(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا سيماهم في وجوههم من أثر السجود ذلك مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ليغيظ بهم الكفار وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات منهم مغفرة وأجرا عظيما )
[ ص: 92 ] ثم قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هو الذي أرسل رسوله بالهدى ودين الحق ليظهره على الدين كله وكفى بالله شهيدا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله والذين معه أشداء على الكفار رحماء بينهم تراهم ركعا سجدا يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) .
تأكيدا لبيان
nindex.php?page=treesubj&link=31786_24397صدق الله في رسوله الرؤيا ، وذلك لأنه لما كان مرسلا لرسوله ليهدي ، لا يريد ما لا يكون مهديا للناس فيظهر خلافه ، فيقع ذلك سببا للضلال ، ويحتمل وجوها أقوى من ذلك ، وهو أن الرؤيا بحيث توافق الواقع لغير الرسل ، لكن رؤية الأشياء قبل وقوعها في اليقظة لا تقع لكل أحد ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هو الذي أرسل رسوله بالهدى ) وحكى له ما سيكون في اليقظة ، ولا يبعد من أن يريه في المنام ما يقع فلا استبعاد في صدق رؤياه ، وفيها أيضا بيان وقوع الفتح ودخول
مكة بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28ليظهره على الدين كله ) أي من يقويه على الأديان لا يستبعد منه فتح
مكة له و ( الهدى ) يحتمل أن يكون هو القرآن كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185أنزل فيه القرآن هدى للناس ) [ البقرة : 185 ] وعلى هذا (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29دين الحق ) هو ما فيه من الأصول والفروع ، ويحتمل أن يكون الهدى هو المعجزة ، أي أرسله بالحق أي مع الحق إشارة إلى ما شرع ، ويحتمل أن يكون الهدى هو الأصول و (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29دين الحق ) هو الأحكام ، وذلك لأن من الرسل من لم يكن له أحكام بل بين الأصول فحسب ، والألف واللام في ( الهدى ) يحتمل أن تكون للاستغراق أي كل ما هو هدى ، ويحتمل أن تكون للعهد وهو قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ) [ الزمر : 23 ] وهو إما القرآن ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كتابا متشابها مثاني تقشعر ) [ الزمر : 23 ] إلى أن قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23ذلك هدى الله يهدي به من يشاء ) [ الزمر : 23 ] ، وإما ما اتفق عليه الرسل ؛ لقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90أولئك الذين هدى الله فبهداهم اقتده ) [ الأنعام : 90 ] والكل من باب واحد ؛ لأن ما في القرآن موافق لما اتفق عليه الأنبياء ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28ودين الحق ) يحتمل وجوها :
أحدها : أن يكون
nindex.php?page=treesubj&link=28723الحق اسم الله تعالى فيكون كأنه قال : بالهدى ودين الله .
وثانيها : أن يكون الحق نقيض الباطل ، فيكون كأنه قال : ودين الأمر الحق .
وثالثها : أن يكون المراد به الانقياد إلى الحق والتزامه (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28ليظهره ) أي أرسله بالهدى وهو المعجز على أحد الوجوه (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28ليظهره على الدين كله ) أي جنس الدين ، فينسخ الأديان دون دينه ، وأكثر المفسرين على أن الهاء في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28ليظهره ) راجعة إلى الرسول ، والأظهر أنه راجع إلى دين الحق ، أي
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28749أرسل الرسول بالدين الحق ليظهره ، أي ليظهر الدين الحق على الأديان ، وعلى هذا فيحتمل أن يكون الفاعل للإظهار هو الله ، ويحتمل أن يكون هو النبي أي ليظهر النبي دين الحق ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28وكفى بالله شهيدا ) أي في أنه رسول الله وهذا مما يسلي قلب المؤمنين فإنهم تأذوا من رد الكفار عليهم العهد المكتوب ، وقالوا : لا نعلم أنه رسول الله ، فلا تكتبوا :
محمد رسول الله ، بل اكتبوا
محمد بن عبد الله ، فقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28وكفى بالله شهيدا ) في أنه رسول الله ، وفيه معنى لطيف ، وهو أن قول الله مع أنه كاف في كل شيء ، لكنه في الرسالة أظهر كفاية ؛ لأن
[ ص: 93 ] الرسول لا يكون إلا بقول المرسل ، فإذا قال ملك : هذا رسولي ، لو أنكر كل من في الدنيا أنه رسول فلا يفيد إنكارهم ، فقال تعالى أي خلل في رسالته بإنكارهم مع تصديقي إياه بأنه رسولي ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد رسول الله ) فيه وجوه :
أحدها : خبر مبتدأ محذوف تقديره : هو
محمد الذي سبق ذكره بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28أرسل رسوله ) ورسول الله عطف بيان .
