وأما قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا } فإن السفه في لغة
العرب التي نزل بها القرآن ، وبها خوطبنا ، لا يقع إلا على ثلاثة معان لا رابع لها أصلا - :
أحدها - البذاء والسب باللسان ، وهم لا يختلفون أن من هذه صفته لا يحجر عليه في ماله - فسقط الكلام في هذا الوجه .
والوجه الثاني - الكفر ، قال الله عز وجل : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وإذا قيل لهم آمنوا كما آمن الناس قالوا أنؤمن كما آمن السفهاء ألا إنهم هم السفهاء } . وقال تعالى حاكيا عن
موسى عليه السلام : أنه قال لله تعالى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155أتهلكنا بما فعل السفهاء منا } يعني كفرة
بني إسرائيل .
وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142سيقول السفهاء من الناس ما ولاهم عن قبلتهم التي كانوا عليها } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130ومن يرغب عن ملة إبراهيم إلا من سفه نفسه } .
وقال تعالى حاكيا عن مؤمني الجن الذين صدقهم ورضي عنهم قولهم : {
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وأنه كان يقول سفيهنا على الله شططا } فهذا معنى ثان ، ولا خلاف منهم ولا منا في أن الكفار لا يمنعون أموالهم ، وأن معاملتهم في البيع والشراء وهباتهم جائز كل ذلك ، وأن قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } وقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فإن كان الذي عليه الحق سفيها أو ضعيفا } لم يرد به تعالى قط الكفار ، ولا ذوي البذاء في ألسنتهم .
والمعنى الثالث - وهو عدم العقل الرافع للمخاطبة كالمجانين والصبيان فقط ، وهؤلاء بإجماع منا ومنهم هم الذين أراد الله تعالى في الآيتين ، وأن أهل هذه الصفة لا
[ ص: 152 ] يؤتون أموالهم ، لكن يكسون فيها ، ويرزقون ، ويرفق بهم في الكلام ، ولا يقبل إقرارهم ، لكن يقر عنهم وليهم الناظر لهم ، فصح هذا بيقين .
فمن قال : إن من يغبن في البيع ولا يحسن حفظ ماله - وإن كان عاقلا مخاطبا بالدين مميزا له - : داخل في " اسم السفه " المذكور في الآيتين ، فقد قال الباطل ، وقال على الله تعالى ما لا علم له به ، وقفا ما لا علم له به ، وما لا برهان له على صحته - وهذا كله حرام لا يحل القول به .
قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وأن تقولوا على الله ما لا تعلمون } . وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قل هاتوا برهانكم إن كنتم صادقين } فإذ لا برهان لهم فليسوا صادقين فيه بلا شك .
فصح أن الآيتين موافقتان لقولنا مخالفتان لقولهم ، وما سمى الله تعالى قط في القرآن ولا رسوله صلى الله عليه وسلم ولا العربي الجاهل بكسب ماله ، أو المغبون في البيع : سفيها . " والسفيه " الذي ذكر في الآية هو الذي لا عقل له لجنونه ، والضعيف الذي لا قوة له ، قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54ثم جعل من بعد قوة ضعفا } والذي لا يستطيع أن يمل : هو من به آفة في لسانه تمنعه كخرس ، أو نحو ذلك .
ولا يجوز أن يفسر كلام الله تعالى إلا بكلامه ، أو بكلام رسوله صلى الله عليه وسلم أو بلغة
العرب التي أخبر الله تعالى : أنه أنزل بها القرآن ، وباليقين الذي لا شك فيه : أنه مراد الله تعالى - فهذه طريق النجاة ، وأما بالظنون ، وما لا برهان عليه ، فمعاذ الله من هذا .
روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور نا
جرير عن
منصور عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فإن آنستم منه رشدا } قال : العقل ، لا يدفع إلى اليتيم ماله - وإن شمط - حتى يؤنس منه رشد ، وهذا هو الحق المتيقن .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور نا
nindex.php?page=showalam&ids=17419يونس عن
الحسن في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال : السفهاء : الصغار ، والنساء : من السفهاء .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=16000سعيد بن منصور نا
عون بن موسى سمعت
nindex.php?page=showalam&ids=17112معاوية بن قرة يقول : عودوا النساء " لا " فإنها سفيهة إن أطعتها أهلكتك
[ ص: 153 ]
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق عن
يحيى بن عبد الحميد الحماني نا أبي ،
وحميد الرؤاسي ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وعبد الله بن المبارك ، قال
الرؤاسي : عن
nindex.php?page=showalam&ids=14117الحسن بن صالح عن
السدي - رده إلى
عبد الله : - قال في قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال : النساء ، والصبيان . وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابن المبارك عن
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل عن
أبي مالك : النساء ، والصبيان ، قال : وقال أبي : عن
سلمة بن نبيط عن
الضحاك ، قال : النساء ، والصبيان .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل نا
nindex.php?page=showalam&ids=17206نصر بن علي ،
ومحمد بن عبد الله بن نمير ، قال
نصر : نا
أبو أحمد عن
ابن أبي غنية عن
الحكم بن عتيبة ، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=13608ابن نمير : نا أبي نا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد ، ثم اتفق
الحكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد في قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قالا جميعا : النساء ، والصبيان . وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل نا
يحيى بن خلف نا
nindex.php?page=showalam&ids=12063أبو عاصم عن
عيسى نا
nindex.php?page=showalam&ids=13601ابن نجيح عن
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد في قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قياما } قال : نهى الرجال أن يعطوا النساء أموالهم ، والسفهاء : من كن أزواجا ، أو أمهات ، أو بنات .
