المسألة الرابعة : احتج من أثبت الأعضاء والجوارح لله تعالى بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75ما منعك أن تسجد لما خلقت بيدي ) في إثبات يدين لله تعالى ، بأن قالوا ظاهر الآية يدل عليه ، فوجب المصير إليه ، والآيات الكثيرة واردة على وفق هذه الآية ، فوجب القطع به .
واعلم أن الدلائل الدالة على
nindex.php?page=treesubj&link=18267_28660نفي كونه تعالى جسما مركبا من الأجزاء والأعضاء ، قد سبقت ، إلا أنا نذكر ههنا نكتا جارية مجرى الإلزامات الظاهرة .
فالأول : أن من قال إنه مركب من الأعضاء والأجزاء ، فإما أن يثبت الأعضاء التي ورد ذكرها في القرآن ولا يزيد عليها ، وإما أن يزيد عليها ، فإن كان الأول لزمه إثبات صورة لا يمكن أن يزاد عليها في القبح ، لأنه يلزمه إثبات وجه بحيث لا يوجد منه إلا مجرد رقعة الوجه لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كل شيء هالك إلا وجهه ) [القصص : 88] ويلزمه أن يثبت في تلك الرقعة عيونا كثيرة لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تجري بأعيننا ) [القمر : 14] وأن يثبت جنبا واحدا لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56نفس ياحسرتا على ما فرطت في جنب الله ) [الزمر : 56] وأن يثبت على ذلك الجنب أيدي كثيرة لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مما عملت أيدينا ) [يس : 71] وبتقدير أن يكون له يدان فإنه يجب أن يكون كلاهما على جانب واحد لقوله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013630الحجر الأسود يمين الله في الأرض وأن يثبت له ساقا واحدا لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=42يوم يكشف عن ساق ) [القلم : 42] فيكون الحاصل من هذه الصورة ، مجرد رقعة الوجه
[ ص: 200 ] ويكون عليها عيون كثيرة ، وجنب واحد ويكون عليه أيد كثيرة وساق واحد ، ومعلوم أن هذه الصورة أقبح الصور ، ولو كان هذا عبدا لم يرغب أحد في شرائه ، فكيف يقول العاقل إن رب العالمين موصوف بهذه الصورة .
وأما القسم الثاني : وهو أن لا يقتصر على الأعضاء المذكورة في القرآن ، بل يزيد وينقص على وفق التأويلات ، فحينئذ يبطل مذهبه في الحمل على مجرد الظواهر ، ولا بد له من قبول دلائل العقل .
الحجة الثانية : في إبطال قولهم إنهم إذا أثبتوا الأعضاء لله تعالى ، فإن أثبتوا له عضو الرجل فهو رجل ، وإن أثبتوا له عضو النساء فهو أنثى ، وإن نفوهما فهو خصي أو عنين ، وتعالى الله عما يقول الظالمون علوا كبيرا .
الحجة الثالثة : أنه في ذاته سبحانه وتعالى ، إما أن يكون جسما صلبا لا ينغمز البتة ، فيكون حجرا صلبا ، وإما أن يكون قابلا للانغماز ، فيكون لينا قابلا للتفرق والتمزق . وتعالى الله عن ذلك .
الحجة الرابعة : أنه إن كان بحيث لا يمكنه أن يتحرك عن مكانه ، كان كالزمن المقعد العاجز ، وإن كان بحيث يمكنه أن يتحرك عن مكانه ، كان محلا للتغيرات ، فدخل تحت قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لا أحب الآفلين ) [الأنعام : 76] .
الحجة الخامسة : إن كان لا يأكل ولا يشرب ولا ينام ولا يتحرك كان كالميت ، وإن كان يفعل هذه الأشياء ، كان إنسانا كثير التهمة محتاجا إلى الأكل والشرب والوقاع وذلك باطل .
الحجة السادسة : أنهم يقولون إنه ينزل كل ليلة من العرش إلى السماء الدنيا ، فنقول لهم حين نزوله : هل يبقى مدبرا للعرش ويبقى مدبرا للسماء الدنيا حين كان على العرش ، وحينئذ لا يبقى في النزول فائدة ، وإن لم يبق مدبرا للعرش فعند نزوله يصير معزولا عن إلهية العرش والسماوات .
الحجة السابعة : أنهم يقولون
nindex.php?page=treesubj&link=18267إنه تعالى أعظم من العرش ، وإن العرش لا نسبة لعظمته إلى عظمة الكرسي ، وعلى هذا الترتيب حتى ينتهي إلى السماء الدنيا ، فإذا كان كذلك كانت السماء الدنيا بالنسبة إلى عظمة الله كالذرة بالنسبة إلى البحر ، فإذا نزل فإما أن يقال إن الإله يصير صغيرا بحيث تسعه السماء الدنيا ، وإما أن يقال إن السماء الدنيا تصير أعظم من العرش ، وكل ذلك باطل .