وثانيها : أن
محمدا مبتدأ خبره رسول الله وهذا تأكيد لما تقدم ؛ لأنه لما قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هو الذي أرسل رسوله ) ولا تتوقف رسالته إلا على شهادته ، وقد شهد له بها
محمد رسول الله من غير نكير ، وثالثها : وهو مستنبط وهو أن يقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29محمد ) مبتدأ و (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29رسول الله ) عطف بيان سيق للمدح لا للتمييز (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29والذين معه ) عطف على :
محمد ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء ) خبره ، كأنه تعالى قال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29والذين معه ) جميعهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أشداء على الكفار رحماء بينهم ) لأن وصف الشدة والرحمة وجد في جميعهم ، أما في المؤمنين فكما في قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أذلة على المؤمنين أعزة على الكافرين ) [ المائدة : 54 ] وأما في حق النبي - صلى الله عليه وسلم - فكما في قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73واغلظ عليهم ) [ التوبة : 73 ] وقال في حقه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بالمؤمنين رءوف رحيم ) [ التوبة : 128 ] وعلى هذا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29تراهم ) لا يكون خطابا مع النبي - صلى الله عليه وسلم - بل يكون عاما أخرج مخرج الخطاب تقديره : أيها السامع كائنا من كان ، كما قلنا : إن الواعظ يقول انتبه قبل أن يقع الانتباه ، ولا يريد به واحدا بعينه ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يبتغون فضلا من الله ورضوانا ) لتمييز ركوعهم وسجودهم عن ركوع الكفار وسجودهم ، وركوع المرائي وسجوده ، فإنه لا يبتغي به ذلك . وفيه إشارة إلى معنى لطيف وهو أن الله تعالى قال : الراكعون والساجدون (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=173فيوفيهم أجورهم ويزيدهم من فضله ) [ النساء : 173 ] وقال : الراكع يبتغي الفضل ولم يذكر الأجر ؛ لأن الله تعالى إذا قال لكم أجر كان ذلك منه تفضلا ، وإشارة إلى أن عملكم جاء على ما طلب الله منكم ؛ لأن الأجرة لا تستحق إلا على العمل الموافق للطلب من المالك ، والمؤمن إذا قال أنا أبتغي فضلك يكون منه اعترافا بالتقصير فقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يبتغون فضلا من الله ) ولم يقل أجرا .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29سيماهم في وجوههم من أثر السجود ) فيه وجهان :
أحدها : أن ذلك يوم القيامة ، كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يوم تبيض وجوه ) [ آل عمران : 106 ] وقال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8نورهم يسعى ) [ التحريم : 8 ] وعلى هذا فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=32715نورهم في وجوههم بسبب توجههم نحو الحق كما قال
إبراهيم عليه السلام : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إني وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض ) [ الأنعام : 79 ] ومن يحاذي الشمس يقع شعاعها على وجهه ، فيتبين على وجهه النور منبسطا ، مع أن الشمس لها نور عارضي يقبل الزوال ، والله نور السماوات والأرض فمن يتوجه إلى وجهه يظهر في وجهه نور يبهر الأنوار .
وثانيهما : أن ذلك في الدنيا وفيه وجهان :
أحدهما : أن المراد ما يظهر في الجباه بسبب كثرة السجود .
والثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30513_30517_29468_1252ما يظهره الله تعالى في وجوه الساجدين ليلا من الحسن نهارا ، وهذا محقق لمن يعقل فإن رجلين يسهران بالليل ، أحدهما قد اشتغل بالشراب واللعب ، والآخر قد اشتغل بالصلاة والقراءة واستفادة العلم ، فكل أحد في اليوم الثاني يفرق بين الساهر في الشرب واللعب ، وبين الساهر في الذكر والشكر .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29ذلك مثلهم في التوراة ) فيه ثلاثة أوجه مذكورة : أحدها : أن يكون ( ذلك ) مبتدأ ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل ) خبرا له ، وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29كزرع أخرج شطأه ) خبر مبتدأ محذوف تقديره ، ومثلهم في التوراة ، ومثلهم في الإنجيل كزرع .
وثانيها : أن يكون خبر ذلك هو قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مثلهم في التوراة ) ، وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29ومثلهم في الإنجيل ) مبتدأ وخبره كزرع . وثالثها : أن يكون ذلك إشارة غير معينة أوضحت
[ ص: 94 ] بقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29كزرع ) كقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66ذلك الأمر أن دابر هؤلاء مقطوع مصبحين ) [ الحجر : 66 ] ، وفيه وجه رابع : وهو أن يكون ذلك خبرا له مبتدأ محذوف تقديره : هذا الظاهر في وجوههم ذلك يقال ظهر في وجهه أثر الضرب ، فنقول : أي والله ذلك أي هذا ذلك الظاهر ، أو الظاهر الذي تقوله ذلك .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29ومثلهم في الإنجيل كزرع أخرج شطأه فآزره فاستغلظ فاستوى على سوقه يعجب الزراع ) .
أي وصفوا في الكتابين به ومثلوا بذلك ، وإنما جعلوا كالزرع ؛ لأنه أول ما يخرج يكون ضعيفا وله نمو إلى حد الكمال ، فكذلك المؤمنون ، والشطء : الفرخ ، و (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29فآزره ) يحتمل أن يكون المراد أخرج الشطء وآزر الشطء ، وهو أقوى وأظهر ، والكلام يتم عند قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يعجب الزراع ) .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29ليغيظ بهم الكفار ) أي تنمية الله ذلك ليغيظ أو يكون الفعل المعلل هو .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) أي وعد (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29ليغيظ بهم الكفار ) يقال : رغما لأنفك أنعم عليه .
وقوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29منهم مغفرة وأجرا عظيما ) لبيان الجنس لا للتبعيض ، ويحتمل أن يقال : هو للتبعيض ، ومعناه : ليغيظ الكفار والذين آمنوا من الكفار لهم الأجر العظيم ، والعظيم والمغفرة قد تقدم مرارا ، والله تعالى أعلم . وههنا لطيفة وهو أنه تعالى قال في حق الراكعين والساجدين إنهم (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يبتغون فضلا من الله ) وقال : لهم أجر ، ولم يقل لهم ما يطلبونه من ذلك الفضل ؛ وذلك لأن المؤمن عند العمل لم يلتفت إلى عمله ولم يجعل له أجرا يعتد به ، فقال : لا أبتغي إلا فضلك ، فإن عملي نزر لا يكون له أجر ، والله تعالى آتاه ما آتاه من الفضل ، وسماه أجرا إشارة إلى قبول عمله ووقعه الموقع ، وعدم كونه عند الله نزرا لا يستحق عليه المؤمن أجرا ، وقد علم بما ذكرنا مرارا أن قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات ) لبيان
nindex.php?page=treesubj&link=29680ترتب المغفرة على الإيمان فإن كل مؤمن يغفر له كما قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ) [ النساء : 48 ] والأجر العظيم على العمل الصالح ، والله أعلم .
قال المصنف رحمه الله تعالى : تم تفسير هذه السورة يوم الخميس السابع عشر من شهر ذي الحجة سنة ثلاث وستمائة من الهجرة النبوية ، على صاحبها أفضل الصلاة والسلام ، والحمد لله رب العالمين ، والصلاة والسلام على سيدنا
محمد سيد المرسلين ، وعلى آله وصحبه أجمعين .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا )
[ ص: 92 ] ثُمَّ قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ وَالَّذِينَ مَعَهُ أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ تَرَاهُمْ رُكَّعًا سُجَّدًا يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) .