وبه إلى
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسماعيل نا
يحيى بن عبد الحميد الحماني نا
شريك عن
سالم عن
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد هو ابن جبير {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5ولا تؤتوا السفهاء أموالكم } قال : النساء . قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فاتفق
الحسن ،
والحكم ،
nindex.php?page=showalam&ids=17112ومعاوية بن قرة ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879ومجاهد ،
والضحاك nindex.php?page=showalam&ids=15992وسعيد بن جبير ،
وأبو مالك ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وعبد الله - إما
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود وهو الأظهر ، وإما
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس - على أن النساء سفهاء ، وأنهن من المراد في هذه الآية .
وصرح
nindex.php?page=showalam&ids=16879مجاهد بأنهن الأمهات والزوجات ، والبنات ، فأين المشنعون بخلاف الجمهور ؟ وجميع الحاضرين من المخالفين لنا في هذه المسألة مخالفون لهذا القول .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أما الصبيان فنعم ، وأما النساء فلا ; لأنه لم يأت قرآن ، ولا سنة ، بأنهن سفهاء ، بل قد ذكرهن الله تعالى مع الرجال في أعمال البر فقال : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35والمتصدقين والمتصدقات } وفي سائر أعمال البر ، فبطل تعلقهم بهذه الآية - والحمد لله رب العالمين .
[ ص: 154 ]
وأما تحريمه تعالى التبذير ، والإسراف ، وبسط اليد كل البسط فحق ، وهو قولنا ، وهم مخالفون لكل ذلك جهلا ، فيجيزون من الذي لا يخدع في البيع إعطاء ماله كله إما صدقة وإما هبة لشاعر ، أو في صداق امرأة ، نعم ، حتى إنه ليكتب لها على نفسه بعد خروجه لها عن جميع ماله الدين الثقيل ، وهذا هو التبذير المحرم ، والإسراف المحرم ، وبسط اليد كل البسط حتى يقعد ملوما محسورا ، ونحن نمنع من هذا كله ونبطله ونرده .
ثم يمنعون آخرين من الصدقة بدرهم في حياته ، ومن عتق عبده وإن كان له مائة عبد ، وينفذون وصيتهم وإن عظمت بعد موتهم ويحجرون الصدقة ، والعتق باليسير والكثير ، على من يخدع في البيع ، ولا يحجرون على من يبتاع الخمور ، ويعطي أجر الفسق ، وينفق على الندمان ، وفي القمار ، وإن أكثر ذلك إذا كان بصيرا بكسب المال من ظلم وغير ظلم ضابطا له من حق وغير حق ، ومانعا من زكاة وصدقة ، وهذه تناقضات في غاية السماجة ، وظهور الخطأ بغير وجه يعرف ، فمرة يطلقون إتلاف المال جملة في الباطل ، ومرة يحتاطون فيردون صدقة درهم ، وعتق رقبة لا ضرر على المال فيهما .
ومرة يجيزون الخديعة في الألوف في البيع ولا يكرهونها ويقولون : البيع خدعة ، ومرة يبطلون البيع الصحيح الذي لا خديعة فيه خوف أن يخدع مرة أخرى ، وهذا في التناقض كالذي قبله ، وفي القول بما لا يعقل ولا يشهد له قرآن ، ولا سنة ، ولا معقول ، ولا رأي سديد .
وأما نحن فنرد الخديعة والغش حيث وجدا ، وممن وجدا - قلا أم كثرا - ونجيز البيع الصحيح الذي لا خديعة فيه حيث وجد ، وممن وجد ، ونرد كل عطية في باطل - قلت أم كثرت - ونمضي كل عطية في حق - قلت أم كثرت - وبهذا جاءت النصوص ، وله شهدت العقول ، والآراء الصحاح التي إليهما ينتمون ، وبها في دين الله تعالى يقضون - والحمد لله رب العالمين .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : ونحن نفسر بعون الله تعالى التبذير ، والإسراف ، وبسط اليد كل البسط التي حرم الله تعالى وزجر عنها ، لا كتفسيرهم الذي لا يفهمونه ، ولا يفهمونه أصلا ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : هذه الأعمال المحرمة معناها كلها واحد ويجمعه أن
nindex.php?page=treesubj&link=14950_19248_19247كل نفقة أباحها الله تعالى وأمر بها - كثرت أم قلت - فليست إسرافا ولا تبذيرا ولا بسط اليد كل البسط ; لأنه
[ ص: 155 ] تعالى لا يحل ما حرم معا ، فلا شك في أن الذي أباح هو غير الذي نهى عنه ، وهو نفس قولنا - ولله الحمد .
وكل نفقة نهى الله تعالى عنها - قلت أم كثرت - فهي الإسراف والتبذير وبسط اليد كل البسط ; لأنه لا شك في أن الذي نهى الله تعالى عنه مفسرا هو الذي نهى عنه مجملا - ولله الحمد كثيرا ، وبهذا جاءت الآثار - : روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسماعيل بن إسحاق نا
nindex.php?page=showalam&ids=17014محمد بن كثير أنا
nindex.php?page=showalam&ids=16046سليمان بن كثير عن
حصين عن
عكرمة عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس أنه قال في المبذر : هو الذي ينفق في غير حق .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=17293يحيى بن سعيد القطان عن
nindex.php?page=showalam&ids=16004سفيان الثوري عن
أبي العبيدين عن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود في قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26ولا تبذر تبذيرا } قال : الإنفاق في غير حقه .