الحجة الثامنة : ثبت أن العالم كرة ، فإن كان فوق بالنسبة إلى قوم كان تحت بالنسبة إلى قوم آخرين وذلك باطل ، وإن كان فوق بالنسبة إلى الكل ، فحينئذ يكون جسما محيطا بهذا العالم من كل الجوانب ، فيكون إله العالم على هذا القول فلكا من الأفلاك .
الحجة التاسعة : لما كانت الأرض كرة ، وكانت السماوات كرات ، فكل ساعة تفرض الساعات فإنها تكون ثلث الليل في حق أقوام معينين من سكان كرة العوارض ، فلو نزل من العرش في ثلث الليل وجب أن يبقى أبدا نازلا عن العرش ، وأن لا يرجع إلى العرش البتة .
الحجة العاشرة : أنا إنما زيفنا إلهية الشمس والقمر لثلاثة أنواع من العيوب :
أولها : كونه مؤلفا من الأجزاء والأبعاض .
وثانيها : كونه محدودا متناهيا .
وثالثها : كونه موصوفا بالحركة والسكون والطلوع
[ ص: 201 ] والغروب ، فإذا كان إله المشبهة مؤلفا من الأعضاء والأجزاء كان مركبا ، فإذا كان على العرش كان محدودا متناهيا ، وإن كان ينزل من العرش ويرجع إليه كان موصوفا بالحركة والسكون ، فهذه الصفات الثلاثة إن كانت منافية للإلهية وجب تنزيه الإله عنها بأسرها ، وذلك يبطل قول المشبهة ، وإن لم تكن منافية للإلهية فحينئذ لا يقدر أحد على الطعن في إلهية الشمس والقمر .
الحجة الحادية عشرة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قل هو الله أحد ) [ الإخلاص : 1 ] ولفظ الأحد مبالغة في الوحدة ، وذلك ينافي كونه مركبا من الأجزاء والأبعاض .
الحجة الثانية عشرة : قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38والله الغني وأنتم الفقراء ) [ محمد : 38 ] ولو كان مركبا من الأجزاء والأبعاض لكان محتاجا إليها ، وذلك يمنع من كونه غنيا على الإطلاق ، فثبت بهذه الوجوه أن القول بإثبات الأعضاء والأجزاء لله محال ، ولما ثبت بالدلائل اليقينية وجوب تنزيه الله تعالى عن هذه الأعضاء - فنقول : ذكر العلماء في لفظ اليد وجوها :
الأول : أن اليد عبارة عن القدرة ، تقول العرب : ما لي بهذا الأمر من يد ، أي : من قوة وطاقة ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أو يعفو الذي بيده عقدة النكاح ) [ البقرة : 237 ] .
الثاني : اليد عبارة عن النعمة ; يقال : أيادي فلان في حق فلان ظاهرة ، والمراد النعم ، والمراد باليدين النعم الظاهرة والباطنة أو نعم الدين والدنيا .
الثالث : أن لفظ اليد قد يزاد للتأكيد ، كقول القائل لمن جنى باللسان : هذا ما كسبت يداك ، وكقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57بشرا بين يدي رحمته ) [ الأعراف : 57 ] .
ولقائل أن يقول :
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28714_29716حمل اليد على القدرة ههنا غير جائز ، ويدل عليه وجوه :
الأول : أن ظاهر الآية يقتضي
nindex.php?page=treesubj&link=29716إثبات اليدين ، فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لزم إثبات قدرتين لله ، وهو باطل .
والثاني : أن الآية تقتضي أن كون
آدم مخلوقا باليدين يوجب فضيلته وكونه مسجودا للملائكة ، فلو كانت اليد عبارة عن القدرة لكان
آدم مخلوقا بالقدرة ، لكن جميع الأشياء مخلوقة بقدرة الله تعالى ، فكما أن
آدم عليه السلام مخلوق بيد الله تعالى ، فكذلك إبليس مخلوق بيد الله تعالى ، وعلى تقدير أن تكون عبارة عن القدرة ، لم تكن هذه العلة علة ، لكون
آدم مسجودا لإبليس أولى من أن يكون إبليس مسجودا
لآدم ، وحينئذ يختل نظم الآية ويبطل .
الثالث : أنه جاء في الحديث أنه - صلى الله عليه وسلم - قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013631كلتا يديه يمنى ومعلوم أن هذا الوصف لا يليق بالقدرة .
وأما التأويل الثاني : وهو حمل اليدين على النعمتين ، فهو أيضا باطل لوجوه :
الأول : أن نعم الله تعالى كثيرة كما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها ) [ إبراهيم : 34 ] وظاهر الآية يدل على أن اليد لا تزيد على الاثنتين .
الثاني : لو كانت اليد عبارة عن النعمة ، فنقول : النعمة مخلوقة لله ، فحينئذ لا يكون
آدم مخلوقا لله تعالى ، بل يكون مخلوقا لبعض المخلوقات ، وذلك بأن يكون سببا لمزيد النقصان أولى من أن يكون سببا لمزيد الكمال .
