( 8473 ) فصل : ولو
nindex.php?page=treesubj&link=26252_15970_15964_20295حكم الحاكم بمال بشهادة شاهدين ، ثم بان أنهما فاسقان ، أو كافران ، فإن الإمام ينقض حكمه ، ويرد المال إن كان قائما ، وعوضه إن كان تالفا . فإن تعذر ذلك لإعساره أو غيره ، فعلى الحاكم ضمانه ، ثم يرجع على المشهود له . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد ، رواية أخرى ، لا ينقض حكمه إذا كانا فاسقين ، ويغرم الشهود المال ، وكذلك الحكم إذا شهد عنده عدلان أن الحاكم قبله بشهادة فاسقين ، ففيه روايتان ، " ولا يغرم الشهود المال ، وكذلك الحاكم إذا شهد " واختلف أصحاب
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي فيه أيضا .
ولا خلاف بين الجميع في أنه ينقض
[ ص: 232 ] حكمه إذا كانا كافرين ، وينقض حكم غيره إذا ثبت عنده أنه حكم بشهادة كافرين ، فنقيس على ذلك ما إذا حكم بشهادة فاسقين ، فإن شهادة الفاسقين مجمع على ردها ، وقد نص الله تعالى على التبين فيها ، فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يا أيها الذين آمنوا إن جاءكم فاسق بنبأ فتبينوا } . وأمر بإشهاد العدول .
وقال سبحانه : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وأشهدوا ذوي عدل منكم } . واعتبر الرضى بالشهداء ، فقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282ممن ترضون من الشهداء } . فيجب نقض الحكم لفوات العدالة ، كما يجب نقضه لفوات الإسلام ; ولأن الفسق معنى لو ثبت عند الحاكم قبل الحكم منعه ، فإذا شهد شاهدان أنه كان موجودا حالة الحكم ، وجب نقض الحكم ، كالكفر والرق في العقوبات . إذا ثبت هذا ، فإن
nindex.php?page=showalam&ids=11990أبا حنيفة قال : لا يسمع الحاكم الشهادة بفسق الشاهدين ، لا قبل الحكم ولا بعده . ومتى جرح المشهود عليه البينة ، لم تسمع بينته بالفسق ، ولكن يسأل عن الشاهدين ، ولا تسمع على الفسق شهادة ; لأن الفسق لا يتعلق به حق أحد ، فلا تسمع فيه الدعوى والبينة . ولنا ، أنه معنى يتعلق الحكم به ، فسمعت فيه الدعوى والبينة ، كالتزكية .
وقوله : لا يتعلق به حق أحد . ممنوع ; فإن المشهود عليه يتعلق حقه بفسقه في منع الحكم عليه قبل الحكم ونقضه بعده ، وتبرئته من أخذ ماله أو عقوبته بغير حق ، فوجب أن تسمع فيه الدعوى والبينة ، كما لو ادعى رق الشاهدين ولم يدعه لنفسه ; ولأنه إذا لم تسمع البينة على الفسق ، أدى إلى ظلم المشهود عليه ; لأنه يمكن أن لا يعرف فسق الشاهدين إلا شهود المشهود عليه ، فإذا لم تسمع شهادتهم ، وحكم عليه بشهادة الفاسقين ، كان ظالما له . فأما إن قامت البينة أنه حكم بشهادة والدين ، أو ولدين ، أو عدوين ، نظر في الحاكم الذي حكم بشهادتهما ، فإن كان ممن يرى الحكم به ، لم ينقض حكمه ; لأنه حكم باجتهاده فيما يسوغ فيه الاجتهاد ، ولم يخالف نصا ولا إجماعا . وإن كان ممن لا يرى الحكم بشهادتهم ، نقضه ; لأن الحاكم به يعتقد بطلانه .
والفرق بين المال والإتلاف ، أن المال إن كان باقيا ، وجب رده إلى صاحبه ; لأن كل واحد أحق بماله . وإن كان تالفا ، وجب ضمانه على آخذه ; لأنه أخذه بغير إذن صاحبه ، ولا استحقاق لأخذه . أما الإتلاف ، فإنه لم يحصل به في يد المتلف شيء يرده ، ولم يمكن تضمينه ; لأنه إنما أتلفه بحكم الحاكم ، وتسليطه عليه ، وهو لا يقر بعدوانه ، بل يقول : استوفيت حقي . ولم يثبت خلاف دعواه ، ولم يمكن تضمين الشهود ; لأنهم يقولون : شهدنا بما علمنا ، وأخبرنا بما رأينا وسمعنا ، ولم نكتم شهادة الله تعالى التي لزمنا أداؤها . ولم يثبت كذبهم ، فوجبت إحالة الضمان على الحاكم ; لأنه حكم من غير وجود شرط الحكم ، ومكن من إتلاف المعصوم من غير بحث عن عدالة الشهود ، فكان التفريط منه ، فوجب إحالة الضمان عليه .