ومن طريق
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابن وهب أخبرني
خالد بن حميد عن
nindex.php?page=showalam&ids=16581عقيل بن خالد عن
الزهري أنه كان يقول في قول الله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29ولا تجعل يدك مغلولة إلى عنقك ولا تبسطها كل البسط } قال : لا تمنعه من حق ولا تنفقه في باطل .
قال
الزهري : وكذلك قوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67والذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا } .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : فصح أن هذه الآيات هي نص قولنا وأنهم مخالفون لها أوضح خلاف .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064علي : كل شراء لمأكول ، أو ملبوس ، أو مركوب ، وكل عتق ، وصدقة ، وهبة ، أبقى غنى فهو حلال - . والحلال هو غير التبذير ، والإسراف ، وبسط اليد كل البسط .
والحلال لا يجوز رده وكل ما لم يبق غنى من كل ذلك مما ليس بالمرء عنه غنى فهو الإسراف والتبذير ، وبسط اليد كل البسط فهو كله باطل ممن فعله مردود ، وهكذا كل نفقة في محرم كالخمر ، وأجرة الفسق ، والقمار ، وغير ذلك - قل أو كثر - وبالله تعالى التوفيق . فبطل عنهم كل ما تعلقوا به من القرآن ،
[ ص: 156 ] وأما نهي رسول الله صلى الله عليه وسلم عن إضاعة المال فحق وهو قولنا ، وإضاعته هو صبه في الطريق ، أو إنفاقه في محرم كما قلنا في التبذير ، والإسراف ، وبسط اليد .
برهان ذلك - : قول رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي ذكرناه آنفا في " المزارعة {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50500من كانت له أرض فليزرعها أو فليزرعها أخاه فإن أبى فليمسك أرضه } فلم يجعل عليه السلام ترك الأرض لا تعمر إضاعة للمال إذا لم يحتج صاحبها إلى ذلك .
وما نعلم خلافا في أن ترك التزيد من كسب المال لمن معه الكفاف له ولعياله مباح ، وأن إقباله حينئذ على العمل للآخرة أفضل من إكبابه على طلب التزيد من المال - فظهر فساد قولهم من كل وجه .
وأعجب شيء قولهم : إن من لم يثمر ماله فهو سفيه ، ثم أباحوا لمن تعدى فأكل أموال الناس ظلما أو غصبا ، وبالبيع ، وبأي وجه أمكنه ، فلما طلب بالحقوق ، وأخذ ما وجد له ، أو لم يوجد له شيء أن يقعد مكانه فلا يتكسب شيئا ينصف منه أهل الحقوق قبله - وهذه ضد الحقائق ، مرة يمنعونه من الصدقة ، والعتق ، والبيع ; لأنه لا يحسن تثمير ماله ، ومرة يطلقون له أن لا يثمر ماله وإن أضر ذلك بأهل الحقوق قبله ، فواخلافاه .
روينا من طريق
nindex.php?page=showalam&ids=12166محمد بن المثنى نا
nindex.php?page=showalam&ids=17390يعلى بن عبيد الطنافسي نا
nindex.php?page=showalam&ids=16971محمد بن سوقة نا
ابن سعيد بن جبير قال : سئل أبي عن إضاعة المال ؟ فقال : أن يرزقك الله تعالى مالا فتنفقه فيما حرم عليك .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13064أبو محمد : أولاد
nindex.php?page=showalam&ids=15992سعيد بن جبير هم ثلاثة ،
عبد الله ،
وعبد الملك ،
وإسحاق : كلهم ثقات مشاهير ، فأيهم كان فهو ثقة - .
وَأَمَّا قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا } فَإِنَّ السَّفَهَ فِي لُغَةِ
الْعَرَبِ الَّتِي نَزَلَ بِهَا الْقُرْآنُ ، وَبِهَا خُوطِبْنَا ، لَا يَقَعُ إلَّا عَلَى ثَلَاثَةِ مَعَانٍ لَا رَابِعَ لَهَا أَصْلًا - :
أَحَدُهَا - الْبَذَاءُ وَالسَّبُّ بِاللِّسَانِ ، وَهُمْ لَا يَخْتَلِفُونَ أَنَّ مَنْ هَذِهِ صِفَتُهُ لَا يُحْجَرُ عَلَيْهِ فِي مَالِهِ - فَسَقَطَ الْكَلَامُ فِي هَذَا الْوَجْهِ .
وَالْوَجْهُ الثَّانِي - الْكُفْرُ ، قَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=13وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا كَمَا آمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَّا إنَّهُمْ هُمْ السُّفَهَاءُ } . وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ : أَنَّهُ قَالَ لِلَّهِ تَعَالَى {
nindex.php?page=tafseer&surano=7&ayano=155أَتُهْلِكُنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهَاءُ مِنَّا } يَعْنِي كَفَرَةَ
بَنِي إسْرَائِيلَ .
وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=142سَيَقُولُ السُّفَهَاءُ مِنْ النَّاسِ مَا وَلَّاهُمْ عَنْ قِبْلَتِهِمْ الَّتِي كَانُوا عَلَيْهَا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=130وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إبْرَاهِيمَ إلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ } .
وَقَالَ تَعَالَى حَاكِيًا عَنْ مُؤْمِنِي الْجِنِّ الَّذِينَ صَدَّقَهُمْ وَرَضِيَ عَنْهُمْ قَوْلَهُمْ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=72&ayano=4وَأَنَّهُ كَانَ يَقُولُ سَفِيهُنَا عَلَى اللَّهِ شَطَطًا } فَهَذَا مَعْنًى ثَانٍ ، وَلَا خِلَافَ مِنْهُمْ وَلَا مَنَّا فِي أَنَّ الْكُفَّارَ لَا يُمْنَعُونَ أَمْوَالَهُمْ ، وَأَنَّ مُعَامَلَتَهُمْ فِي الْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَهِبَاتِهِمْ جَائِزٌ كُلُّ ذَلِكَ ، وَأَنَّ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } وقَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=282فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا } لَمْ يُرِدْ بِهِ تَعَالَى قَطُّ الْكُفَّارَ ، وَلَا ذَوِي الْبَذَاءِ فِي أَلْسِنَتِهِمْ .
وَالْمَعْنَى الثَّالِثُ - وَهُوَ عَدَمُ الْعَقْلِ الرَّافِعِ لِلْمُخَاطَبَةِ كَالْمَجَانِينِ وَالصِّبْيَانِ فَقَطْ ، وَهَؤُلَاءِ بِإِجْمَاعٍ مِنَّا وَمِنْهُمْ هُمْ الَّذِينَ أَرَادَ اللَّهُ تَعَالَى فِي الْآيَتَيْنِ ، وَأَنَّ أَهْلَ هَذِهِ الصِّفَةِ لَا
[ ص: 152 ] يُؤْتَوْنَ أَمْوَالَهُمْ ، لَكِنْ يُكْسَوْنَ فِيهَا ، وَيُرْزَقُونَ ، وَيُرْفَقُ بِهِمْ فِي الْكَلَامِ ، وَلَا يُقْبَلُ إقْرَارُهُمْ ، لَكِنْ يُقِرُّ عَنْهُمْ وَلِيُّهُمْ النَّاظِرُ لَهُمْ ، فَصَحَّ هَذَا بِيَقِينٍ .
فَمَنْ قَالَ : إنَّ مَنْ يُغْبَنُ فِي الْبَيْعِ وَلَا يُحْسِنُ حِفْظَ مَالِهِ - وَإِنْ كَانَ عَاقِلًا مُخَاطَبًا بِالدِّينِ مُمَيِّزًا لَهُ - : دَاخِلٌ فِي " اسْمِ السَّفَهِ " الْمَذْكُورِ فِي الْآيَتَيْنِ ، فَقَدْ قَالَ الْبَاطِلَ ، وَقَالَ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَقَفَا مَا لَا عِلْمَ لَهُ بِهِ ، وَمَا لَا بُرْهَانَ لَهُ عَلَى صِحَّتِهِ - وَهَذَا كُلُّهُ حَرَامٌ لَا يَحِلُّ الْقَوْلُ بِهِ .
قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=169وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ } . وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=111قُلْ هَاتُوا بُرْهَانَكُمْ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ } فَإِذْ لَا بُرْهَانَ لَهُمْ فَلَيْسُوا صَادِقِينَ فِيهِ بِلَا شَكٍّ .
فَصَحَّ أَنَّ الْآيَتَيْنِ مُوَافَقَتَانِ لِقَوْلِنَا مُخَالِفَتَانِ لِقَوْلِهِمْ ، وَمَا سَمَّى اللَّهُ تَعَالَى قَطُّ فِي الْقُرْآنِ وَلَا رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَا الْعَرَبِيُّ الْجَاهِلَ بِكَسْبِ مَالِهِ ، أَوْ الْمَغْبُونَ فِي الْبَيْعِ : سَفِيهًا . " وَالسَّفِيهُ " الَّذِي ذُكِرَ فِي الْآيَةِ هُوَ الَّذِي لَا عَقْلَ لَهُ لِجُنُونِهِ ، وَالضَّعِيفُ الَّذِي لَا قُوَّةَ لَهُ ، قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=30&ayano=54ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا } وَاَلَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ : هُوَ مِنْ بِهِ آفَةٌ فِي لِسَانِهِ تَمْنَعُهُ كَخَرَسٍ ، أَوْ نَحْوِ ذَلِكَ .
وَلَا يَجُوزُ أَنْ يُفَسَّرَ كَلَامُ اللَّهِ تَعَالَى إلَّا بِكَلَامِهِ ، أَوْ بِكَلَامِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَوْ بِلُغَةِ
الْعَرَبِ الَّتِي أَخْبَرَ اللَّهُ تَعَالَى : أَنَّهُ أَنْزَلَ بِهَا الْقُرْآنَ ، وَبِالْيَقِينِ الَّذِي لَا شَكَّ فِيهِ : أَنَّهُ مُرَادُ اللَّهِ تَعَالَى - فَهَذِهِ طَرِيقُ النَّجَاةِ ، وَأَمَّا بِالظُّنُونِ ، وَمَا لَا بُرْهَانَ عَلَيْهِ ، فَمَعَاذَ اللَّهِ مِنْ هَذَا .