تَأْكِيدًا لِبَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=31786_24397صِدْقِ اللَّهِ فِي رَسُولِهِ الرُّؤْيَا ، وَذَلِكَ لِأَنَّهُ لَمَّا كَانَ مُرْسِلًا لِرَسُولِهِ لِيَهْدِيَ ، لَا يُرِيدُ مَا لَا يَكُونُ مُهْدِيًا لِلنَّاسِ فَيَظْهَرُ خِلَافُهُ ، فَيَقَعُ ذَلِكَ سَبَبًا لِلضَّلَالِ ، وَيَحْتَمِلُ وُجُوهًا أَقْوَى مِنْ ذَلِكَ ، وَهُوَ أَنَّ الرُّؤْيَا بِحَيْثُ تُوَافِقُ الْوَاقِعَ لِغَيْرِ الرُّسُلِ ، لَكِنَّ رُؤْيَةَ الْأَشْيَاءِ قَبْلَ وُقُوعِهَا فِي الْيَقَظَةِ لَا تَقَعُ لِكُلِّ أَحَدٍ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى ) وَحَكَى لَهُ مَا سَيَكُونُ فِي الْيَقَظَةِ ، وَلَا يَبْعُدُ مِنْ أَنْ يُرِيَهُ فِي الْمَنَامِ مَا يَقَعُ فَلَا اسْتِبْعَادَ فِي صِدْقِ رُؤْيَاهُ ، وَفِيهَا أَيْضًا بَيَانُ وُقُوعِ الْفَتْحِ وَدُخُولِ
مَكَّةَ بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) أَيْ مَنْ يُقَوِّيهِ عَلَى الْأَدْيَانِ لَا يُسْتَبْعَدُ مِنْهُ فَتْحُ
مَكَّةَ لَهُ وَ ( الْهُدَى ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ الْقُرْآنَ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ هُدًى لِلنَّاسِ ) [ الْبَقَرَةِ : 185 ] وَعَلَى هَذَا (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29دِينَ الْحَقِّ ) هُوَ مَا فِيهِ مِنَ الْأُصُولِ وَالْفُرُوعِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْهُدَى هُوَ الْمُعْجِزَةُ ، أَيْ أَرْسَلَهُ بِالْحَقِّ أَيْ مَعَ الْحَقِّ إِشَارَةً إِلَى مَا شَرَعَ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْهُدَى هُوَ الْأُصُولَ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=29دِينَ الْحَقِّ ) هُوَ الْأَحْكَامَ ، وَذَلِكَ لِأَنَّ مِنَ الرُّسُلِ مَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ أَحْكَامٌ بَلْ بَيَّنَ الْأُصُولَ فَحَسْبُ ، وَالْأَلِفُ وَاللَّامُ فِي ( الْهُدَى ) يُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلِاسْتِغْرَاقِ أَيْ كُلُّ مَا هُوَ هُدًى ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ تَكُونَ لِلْعَهْدِ وَهُوَ قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ) [ الزُّمَرِ : 23 ] وَهُوَ إِمَّا الْقُرْآنُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23كِتَابًا مُتَشَابِهًا مَثَانِيَ تَقْشَعِرُّ ) [ الزُّمَرِ : 23 ] إِلَى أَنْ قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=23ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاءُ ) [ الزُّمَرِ : 23 ] ، وَإِمَّا مَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الرُّسُلُ ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=90أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَى اللَّهُ فَبِهُدَاهُمُ اقْتَدِهِ ) [ الْأَنْعَامِ : 90 ] وَالْكُلُّ مِنْ بَابٍ وَاحِدٍ ؛ لِأَنَّ مَا فِي الْقُرْآنِ مُوَافِقٌ لِمَا اتَّفَقَ عَلَيْهِ الْأَنْبِيَاءُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28وَدِينِ الْحَقِّ ) يَحْتَمِلُ وُجُوهًا :
أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28723الْحَقُّ اسْمَ اللَّهِ تَعَالَى فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ : بِالْهُدَى وَدِينِ اللَّهِ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ الْحَقُّ نَقِيضَ الْبَاطِلِ ، فَيَكُونُ كَأَنَّهُ قَالَ : وَدِينِ الْأَمْرِ الْحَقِّ .
وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ بِهِ الِانْقِيَادَ إِلَى الْحَقِّ وَالْتِزَامَهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28لِيُظْهِرَهُ ) أَيْ أَرْسَلَهُ بِالْهُدَى وَهُوَ الْمُعْجِزُ عَلَى أَحَدِ الْوُجُوهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ ) أَيْ جِنْسِ الدِّينِ ، فَيَنْسَخُ الْأَدْيَانَ دُونَ دِينِهِ ، وَأَكْثَرُ الْمُفَسِّرِينَ عَلَى أَنَّ الْهَاءَ فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28لِيُظْهِرَهُ ) رَاجِعَةٌ إِلَى الرَّسُولِ ، وَالْأَظْهَرُ أَنَّهُ رَاجِعٌ إِلَى دِينِ الْحَقِّ ، أَيْ
nindex.php?page=treesubj&link=28639_28749أَرْسَلَ الرَّسُولَ بِالدِّينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ ، أَيْ لِيُظْهِرَ الدِّينَ الْحَقَّ عَلَى الْأَدْيَانِ ، وَعَلَى هَذَا فَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْفَاعِلُ لِلْإِظْهَارِ هُوَ اللَّهُ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ هُوَ النَّبِيَّ أَيْ لِيُظْهِرَ النَّبِيُّ دِينَ الْحَقِّ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) أَيْ فِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ وَهَذَا مِمَّا يُسَلِّي قَلْبَ الْمُؤْمِنِينَ فَإِنَّهُمْ تَأَذَّوْا مِنْ رَدِّ الْكُفَّارِ عَلَيْهِمُ الْعَهْدَ الْمَكْتُوبَ ، وَقَالُوا : لَا نَعْلَمُ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، فَلَا تَكْتُبُوا :
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ، بَلِ اكْتُبُوا
مُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ ، فَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28وَكَفَى بِاللَّهِ شَهِيدًا ) فِي أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ ، وَفِيهِ مَعْنًى لَطِيفٌ ، وَهُوَ أَنَّ قَوْلَ اللَّهِ مَعَ أَنَّهُ كَافٍ فِي كُلِّ شَيْءٍ ، لَكِنَّهُ فِي الرِّسَالَةِ أَظْهَرُ كِفَايَةً ؛ لِأَنَّ
[ ص: 93 ] الرَّسُولَ لَا يَكُونُ إِلَّا بِقَوْلِ الْمُرْسِلِ ، فَإِذَا قَالَ مَلِكٌ : هَذَا رَسُولِي ، لَوْ أَنْكَرَ كُلُّ مَنْ فِي الدُّنْيَا أَنَّهُ رَسُولٌ فَلَا يُفِيدُ إِنْكَارُهُمْ ، فَقَالَ تَعَالَى أَيُّ خَلَلٍ فِي رِسَالَتِهِ بِإِنْكَارِهِمْ مَعَ تَصْدِيقِي إِيَّاهُ بِأَنَّهُ رَسُولِي ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ ) فِيهِ وُجُوهٌ :
أَحَدُهَا : خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ : هُوَ
مُحَمَّدٌ الَّذِي سَبَقَ ذِكْرُهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28أَرْسَلَ رَسُولَهُ ) وَرَسُولُ اللَّهِ عَطْفُ بَيَانٍ .
