nindex.php?page=treesubj&link=21368_28328_30347_30454_34225_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24يا أيها الذين آمنوا تكرير النداء مع وصفهم بنعت الإيمان لتنشيطهم إلى الإقبال على الامتثال بما يرد بعده من الأوامر وتنبيههم على أن فيهم ما يوجب ذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24استجيبوا لله وللرسول بحسن الطاعة
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24إذا دعاكم أي: الرسول إذ هو المباشر لدعوة الله تعالى مع ما أشرنا إليه آنفا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24لما يحييكم أي: لما يورثكم الحياة الأبدية في النعيم الدائم من العقائد والأعمال أو من الجهاد الذي أعزكم الله تعالى به بعد الذل وقواكم به بعد الضعف ومنعكم به من عدوكم بعد القهر كما روي ذلك عن
nindex.php?page=showalam&ids=16561عروة بن الزبير، وإطلاق ما ذكر على العقائد والأعمال وكذا على الجهاد، إما استعارة أو مجاز مرسل بإطلاق السبب على المسبب، وقال
القتبي: المراد به الشهادة وهو مجاز أيضا، وقال
nindex.php?page=showalam&ids=16815قتادة: القرآن، وقال
أبو مسلم: الجنة، وقال غير واحد: هو العلوم الدينية التي هي مناط الحياة الأبدية كما أن الجهل مدار الموت الحقيقي، وهو استعارة مشهورة ذكرها الأدباء
[ ص: 191 ] وعلماء المعاني.
nindex.php?page=showalam&ids=14423وللزمخشري: لا تعجبن لجهول حلته فذاك ميت وثوبه كفن
واستدل بالآية على وجوب
nindex.php?page=treesubj&link=28750إجابته صلى الله تعالى عليه وسلم إذا نادى أحدا وهو في الصلاة، وعن
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي أن ذلك لا يبطلها لأنها أيضا إجابة، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=14395الروياني أنها لا تجب الصلاة بها، وقيل: إنه يقطع الصلاة إذا كان الدعاء لأمر يفوت بالتأخير كما إذا رأى أعمى وصل إلى بئر ولو لم يحذره لهلك، وأيد القول بالوجوب بما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13948الترمذي nindex.php?page=showalam&ids=15397والنسائي عن
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة: nindex.php?page=hadith&LINKID=654114أنه صلى الله تعالى عليه وسلم مر على nindex.php?page=showalam&ids=34أبي بن كعب وهو يصلي فدعاه فعجل في صلاته ثم جاء فقال: ما منعك من إجابتي؟ قال: كنت أصلي. قال: ألم تخبر فيما أوحي: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24استجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما يحييكم قال: بلى. ولا أعود إن شاء الله تعالى. ثم إنه صلى الله تعالى عليه وسلم قال له: لأعلمنك سورة nindex.php?page=treesubj&link=28892أعظم سورة في القرآن: nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الحمد لله رب العالمين هي السبع المثاني».
وأنت تعلم أنه لا دلالة فيه على أن إجابته صلى الله تعالى عليه وسلم لا تقطع الصلاة، وقال بعضهم: إن ذلك الدعاء كان لأمر مهم لا يحتمل التأخير، وللمصلي أن يقطع الصلاة لمثله، وفيه نظر،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه عطف على استجيبوا، وأصل الحول كما قال الراغب تغير الشيء وانفصاله عن غيره، وباعتبار التغير قيل حال الشيء يحول وباعتبار الانفصال قيل: حال بينهما كذا، وهذا غير متصور في حق الله تعالى؛ فهو مجاز عن غاية القرب من العبد لأن من فصل بين شيئين كان أقرب إلى كل منهما من الآخر؛ لاتصاله بهما وانفصال أحدهما عن الآخر، وظاهر كلام كثير أن الكلام من باب الاستعارة التمثيلية، ويجوز أن يكون هناك استعارة تبعية، فمعنى يحول يقرب، ولا بعد في أن يكون من باب المجاز المرسل المركب لاستعماله في لازم معناه وهو القرب، بل ادعي أنه الأنسب، وإرادة هذا المعنى هو المروي عن
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن nindex.php?page=showalam&ids=16815وقتادة، فالآية نظير قوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16ونحن أقرب إليه من حبل الوريد .