الثالث : لو كانت اليد عبارة عن النعمة لكان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تبارك الذي بيده الملك ) [ الملك : 1 ] معناه : تبارك الذي بنعمته الملك ، ولكان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26بيدك الخير ) معناه : بنعمتك الخير ، ولكان قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يداه مبسوطتان ) [ المائدة : 64 ] معناه : نعمتاه مبسوطتان ، ومعلوم أن كل ذلك فاسد .
وأما التأويل الثالث : وهو قوله : إن لفظ اليد قد يذكر زيادة لأجل التأكيد ، فنقول : لفظ اليد قد يستعمل في
[ ص: 202 ] حق من يكون هذا العضو حاصلا له ، وفي حق من لا يكون هذا العضو حاصلا في حقه .
أما الأول : فكقولهم في حق من جنى بلسانه : هذا ما كسبت يداك ، والسبب في هذا أن محل القدرة هو اليد ، فأطلق اسم اليد على القدرة ، وعلى هذا التقدير فيصير المراد من لفظ اليد القدرة ، وقد تقدم إبطال هذا الوجه .
وأما الثاني : فكقوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بين يدي عذاب شديد ) [ سبأ : 46 ] وقوله : ( بين يدي الساعة ) إلا أنا نقول : هذا المجاز بهذا اللفظ مذكور ، والمجاز لا يقاس عليه ، ولا يكون مطردا ، فلا جرم لا يجوز أن يقال : إن هذا المعنى إنما حصل بيد العذاب وبيد الساعة ، ونحن نسلم أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=1لا تقدموا بين يدي الله ورسوله ) [ الحجرات : 1 ] قد يجوز أن يراد به التأكيد والصلة ، أما المذكور في هذه الآية ليس هذا اللفظ ، بل قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خلقت بيدي ) وإن كان القياس في المجازات باطلا فقد سقط كلامكم بالكلية ، فهذا منتهى البحث في هذا الباب .
والذي تلخص عندي في هذا الباب أن السلطان العظيم لا يقدر على عمل شيء بيده إلا إذا كانت غاية عنايته مصروفة إلى ذلك العمل ، فإذا كانت العناية الشديدة من لوازم العمل باليد أمكن جعله مجازا عنه عند قيام الدلائل القاهرة ، فهذا ما لخصناه في هذا الباب ، والله أعلم .
أما
nindex.php?page=treesubj&link=29009_31771قوله تعالى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75أستكبرت أم كنت من العالين ) فالمعنى : أستكبرت الآن أم كنت أبدا من المتكبرين العالين ، فأجاب إبليس بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76أنا خير منه خلقتني من نار وخلقته من طين ) فالمعنى : أني لو كنت مساويا له في الشرف لكان يقبح أمري بسجودي له ، فكيف وأنا خير منه ، ثم بين كونه خيرا منه بأن أصله من النار ، والنار أشرف من الطين ، فصح أن أصله خير من أصل
آدم ، ومن كان أصله خيرا من أصله فهو خير منه ، فهذه مقدمات ثلاث :
الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ : احْتَجَّ مَنْ أَثْبَتَ الْأَعْضَاءَ وَالْجَوَارِحَ لِلَّهِ تَعَالَى بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75مَا مَنَعَكَ أَنْ تَسْجُدَ لِمَا خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) فِي إِثْبَاتِ يَدَيْنِ لِلَّهِ تَعَالَى ، بِأَنْ قَالُوا ظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَيْهِ ، فَوَجَبَ الْمَصِيرُ إِلَيْهِ ، وَالْآيَاتُ الْكَثِيرَةُ وَارِدَةٌ عَلَى وَفْقِ هَذِهِ الْآيَةِ ، فَوَجَبَ الْقَطْعُ بِهِ .
وَاعْلَمْ أَنَّ الدَّلَائِلَ الدَّالَّةَ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=18267_28660نَفْيِ كَوْنِهِ تَعَالَى جِسْمًا مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَعْضَاءِ ، قَدْ سَبَقَتْ ، إِلَّا أَنَّا نَذْكُرُ هَهُنَا نُكَتًا جَارِيَةً مَجْرَى الْإِلْزَامَاتِ الظَّاهِرَةِ .