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا
جَرِيرٌ عَنْ
مَنْصُورٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=6فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُ رُشْدًا } قَالَ : الْعَقْلُ ، لَا يُدْفَعُ إلَى الْيَتِيمِ مَالُهُ - وَإِنْ شَمِطَ - حَتَّى يُؤْنَسَ مِنْهُ رُشْدٌ ، وَهَذَا هُوَ الْحَقُّ الْمُتَيَقَّنُ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا
nindex.php?page=showalam&ids=17419يُونُسُ عَنْ
الْحَسَنِ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } قَالَ : السُّفَهَاءُ : الصِّغَارُ ، وَالنِّسَاءُ : مِنْ السُّفَهَاءِ .
وَبِهِ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=16000سَعِيدِ بْنِ مَنْصُورٍ نا
عَوْنُ بْنُ مُوسَى سَمِعْت
nindex.php?page=showalam&ids=17112مُعَاوِيَةَ بْنَ قُرَّةَ يَقُولُ : عَوِّدُوا النِّسَاءَ " لَا " فَإِنَّهَا سَفِيهَةٌ إنْ أَطَعْتهَا أَهْلَكَتْك
[ ص: 153 ]
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ
يَحْيَى بْنِ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيِّ نا أَبِي ،
وَحُمَيْدٌ الرُّؤَاسِيُّ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16418وَعَبْدُ اللَّهِ بْنُ الْمُبَارَكِ ، قَالَ
الرُّؤَاسِيُّ : عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14117الْحَسَنِ بْنِ صَالِحٍ عَنْ
السُّدِّيِّ - رَدَّهُ إلَى
عَبْدِ اللَّهِ : - قَالَ فِي قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } قَالَ : النِّسَاءُ ، وَالصِّبْيَانُ . وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16418ابْنُ الْمُبَارَكِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسْمَاعِيلَ عَنْ
أَبِي مَالِكٍ : النِّسَاءُ ، وَالصِّبْيَانُ ، قَالَ : وَقَالَ أَبِي : عَنْ
سَلَمَةَ بْنِ نُبَيْطٍ عَنْ
الضَّحَّاكِ ، قَالَ : النِّسَاءُ ، وَالصِّبْيَانُ .
وَبِهِ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسْمَاعِيلَ نا
nindex.php?page=showalam&ids=17206نَصْرُ بْنُ عَلِيٍّ ،
وَمُحَمَّدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ نُمَيْرٍ ، قَالَ
نَصْرٌ : نا
أَبُو أَحْمَدَ عَنْ
ابْنِ أَبِي غَنِيَّةَ عَنْ
الْحَكَمِ بْنِ عُتَيْبَةَ ، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13608ابْنُ نُمَيْرٍ : نَا أَبِي نَا
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشُ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ ، ثُمَّ اتَّفَقَ
الْحَكَمُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } قَالَا جَمِيعًا : النِّسَاءُ ، وَالصِّبْيَانُ . وَبِهِ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسْمَاعِيلَ نا
يَحْيَى بْنُ خَلَفٍ نا
nindex.php?page=showalam&ids=12063أَبُو عَاصِمٍ عَنْ
عِيسَى نا
nindex.php?page=showalam&ids=13601ابْنُ نَجِيحٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا } قَالَ : نَهَى الرِّجَالَ أَنْ يُعْطُوا النِّسَاءَ أَمْوَالَهُمْ ، وَالسُّفَهَاءُ : مَنْ كُنَّ أَزْوَاجًا ، أَوْ أُمَّهَاتٍ ، أَوْ بَنَاتٍ .
وَبِهِ إلَى
nindex.php?page=showalam&ids=12425إسْمَاعِيلَ نا
يَحْيَى بْنُ عَبْدِ الْحَمِيدِ الْحِمَّانِيُّ نا
شَرِيكٌ عَنْ
سَالِمٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدٍ هُوَ ابْنُ جُبَيْرٍ {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=5وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمْ } قَالَ : النِّسَاءُ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : فَاتَّفَقَ
الْحَسَنُ ،
وَالْحَكَمُ ،
nindex.php?page=showalam&ids=17112وَمُعَاوِيَةُ بْنُ قُرَّةَ ،
nindex.php?page=showalam&ids=16879وَمُجَاهِدٌ ،
وَالضَّحَّاكُ nindex.php?page=showalam&ids=15992وَسَعِيدُ بْنُ جُبَيْرٍ ،
وَأَبُو مَالِكٍ ،
nindex.php?page=showalam&ids=10وَعَبْدُ اللَّهِ - إمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنُ مَسْعُودٍ وَهُوَ الْأَظْهَرُ ، وَإِمَّا
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ - عَلَى أَنَّ النِّسَاءَ سُفَهَاءُ ، وَأَنَّهُنَّ مِنْ الْمُرَادِ فِي هَذِهِ الْآيَةِ .