وفيها تنبيه على
nindex.php?page=treesubj&link=28781أنه تعالى مطلع من مكنونات القلوب على ما قد يغفل عنه أصحابها، وجوز أن يكون المراد من ذلك الحث على المبادرة إلى إخلاص القلوب وتصفيتها، فمعنى يحول بينه وبين قلبه يميته فيفوته الفرصة التي هو واجدها وهي التمكن من إخلاص القلب ومعالجة أدوائه وعلله ورده سليما كما يريد الله تعالى، فكأنه سبحانه بعد أن أمرهم بإجابة الرسول عليه الصلاة والسلام أشار لهم إلى اغتنام الفرصة من إخلاص القلوب للطاعة وشبه الموت بالحيلولة بين المرء وقلبه الذي به يعقل في عدم التمكن من علم ما ينفعه علمه، وإلى هذا ذهب
nindex.php?page=showalam&ids=13980الجبائي.
وقال غير واحد: إنه استعارة تمثيلية لتمكنه تعالى من قلوب العباد فيصرفها كيف يشاء بما لا يقدر عليه صاحبها فيفسخ عزائمه ويغير مقاصده ويلهمه رشده ويزيغ عن الصراط السوي قلبه ويبدله بالأمن خوفا وبالذكر نسيانا، وذلك كمن حال بين شخص ومتاعه فإنه القادر على التصرف فيه دونه وهذا كما في حديث
nindex.php?page=showalam&ids=16128شهر بن حوشب عن
أم سلمة وقد
nindex.php?page=hadith&LINKID=665814سألت رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم عن إكثاره الدعاء: يا مقلب القلوب ثبت قلبي على دينك فقال لها: يا أم سلمة إنه ليس آدمي إلا وقلبه بين أصبعين من أصابع الله تعالى، فمن شاء أقام ومن شاء أزاغ.
ويؤيد هذا التفسير ما أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما قال:
nindex.php?page=hadith&LINKID=856237سألت النبي صلى الله تعالى عليه وسلم عن هذه الآية فقال عليه الصلاة والسلام: يحول بين المؤمن والكفر ويحول بين الكافر والهدى.
ولعل ذلك منه عليه الصلاة والسلام اقتصار على الأمرين اللذين هما أعظم مدار للسعادة والشقاوة وإلا
[ ص: 192 ] فهذا من فروع التمكن الذي أشرنا إليه ولا يختص أمره بما ذكر، وقد حال سبحانه بين العدلية وبين اعتقاد هذا فعدلوا عن سواء السبيل، وبين بعض الأفاضل ربط الآيات على ذلك بأنه تعالى لما نص بقوله عز من قائل:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23ولو علم الله فيهم خيرا لأسمعهم إلخ، على أن الإسماع لا ينفع فيهم تسجيلا على أولئك الصم البكم من على المؤمنين بما منحهم من الإيمان ويسر لهم من الطاعة، كأنه قيل: إنكم لستم مثل أولئك المطبوعين على قلوبهم؛ فإنهم إنما امتنعوا عن الطاعة لأنهم ما خلقوا إلا للكفر فما تيسر لهم الاستجابة، وكل ميسر لما خلق له، فأنتم لما منحتم الإيمان ووفقتم للطاعة فاستجيبوا لله وللرسول إذا دعاكم لما فيه حياتكم من مجاهدة الكفار وطلب الحياة الأبدية واغتنموا تلك الفرصة، واعلموا أن الله تعالى قد يحول بين المرء وقلبه بأن يحول بينه وبين الإيمان وبينه وبين الطاعة ثم يجازيه في الآخرة بالنار، وتلخيصه: أوليتكم النعمة فاشكروها ولا تكفروها لئلا أزيلها عنكم اهـ.