فَالْأَوَّلُ : أَنَّ مَنْ قَالَ إِنَّهُ مُرَكَّبٌ مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ ، فَإِمَّا أَنْ يُثْبِتَ الْأَعْضَاءَ الَّتِي وَرَدَ ذِكْرُهَا فِي الْقُرْآنِ وَلَا يَزِيدَ عَلَيْهَا ، وَإِمَّا أَنْ يَزِيدَ عَلَيْهَا ، فَإِنْ كَانَ الْأَوَّلُ لَزِمَهُ إِثْبَاتُ صُورَةٍ لَا يُمْكِنُ أَنْ يُزَادَ عَلَيْهَا فِي الْقُبْحِ ، لِأَنَّهُ يَلْزَمُهُ إِثْبَاتُ وَجْهٍ بِحَيْثُ لَا يُوجَدُ مِنْهُ إِلَّا مُجَرَّدُ رُقْعَةِ الْوَجْهِ لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=88كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلَّا وَجْهَهُ ) [الْقَصَصِ : 88] وَيَلْزَمُهُ أَنْ يُثْبِتَ فِي تِلْكَ الرُّقْعَةِ عُيُونًا كَثِيرَةً لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=54&ayano=14تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا ) [الْقَمَرِ : 14] وَأَنْ يُثْبِتَ جَنْبًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=56نَفْسٌ يَاحَسْرَتَا عَلَى مَا فَرَّطْتُ فِي جَنْبِ اللَّهِ ) [الزُّمَرِ : 56] وَأَنْ يُثْبِتَ عَلَى ذَلِكَ الْجَنْبِ أَيْدِيَ كَثِيرَةً لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=36&ayano=71مِمَّا عَمِلَتْ أَيْدِينَا ) [يس : 71] وَبِتَقْدِيرِ أَنْ يَكُونَ لَهُ يَدَانِ فَإِنَّهُ يَجِبُ أَنْ يَكُونَ كِلَاهُمَا عَلَى جَانِبٍ وَاحِدٍ لِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013630الْحَجَرُ الْأَسْوَدُ يَمِينُ اللَّهِ فِي الْأَرْضِ وَأَنْ يُثْبِتَ لَهُ سَاقًا وَاحِدًا لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=68&ayano=42يَوْمَ يُكْشَفُ عَنْ سَاقٍ ) [الْقَلَمِ : 42] فَيَكُونُ الْحَاصِلُ مِنْ هَذِهِ الصُّورَةِ ، مُجَرَّدَ رُقْعَةِ الْوَجْهِ
[ ص: 200 ] وَيَكُونُ عَلَيْهَا عُيُونٌ كَثِيرَةٌ ، وَجَنْبٌ وَاحِدٌ وَيَكُونُ عَلَيْهِ أَيْدٍ كَثِيرَةٌ وَسَاقٌ وَاحِدٌ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذِهِ الصُّورَةَ أَقْبَحُ الصُّوَرِ ، وَلَوْ كَانَ هَذَا عَبْدًا لَمْ يَرْغَبْ أَحَدٌ فِي شِرَائِهِ ، فَكَيْفَ يَقُولُ الْعَاقِلُ إِنَّ رَبَّ الْعَالَمِينَ مَوْصُوفٌ بِهَذِهِ الصُّورَةِ .
وَأَمَّا الْقِسْمُ الثَّانِي : وَهُوَ أَنْ لَا يَقْتَصِرَ عَلَى الْأَعْضَاءِ الْمَذْكُورَةِ فِي الْقُرْآنِ ، بَلْ يَزِيدُ وَيَنْقُصُ عَلَى وَفْقِ التَّأْوِيلَاتِ ، فَحِينَئِذٍ يَبْطُلُ مَذْهَبُهُ فِي الْحَمْلِ عَلَى مُجَرَّدِ الظَّوَاهِرِ ، وَلَا بُدَّ لَهُ مِنْ قَبُولِ دَلَائِلِ الْعَقْلِ .
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةُ : فِي إِبْطَالِ قَوْلِهِمْ إِنَّهُمْ إِذَا أَثْبَتُوا الْأَعْضَاءَ لِلَّهِ تَعَالَى ، فَإِنْ أَثْبَتُوا لَهُ عُضْوَ الرَّجُلِ فَهُوَ رَجُلٌ ، وَإِنْ أَثْبَتُوا لَهُ عُضْوَ النِّسَاءِ فَهُوَ أُنْثَى ، وَإِنْ نَفَوْهُمَا فَهُوَ خَصِيٌّ أَوْ عِنِّينٌ ، وَتَعَالَى اللَّهُ عَمَّا يَقُولُ الظَّالِمُونَ عُلُوًّا كَبِيرًا .
الْحُجَّةُ الثَّالِثَةُ : أَنَّهُ فِي ذَاتِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى ، إِمَّا أَنْ يَكُونَ جِسْمًا صُلْبًا لَا يَنْغَمِزُ الْبَتَّةَ ، فَيَكُونُ حَجَرًا صُلْبًا ، وَإِمَّا أَنْ يَكُونَ قَابِلًا لِلِانْغِمَازِ ، فَيَكُونُ لَيِّنًا قَابِلًا لِلتَّفَرُّقِ وَالتَّمَزُّقِ . وَتَعَالَى اللَّهُ عَنْ ذَلِكَ .
