرَّسُولُ لَهُ أَيْضًا اسْمَانِ مُشْتَقَّانِ مِنَ الرَّحْمَةِ ، وَهُمَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ ، لِأَنَّا بَيَّنَّا أَنَّ حُصُولَ الْحَمْدِ مَشْرُوطٌ بِحُصُولِ الرَّحْمَةِ ، فَقَوْلُنَا مُحَمَّدٌ وَأَحْمَدُ جَارٍ مَجْرَى قَوْلِنَا مَرْحُومٌ وَأَرْحَمُ . وَجَاءَ فِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=29396مِنْ أَسْمَاءِ الرَّسُولِ : الْحَمْدَ ، وَالْحَامِدَ ، وَالْمَحْمُودَ ، فَهَذِهِ خَمْسَةٌ لِلرُّسُولِ دَالَّةٌ عَلَى الرَّحْمَةِ ، إِذَا ثَبَتَ هَذَا فَنَقُولُ : إِنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=49نَبِّئْ عِبَادِي أَنِّي أَنَا الْغَفُورُ الرَّحِيمُ ) [ الْحِجْرِ : 49 ] فَقَوْلُهُ نَبِّئْ إِشَارَةٌ إِلَى
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللُّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَهُوَ مَذْكُورٌ قَبْلَ الْعِبَادِ ، وَالْيَاءُ فِي قَوْلِهِ عِبَادِي ضَمِيرٌ عَائِدٌ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَالْيَاءُ فِي قَوْلِهِ أَنِّي عَائِدٌ إِلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ أَنَا عَائِدٌ إِلَيْهِ ، وَقَوْلُهُ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ صِفَتَانِ لِلَّهِ ، فَهِيَ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ دَالَّةٌ عَلَى اللَّهِ الْكَرِيمِ الرَّحِيمِ ، فَالْعَبْدُ يَمْشِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَقُدَّامَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَعَ خَمْسَةِ أَسْمَاءٍ تَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ ، وَخَلْفَهُ خَمْسَةُ أَلْفَاظٍ مِنْ أَسْمَاءِ اللَّهِ تَدُلُّ عَلَى الرَّحْمَةِ ، وَرَحْمَةُ الرَّسُولِ كَثِيرَةٌ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=21&ayano=107وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ ) [ الْأَنْبِيَاءِ : 107 ] وَرَحْمَةُ اللَّهِ غَيْرُ مُتَنَاهِيَةٍ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=156وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ ) [ الْأَعْرَافِ : 156 ]
[ ص: 229 ] فَكَيْفَ يُعْقَلُ أَنْ يَضِيعَ الْمُذْنِبُ مَعَ هَذِهِ الْبِحَارِ الزَّاخِرَةِ الْعَشَرَةِ الْمَمْلُوءَةِ مِنَ الرَّحْمَةِ ؟ .
وَأَمَّا فَوَائِدُ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ الْمَذْكُورَةِ فِي هَذِهِ السُّورَةِ فَأَشْيَاءُ :
النُّكْتَةُ الْأُولَى : أَنَّ سُورَةَ الْفَاتِحَةِ فِيهَا عَشَرَةُ أَشْيَاءَ ، مِنْهَا خَمْسَةٌ مِنْ صِفَةِ الرُّبُوبِيَّةِ ، وَهِيَ : اللَّهُ ، وَالرَّبُّ ، وَالرَّحْمَنُ ، وَالرَّحِيمُ ، وَالْمَالِكُ ؛ وَخَمْسَةُ أَشْيَاءَ مِنْ صِفَاتِ الْعَبْدِ وَهِيَ : الْعُبُودِيَّةُ ، وَالِاسْتِعَانَةُ ، وَطَلَبُ الْهِدَايَةِ ، وَطَلَبُ الِاسْتِقَامَةِ ، وَطَلَبُ النِّعْمَةِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ ) فَانْطَبَقَتْ تِلْكَ الْأَسْمَاءُ الْخَمْسَةُ عَلَى هَذِهِ الْأَحْوَالِ الْخَمْسَةِ ، فَكَأَنَّهُ قِيلَ : إِيَّاكَ نَعْبُدُ لِأَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ ، وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ لِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّبُّ ، اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ لِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّحْمَنُ ، وَارْزُقْنَا الِاسْتِقَامَةَ لِأَنَّكَ أَنْتَ الرَّحِيمُ ، وَأَفِضْ عَلَيْنَا سِجَالَ نِعَمِكَ وَكَرَمِكَ لِأَنَّكَ مَالِكُ يَوْمِ الدِّينِ .
