( المسألة الخامسة ) : أن الله تعالى لما أمر
آدم عليه السلام بأن يخبرهم عن أسماء الأشياء وهو عليه الصلاة والسلام أخبرهم بها ، فلما أخبرهم بها قال سبحانه وتعالى لهم عند ذلك : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33ألم أقل لكم إني أعلم غيب )
[ ص: 193 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33السماوات والأرض ) والمراد من هذا الغيب أنه تعالى كان عالما بأحوال
آدم عليه السلام قبل أن يخلقه وهذا يدل على أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28781سبحانه وتعالى يعلم الأشياء قبل حدوثها ، وذلك يدل على بطلان مذهب
هشام بن الحكم في أنه لا يعلم الأشياء إلا عند وقوعها ، فإن قيل الإيمان هو العلم ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يؤمنون بالغيب ) [البقرة : 3] يدل على أن العبد يعلم الغيب فكيف قال ههنا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33إني أعلم غيب السماوات والأرض ) ؟ والإشعار بأن علم الغيب ليس إلا لي وأن كل من سواي فهم خالون عن علم الغيب ، وجوابه ما تقدم في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الذين يؤمنون بالغيب ) [البقرة : 3] أما
nindex.php?page=treesubj&link=28973قوله : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33وأعلم ما تبدون وما كنتم تكتمون ) ففيه وجوه :
أحدها : ما روى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشعبي عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس nindex.php?page=showalam&ids=10وابن مسعود رضي الله عنهم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33وأعلم ما تبدون ) أراد به قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أتجعل فيها من يفسد فيها ) وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33وما كنتم تكتمون ) أراد به ما أسر إبليس في نفسه من الكبر وأن لا يسجد : وثانيها : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إني أعلم ما لا تعلمون ) من الأمور الغائبة والأسرار الخفية التي يظن في الظاهر أنه لا مصلحة فيها ولكني لعلمي بالأسرار المغيبة أعلم أن المصلحة في خلقها .
وثالثها : أنه تعالى لما خلق
آدم رأت الملائكة خلقا عجيبا ، فقالوا : ليكن ما شاء ، فلن يخلق ربنا خلقا إلا كنا أكرم عليه منه فهذا الذي كتموا ، ويجوز أن يكون هذا القول سرا أسروه بينهم فأبداه بعضهم لبعض وأسروه عن غيرهم فكان في هذا الفعل الواحد إبداء وكتمان .
ورابعها : وهو قول الحكماء أن الأقسام خمسة لأن الشيء إما أن يكون خيرا محضا ، أو شرا محضا أو ممتزجا وعلى تقدير الامتزاج فإما أن يعتدل الأمر ، أو يكون الخير غالبا أو يكون الشر غالبا ، أما الخير المحض فالحكمة تقتضي إيجاده ، وأما الذي يكون فيه الخير غالبا فالحكمة تقتضي إيجاده ؛ لأن ترك الخير الكثير لأجل الشر القليل شر كثير فالملائكة ذكروا الفساد والقتل وهو شر قليل بالنسبة إلى ما يحصل منهم من الخيرات فقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33إني أعلم غيب السماوات والأرض ) فأعرف أن خيرهم غالب على هذه الشرور فاقتضت الحكمة إيجادهم وتكوينهم .
( المسألة السادسة ) : اعلم أن في هذه الآية خوفا عظيما وفرحا عظيما ، أما الخوف
nindex.php?page=treesubj&link=28781فلأنه تعالى لا يخفى عليه شيء من أحوال الضمائر فيجب أن يجتهد المرء في تصفية باطنه وأن لا يكون بحيث يترك المعصية لاطلاع الخلائق عليها ، ولا يتركها عند اطلاع الخالق عليها ، والأخبار مؤكدة لذلك .
أحدها : روى
nindex.php?page=showalam&ids=76عدي بن حاتم أنه عليه الصلاة والسلام قال : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011416nindex.php?page=treesubj&link=19666_19663_19995يؤتى بناس يوم القيامة فيؤمر بهم إلى الجنة حتى إذا دنوا منها ووجدوا رائحتها ونظروا إلى قصورها وإلى ما أعد الله لأهلها نودوا أن اصرفوهم عنها لا نصيب لهم فيها ، فيرجعون عنها بحسرة ما رجع أحد بمثلها ويقولون : يا ربنا لو أدخلتنا النار قبل أن ترينا ما أريتنا من ثوابك ، وما أعددت فيها لأوليائك كان أهون علينا .