الْحُجَّةُ الرَّابِعَةُ : أَنَّهُ إِنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ عَنْ مَكَانِهِ ، كَانَ كَالزَّمِنِ الْمُقْعَدِ الْعَاجِزِ ، وَإِنْ كَانَ بِحَيْثُ يُمْكِنُهُ أَنْ يَتَحَرَّكَ عَنْ مَكَانِهِ ، كَانَ مَحَلًّا لِلتَّغَيُّرَاتِ ، فَدَخَلَ تَحْتَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=76لَا أُحِبُّ الْآفِلِينَ ) [الْأَنْعَامِ : 76] .
الْحُجَّةُ الْخَامِسَةُ : إِنْ كَانَ لَا يَأْكُلُ وَلَا يَشْرَبُ وَلَا يَنَامُ وَلَا يَتَحَرَّكُ كَانَ كَالْمَيِّتِ ، وَإِنْ كَانَ يَفْعَلُ هَذِهِ الْأَشْيَاءَ ، كَانَ إِنْسَانًا كَثِيرَ التُّهْمَةِ مُحْتَاجًا إِلَى الْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْوِقَاعِ وَذَلِكَ بَاطِلٌ .
الْحُجَّةُ السَّادِسَةُ : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّهُ يَنْزِلُ كُلَّ لَيْلَةٍ مِنَ الْعَرْشِ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَنَقُولُ لَهُمْ حِينَ نُزُولِهِ : هَلْ يَبْقَى مُدَبِّرًا لِلْعَرْشِ وَيَبْقَى مُدَبِّرًا لِلسَّمَاءِ الدُّنْيَا حِينَ كَانَ عَلَى الْعَرْشِ ، وَحِينَئِذٍ لَا يَبْقَى فِي النُّزُولِ فَائِدَةٌ ، وَإِنْ لَمْ يَبْقَ مُدَبِّرًا لِلْعَرْشِ فَعِنْدَ نُزُولِهِ يَصِيرُ مَعْزُولًا عَنْ إِلَهِيَّةِ الْعَرْشِ وَالسَّمَاوَاتِ .
الْحُجَّةُ السَّابِعَةُ : أَنَّهُمْ يَقُولُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=18267إِنَّهُ تَعَالَى أَعْظَمُ مِنَ الْعَرْشِ ، وَإِنَّ الْعَرْشَ لَا نِسْبَةَ لِعَظَمَتِهِ إِلَى عَظَمَةِ الْكُرْسِيِّ ، وَعَلَى هَذَا التَّرْتِيبِ حَتَّى يَنْتَهِيَ إِلَى السَّمَاءِ الدُّنْيَا ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ كَانَتِ السَّمَاءُ الدُّنْيَا بِالنِّسْبَةِ إِلَى عَظَمَةِ اللَّهِ كَالذَّرَّةِ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْبَحْرِ ، فَإِذَا نَزَلَ فَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ الْإِلَهَ يَصِيرُ صَغِيرًا بِحَيْثُ تَسَعُهُ السَّمَاءُ الدُّنْيَا ، وَإِمَّا أَنْ يُقَالَ إِنَّ السَّمَاءَ الدُّنْيَا تَصِيرُ أَعْظَمَ مِنَ الْعَرْشِ ، وَكُلُّ ذَلِكَ بَاطِلٌ .
الْحُجَّةُ الثَّامِنَةُ : ثَبَتَ أَنَّ الْعَالَمَ كُرَةٌ ، فَإِنْ كَانَ فَوْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ كَانَ تَحْتَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى قَوْمٍ آخَرِينَ وَذَلِكَ بَاطِلٌ ، وَإِنْ كَانَ فَوْقَ بِالنِّسْبَةِ إِلَى الْكُلِّ ، فَحِينَئِذٍ يَكُونُ جِسْمًا مُحِيطًا بِهَذَا الْعَالَمِ مِنْ كُلِّ الْجَوَانِبِ ، فَيَكُونُ إِلَهُ الْعَالَمِ عَلَى هَذَا الْقَوْلِ فَلَكًا مِنَ الْأَفْلَاكِ .
الْحُجَّةُ التَّاسِعَةُ : لَمَّا كَانَتِ الْأَرْضُ كُرَةً ، وَكَانَتِ السَّمَاوَاتُ كُرَاتٍ ، فَكُلُّ سَاعَةٍ تُفْرَضُ السَّاعَاتُ فَإِنَّهَا تَكُونُ ثُلْثَ اللَّيْلِ فِي حَقِّ أَقْوَامٍ مُعَيَّنِينَ مِنْ سُكَّانِ كُرَةِ الْعَوَارِضِ ، فَلَوْ نَزَلَ مِنَ الْعَرْشِ فِي ثُلْثِ اللَّيْلِ وَجَبَ أَنْ يَبْقَى أَبَدًا نَازِلًا عَنِ الْعَرْشِ ، وَأَنْ لَا يَرْجِعَ إِلَى الْعَرْشِ الْبَتَّةَ .