ولا يخفى ما فيه من التكليف، وقيل: إن القوم لما دعوا إلى القتال والجهاد وكانوا في غاية الضعف والقلة خافت قلوبهم وضاقت صدورهم فقيل لهم: قاتلوا في سبيل الله تعالى إذا دعيتم، واعلموا أن الله يحول بين المرء وقلبه فيبدل الأمن خوفا والجبن جرأة. وقرئ: (بين المر) بتشديد الراء على حذف الهمزة ونقل حركتها إليها وإجراء الوصل مجرى الوقف
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وأنه أي الله عز وجل أو الشأن
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24إليه تحشرون لا إلى غيره فيجازيكم بحسب مراتب أعمالكم التي لم يخف عليه شيء منها فسارعوا إلى طاعته وطاعة رسوله صلى الله تعالى عليه وسلم وبالغوا في الاستجابة، وقيل: المعنى: أنه تحشرون إليه تعالى دون غيره فيجازيكم فلا تألوا جهدا في انتهاز الفرصة، أو المعنى: أنه المتصرف في قلوبكم في الدنيا ولا مهرب لكم عنه في الآخرة فسلوا الأمر إليه عز شأنه ولا تحدثوا أنفسكم بمخالفته.
وزعم بعضهم أنه سبحانه لما أشار في صدر الآية إلى أن السعيد من أسعده والشقي من أضله وأن القلوب بيده يقلبها كيفما يشاء ويخلق فيها الدواعي والعقائد حسبما يريد ختمها بما يفيد أن الحشر إليه ليعلم أنه مع كون العباد مجبورين خلقوا مثابين معاقبين إما للجنة وإما للنار لا يتركون مهملين معطلين، وأنت تعلم أن الآية لا دلالة فيها على الجبر بالمعنى المشهور، وليس فيها عند من أنصف بعد التأمل أكثر من انتهاء الأمور بالآخرة إليه عز شأنه.
nindex.php?page=treesubj&link=21368_28328_30347_30454_34225_28979nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا تَكْرِيرُ النِّدَاءِ مَعَ وَصْفِهِمْ بِنَعْتِ الْإِيمَانِ لِتَنْشِيطِهِمْ إِلَى الْإِقْبَالِ عَلَى الِامْتِثَالِ بِمَا يَرِدُ بَعْدَهُ مِنَ الْأَوَامِرِ وَتَنْبِيهِهِمْ عَلَى أَنَّ فِيهِمْ مَا يُوجِبُ ذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ بِحُسْنِ الطَّاعَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24إِذَا دَعَاكُمْ أَيِ: الرَّسُولُ إِذْ هُوَ الْمُبَاشِرُ لِدَعْوَةِ اللَّهِ تَعَالَى مَعَ مَا أَشَرْنَا إِلَيْهِ آنِفًا
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24لِمَا يُحْيِيكُمْ أَيْ: لِمَا يُورِثُكُمُ الْحَيَاةَ الْأَبَدِيَّةَ فِي النَّعِيمِ الدَّائِمِ مِنَ الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ أَوْ مِنَ الْجِهَادِ الَّذِي أَعَزَّكُمُ اللَّهُ تَعَالَى بِهِ بَعْدَ الذُّلِّ وَقَوَّاكُمْ بِهِ بَعْدَ الضَّعْفِ وَمَنَعَكُمْ بِهِ مِنْ عَدُوِّكُمْ بَعْدَ الْقَهْرِ كَمَا رُوِيَ ذَلِكَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16561عُرْوَةَ بْنِ الزُّبَيْرِ، وَإِطْلَاقُ مَا ذُكِرَ عَلَى الْعَقَائِدِ وَالْأَعْمَالِ وَكَذَا عَلَى الْجِهَادِ، إِمَّا اسْتِعَارَةٌ أَوْ مَجَازٌ مُرْسَلٌ بِإِطْلَاقِ السَّبَبِ عَلَى الْمُسَبَّبِ، وَقَالَ
الْقُتَبِيُّ: الْمُرَادُ بِهِ الشَّهَادَةُ وَهُوَ مَجَازٌ أَيْضًا، وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16815قَتَادَةُ: الْقُرْآنُ، وَقَالَ
أَبُو مُسْلِمٍ: الْجَنَّةُ، وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: هُوَ الْعُلُومُ الدِّينِيَّةُ الَّتِي هِيَ مَنَاطُ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ كَمَا أَنَّ الْجَهْلَ مَدَارُ الْمَوْتِ الْحَقِيقِيِّ، وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ مَشْهُورَةٌ ذَكَرَهَا الْأُدَبَاءُ
[ ص: 191 ] وَعُلَمَاءُ الْمَعَانِي.