النُّكْتَةُ الثَّانِيَةُ :
nindex.php?page=treesubj&link=28661الْإِنْسَانُ مُرَكَّبٌ مِنْ خَمْسَةِ أَشْيَاءَ : بَدَنِهِ ، وَنَفْسِهِ الشَّيْطَانِيَّةِ ، وَنَفْسِهِ الشَّهْوَانِيَّةِ ، وَنَفْسِهِ الْغَضَبِيَّةِ ، وَجَوْهَرِهِ الْمَلَكِيِّ الْعَقْلِيِّ ، فَتَجَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ بِأَسْمَائِهِ الْخَمْسَةِ لِهَذِهِ الْمَرَاتِبِ الْخَمْسَةِ ، فَتَجَلَّى اسْمُ اللَّهِ لِلرُّوحِ الْمَلَكِيَّةِ الْعَقْلِيَّةِ الْفَلَكِيَّةِ الْقُدْسِيَّةِ فَخَضَعَ وَأَطَاعَ كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=13&ayano=28أَلَا بِذِكْرِ اللَّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ ) [ الرَّعْدِ : 28 ] وَتَجَلَّى لِلنَّفْسِ الشَّيْطَانِيَّةِ بِالْبِرِّ وَالْإِحْسَانِ - وَهُوَ اسْمُ الرَّبِّ - فَتَرَكَ الْعِصْيَانَ وَانْقَادَ لِطَاعَةِ الدَّيَّانِ ، وَتَجَلَّى لِلنَّفْسِ الْغَضَبِيَّةِ السَّبُعِيَّةِ بِاسْمِ الرَّحْمَنِ وَهَذَا الِاسْمُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْقَهْرِ وَاللُّطْفِ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=26الْمُلْكُ يَوْمَئِذٍ الْحَقُّ لِلرَّحْمَنِ ) [ الْفُرْقَانِ : 26 ] فَتَرَكَ الْخُصُومَةَ وَتَجَلَّى لِلنَّفْسِ الشَّهْوَانِيَّةِ الْبَهِيمِيَّةِ بِاسْمِ الرَّحِيمِ ، وَهُوَ أَنَّهُ أَطْلَقَ الْمُبَاحَاتِ وَالطِّيبَاتِ كَمَا قَالَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=4أُحِلَّ لَكُمُ الطَّيِّبَاتُ ) [ الْمَائِدَةِ : 4 ] فَلَانَ وَتَرَكَ الْعِصْيَانَ ، وَتَجَلَّى لِلْأَجْسَادِ وَالْأَبْدَانِ بِقَهْرِ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) فَإِنَّ الْبَدَنَ غَلِيظٌ كَثِيفٌ ، فَلَا بُدَّ مِنْ قَهْرٍ شَدِيدٍ ، وَهُوَ الْقَهْرُ الْحَاصِلُ مِنْ خَوْفِ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، فَلَمَّا تَجَلَّى الْحَقُّ سُبْحَانَهُ بِأَسْمَائِهِ الْخَمْسَةِ لِهَذِهِ الْمَرَاتِبِ انْغَلَقَتْ أَبْوَابُ النِّيرَانِ ، وَانْفَتَحَتْ أَبْوَابُ الْجِنَانِ ، ثُمَّ هَذِهِ الْمَرَاتِبُ ابْتَدَأَتْ بِالرُّجُوعِ كَمَا جَاءَتْ فَأَطَاعَتِ الْأَبْدَانُ وَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) ، وَأَطَاعَتِ النُّفُوسُ الشَّهْوَانِيَّةُ فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5وَإِيَّاكَ نَسْتَعِينُ ) عَلَى تَرْكِ اللَّذَّاتِ وَالْإِعْرَاضِ عَنِ الشَّهَوَاتِ ، وَأَطَاعَتِ النُّفُوسُ الْغَضَبِيَّةِ فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا ) وَأَرْشِدْنَا وَعَلَى دِينِكَ فَثَبِّتْنَا ، وَأَطَاعَتِ النَّفْسُ الشَّيْطَانِيَّةُ وَطَلَبَتْ مِنَ اللَّهِ الِاسْتِقَامَةَ وَالصَّوْنَ عَنِ الِانْحِرَافِ فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=6اهْدِنَا الصِّرَاطَ الْمُسْتَقِيمَ ) وَتَوَاضَعَتِ الْأَرْوَاحُ الْقُدْسِيَّةُ الْمَلَكِيَّةُ فَطَلَبَتْ مِنَ اللَّهِ أَنْ يُوصِلَهَا بِالْأَرْوَاحِ الْقُدْسِيَّةِ الْعَالِيَةِ الْمُطَهَّرَةِ الْمُعَظَّمَةِ فَقَالَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=7صِرَاطَ الَّذِينَ أَنْعَمْتَ عَلَيْهِمْ غَيْرِ الْمَغْضُوبِ عَلَيْهِمْ وَلَا الضَّالِّينَ ) .