وَصَرَّحَ
nindex.php?page=showalam&ids=16879مُجَاهِدٌ بِأَنَّهُنَّ الْأُمَّهَاتُ وَالزَّوْجَاتُ ، وَالْبَنَاتُ ، فَأَيْنَ الْمُشَنِّعُونَ بِخِلَافِ الْجُمْهُورِ ؟ وَجَمِيعُ الْحَاضِرِينَ مِنْ الْمُخَالِفِينَ لَنَا فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ مُخَالِفُونَ لِهَذَا الْقَوْلِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : أَمَّا الصِّبْيَانُ فَنَعَمْ ، وَأَمَّا النِّسَاءُ فَلَا ; لِأَنَّهُ لَمْ يَأْتِ قُرْآنٌ ، وَلَا سُنَّةٌ ، بِأَنَّهُنَّ سُفَهَاءُ ، بَلْ قَدْ ذَكَرَهُنَّ اللَّهُ تَعَالَى مَعَ الرِّجَالِ فِي أَعْمَالِ الْبِرِّ فَقَالَ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=35وَالْمُتَصَدِّقِينَ وَالْمُتَصَدِّقَاتِ } وَفِي سَائِرِ أَعْمَالِ الْبِرِّ ، فَبَطَلَ تَعَلُّقُهُمْ بِهَذِهِ الْآيَةِ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
[ ص: 154 ]
وَأَمَّا تَحْرِيمُهُ تَعَالَى التَّبْذِيرَ ، وَالْإِسْرَافَ ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَحَقٌّ ، وَهُوَ قَوْلُنَا ، وَهُمْ مُخَالِفُونَ لِكُلِّ ذَلِكَ جَهْلًا ، فَيُجِيزُونَ مِنْ الَّذِي لَا يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ إعْطَاءَ مَالِهِ كُلِّهِ إمَّا صَدَقَةً وَإِمَّا هِبَةً لِشَاعِرٍ ، أَوْ فِي صَدَاقِ امْرَأَةٍ ، نَعَمْ ، حَتَّى إنَّهُ لَيَكْتُبُ لَهَا عَلَى نَفْسِهِ بَعْدَ خُرُوجِهِ لَهَا عَنْ جَمِيعِ مَالِهِ الدَّيْنَ الثَّقِيلَ ، وَهَذَا هُوَ التَّبْذِيرُ الْمُحَرَّمُ ، وَالْإِسْرَافُ الْمُحَرَّمُ ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ حَتَّى يَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا ، وَنَحْنُ نَمْنَعُ مِنْ هَذَا كُلِّهِ وَنُبْطِلُهُ وَنَرُدُّهُ .
ثُمَّ يَمْنَعُونَ آخَرِينَ مِنْ الصَّدَقَةِ بِدِرْهَمٍ فِي حَيَاتِهِ ، وَمَنْ عَتَقَ عَبْدَهُ وَإِنْ كَانَ لَهُ مِائَةُ عَبْدٍ ، وَيُنْفِذُونَ وَصِيَّتَهُمْ وَإِنْ عَظُمَتْ بَعْدَ مَوْتِهِمْ وَيَحْجُرُونَ الصَّدَقَةَ ، وَالْعِتْقَ بِالْيَسِيرِ وَالْكَثِيرِ ، عَلَى مَنْ يُخْدَعُ فِي الْبَيْعِ ، وَلَا يَحْجُرُونَ عَلَى مَنْ يَبْتَاعُ الْخُمُورَ ، وَيُعْطِي أَجْرَ الْفِسْقِ ، وَيُنْفِقُ عَلَى النُّدْمَانِ ، وَفِي الْقِمَارِ ، وَإِنْ أَكْثَرَ ذَلِكَ إذَا كَانَ بَصِيرًا بِكَسْبِ الْمَالِ مِنْ ظُلْمٍ وَغَيْرِ ظُلْمٍ ضَابِطًا لَهُ مِنْ حَقٍّ وَغَيْرِ حَقٍّ ، وَمَانِعًا مِنْ زَكَاةٍ وَصَدَقَةٍ ، وَهَذِهِ تَنَاقُضَاتٌ فِي غَايَةِ السَّمَاجَةِ ، وَظُهُورُ الْخَطَأِ بِغَيْرِ وَجْهٍ يُعْرَفُ ، فَمَرَّةً يُطْلِقُونَ إتْلَافَ الْمَالِ جُمْلَةً فِي الْبَاطِلِ ، وَمَرَّةً يَحْتَاطُونَ فَيَرُدُّونَ صَدَقَةَ دِرْهَمٍ ، وَعِتْقَ رَقَبَةٍ لَا ضَرَرَ عَلَى الْمَالِ فِيهِمَا .
وَمَرَّةً يُجِيزُونَ الْخَدِيعَةَ فِي الْأُلُوفِ فِي الْبَيْعِ وَلَا يَكْرَهُونَهَا وَيَقُولُونَ : الْبَيْعُ خُدْعَةٌ ، وَمَرَّةً يُبْطِلُونَ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ خَوْفَ أَنْ يُخْدَعَ مَرَّةً أُخْرَى ، وَهَذَا فِي التَّنَاقُضِ كَاَلَّذِي قَبْلَهُ ، وَفِي الْقَوْلِ بِمَا لَا يُعْقَلُ وَلَا يَشْهَدُ لَهُ قُرْآنٌ ، وَلَا سُنَّةٌ ، وَلَا مَعْقُولٌ ، وَلَا رَأْيٌ سَدِيدٌ .