nindex.php?page=showalam&ids=14423وَلِلزَّمَخْشَرِيِّ: لَا تَعْجَبَنْ لِجَهُولٍ حُلَّتُهُ فَذَاكَ مَيْتٌ وَثَوْبُهُ كَفَنْ
وَاسْتُدِلَّ بِالْآيَةِ عَلَى وُجُوبِ
nindex.php?page=treesubj&link=28750إِجَابَتِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِذَا نَادَى أَحَدًا وَهُوَ فِي الصَّلَاةِ، وَعَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ أَنَّ ذَلِكَ لَا يُبْطِلُهَا لِأَنَّهَا أَيْضًا إِجَابَةٌ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=14395الرُّويَانِيُّ أَنَّهَا لَا تَجِبُ الصَّلَاةُ بِهَا، وَقِيلَ: إِنَّهُ يَقْطَعُ الصَّلَاةَ إِذَا كَانَ الدُّعَاءُ لِأَمْرٍ يَفُوتُ بِالتَّأْخِيرِ كَمَا إِذَا رَأَى أَعْمَى وَصَلَ إِلَى بِئْرٍ وَلَوْ لَمْ يُحَذِّرْهُ لَهَلَكَ، وَأُيِّدَ الْقَوْلُ بِالْوُجُوبِ بِمَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13948التِّرْمِذِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=15397وَالنَّسَائِيُّ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ: nindex.php?page=hadith&LINKID=654114أَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَرَّ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=34أُبَيِّ بْنِ كَعْبٍ وَهُوَ يُصَلِّي فَدَعَاهُ فَعَجِلَ فِي صِلَاتِهِ ثُمَّ جَاءَ فَقَالَ: مَا مَنَعَكَ مِنْ إِجَابَتِي؟ قَالَ: كُنْتُ أُصَلِّي. قَالَ: أَلَمْ تُخْبَرْ فِيمَا أُوحِيَ: nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ قَالَ: بَلَى. وَلَا أَعُودُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. ثُمَّ إِنَّهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ لَهُ: لَأُعَلِّمَنَّكَ سُورَةً nindex.php?page=treesubj&link=28892أَعْظَمَ سُورَةٍ فِي الْقُرْآنِ: nindex.php?page=tafseer&surano=1&ayano=2الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ هِيَ السَّبْعُ الْمَثَانِي».
وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّهُ لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَى أَنَّ إِجَابَتَهُ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَا تَقْطَعُ الصَّلَاةَ، وَقَالَ بَعْضُهُمْ: إِنَّ ذَلِكَ الدُّعَاءَ كَانَ لِأَمْرٍ مُهِمٍّ لَا يَحْتَمِلُ التَّأْخِيرَ، وَلِلْمُصَلِّي أَنْ يَقْطَعَ الصَّلَاةَ لِمِثْلِهِ، وَفِيهِ نَظَرٌ،
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ عُطِفَ عَلَى اسْتَجِيبُوا، وَأَصْلُ الْحَوْلِ كَمَا قَالَ الرَّاغِبُ تَغَيُّرُ الشَّيْءِ وَانْفِصَالُهُ عَنْ غَيْرِهِ، وَبِاعْتِبَارِ التَّغَيُّرِ قِيلَ حَالَ الشَّيْءُ يَحُولُ وَبِاعْتِبَارِ الِانْفِصَالِ قِيلَ: حَالَ بَيْنَهُمَا كَذَا، وَهَذَا غَيْرُ مُتَصَوَّرٍ فِي حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ فَهُوَ مَجَازٌ عَنْ غَايَةِ الْقُرْبِ مِنَ الْعَبْدِ لِأَنَّ مِنْ فَصَلَ بَيْنَ شَيْئَيْنِ كَانَ أَقْرَبَ إِلَى كُلٍّ مِنْهُمَا مِنَ الْآخَرِ؛ لِاتِّصَالِهِ بِهِمَا وَانْفِصَالِ أَحَدِهِمَا عَنِ الْآخَرِ، وَظَاهِرُ كَلَامِ كَثِيرٍ أَنَّ الْكَلَامَ مِنْ بَابِ الِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ هُنَاكَ اسْتِعَارَةٌ تَبَعِيَّةٌ، فَمَعْنَى يَحُولُ يُقَرِّبُ، وَلَا بُعْدَ فِي أَنْ يَكُونَ مِنْ بَابِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ الْمُرَكَّبِ لِاسْتِعْمَالِهِ فِي لَازِمِ مَعْنَاهُ وَهُوَ الْقُرْبُ، بَلِ ادُّعِيَ أَنَّهُ الْأَنْسَبُ، وَإِرَادَةُ هَذَا الْمَعْنَى هُوَ الْمَرْوِيُّ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنِ nindex.php?page=showalam&ids=16815وَقَتَادَةَ، فَالْآيَةُ نَظِيرُ قَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=50&ayano=16وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْ حَبْلِ الْوَرِيدِ .