( 8473 ) فَصْلٌ : وَلَوْ
nindex.php?page=treesubj&link=26252_15970_15964_20295حَكَمَ الْحَاكِمُ بِمَالٍ بِشَهَادَةِ شَاهِدَيْنِ ، ثُمَّ بَانَ أَنَّهُمَا فَاسِقَانِ ، أَوْ كَافِرَانِ ، فَإِنَّ الْإِمَامَ يَنْقُضُ حُكْمَهُ ، وَيَرُدُّ الْمَالَ إنْ كَانَ قَائِمًا ، وَعِوَضَهُ إنْ كَانَ تَالِفًا . فَإِنْ تَعَذَّرَ ذَلِكَ لِإِعْسَارِهِ أَوْ غَيْرِهِ ، فَعَلَى الْحَاكِمِ ضَمَانُهُ ، ثُمَّ يَرْجِعُ عَلَى الْمَشْهُودِ لَهُ . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدَ ، رِوَايَةٌ أُخْرَى ، لَا يَنْقُضُ حُكْمَهُ إذَا كَانَا فَاسِقَيْنِ ، وَيَغْرَمُ الشُّهُودُ الْمَالَ ، وَكَذَلِكَ الْحُكْمُ إذَا شَهِدَ عِنْدَهُ عَدْلَانِ أَنَّ الْحَاكِمَ قَبِلَهُ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ ، فَفِيهِ رِوَايَتَانِ ، " وَلَا يَغْرَم الشُّهُودُ الْمَالَ ، وَكَذَلِكَ الْحَاكِمُ إذَا شَهِدَ " وَاخْتَلَفَ أَصْحَابُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ فِيهِ أَيْضًا .
وَلَا خِلَافَ بَيْنَ الْجَمِيعِ فِي أَنَّهُ يَنْقُضُ
[ ص: 232 ] حُكْمَهُ إذَا كَانَا كَافِرَيْنِ ، وَيَنْقُضُ حُكْمَ غَيْرِهِ إذَا ثَبَتَ عِنْدَهُ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ كَافِرَيْنِ ، فَنَقِيسُ عَلَى ذَلِكَ مَا إذَا حَكَمَ بِشَهَادَةِ فَاسِقَيْنِ ، فَإِنَّ شَهَادَةَ الْفَاسِقِينَ مُجْمَعٌ عَلَى رَدِّهَا ، وَقَدْ نَصَّ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى التَّبَيُّنِ فِيهَا ، فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=6يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَأٍ فَتَبَيَّنُوا } . وَأَمَرَ بِإِشْهَادِ الْعُدُولِ .
وَقَالَ سُبْحَانَهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=65&ayano=2وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ } . وَاعْتَبَرَ الرِّضَى بِالشُّهَدَاءِ ، فَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنْ الشُّهَدَاءِ } . فَيَجِبُ نَقْضُ الْحُكْمِ لِفَوَاتِ الْعَدَالَةِ ، كَمَا يَجِبُ نَقْضُهُ لِفَوَاتِ الْإِسْلَامِ ; وَلِأَنَّ الْفِسْقَ مَعْنَى لَوْ ثَبَتَ عِنْدَ الْحَاكِمِ قَبْلَ الْحُكْمِ مَنَعَهُ ، فَإِذَا شَهِدَ شَاهِدَانِ أَنَّهُ كَانَ مَوْجُودًا حَالَةَ الْحُكْمِ ، وَجَبَ نَقْضُ الْحُكْمِ ، كَالْكُفْرِ وَالرِّقِّ فِي الْعُقُوبَاتِ . إذَا ثَبَتَ هَذَا ، فَإِنَّ
nindex.php?page=showalam&ids=11990أَبَا حَنِيفَةَ قَالَ : لَا يَسْمَعُ الْحَاكِمُ الشَّهَادَةَ بِفِسْقِ الشَّاهِدَيْنِ ، لَا قَبْلَ الْحُكْمِ وَلَا بَعْدَهُ . وَمَتَى جَرَّحَ الْمَشْهُودُ عَلَيْهِ الْبَيِّنَةَ ، لَمْ تُسْمَعْ بَيِّنَتُهُ بِالْفِسْقِ ، وَلَكِنْ يُسْأَلُ عَنْ الشَّاهِدَيْنِ ، وَلَا تُسْمَعُ عَلَى الْفِسْقِ شَهَادَةٌ ; لِأَنَّ الْفِسْقَ لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ ، فَلَا تُسْمَعُ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ . وَلَنَا ، أَنَّهُ مَعْنًى يَتَعَلَّقُ الْحُكْمُ بِهِ ، فَسُمِعَتْ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ ، كَالتَّزْكِيَةِ .