فنودوا ذاك أردت لكم كنتم إذا خلوتم بارزتموني بالعظائم ، وإذا لقيتم الناس لقيتموهم بالمحبة مخبتين تراءون الناس بخلاف ما تضمرون عليه في قلوبكم ، هبتم الناس ولم تهابوني ، أجللتم الناس ولم تجلوني تركتم المعاصي للناس ولم تتركوها لأجلي ، كنت أهون الناظرين عليكم فاليوم أذيقكم أليم عذابي مع ما حرمتكم من النعيم " .
وثانيها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=16045سليمان بن علي لحميد الطويل : عظني ، فقال : إن كنت إذا عصيت الله خاليا ظننت أنه يراك فلقد اجترأت على أمر عظيم ، وإن كنت ظننت أنه لا يراك فلقد كفرت .
وثالثها : قال
nindex.php?page=showalam&ids=15665حاتم الأصم :
nindex.php?page=treesubj&link=19691_29558طهر نفسك في ثلاثة أحوال : إذا كنت عاملا بالجوارح فاذكر نظر الله إليك ، وإذا كنت قائلا فاذكر سمع الله إليك ، وإذا كنت ساكتا عاملا بالضمير فاذكر علم الله بك إذ هو يقول :
[ ص: 194 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إنني معكما أسمع وأرى ) [طه : 46] .
ورابعها : اعلم أنه
nindex.php?page=treesubj&link=28787لا اطلاع لأحد على أسرار حكمة الله تعالى ، فالملائكة وقع نظرهم على الفساد والقتل فاستحقروا البشر ، ووقع نظرهم على طاعة إبليس فاستعظموه ، أما علام الغيوب فإنه كان عالما بأنهم وإن أتوا بالفساد والقتل لكنهم سيأتون بعده بقولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23ربنا ظلمنا أنفسنا ) [الأعراف : 23] وأن إبليس وإن أتى بالطاعات لكنه سيأتي بعدها بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12أنا خير منه ) ، ومن شأن العقل أن لا يعتمد على ما يراه وأن يكون أبدا في الخوف والوجل ، فقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33إني أعلم غيب السماوات ) معناه أنا الذي أعرف الظاهر والباطن والواقع والمتوقع ، وأعلم أنه ما ترونه عابدا مطيعا سيكفر ، ويبعد عن حضرتي ، ومن ترونه فاسقا بعيدا سيقرب من خدمتي ، فالخلق لا يمكنهم أن يخرجوا عن حجاب الجهل ، ولا يتيسر لهم أن يخرقوا أستار العجز فإنهم لا يحيطون بشيء من علمه ، ثم إنه سبحانه حقق من علم الغيب وعجز الملائكة أن أظهر من البشر كمال العبودية ، ومن أشد ساكني السماوات عبادة كمال الكفر ؛ لئلا يغتر أحد بعمله ويفوضوا معرفة الأشياء إلى حكمة الخالق ويزيلوا الاعتراض بالقلب واللسان عن مصنوعاته ومبدعاته .
( الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ ) : أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى لَمَّا أَمَرَ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ بِأَنْ يُخْبِرَهُمْ عَنْ أَسْمَاءِ الْأَشْيَاءِ وَهُوَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَخْبَرَهُمْ بِهَا ، فَلَمَّا أَخْبَرَهُمْ بِهَا قَالَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُمْ عِنْدَ ذَلِكَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ )
[ ص: 193 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) وَالْمُرَادُ مِنْ هَذَا الْغَيْبِ أَنَّهُ تَعَالَى كَانَ عَالِمًا بِأَحْوَالِ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ قَبْلَ أَنْ يَخْلُقَهُ وَهَذَا يَدُلُّ عَلَى أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28781سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ قَبْلَ حُدُوثِهَا ، وَذَلِكَ يَدُلُّ عَلَى بُطْلَانِ مَذْهَبِ
هِشَامِ بْنِ الْحَكَمِ فِي أَنَّهُ لَا يَعْلَمُ الْأَشْيَاءَ إِلَّا عِنْدَ وُقُوعِهَا ، فَإِنْ قِيلَ الْإِيمَانُ هُوَ الْعِلْمُ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [الْبَقَرَةِ : 3] يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْعَبْدَ يَعْلَمُ الْغَيْبَ فَكَيْفَ قَالَ هَهُنَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) ؟ وَالْإِشْعَارُ بِأَنَّ عِلْمَ الْغَيْبِ لَيْسَ إِلَّا لِي وَأَنَّ كُلَّ مَنْ سِوَايَ فَهُمْ خَالُونَ عَنْ عِلْمِ الْغَيْبِ ، وَجَوَابُهُ مَا تَقَدَّمَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=3الَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِالْغَيْبِ ) [الْبَقَرَةِ : 3] أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=28973قَوْلُهُ : ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) فَفِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : مَا رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=14577الشَّعْبِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ nindex.php?page=showalam&ids=10وَابْنِ مَسْعُودٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33وَأَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ ) أَرَادَ بِهِ قَوْلَهُمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا ) وَقَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33وَمَا كُنْتُمْ تَكْتُمُونَ ) أَرَادَ بِهِ مَا أَسَرَّ إِبْلِيسُ فِي نَفْسِهِ مِنَ الْكِبْرِ وَأَنْ لَا يَسْجُدَ : وَثَانِيهَا : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=30إِنِّي أَعْلَمُ مَا لَا تَعْلَمُونَ ) مِنَ الْأُمُورِ الْغَائِبَةِ وَالْأَسْرَارِ الْخَفِيَّةِ الَّتِي يُظَنُّ فِي الظَّاهِرِ أَنَّهُ لَا مَصْلَحَةَ فِيهَا وَلَكِنِّي لِعِلْمِي بِالْأَسْرَارِ الْمُغَيَّبَةِ أَعْلَمُ أَنَّ الْمَصْلَحَةَ فِي خَلْقِهَا .
وَثَالِثُهَا : أَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا خَلَقَ
آدَمَ رَأَتِ الْمَلَائِكَةُ خَلْقًا عَجِيبًا ، فَقَالُوا : لِيَكُنْ مَا شَاءَ ، فَلَنْ يَخْلُقَ رَبُّنَا خَلْقًا إِلَّا كُنَّا أَكْرَمَ عَلَيْهِ مِنْهُ فَهَذَا الَّذِي كَتَمُوا ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هَذَا الْقَوْلُ سِرًّا أَسَرُّوهُ بَيْنَهُمْ فَأَبْدَاهُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ وَأَسَرُّوهُ عَنْ غَيْرِهِمْ فَكَانَ فِي هَذَا الْفِعْلِ الْوَاحِدِ إِبْدَاءٌ وَكِتْمَانٌ .
وَرَابِعُهَا : وَهُوَ قَوْلُ الْحُكَمَاءِ أَنَّ الْأَقْسَامَ خَمْسَةٌ لِأَنَّ الشَّيْءَ إِمَّا أَنْ يَكُونَ خَيْرًا مَحْضًا ، أَوْ شَرًّا مَحْضًا أَوْ مُمْتَزِجًا وَعَلَى تَقْدِيرِ الِامْتِزَاجِ فَإِمَّا أَنْ يَعْتَدِلَ الْأَمْرُ ، أَوْ يَكُونَ الْخَيْرُ غَالِبًا أَوْ يَكُونَ الشَّرُّ غَالِبًا ، أَمَّا الْخَيْرُ الْمَحْضُ فَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِي إِيجَادَهُ ، وَأَمَّا الَّذِي يَكُونُ فِيهِ الْخَيْرُ غَالِبًا فَالْحِكْمَةُ تَقْتَضِي إِيجَادَهُ ؛ لِأَنَّ تَرْكَ الْخَيْرِ الْكَثِيرِ لِأَجْلِ الشَّرِّ الْقَلِيلِ شَرٌّ كَثِيرٌ فَالْمَلَائِكَةُ ذَكَرُوا الْفَسَادَ وَالْقَتْلَ وَهُوَ شَرٌّ قَلِيلٌ بِالنِّسْبَةِ إِلَى مَا يَحْصُلُ مِنْهُمْ مِنَ الْخَيْرَاتِ فَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ ) فَأَعْرِفُ أَنَّ خَيْرَهُمْ غَالِبٌ عَلَى هَذِهِ الشُّرُورِ فَاقْتَضَتِ الْحِكْمَةُ إِيجَادَهُمْ وَتَكْوِينَهُمْ .
( الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ ) : اعْلَمْ أَنَّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ خَوْفًا عَظِيمًا وَفَرَحًا عَظِيمًا ، أَمَّا الْخَوْفُ
nindex.php?page=treesubj&link=28781فَلِأَنَّهُ تَعَالَى لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْ أَحْوَالِ الضَّمَائِرِ فَيَجِبُ أَنْ يَجْتَهِدَ الْمَرْءُ فِي تَصْفِيَةِ بَاطِنِهِ وَأَنْ لَا يَكُونَ بِحَيْثُ يَتْرُكُ الْمَعْصِيَةَ لِاطِّلَاعِ الْخَلَائِقِ عَلَيْهَا ، وَلَا يَتْرُكُهَا عِنْدَ اطِّلَاعِ الْخَالِقِ عَلَيْهَا ، وَالْأَخْبَارُ مُؤَكِّدَةٌ لِذَلِكَ .
أَحَدُهَا : رَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=76عَدِيُّ بْنُ حَاتِمٍ أَنَّهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ قَالَ : "
nindex.php?page=hadith&LINKID=16011416nindex.php?page=treesubj&link=19666_19663_19995يُؤْتَى بِنَاسٍ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَيُؤْمَرُ بِهِمْ إِلَى الْجَنَّةِ حَتَّى إِذَا دَنَوْا مِنْهَا وَوَجَدُوا رَائِحَتَهَا وَنَظَرُوا إِلَى قُصُورِهَا وَإِلَى مَا أَعَدَّ اللَّهُ لِأَهْلِهَا نُودُوا أَنِ اصْرِفُوهُمْ عَنْهَا لَا نَصِيبَ لَهُمْ فِيهَا ، فَيَرْجِعُونَ عَنْهَا بِحَسْرَةٍ مَا رَجَعَ أَحَدٌ بِمِثْلِهَا وَيَقُولُونَ : يَا رَبَّنَا لَوْ أَدْخَلْتَنَا النَّارَ قَبْلَ أَنْ تُرِيَنَا مَا أَرَيْتَنَا مِنْ ثَوَابِكَ ، وَمَا أَعْدَدْتَ فِيهَا لِأَوْلِيَائِكَ كَانَ أَهْوَنَ عَلَيْنَا .
فَنُودُوا ذَاكَ أَرَدْتُ لَكُمْ كُنْتُمْ إِذَا خَلَوْتُمْ بَارَزْتُمُونِي بِالْعَظَائِمِ ، وَإِذَا لَقِيتُمُ النَّاسَ لَقِيتُمُوهُمْ بِالْمَحَبَّةِ مُخْبِتِينَ تُرَاءُونَ النَّاسَ بِخِلَافِ مَا تُضْمِرُونَ عَلَيْهِ فِي قُلُوبِكُمْ ، هِبْتُمُ النَّاسَ وَلَمْ تَهَابُونِي ، أَجْلَلْتُمُ النَّاسَ وَلَمْ تُجِلُّونِي تَرَكْتُمُ الْمَعَاصِيَ لِلنَّاسِ وَلَمْ تَتْرُكُوهَا لِأَجْلِي ، كُنْتُ أَهْوَنَ النَّاظِرِينَ عَلَيْكُمْ فَالْيَوْمَ أُذِيقُكُمْ أَلِيمَ عَذَابِي مَعَ مَا حَرَمْتُكُمْ مِنَ النَّعِيمِ " .
وَثَانِيهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16045سُلَيْمَانُ بْنُ عَلِيٍّ لِحُمَيْدٍ الطَّوِيلِ : عِظْنِي ، فَقَالَ : إِنْ كُنْتَ إِذَا عَصَيْتَ اللَّهَ خَالِيًا ظَنَنْتَ أَنَّهُ يَرَاكَ فَلَقَدِ اجْتَرَأْتَ عَلَى أَمْرٍ عَظِيمٍ ، وَإِنْ كُنْتَ ظَنَنْتَ أَنَّهُ لَا يَرَاكَ فَلَقَدْ كَفَرْتَ .