وَأَمَّا نَحْنُ فَنَرُدُّ الْخَدِيعَةَ وَالْغِشَّ حَيْثُ وُجِدَا ، وَمِمَّنْ وُجِدَا - قَلَّا أَمْ كَثُرَا - وَنُجِيزُ الْبَيْعَ الصَّحِيحَ الَّذِي لَا خَدِيعَةَ فِيهِ حَيْثُ وُجِدَ ، وَمِمَّنْ وُجِدَ ، وَنَرُدُّ كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي بَاطِلٍ - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - وَنُمْضِي كُلَّ عَطِيَّةٍ فِي حَقٍّ - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - وَبِهَذَا جَاءَتْ النُّصُوصُ ، وَلَهُ شَهِدَتْ الْعُقُولُ ، وَالْآرَاءُ الصِّحَاحُ الَّتِي إلَيْهِمَا يَنْتَمُونَ ، وَبِهَا فِي دِينِ اللَّهِ تَعَالَى يَقْضُونَ - وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : وَنَحْنُ نُفَسِّرُ بِعَوْنِ اللَّهِ تَعَالَى التَّبْذِيرَ ، وَالْإِسْرَافَ ، وَبَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى وَزَجَرَ عَنْهَا ، لَا كَتَفْسِيرِهِمْ الَّذِي لَا يَفْهَمُونَهُ ، وَلَا يَفْهَمُونَهُ أَصْلًا ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إلَّا بِاَللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064عَلِيٌّ : هَذِهِ الْأَعْمَالُ الْمُحَرَّمَةُ مَعْنَاهَا كُلُّهَا وَاحِدٌ وَيَجْمَعُهُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=14950_19248_19247كُلَّ نَفَقَةٍ أَبَاحَهَا اللَّهُ تَعَالَى وَأَمَرَ بِهَا - كَثُرَتْ أَمْ قَلَّتْ - فَلَيْسَتْ إسْرَافًا وَلَا تَبْذِيرًا وَلَا بَسْطَ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ ; لِأَنَّهُ
[ ص: 155 ] تَعَالَى لَا يُحِلُّ مَا حَرَّمَ مَعًا ، فَلَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي أَبَاحَ هُوَ غَيْرُ الَّذِي نَهَى عَنْهُ ، وَهُوَ نَفْسُ قَوْلِنَا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ .
وَكُلُّ نَفَقَةٍ نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهَا - قَلَّتْ أَمْ كَثُرَتْ - فَهِيَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ ; لِأَنَّهُ لَا شَكَّ فِي أَنَّ الَّذِي نَهَى اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ مُفَسَّرًا هُوَ الَّذِي نَهَى عَنْهُ مُجْمَلًا - وَلِلَّهِ الْحَمْدُ كَثِيرًا ، وَبِهَذَا جَاءَتْ الْآثَارُ - : رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=12429إسْمَاعِيلَ بْنِ إِسْحَاقَ نا
nindex.php?page=showalam&ids=17014مُحَمَّدُ بْنُ كَثِيرٍ أَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=16046سُلَيْمَانُ بْنُ كَثِيرٍ عَنْ
حُصَيْنٍ عَنْ
عِكْرِمَةَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّهُ قَالَ فِي الْمُبَذِّرِ : هُوَ الَّذِي يُنْفِقُ فِي غَيْرِ حَقٍّ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=17293يَحْيَى بْنِ سَعِيدٍ الْقَطَّانِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16004سُفْيَانَ الثَّوْرِيِّ عَنْ
أَبِي الْعُبَيْدَيْنِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=26وَلَا تُبَذِّرْ تَبْذِيرًا } قَالَ : الْإِنْفَاقُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ .
وَمِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=16472ابْنِ وَهْبٍ أَخْبَرَنِي
خَالِدُ بْنُ حُمَيْدٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16581عُقَيْلِ بْنِ خَالِدٍ عَنْ
الزُّهْرِيِّ أَنَّهُ كَانَ يَقُولُ فِي قَوْلِ اللَّهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=29وَلَا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إلَى عُنُقِكَ وَلَا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ } قَالَ : لَا تَمْنَعْهُ مِنْ حَقٍّ وَلَا تُنْفِقْهُ فِي بَاطِلٍ .
قَالَ
الزُّهْرِيُّ : وَكَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=67وَاَلَّذِينَ إذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا } .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : فَصَحَّ أَنَّ هَذِهِ الْآيَاتِ هِيَ نَصُّ قَوْلِنَا وَأَنَّهُمْ مُخَالِفُونَ لَهَا أَوْضَحَ خِلَافٍ .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064عَلِيٌّ : كُلُّ شِرَاءِ لِمَأْكُولٍ ، أَوْ مَلْبُوسٍ ، أَوْ مَرْكُوبٍ ، وَكُلُّ عِتْقٍ ، وَصَدَقَةٍ ، وَهِبَةٍ ، أَبْقَى غِنًى فَهُوَ حَلَالٌ - . وَالْحَلَالُ هُوَ غَيْرُ التَّبْذِيرِ ، وَالْإِسْرَافِ ، وَبَسْطِ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ .
وَالْحَلَالُ لَا يَجُوزُ رَدُّهُ وَكُلُّ مَا لَمْ يُبْقِ غِنًى مِنْ كُلِّ ذَلِكَ مِمَّا لَيْسَ بِالْمَرْءِ عَنْهُ غِنًى فَهُوَ الْإِسْرَافُ وَالتَّبْذِيرُ ، وَبَسْطُ الْيَدِ كُلَّ الْبَسْطِ فَهُوَ كُلُّهُ بَاطِلٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ مَرْدُودٌ ، وَهَكَذَا كُلُّ نَفَقَةٍ فِي مُحَرَّمٍ كَالْخَمْرِ ، وَأُجْرَةِ الْفِسْقِ ، وَالْقِمَارِ ، وَغَيْرِ ذَلِكَ - قَلَّ أَوْ كَثُرَ - وَبِاَللَّهِ تَعَالَى التَّوْفِيقُ . فَبَطَلَ عَنْهُمْ كُلُّ مَا تَعَلَّقُوا بِهِ مِنْ الْقُرْآنِ ،
[ ص: 156 ] وَأَمَّا نَهْيُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ فَحَقٌّ وَهُوَ قَوْلُنَا ، وَإِضَاعَتُهُ هُوَ صَبُّهُ فِي الطَّرِيقِ ، أَوْ إنْفَاقُهُ فِي مُحَرَّمٍ كَمَا قُلْنَا فِي التَّبْذِيرِ ، وَالْإِسْرَافِ ، وَبَسْطِ الْيَدِ .
بُرْهَانُ ذَلِكَ - : قَوْلُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ آنِفًا فِي " الْمُزَارَعَةِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=50500مَنْ كَانَتْ لَهُ أَرْضٌ فَلْيَزْرَعْهَا أَوْ فَلْيُزْرِعْهَا أَخَاهُ فَإِنْ أَبَى فَلْيُمْسِكْ أَرْضَهُ } فَلَمْ يَجْعَلْ عَلَيْهِ السَّلَامُ تَرْكَ الْأَرْضِ لَا تَعْمُرُ إضَاعَةً لِلْمَالِ إذَا لَمْ يَحْتَجْ صَاحِبُهَا إلَى ذَلِكَ .
وَمَا نَعْلَمُ خِلَافًا فِي أَنَّ تَرْكَ التَّزَيُّدِ مِنْ كَسْبِ الْمَالِ لِمَنْ مَعَهُ الْكَفَافُ لَهُ وَلِعِيَالِهِ مُبَاحٌ ، وَأَنَّ إقْبَالَهُ حِينَئِذٍ عَلَى الْعَمَلِ لِلْآخِرَةِ أَفْضَلُ مِنْ إكْبَابِهِ عَلَى طَلَبِ التَّزَيُّدِ مِنْ الْمَالِ - فَظَهَرَ فَسَادُ قَوْلِهِمْ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ .
وَأَعْجَبُ شَيْءٍ قَوْلُهُمْ : إنَّ مَنْ لَمْ يُثَمِّرْ مَالَهُ فَهُوَ سَفِيهٌ ، ثُمَّ أَبَاحُوا لِمَنْ تَعَدَّى فَأَكَلَ أَمْوَالَ النَّاسِ ظُلْمًا أَوْ غَصْبًا ، وَبِالْبَيْعِ ، وَبِأَيِّ وَجْهٍ أَمْكَنَهُ ، فَلَمَّا طَلَبَ بِالْحُقُوقِ ، وَأَخَذَ مَا وُجِدَ لَهُ ، أَوْ لَمْ يُوجَدْ لَهُ شَيْءٌ أَنْ يَقْعُدَ مَكَانَهُ فَلَا يَتَكَسَّبُ شَيْئًا يُنْصِفُ مِنْهُ أَهْلَ الْحُقُوقِ قَبْلَهُ - وَهَذِهِ ضِدُّ الْحَقَائِقِ ، مَرَّةً يَمْنَعُونَهُ مِنْ الصَّدَقَةِ ، وَالْعِتْقِ ، وَالْبَيْعِ ; لِأَنَّهُ لَا يُحْسِنُ تَثْمِيرَ مَالِهِ ، وَمَرَّةً يُطْلِقُونَ لَهُ أَنْ لَا يُثَمِّرَ مَالَهُ وَإِنْ أَضَرَّ ذَلِكَ بِأَهْلِ الْحُقُوقِ قِبَلَهُ ، فَوَاخِلَافَاهُ .
رُوِّينَا مِنْ طَرِيقِ
nindex.php?page=showalam&ids=12166مُحَمَّدِ بْنِ الْمُثَنَّى نا
nindex.php?page=showalam&ids=17390يَعْلَى بْنُ عُبَيْدٍ الطَّنَافِسِيُّ نا
nindex.php?page=showalam&ids=16971مُحَمَّدُ بْنُ سُوقَةَ نا
ابْنُ سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ قَالَ : سُئِلَ أَبِي عَنْ إضَاعَةِ الْمَالِ ؟ فَقَالَ : أَنْ يَرْزُقَك اللَّهُ تَعَالَى مَالًا فَتُنْفِقَهُ فِيمَا حُرِّمَ عَلَيْك .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13064أَبُو مُحَمَّدٍ : أَوْلَادُ
nindex.php?page=showalam&ids=15992سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ هُمْ ثَلَاثَةٌ ،
عَبْدُ اللَّهِ ،
وَعَبْدُ الْمَلِكِ ،
وَإِسْحَاقُ : كُلُّهُمْ ثِقَاتٌ مَشَاهِيرُ ، فَأَيُّهُمْ كَانَ فَهُوَ ثِقَةٌ - .