وَثَانِيهَا : أَنَّ
مُحَمَّدًا مُبْتَدَأٌ خَبَرُهُ رَسُولُ اللَّهِ وَهَذَا تَأْكِيدٌ لِمَا تَقَدَّمَ ؛ لِأَنَّهُ لَمَّا قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=28هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ ) وَلَا تَتَوَقَّفُ رِسَالَتُهُ إِلَّا عَلَى شَهَادَتِهِ ، وَقَدْ شَهِدَ لَهُ بِهَا
مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللَّهِ مِنْ غَيْرِ نَكِيرٍ ، وَثَالِثُهَا : وَهُوَ مُسْتَنْبَطٌ وَهُوَ أَنْ يُقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مُحَمَّدٌ ) مُبْتَدَأٌ وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29رَسُولُ اللَّهِ ) عَطْفُ بَيَانٍ سِيقَ لِلْمَدْحِ لَا لِلتَّمْيِيزِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وَالَّذِينَ مَعَهُ ) عَطْفٌ عَلَى :
مُحَمَّدٌ ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أَشِدَّاءُ ) خَبَرُهُ ، كَأَنَّهُ تَعَالَى قَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وَالَّذِينَ مَعَهُ ) جَمِيعُهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29أَشِدَّاءُ عَلَى الْكُفَّارِ رُحَمَاءُ بَيْنَهُمْ ) لِأَنَّ وَصْفَ الشِّدَّةِ وَالرَّحْمَةِ وُجِدَ فِي جَمِيعِهِمْ ، أَمَّا فِي الْمُؤْمِنِينَ فَكَمَا فِي قَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=54أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ ) [ الْمَائِدَةِ : 54 ] وَأَمَّا فِي حَقِّ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَكَمَا فِي قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=73وَاغْلُظْ عَلَيْهِمْ ) [ التَّوْبَةِ : 73 ] وَقَالَ فِي حَقِّهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=128بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ ) [ التَّوْبَةِ : 128 ] وَعَلَى هَذَا قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29تَرَاهُمْ ) لَا يَكُونُ خِطَابًا مَعَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بَلْ يَكُونُ عَامًّا أُخْرِجَ مَخْرَجَ الْخَطَّابِ تَقْدِيرُهُ : أَيُّهَا السَّامِعُ كَائِنًا مَنْ كَانَ ، كَمَا قُلْنَا : إِنَّ الْوَاعِظَ يَقُولُ انْتَبِهْ قَبْلَ أَنْ يَقَعَ الِانْتِبَاهُ ، وَلَا يُرِيدُ بِهِ وَاحِدًا بِعَيْنِهِ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ وَرِضْوَانًا ) لِتَمْيِيزِ رُكُوعِهِمْ وَسُجُودِهِمْ عَنْ رُكُوعِ الْكُفَّارِ وَسُجُودِهِمْ ، وَرُكُوعِ الْمُرَائِي وَسُجُودِهِ ، فَإِنَّهُ لَا يَبْتَغِي بِهِ ذَلِكَ . وَفِيهِ إِشَارَةٌ إِلَى مَعْنًى لَطِيفٍ وَهُوَ أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ : الرَّاكِعُونَ وَالسَّاجِدُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=173فَيُوَفِّيهِمْ أُجُورَهُمْ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ ) [ النِّسَاءِ : 173 ] وَقَالَ : الرَّاكِعُ يَبْتَغِي الْفَضْلَ وَلَمْ يَذْكُرِ الْأَجْرَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى إِذَا قَالَ لَكُمْ أَجْرٌ كَانَ ذَلِكَ مِنْهُ تَفَضُّلًا ، وَإِشَارَةً إِلَى أَنَّ عَمَلَكُمْ جَاءَ عَلَى مَا طَلَبَ اللَّهُ مِنْكُمْ ؛ لِأَنَّ الْأُجْرَةَ لَا تُسْتَحَقُّ إِلَّا عَلَى الْعَمَلِ الْمُوَافِقِ لِلطَّلَبِ مِنَ الْمَالِكِ ، وَالْمُؤْمِنُ إِذَا قَالَ أَنَا أَبْتَغِي فَضْلَكَ يَكُونُ مِنْهُ اعْتِرَافًا بِالتَّقْصِيرِ فَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ) وَلَمْ يَقُلْ أَجْرًا .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ ) فِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهَا : أَنَّ ذَلِكَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=106يَوْمَ تَبْيَضُّ وُجُوهٌ ) [ آلِ عِمْرَانَ : 106 ] وَقَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=66&ayano=8نُورُهُمْ يَسْعَى ) [ التَّحْرِيمِ : 8 ] وَعَلَى هَذَا فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=32715نُورُهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ بِسَبَبِ تَوَجُّهِهِمْ نَحْوَ الْحَقِّ كَمَا قَالَ
إِبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=79إِنِّي وَجَّهْتُ وَجْهِيَ لِلَّذِي فَطَرَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ ) [ الْأَنْعَامِ : 79 ] وَمَنْ يُحَاذِي الشَّمْسَ يَقَعُ شُعَاعُهَا عَلَى وَجْهِهِ ، فَيَتَبَيَّنُ عَلَى وَجْهِهِ النُّورَ مُنْبَسِطًا ، مَعَ أَنَّ الشَّمْسَ لَهَا نُورٌ عَارِضِيٌّ يَقْبَلُ الزَّوَالَ ، وَاللَّهُ نُورُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ فَمَنْ يَتَوَجَّهُ إِلَى وَجْهِهِ يَظْهَرُ فِي وَجْهِهِ نُورٌ يُبْهِرُ الْأَنْوَارَ .