الْحُجَّةُ الْعَاشِرَةُ : أَنَّا إِنَّمَا زَيَّفْنَا إِلَهِيَّةَ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ لِثَلَاثَةِ أَنْوَاعٍ مِنَ الْعُيُوبِ :
أَوَّلُهَا : كَوْنُهُ مُؤَلَّفًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ .
وَثَانِيهَا : كَوْنُهُ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا .
وَثَالِثُهَا : كَوْنُهُ مَوْصُوفًا بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ وَالطُّلُوعِ
[ ص: 201 ] وَالْغُرُوبِ ، فَإِذَا كَانَ إِلَهُ الْمُشَبِّهَةِ مُؤَلَّفًا مِنَ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ كَانَ مُرَكَّبًا ، فَإِذَا كَانَ عَلَى الْعَرْشِ كَانَ مَحْدُودًا مُتَنَاهِيًا ، وَإِنْ كَانَ يَنْزِلُ مِنَ الْعَرْشِ وَيَرْجِعُ إِلَيْهِ كَانَ مَوْصُوفًا بِالْحَرَكَةِ وَالسُّكُونِ ، فَهَذِهِ الصِّفَاتُ الثَّلَاثَةُ إِنْ كَانَتْ مُنَافِيَةً لِلْإِلَهِيَّةِ وَجَبَ تَنْزِيهُ الْإِلَهِ عَنْهَا بِأَسْرِهَا ، وَذَلِكَ يُبْطِلُ قَوْلَ الْمُشَبِّهَةِ ، وَإِنْ لَمْ تَكُنْ مُنَافِيَةً لِلْإِلَهِيَّةِ فَحِينَئِذٍ لَا يَقْدِرُ أَحَدٌ عَلَى الطَّعْنِ فِي إِلَهِيَّةِ الشَّمْسِ وَالْقَمَرِ .
الْحُجَّةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=112&ayano=1قُلْ هُوَ اللَّهُ أَحَدٌ ) [ الْإِخْلَاصِ : 1 ] وَلَفْظُ الْأَحَدِ مُبَالَغَةٌ فِي الْوَحْدَةِ ، وَذَلِكَ يُنَافِي كَوْنَهُ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ .
الْحُجَّةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=47&ayano=38وَاللَّهُ الْغَنِيُّ وَأَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ ) [ مُحَمَّدٍ : 38 ] وَلَوْ كَانَ مُرَكَّبًا مِنَ الْأَجْزَاءِ وَالْأَبْعَاضِ لَكَانَ مُحْتَاجًا إِلَيْهَا ، وَذَلِكَ يَمْنَعُ مِنْ كَوْنِهِ غَنِيًّا عَلَى الْإِطْلَاقِ ، فَثَبَتَ بِهَذِهِ الْوُجُوهِ أَنَّ الْقَوْلَ بِإِثْبَاتِ الْأَعْضَاءِ وَالْأَجْزَاءِ لِلَّهِ مُحَالٌ ، وَلَمَّا ثَبَتَ بِالدَّلَائِلِ الْيَقِينِيَّةِ وُجُوبُ تَنْزِيهِ اللَّهِ تَعَالَى عَنْ هَذِهِ الْأَعْضَاءِ - فَنَقُولُ : ذَكَرَ الْعُلَمَاءُ فِي لَفْظِ الْيَدِ وُجُوهًا :
الْأَوَّلُ : أَنَّ الْيَدَ عِبَارَةٌ عَنِ الْقُدْرَةِ ، تَقُولُ الْعَرَبُ : مَا لِي بِهَذَا الْأَمْرِ مِنْ يَدٍ ، أَيْ : مِنْ قُوَّةٍ وَطَاقَةٍ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=237أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ ) [ الْبَقَرَةِ : 237 ] .
الثَّانِي : الْيَدُ عِبَارَةٌ عَنِ النِّعْمَةِ ; يُقَالُ : أَيَادِي فُلَانٍ فِي حَقِّ فُلَانٍ ظَاهِرَةٌ ، وَالْمُرَادُ النِّعَمُ ، وَالْمُرَادُ بِالْيَدَيْنِ النِّعَمُ الظَّاهِرَةُ وَالْبَاطِنَةُ أَوْ نِعَمُ الدِّينِ وَالدُّنْيَا .
الثَّالِثُ : أَنَّ لَفْظَ الْيَدِ قَدْ يُزَادُ لِلتَّأْكِيدِ ، كَقَوْلِ الْقَائِلِ لِمَنْ جَنَى بِاللِّسَانِ : هَذَا مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ ، وَكَقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=57بُشْرًا بَيْنَ يَدَيْ رَحْمَتِهِ ) [ الْأَعْرَافِ : 57 ] .