وَفِيهَا تَنْبِيهٌ عَلَى
nindex.php?page=treesubj&link=28781أَنَّهُ تَعَالَى مُطَّلِعٌ مِنْ مَكْنُونَاتِ الْقُلُوبِ عَلَى مَا قَدْ يَغْفُلُ عَنْهُ أَصْحَابُهَا، وَجُوِّزَ أَنْ يَكُونَ الْمُرَادُ مِنْ ذَلِكَ الْحَثَّ عَلَى الْمُبَادَرَةِ إِلَى إِخْلَاصِ الْقُلُوبِ وَتَصْفِيَتِهَا، فَمَعْنَى يَحُولُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ قَلْبِهِ يُمِيتُهُ فَيَفُوتُهُ الْفُرْصَةُ الَّتِي هُوَ وَاجِدُهَا وَهِيَ التَّمَكُّنُ مِنْ إِخْلَاصِ الْقَلْبِ وَمُعَالَجَةِ أَدْوَائِهِ وَعِلَلِهِ وَرَدِّهِ سَلِيمًا كَمَا يُرِيدُ اللَّهُ تَعَالَى، فَكَأَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعْدَ أَنْ أَمَرَهُمْ بِإِجَابَةِ الرَّسُولِ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ أَشَارَ لَهُمْ إِلَى اغْتِنَامِ الْفُرْصَةِ مِنْ إِخْلَاصِ الْقُلُوبِ لِلطَّاعَةِ وَشَبَّهَ الْمَوْتَ بِالْحَيْلُولَةِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ الَّذِي بِهِ يَعْقِلُ فِي عَدَمِ التَّمَكُّنِ مِنْ عِلْمِ مَا يَنْفَعُهُ عِلْمُهُ، وَإِلَى هَذَا ذَهَبَ
nindex.php?page=showalam&ids=13980الْجُبَّائِيُّ.
وَقَالَ غَيْرُ وَاحِدٍ: إِنَّهُ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ لِتَمَكُّنِهِ تَعَالَى مِنْ قُلُوبِ الْعِبَادِ فَيُصَرِّفُهَا كَيْفَ يَشَاءُ بِمَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ صَاحِبُهَا فَيَفْسَخُ عَزَائِمَهُ وَيُغَيِّرُ مَقَاصِدَهُ وَيُلْهِمُهُ رُشْدَهُ وَيُزِيغُ عَنِ الصِّرَاطِ السَّوِيِّ قَلْبَهُ وَيُبَدِّلُهُ بِالْأَمْنِ خَوْفًا وَبِالذِّكْرِ نِسْيَانًا، وَذَلِكَ كَمَنْ حَالَ بَيْنَ شَخْصٍ وَمَتَاعِهِ فَإِنَّهُ الْقَادِرُ عَلَى التَّصَرُّفِ فِيهِ دُونَهُ وَهَذَا كَمَا فِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=16128شَهْرِ بْنِ حَوْشَبٍ عَنْ
أُمِّ سَلَمَةَ وَقَدْ
nindex.php?page=hadith&LINKID=665814سَأَلَتْ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ إِكْثَارِهِ الدُّعَاءَ: يَا مُقَلِّبَ الْقُلُوبِ ثَبِّتْ قَلْبِي عَلَى دِينِكَ فَقَالَ لَهَا: يَا أُمَّ سَلَمَةَ إِنَّهُ لَيْسَ آدَمِيٌّ إِلَّا وَقَلْبُهُ بَيْنَ أُصْبُعَيْنِ مِنْ أَصَابِعَ اللَّهُ تَعَالَى، فَمَنْ شَاءَ أَقَامَ وَمَنْ شَاءَ أَزَاغَ.
وَيُؤَيِّدُ هَذَا التَّفْسِيرَ مَا أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13507ابْنُ مَرْدُوَيْهِ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنِ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا قَالَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=856237سَأَلْتُ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ هَذِهِ الْآيَةِ فَقَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ: يَحُولُ بَيْنَ الْمُؤْمِنِ وَالْكُفْرِ وَيَحُولُ بَيْنَ الْكَافِرِ وَالْهُدَى.
وَلَعَلَّ ذَلِكَ مِنْهُ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ اقْتِصَارٌ عَلَى الْأَمْرَيْنِ اللَّذَيْنِ هُمَا أَعْظَمُ مَدَارٍ لِلسَّعَادَةِ وَالشَّقَاوَةِ وَإِلَّا
[ ص: 192 ] فَهَذَا مِنْ فُرُوعِ التَّمَكُّنِ الَّذِي أَشَرْنَا إِلَيْهِ وَلَا يَخْتَصُّ أَمْرُهُ بِمَا ذُكِرَ، وَقَدْ حَالَ سُبْحَانَهُ بَيْنَ الْعَدْلِيَّةِ وَبَيْنَ اعْتِقَادِ هَذَا فَعَدَلُوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ، وَبَيَّنَ بَعْضُ الْأَفَاضِلِ رَبْطَ الْآيَاتِ عَلَى ذَلِكَ بِأَنَّهُ تَعَالَى لَمَّا نَصَّ بِقَوْلِهِ عَزَّ مِنْ قَائِلٍ:
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=23وَلَوْ عَلِمَ اللَّهُ فِيهِمْ خَيْرًا لأَسْمَعَهُمْ إِلَخْ، عَلَى أَنَّ الْإِسْمَاعَ لَا يَنْفَعُ فِيهِمْ تَسْجِيلًا عَلَى أُولَئِكَ الصُّمِّ الْبُكْمِ مَنَّ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ بِمَا مَنَحَهُمْ مِنَ الْإِيمَانِ وَيَسَّرَ لَهُمْ مِنَ الطَّاعَةِ، كَأَنَّهُ قِيلَ: إِنَّكُمْ لَسْتُمْ مِثْلَ أُولَئِكَ الْمَطْبُوعِينَ عَلَى قُلُوبِهِمْ؛ فَإِنَّهُمْ إِنَّمَا امْتَنَعُوا عَنِ الطَّاعَةِ لِأَنَّهُمْ مَا خُلِقُوا إِلَّا لِلْكُفْرِ فَمَا تَيَسَّرَ لَهُمُ الِاسْتِجَابَةُ، وَكُلٌّ مُيَسَّرٌ لِمَا خُلِقَ لَهُ، فَأَنْتُمْ لَمَّا مُنِحْتُمُ الْإِيمَانَ وَوُفِّقْتُمْ لِلطَّاعَةِ فَاسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا فِيهِ حَيَاتُكُمْ مِنْ مُجَاهَدَةِ الْكُفَّارِ وَطَلَبِ الْحَيَاةِ الْأَبَدِيَّةِ وَاغْتَنِمُوا تِلْكَ الْفُرْصَةَ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ بِأَنْ يَحُولَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْإِيمَانِ وَبَيْنَهُ وَبَيْنَ الطَّاعَةِ ثُمَّ يُجَازِيهِ فِي الْآخِرَةِ بِالنَّارِ، وَتَلْخِيصُهُ: أَوْلَيْتُكُمُ النِّعْمَةَ فَاشْكُرُوهَا وَلَا تَكْفُرُوهَا لِئَلَّا أُزِيلَهَا عَنْكُمُ اهـ.