وَثَانِيهُمَا : أَنَّ ذَلِكَ فِي الدُّنْيَا وَفِيهِ وَجْهَانِ :
أَحَدُهُمَا : أَنَّ الْمُرَادَ مَا يَظْهَرُ فِي الْجِبَاهِ بِسَبَبِ كَثْرَةِ السُّجُودِ .
وَالثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=30495_30513_30517_29468_1252مَا يُظْهِرُهُ اللَّهُ تَعَالَى فِي وُجُوهِ السَّاجِدِينَ لَيْلًا مِنَ الْحُسْنِ نَهَارًا ، وَهَذَا مُحَقَّقٌ لِمَنْ يَعْقِلُ فَإِنَّ رَجُلَيْنِ يَسْهَرَانِ بِاللَّيْلِ ، أَحَدُهُمَا قَدِ اشْتَغَلَ بِالشَّرَابِ وَاللَّعِبِ ، وَالْآخَرُ قَدِ اشْتَغَلَ بِالصَّلَاةِ وَالْقِرَاءَةِ وَاسْتِفَادَةِ الْعِلْمِ ، فَكُلُّ أَحَدٍ فِي الْيَوْمِ الثَّانِي يُفَرِّقُ بَيْنَ السَّاهِرِ فِي الشُّرْبِ وَاللَّعِبِ ، وَبَيْنَ السَّاهِرِ فِي الذِّكْرِ وَالشُّكْرِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) فِيهِ ثَلَاثَةُ أَوْجُهٍ مَذْكُورَةٍ : أَحَدُهَا : أَنْ يَكُونَ ( ذَلِكَ ) مُبْتَدَأً ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ) خَبَرًا لَهُ ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ ) خَبَرُ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ تَقْدِيرُهُ ، وَمَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ، وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ .
وَثَانِيهَا : أَنْ يَكُونَ خَبَرُ ذَلِكَ هُوَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ ) ، وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ ) مُبْتَدَأٌ وَخَبَرُهُ كَزَرْعٍ . وَثَالِثُهَا : أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ إِشَارَةً غَيْرَ مُعَيَّنَةٍ أُوضِحَتْ
[ ص: 94 ] بِقَوْلِهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29كَزَرْعٍ ) كَقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=15&ayano=66ذَلِكَ الْأَمْرَ أَنَّ دَابِرَ هَؤُلَاءِ مَقْطُوعٌ مُصْبِحِينَ ) [ الْحِجْرِ : 66 ] ، وَفِيهِ وَجْهٌ رَابِعٌ : وَهُوَ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ خَبَرًا لَهُ مُبْتَدَأٌ مَحْذُوفٌ تَقْدِيرُهُ : هَذَا الظَّاهِرُ فِي وُجُوهِهِمْ ذَلِكَ يُقَالُ ظَهَرَ فِي وَجْهِهِ أَثَرُ الضَّرْبِ ، فَنَقُولُ : أَيْ وَاللَّهِ ذَلِكَ أَيْ هَذَا ذَلِكَ الظَّاهِرُ ، أَوِ الظَّاهِرُ الَّذِي تَقُولُهُ ذَلِكَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ فَآزَرَهُ فَاسْتَغْلَظَ فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) .