وَلِقَائِلٍ أَنْ يَقُولَ :
nindex.php?page=treesubj&link=28712_28714_29716حَمْلُ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ هَهُنَا غَيْرُ جَائِزٍ ، وَيَدُلُّ عَلَيْهِ وُجُوهٌ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ ظَاهِرَ الْآيَةِ يَقْتَضِي
nindex.php?page=treesubj&link=29716إِثْبَاتَ الْيَدَيْنِ ، فَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ لَزِمَ إِثْبَاتُ قُدْرَتَيْنِ لِلَّهِ ، وَهُوَ بَاطِلٌ .
وَالثَّانِي : أَنَّ الْآيَةَ تَقْتَضِي أَنَّ كَوْنَ
آدَمَ مَخْلُوقًا بِالْيَدَيْنِ يُوجِبُ فَضِيلَتَهُ وَكَوْنَهُ مَسْجُودًا لِلْمَلَائِكَةِ ، فَلَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ لَكَانَ
آدَمُ مَخْلُوقًا بِالْقُدْرَةِ ، لَكِنَّ جَمِيعَ الْأَشْيَاءِ مَخْلُوقَةٌ بِقُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَمَا أَنَّ
آدَمَ عَلَيْهِ السَّلَامُ مَخْلُوقٌ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى ، فَكَذَلِكَ إِبْلِيسُ مَخْلُوقٌ بِيَدِ اللَّهِ تَعَالَى ، وَعَلَى تَقْدِيرِ أَنْ تَكُونَ عِبَارَةً عَنِ الْقُدْرَةِ ، لَمْ تَكُنْ هَذِهِ الْعِلَّةُ عِلَّةً ، لِكَوْنِ
آدَمَ مَسْجُودًا لِإِبْلِيسَ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ إِبْلِيسُ مَسْجُودًا
لِآدَمَ ، وَحِينَئِذٍ يَخْتَلُّ نَظْمُ الْآيَةِ وَيَبْطُلُ .
الثَّالِثُ : أَنَّهُ جَاءَ فِي الْحَدِيثِ أَنَّهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=16013631كِلْتَا يَدَيْهِ يُمْنَى وَمَعْلُومٌ أَنَّ هَذَا الْوَصْفَ لَا يَلِيقُ بِالْقُدْرَةِ .
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الثَّانِي : وَهُوَ حَمْلُ الْيَدَيْنِ عَلَى النِّعْمَتَيْنِ ، فَهُوَ أَيْضًا بَاطِلٌ لِوُجُوهٍ :
الْأَوَّلُ : أَنَّ نِعَمَ اللَّهِ تَعَالَى كَثِيرَةٌ كَمَا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=14&ayano=34وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا ) [ إِبْرَاهِيمَ : 34 ] وَظَاهِرُ الْآيَةِ يَدُلُّ عَلَى أَنَّ الْيَدَ لَا تَزِيدُ عَلَى الِاثْنَتَيْنِ .
الثَّانِي : لَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ النِّعْمَةِ ، فَنَقُولُ : النِّعْمَةُ مَخْلُوقَةٌ لِلَّهِ ، فَحِينَئِذٍ لَا يَكُونُ
آدَمُ مَخْلُوقًا لِلَّهِ تَعَالَى ، بَلْ يَكُونُ مَخْلُوقًا لِبَعْضِ الْمَخْلُوقَاتِ ، وَذَلِكَ بِأَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِمَزِيدِ النُّقْصَانِ أَوْلَى مِنْ أَنْ يَكُونَ سَبَبًا لِمَزِيدِ الْكَمَالِ .
الثَّالِثُ : لَوْ كَانَتِ الْيَدُ عِبَارَةً عَنِ النِّعْمَةِ لَكَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=1تَبَارَكَ الَّذِي بِيَدِهِ الْمُلْكُ ) [ الْمُلْكِ : 1 ] مَعْنَاهُ : تَبَارَكَ الَّذِي بِنِعْمَتِهِ الْمُلْكُ ، وَلَكَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=26بِيَدِكَ الْخَيْرُ ) مَعْنَاهُ : بِنِعْمَتِكَ الْخَيْرُ ، وَلَكَانَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=64يَدَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ) [ الْمَائِدَةِ : 64 ] مَعْنَاهُ : نِعْمَتَاهُ مَبْسُوطَتَانِ ، وَمَعْلُومٌ أَنَّ كُلَّ ذَلِكَ فَاسِدٌ .
وَأَمَّا التَّأْوِيلُ الثَّالِثُ : وَهُوَ قَوْلُهُ : إِنَّ لَفْظَ الْيَدِ قَدْ يُذْكَرُ زِيَادَةً لِأَجْلِ التَّأْكِيدِ ، فَنَقُولُ : لَفْظُ الْيَدِ قَدْ يُسْتَعْمَلُ فِي
[ ص: 202 ] حَقِّ مَنْ يَكُونُ هَذَا الْعُضْوُ حَاصِلًا لَهُ ، وَفِي حَقِّ مَنْ لَا يَكُونُ هَذَا الْعُضْوُ حَاصِلًا فِي حَقِّهِ .