وَلَا يَخْفَى مَا فِيهِ مِنَ التَّكْلِيفِ، وَقِيلَ: إِنَّ الْقَوْمَ لَمَّا دُعُوا إِلَى الْقِتَالِ وَالْجِهَادِ وَكَانُوا فِي غَايَةِ الضَّعْفِ وَالْقِلَّةِ خَافَتَ قُلُوبُهُمْ وَضَاقَتْ صُدُورُهُمْ فَقِيلَ لَهُمْ: قَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى إِذَا دُعِيتُمْ، وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ فَيُبَدِّلُ الْأَمْنَ خَوْفًا وَالْجُبْنَ جُرْأَةً. وَقُرِئَ: (بَيْنَ الْمَرِّ) بِتَشْدِيدِ الرَّاءِ عَلَى حَذْفِ الْهَمْزَةِ وَنَقْلِ حَرَكَتِهَا إِلَيْهَا وَإِجْرَاءِ الْوَصْلِ مَجْرَى الْوَقْفِ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24وَأَنَّهُ أَيِ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ أَوِ الشَّأْنَ
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=24إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ لَا إِلَى غَيْرِهِ فَيُجَازِيكُمْ بِحَسْبِ مَرَاتِبِ أَعْمَالِكُمُ الَّتِي لَمْ يَخْفَ عَلَيْهِ شَيْءٌ مِنْهَا فَسَارِعُوا إِلَى طَاعَتِهِ وَطَاعَةِ رَسُولِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَبَالِغُوا فِي الِاسْتِجَابَةِ، وَقِيلَ: الْمَعْنَى: أَنَّهُ تُحْشَرُونَ إِلَيْهِ تَعَالَى دُونَ غَيْرِهِ فَيُجَازِيكُمْ فَلَا تَأْلُوَا جُهْدًا فِي انْتِهَازِ الْفُرْصَةِ، أَوِ الْمَعْنَى: أَنَّهُ الْمُتَصَرِّفُ فِي قُلُوبِكُمْ فِي الدُّنْيَا وَلَا مَهْرَبَ لَكُمْ عَنْهُ فِي الْآخِرَةِ فَسَلُوا الْأَمْرَ إِلَيْهِ عَزَّ شَأْنُهُ وَلَا تُحَدِّثُوا أَنْفُسَكُمْ بِمُخَالَفَتِهِ.
وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ لَمَّا أَشَارَ فِي صَدْرِ الْآيَةِ إِلَى أَنَّ السَّعِيدَ مَنْ أَسْعَدَهُ وَالشَّقِيَّ مَنْ أَضَلَّهُ وَأَنَّ الْقُلُوبَ بِيَدِهِ يُقَلِّبُهَا كَيْفَمَا يَشَاءُ وَيَخْلُقُ فِيهَا الدَّوَاعِيَ وَالْعَقَائِدَ حَسْبَمَا يُرِيدُ خَتَمَهَا بِمَا يُفِيدُ أَنَّ الْحَشْرَ إِلَيْهِ لِيُعْلَمَ أَنَّهُ مَعَ كَوْنِ الْعِبَادِ مَجْبُورِينَ خُلِقُوا مُثَابِينَ مُعَاقَبِينَ إِمَّا لِلْجَنَّةِ وَإِمَّا لِلنَّارِ لَا يُتْرَكُونَ مُهْمَلِينَ مُعَطَّلِينَ، وَأَنْتَ تَعْلَمُ أَنَّ الْآيَةَ لَا دَلَالَةَ فِيهَا عَلَى الْجَبْرِ بِالْمَعْنَى الْمَشْهُورِ، وَلَيْسَ فِيهَا عِنْدَ مَنْ أَنْصَفَ بَعْدَ التَّأَمُّلِ أَكْثَرُ مِنَ انْتِهَاءِ الْأُمُورِ بِالْآخِرَةِ إِلَيْهِ عَزَّ شَأْنُهُ.