أَيْ وُصِفُوا فِي الْكِتَابَيْنِ بِهِ وَمُثِّلُوا بِذَلِكَ ، وَإِنَّمَا جُعِلُوا كَالزَّرْعِ ؛ لِأَنَّهُ أَوَّلُ مَا يَخْرُجُ يَكُونُ ضَعِيفًا وَلَهُ نُمُوٌّ إِلَى حَدِّ الْكَمَالِ ، فَكَذَلِكَ الْمُؤْمِنُونَ ، وَالشَّطْءُ : الْفَرْخُ ، وَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29فَآزَرَهُ ) يُحْتَمَلُ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ أَخْرَجَ الشَّطْءَ وَآزَرَ الشَّطْءَ ، وَهُوَ أَقْوَى وَأَظْهَرُ ، وَالْكَلَامُ يَتِمُّ عِنْدَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ ) .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) أَيْ تَنْمِيَةُ اللَّهِ ذَلِكَ لِيَغِيظَ أَوْ يَكُونُ الْفِعْلَ الْمُعَلَّلَ هُوَ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) أَيْ وَعَدَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ ) يُقَالُ : رَغْمًا لِأَنْفِكَ أَنْعَمَ عَلَيْهِ .
وَقَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29مِنْهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْرًا عَظِيمًا ) لِبَيَانِ الْجِنْسِ لَا لِلتَّبْعِيضِ ، وَيُحْتَمَلُ أَنْ يُقَالَ : هُوَ لِلتَّبْعِيضِ ، وَمَعْنَاهُ : لِيَغِيظَ الْكُفَّارَ وَالَّذِينَ آمَنُوا مِنَ الْكُفَّارِ لَهُمُ الْأَجْرُ الْعَظِيمُ ، وَالْعَظِيمُ وَالْمَغْفِرَةُ قَدْ تَقَدَّمَ مِرَارًا ، وَاللَّهُ تَعَالَى أَعْلَمُ . وَهَهُنَا لَطِيفَةٌ وَهُوَ أَنَّهُ تَعَالَى قَالَ فِي حَقِّ الرَّاكِعِينَ وَالسَّاجِدِينَ إِنَّهُمْ (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29يَبْتَغُونَ فَضْلًا مِنَ اللَّهِ ) وَقَالَ : لَهُمْ أَجْرٌ ، وَلَمْ يَقُلْ لَهُمْ مَا يَطْلُبُونَهُ مِنْ ذَلِكَ الْفَضْلِ ؛ وَذَلِكَ لِأَنَّ الْمُؤْمِنَ عِنْدَ الْعَمَلِ لَمْ يَلْتَفِتْ إِلَى عَمَلِهِ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ أَجْرًا يَعْتَدُّ بِهِ ، فَقَالَ : لَا أَبْتَغِي إِلَّا فَضْلَكَ ، فَإِنَّ عَمَلِي نَزْرٌ لَا يَكُونُ لَهُ أَجْرٌ ، وَاللَّهُ تَعَالَى آتَاهُ مَا آتَاهُ مِنَ الْفَضْلِ ، وَسَمَّاهُ أَجْرًا إِشَارَةً إِلَى قَبُولِ عَمَلِهِ وَوَقْعِهِ الْمَوْقِعَ ، وَعَدَمُ كَوْنِهِ عِنْدَ اللَّهِ نَزْرًا لَا يَسْتَحِقُّ عَلَيْهِ الْمُؤْمِنُ أَجْرًا ، وَقَدْ عُلِمَ بِمَا ذَكَرْنَا مِرَارًا أَنَّ قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=48&ayano=29وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ ) لِبَيَانِ
nindex.php?page=treesubj&link=29680تَرَتُّبِ الْمَغْفِرَةِ عَلَى الْإِيمَانِ فَإِنَّ كُلَّ مُؤْمِنٍ يُغْفَرُ لَهُ كَمَا قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=48إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ ) [ النِّسَاءِ : 48 ] وَالْأَجْرُ الْعَظِيمُ عَلَى الْعَمَلِ الصَّالِحِ ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ .
قَالَ الْمُصَنِّفُ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى : تَمَّ تَفْسِيرُ هَذِهِ السُّورَةِ يَوْمَ الْخَمِيسِ السَّابِعَ عَشَرَ مِنْ شَهْرِ ذِي الْحِجَّةِ سَنَةَ ثَلَاثٍ وَسِتِّمِائَةٍ مِنَ الْهِجْرَةِ النَّبَوِيَّةِ ، عَلَى صَاحِبِهَا أَفْضَلُ الصَّلَاةِ وَالسَّلَامِ ، وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى سَيِّدِنَا
مُحَمَّدٍ سَيِّدِ الْمُرْسَلِينَ ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ أَجْمَعِينَ .