النُّكْتَةُ الثَّالِثَةُ : قَالَ عَلَيْهِ السَّلَامُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011317nindex.php?page=treesubj&link=28633بُنِيَ الْإِسْلَامُ عَلَى خَمْسٍ : شَهَادَةِ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ ، وَإِقَامِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءِ الزَّكَاةِ ، وَصَوْمِ رَمَضَانَ ، وَحَجِّ الْبَيْتِ ، فَشَهَادَةُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ حَاصِلَةٌ مِنْ تَجَلِّي نُورِ اسْمِ اللَّهِ ، وَإِقَامُ الصَّلَاةُ مِنْ تَجَلِّي الرَّبِّ ؛ لِأَنَّ الرَّبَّ مُشْتَقٌ مِنَ التَّرْبِيَةِ وَالْعَبْدُ يُرَبِّي إِيمَانَهُ بِمَدَدِ الصَّلَاةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ مِنْ تَجَلِّي اسْمِ الرَّحْمَنِ ؛ لِأَنَّ الرَّحْمَنَ مُبَالَغَةٌ فِي الرَّحْمَةِ ، وَإِيتَاءُ الزَّكَاةِ لِأَجْلِ الرَّحْمَةِ عَلَى الْفُقَرَاءِ ، وَوُجُوبُ صَوْمِ رَمَضَانَ مِنْ تَجَلِّي اسْمِ الرَّحِيمِ ؛ لِأَنَّ الصَّائِمَ إِذَا جَاعَ تَذَكَّرَ جَوْعَ الْفُقَرَاءِ فَيُعْطِيهِمْ مَا يَحْتَاجُونَ إِلَيْهِ ، وَأَيْضًا إِذَا جَاعَ حَصَلَ لَهُ فِطَامٌ عَنِ الِالْتِذَاذِ بِالْمَحْسُوسَاتِ فَعِنْدَ الْمَوْتِ يَسْهُلُ عَلَيْهِ مُفَارَقَتُهَا ، وَوُجُوبُ الْحَجِّ مِنْ تَجَلِّي اسْمِ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ؛ لِأَنَّ عِنْدَ الْحَجِّ يَجِبُ هِجْرَةُ الْوَطَنِ وَمُفَارَقَةُ الْأَهْلِ وَالْوَلَدُ ، وَذَلِكَ يُشْبِهُ سَفَرَ يَوْمِ الْقِيَامَةِ ، وَأَيْضًا الْحَاجُّ يَصِيرُ حَافِيًا حَاسِرًا عَارِيًا وَهُوَ يُشْبِهُ حَالَ أَهْلِ الْقِيَامَةِ وَبِالْجُمْلَةِ فَالنِّسْبَةُ بَيْنَ الْحَجِّ وَبَيْنَ أَحْوَالِ الْقِيَامَةِ كَثِيرَةٌ جِدًّا .