وَثَالِثُهَا : قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15665حَاتِمٌ الْأَصَمُّ :
nindex.php?page=treesubj&link=19691_29558طَهِّرْ نَفْسَكَ فِي ثَلَاثَةِ أَحْوَالٍ : إِذَا كُنْتَ عَامِلًا بِالْجَوَارِحِ فَاذْكُرْ نَظَرَ اللَّهِ إِلَيْكَ ، وَإِذَا كُنْتَ قَائِلًا فَاذْكُرْ سَمْعَ اللَّهِ إِلَيْكَ ، وَإِذَا كُنْتَ سَاكِتًا عَامِلًا بِالضَّمِيرِ فَاذْكُرْ عِلْمَ اللَّهِ بِكَ إِذْ هُوَ يَقُولُ :
[ ص: 194 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=46إِنَّنِي مَعَكُمَا أَسْمَعُ وَأَرَى ) [طه : 46] .
وَرَابِعُهَا : اعْلَمْ أَنَّهُ
nindex.php?page=treesubj&link=28787لَا اطِّلَاعَ لِأَحَدٍ عَلَى أَسْرَارِ حِكْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَالْمَلَائِكَةُ وَقَعَ نَظَرُهُمْ عَلَى الْفَسَادِ وَالْقَتْلِ فَاسْتَحْقَرُوا الْبَشَرَ ، وَوَقَعَ نَظَرُهُمْ عَلَى طَاعَةِ إِبْلِيسَ فَاسْتَعْظَمُوهُ ، أَمَّا عَلَّامُ الْغُيُوبِ فَإِنَّهُ كَانَ عَالِمًا بِأَنَّهُمْ وَإِنْ أَتَوْا بِالْفَسَادِ وَالْقَتْلِ لَكِنَّهُمْ سَيَأْتُونَ بَعْدَهُ بِقَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=23رَبَّنَا ظَلَمْنَا أَنْفُسَنَا ) [الْأَعْرَافِ : 23] وَأَنَّ إِبْلِيسَ وَإِنْ أَتَى بِالطَّاعَاتِ لَكِنَّهُ سَيَأْتِي بَعْدَهَا بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=12أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ) ، وَمِنْ شَأْنِ الْعَقْلِ أَنْ لَا يَعْتَمِدَ عَلَى مَا يَرَاهُ وَأَنْ يَكُونَ أَبَدًا فِي الْخَوْفِ وَالْوَجَلِ ، فَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=33إِنِّي أَعْلَمُ غَيْبَ السَّمَاوَاتِ ) مَعْنَاهُ أَنَا الَّذِي أَعْرِفُ الظَّاهِرَ وَالْبَاطِنَ وَالْوَاقِعَ وَالْمُتَوَقَّعَ ، وَأَعْلَمُ أَنَّهُ مَا تَرَوْنَهُ عَابِدًا مُطِيعًا سَيَكْفُرُ ، وَيَبْعُدُ عَنْ حَضْرَتِي ، وَمَنْ تَرَوْنَهُ فَاسِقًا بَعِيدًا سَيَقْرُبُ مِنْ خِدْمَتِي ، فَالْخَلْقُ لَا يُمْكِنُهُمْ أَنْ يَخْرُجُوا عَنْ حِجَابِ الْجَهْلِ ، وَلَا يَتَيَسَّرُ لَهُمْ أَنْ يَخْرِقُوا أَسْتَارَ الْعَجْزِ فَإِنَّهُمْ لَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ ، ثُمَّ إِنَّهُ سُبْحَانَهُ حَقَّقَ مِنْ عِلْمِ الْغَيْبِ وَعَجْزِ الْمَلَائِكَةِ أَنْ أَظْهَرَ مِنَ الْبَشَرِ كَمَالَ الْعُبُودِيَّةِ ، وَمِنْ أَشَدِّ سَاكِنِي السَّمَاوَاتِ عِبَادَةً كَمَالَ الْكُفْرِ ؛ لِئَلَّا يَغْتَرَّ أَحَدٌ بِعَمَلِهِ وَيُفَوِّضُوا مَعْرِفَةَ الْأَشْيَاءِ إِلَى حِكْمَةِ الْخَالِقِ وَيُزِيلُوا الِاعْتِرَاضَ بِالْقَلْبِ وَاللِّسَانِ عَنْ مَصْنُوعَاتِهِ وَمُبْدَعَاتِهِ .