وَقَوْلُهُ : لَا يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ أَحَدٍ . مَمْنُوعٌ ; فَإِنَّ الْمَشْهُودَ عَلَيْهِ يَتَعَلَّقُ حَقُّهُ بِفِسْقِهِ فِي مَنْعِ الْحُكْمِ عَلَيْهِ قَبْلَ الْحُكْمِ وَنَقْضِهِ بَعْدَهُ ، وَتَبْرِئَته مِنْ أَخْذِ مَالِهِ أَوْ عُقُوبَتِهِ بِغَيْرِ حَقٍّ ، فَوَجَبَ أَنْ تُسْمَعَ فِيهِ الدَّعْوَى وَالْبَيِّنَةُ ، كَمَا لَوْ ادَّعَى رِقَّ الشَّاهِدَيْنِ وَلَمْ يَدَّعِهِ لِنَفْسِهِ ; وَلِأَنَّهُ إذَا لَمْ تُسْمَعْ الْبَيِّنَةُ عَلَى الْفِسْقِ ، أَدَّى إلَى ظُلْمِ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ; لِأَنَّهُ يُمْكِنُ أَنْ لَا يَعْرِفَ فِسْقَ الشَّاهِدَيْنِ إلَّا شُهُودُ الْمَشْهُودِ عَلَيْهِ ، فَإِذَا لَمْ تُسْمَعْ شَهَادَتُهُمْ ، وَحُكِمَ عَلَيْهِ بِشَهَادَةِ الْفَاسِقَيْنِ ، كَانَ ظَالِمًا لَهُ . فَأَمَّا إنْ قَامَتْ الْبَيِّنَةُ أَنَّهُ حَكَمَ بِشَهَادَةِ وَالِدَيْنِ ، أَوْ وَلَدَيْنِ ، أَوْ عَدُوَّيْنِ ، نَظَرَ فِي الْحَاكِمِ الَّذِي حَكَمَ بِشَهَادَتِهِمَا ، فَإِنْ كَانَ مِمَّنْ يَرَى الْحُكْمَ بِهِ ، لَمْ يُنْقَضْ حُكْمُهُ ; لِأَنَّهُ حَكَمَ بِاجْتِهَادِهِ فِيمَا يَسُوغُ فِيهِ الِاجْتِهَادُ ، وَلَمْ يُخَالِفْ نَصًّا وَلَا إجْمَاعًا . وَإِنْ كَانَ مِمَّنْ لَا يَرَى الْحُكْمَ بِشَهَادَتِهِمْ ، نَقَضَهُ ; لِأَنَّ الْحَاكِمَ بِهِ يَعْتَقِدُ بُطْلَانَهُ .
وَالْفَرْقُ بَيْنَ الْمَالِ وَالْإِتْلَافِ ، أَنَّ الْمَالَ إنْ كَانَ بَاقِيًا ، وَجَبَ رَدُّهُ إلَى صَاحِبِهِ ; لِأَنَّ كُلَّ وَاحِدٍ أَحَقُّ بِمَالِهِ . وَإِنْ كَانَ تَالِفًا ، وَجَبَ ضَمَانُهُ عَلَى آخِذِهِ ; لِأَنَّهُ أَخَذَهُ بِغَيْرِ إذْنِ صَاحِبِهِ ، وَلَا اسْتِحْقَاقٍ لِأَخْذِهِ . أَمَّا الْإِتْلَافُ ، فَإِنَّهُ لَمْ يَحْصُلْ بِهِ فِي يَدِ الْمُتْلِفِ شَيْءٌ يَرُدُّهُ ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَضْمِينُهُ ; لِأَنَّهُ إنَّمَا أَتْلَفَهُ بِحُكْمِ الْحَاكِمِ ، وَتَسْلِيطِهِ عَلَيْهِ ، وَهُوَ لَا يُقِرُّ بِعُدْوَانِهِ ، بَلْ يَقُولُ : اسْتَوْفَيْت حَقِّي . وَلَمْ يَثْبُتْ خِلَافُ دَعْوَاهُ ، وَلَمْ يُمْكِنْ تَضْمِينُ الشُّهُودِ ; لِأَنَّهُمْ يَقُولُونَ : شَهِدْنَا بِمَا عَلِمْنَا ، وَأَخْبَرْنَا بِمَا رَأَيْنَا وَسَمِعْنَا ، وَلَمْ نَكْتُمْ شَهَادَةَ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي لَزِمَنَا أَدَاؤُهَا . وَلَمْ يَثْبُتْ كَذِبُهُمْ ، فَوَجَبَتْ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَى الْحَاكِمِ ; لِأَنَّهُ حَكَمَ مِنْ غَيْرِ وُجُودِ شَرْطِ الْحُكْمِ ، وَمَكَّنَ مِنْ إتْلَافِ الْمَعْصُومِ مِنْ غَيْرِ بَحْثٍ عَنْ عَدَالَةِ الشُّهُودِ ، فَكَانَ التَّفْرِيطُ مِنْهُ ، فَوَجَبَ إحَالَةُ الضَّمَانِ عَلَيْهِ .