النُّكْتَةُ الرَّابِعَةُ : أَنْوَاعُ الْقِبْلَةِ خَمْسَةٌ :
بَيْتُ الْمَقْدِسِ ،
وَالْكَعْبَةُ ، وَالْبَيْتُ الْمَعْمُورِ ، وَالْعَرْشُ وَحَضْرَةُ جَلَالِ
[ ص: 230 ] اللَّهِ . فَوَزِّعْ هَذِهِ الْأَسْمَاءَ الْخَمْسَةَ عَلَى الْأَنْوَاعِ الْخَمْسَةِ مِنَ الْقِبْلَةِ .
النُّكْتَةُ الْخَامِسَةُ : الْحَوَاسُّ خَمْسٌ : أَدَّبَ الْبَصَرَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=59&ayano=2فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ ) [ الْحَشْرِ : 2 ] وَالسَّمْعَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=18الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ ) [ الزُّمَرِ : 18 ] وَالذَّوْقَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=51يَاأَيُّهَا الرُّسُلُ كُلُوا مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَاعْمَلُوا صَالِحًا ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 51 ] وَالشَّمَّ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=12&ayano=94إِنِّي لَأَجِدُ رِيحَ يُوسُفَ لَوْلَا أَنْ تُفَنِّدُونِ ) [ يُوسُفَ : 94 ] وَاللَّمْسَ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=23&ayano=5وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ ) [ الْمُؤْمِنُونَ : 5 ] فَاسْتَعِنْ بِأَنْوَارِ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى دَفْعِ مَضَارِّ هَذِهِ الْأَعْدَاءِ الْخَمْسَةِ .
النُّكْتَةُ السَّادِسَةُ : اعْلَمْ أَنَّ الشَّطْرَ الْأَوَّلَ مِنَ الْفَاتِحَةِ مُشْتَمِلٌ عَلَى الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ فَتَفِيضُ الْأَنْوَارُ عَلَى الْأَسْرَارِ ، وَالشَّطْرَ الثَّانِي مِنْهَا مُشْتَمِلٌ عَلَى الصِّفَاتِ الْخَمْسَةِ لِلْعَبْدِ فَتَصْعَدُ مِنْهَا أَسْرَارٌ إِلَى مَصَاعِدِ تِلْكَ الْأَنْوَارِ ، وَبِسَبَبِ هَاتَيْنِ الْحَالَتَيْنِ يِحْصُلُ لِلْعَبْدِ مِعْرَاجٌ فِي صَلَاتِهِ : فَالْأَوَّلُ هُوَ النُّزُولُ ، وَالثَّانِي هُوَ الصُّعُودُ ، وَالْحَدُّ الْمُشْتَرَكُ بَيْنَ الْقِسْمَيْنِ هُوَ الْحَدُّ الْفَاصِلُ بَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=4مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ ) وَبَيْنَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=5إِيَّاكَ نَعْبُدُ ) وَتَقْرِيرُ هَذَا الْكَلَامِ أَنَّ حَاجَةَ الْعَبْدِ إِمَّا فِي طَلَبِ الدُّنْيَا وَهُوَ قِسْمَانِ : إِمَّا دَفْعُ الضَّرَرِ ، أَوْ جَلْبُ النَّفْعِ ، وَإِمَّا فِي طَلَبِ الْآخِرَةِ ، وَهُو أَيْضًا قِسْمَانِ : دَفْعُ الضَّرَرِ وَهُوَ الْهَرَبُ مِنَ النَّارِ ، وَطَلَبُ الْخَيْرِ وَهُوَ طَلَبُ الْجَنَّةِ ، فَالْمَجْمُوعُ أَرْبَعَةٌ ، وَالْقِسْمُ الْخَامِسُ - وَهُوَ الْأَشْرَفُ - طَلَبُ خِدْمَةِ اللَّهِ وَطَاعَتِهِ وَعُبُودِيَّتِهِ لِمَا هُوَ هُوَ لَا لِأَجْلِ رَغْبَةٍ وَلَا لِأَجْلِ رَهْبَةٍ ، فَإِنْ شَاهَدْتَ نُورَ اسْمِ اللَّهِ لَمْ تَطْلُبْ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا سِوَى اللَّهِ ، وَإِنْ طَالَعْتَ نُورَ الرَّبِّ طَلَبْتَ مِنْهُ خَيْرَاتِ الْجَنَّةِ ، وَإِنْ طَالَعْتَ مِنْهُ نُورَ الرَّحْمَنِ طَلَبْتَ مِنْهُ خَيْرَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا ، وَإِنْ طَالَعْتَ نُورَ الرَّحِيمِ طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَعْصِمَكَ عَنْ مَضَارِّ الْآخِرَةِ ، وَإِنْ طَالَعْتَ نُورَ مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ طَلَبْتَ مِنْهُ أَنْ يَصُونَكَ عَنْ آفَاتِ هَذِهِ الدُّنْيَا وَقَبَائِحِ الْأَعْمَالِ فِيهَا لِئَلَّا تَقَعَ فِي عَذَابِ الْآخِرَةِ .