أَمَّا الْأَوَّلُ : فَكَقَوْلِهِمْ فِي حَقِّ مَنْ جَنَى بِلِسَانِهِ : هَذَا مَا كَسَبَتْ يَدَاكَ ، وَالسَّبَبُ فِي هَذَا أَنَّ مَحَلَّ الْقُدْرَةِ هُوَ الْيَدُ ، فَأَطْلَقَ اسْمَ الْيَدِ عَلَى الْقُدْرَةِ ، وَعَلَى هَذَا التَّقْدِيرِ فَيَصِيرُ الْمُرَادُ مِنْ لَفْظِ الْيَدِ الْقُدْرَةَ ، وَقَدْ تَقَدَّمَ إِبْطَالُ هَذَا الْوَجْهِ .
وَأَمَّا الثَّانِي : فَكَقَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=34&ayano=46بَيْنَ يَدَيْ عَذَابٍ شَدِيدٍ ) [ سَبَأٍ : 46 ] وَقَوْلِهِ : ( بَيْنَ يَدَيِ السَّاعَةِ ) إِلَّا أَنَّا نَقُولُ : هَذَا الْمَجَازُ بِهَذَا اللَّفْظِ مَذْكُورٌ ، وَالْمَجَازُ لَا يُقَاسُ عَلَيْهِ ، وَلَا يَكُونُ مُطَّرِدًا ، فَلَا جَرَمَ لَا يَجُوزُ أَنْ يُقَالَ : إِنَّ هَذَا الْمَعْنَى إِنَّمَا حَصَلَ بِيَدِ الْعَذَابِ وَبِيَدِ السَّاعَةِ ، وَنَحْنُ نُسَلِّمُ أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=1لَا تُقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيِ اللَّهِ وَرَسُولِهِ ) [ الْحُجُرَاتِ : 1 ] قَدْ يَجُوزُ أَنْ يُرَادَ بِهِ التَّأْكِيدُ وَالصِّلَةُ ، أَمَّا الْمَذْكُورُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ لَيْسَ هَذَا اللَّفْظُ ، بَلْ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75خَلَقْتُ بِيَدَيَّ ) وَإِنْ كَانَ الْقِيَاسُ فِي الْمَجَازَاتِ بَاطِلًا فَقَدْ سَقَطَ كَلَامُكُمْ بِالْكُلِّيَّةِ ، فَهَذَا مُنْتَهَى الْبَحْثِ فِي هَذَا الْبَابِ .
وَالَّذِي تَلَخَّصَ عِنْدِي فِي هَذَا الْبَابِ أَنَّ السُّلْطَانَ الْعَظِيمَ لَا يَقْدِرُ عَلَى عَمَلِ شَيْءٍ بِيَدِهِ إِلَّا إِذَا كَانَتْ غَايَةُ عِنَايَتِهِ مَصْرُوفَةً إِلَى ذَلِكَ الْعَمَلِ ، فَإِذَا كَانَتِ الْعِنَايَةُ الشَّدِيدَةُ مِنْ لَوَازِمِ الْعَمَلِ بِالْيَدِ أَمْكَنَ جَعْلُهُ مَجَازًا عَنْهُ عِنْدَ قِيَامِ الدَّلَائِلِ الْقَاهِرَةِ ، فَهَذَا مَا لَخَّصْنَاهُ فِي هَذَا الْبَابِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
أَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29009_31771قَوْلُهُ تَعَالَى : ( nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=75أَسْتَكْبَرْتَ أَمْ كُنْتَ مِنَ الْعَالِينَ ) فَالْمَعْنَى : أَسْتَكْبَرْتَ الْآنَ أَمْ كُنْتَ أَبَدًا مِنَ الْمُتَكَبِّرِينَ الْعَالِينَ ، فَأَجَابَ إِبْلِيسُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=38&ayano=76أَنَا خَيْرٌ مِنْهُ خَلَقْتَنِي مِنْ نَارٍ وَخَلَقْتَهُ مِنْ طِينٍ ) فَالْمَعْنَى : أَنِّي لَوْ كُنْتُ مُسَاوِيًا لَهُ فِي الشَّرَفِ لَكَانَ يَقْبُحُ أَمْرِي بِسُجُودِي لَهُ ، فَكَيْفَ وَأَنَا خَيْرٌ مِنْهُ ، ثُمَّ بَيَّنَ كَوْنَهُ خَيْرًا مِنْهُ بِأَنَّ أَصْلَهُ مِنَ النَّارِ ، وَالنَّارُ أَشْرَفُ مِنَ الطِّينِ ، فَصَحَّ أَنَّ أَصْلَهُ خَيْرٌ مِنْ أَصْلِ
آدَمَ ، وَمَنْ كَانَ أَصْلُهُ خَيْرًا مِنْ أَصْلِهِ فَهُوَ خَيْرٌ مِنْهُ ، فَهَذِهِ مُقَدِّمَاتٌ ثَلَاثٌ :