النُّكْتَةُ السَّابِعَةُ : يُمْكِنُ أَيْضًا تَنْزِيلُ هَذِهِ الْأَسْمَاءِ الْخَمْسَةِ عَلَى الْمَرَاتِبِ الْخَمْسِ الْمَذْكُورَةِ فِي الذِّكْرِ الْمَشْهُورِ - وَهُوَ قَوْلُهُ : سُبْحَانَ اللَّهِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ وَلَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَاللَّهُ أَكْبَرُ وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ - أَمَّا قَوْلُنَا : سُبْحَانَ اللَّهِ ، فَهُوَ فَاتِحَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=1سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا ) [ الْإِسْرَاءِ : 1 ] وَأَمَّا قَوْلُنَا : الْحَمْدُ لِلَّهِ ، فَهُوَ فَاتِحَةُ خَمْسِ سُوَرٍ ، وَأَمَّا قَوْلُنَا : لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ فَهُوَ فَاتِحَةُ سُورَةٍ وَاحِدَةٍ وَهِيَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=1الم nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=2اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 1 ] وَأَمَّا قَوْلُنَا : اللَّهُ أَكْبَرُ فَهُوَ مَذْكُورٌ فِي الْقُرْآنِ لَا بِالتَّصْرِيحِ فِي مَوْضِعَيْنِ مُضَافًا إِلَى الذِّكْرِ تَارَةً وَإِلَى الرِّضْوَانِ أُخْرَى فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=29&ayano=45وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ ) [ الْعَنْكَبُوتِ : 45 ] وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=72وَرِضْوَانٌ مِنَ اللَّهِ أَكْبَرُ ) [ التَّوْبَةِ : 72 ] وَأَمَّا قَوْلُنَا : لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ، فَهُوَ غَيْرُ مَذْكُورٍ فِي الْقُرْآنِ صَرِيحًا لِأَنَّهُ مِنْ كُنُوزِ الْجَنَّةِ وَالْكَنْزُ يَكُونُ مَخْفِيًّا وَلَا يَكُونُ ظَاهِرًا فَالْأَسْمَاءُ الْخَمْسَةُ الْمَذْكُورَةُ فِي سُورَةِ الْفَاتِحَةِ مَبَادٍ لِهَذِهِ الْأَذْكَارِ الْخَمْسَةِ ، فَقَوْلُنَا " اللَّهِ " مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا سُبْحَانَ اللَّهِ ، وَقَوْلُنَا " رَبِّ " مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا الْحَمْدُ لِلَّهِ ، وَقَوْلُنَا " الرَّحْمَنِ " مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ ، فَإِنَّ قَوْلَنَا لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ إِنَّمَا يَلِيقُ بِمَنْ يَحْصُلُ لَهُ كَمَالُ الْقُدْرَةِ وَكَمَالُ الرَّحْمَةِ ، وَذَلِكَ هُوَ الرَّحْمَنُ ؛ وَقَوْلُنَا " الرَّحِيمِ " مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا اللَّهُ أَكْبَرُ وَمَعْنَاهُ أَنَّهُ أَكْبَرُ مِنْ أَنْ لَا يَرْحَمَ عِبَادَهُ الضُّعَفَاءَ ، وَقَوْلُنَا مَالِكِ يَوْمِ الدِّينِ مَبْدَأٌ لِقَوْلِنَا لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ ؛ لِأَنَّ الْمَلِكَ وَالْمَالِكَ هُوَ الَّذِي لَا يَقْدِرُ عَبِيدُهُ عَلَى أَنْ يَعْمَلُوا شَيْئًا عَلَى خِلَافِ إِرَادَتِهِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .