nindex.php?page=treesubj&link=25561_29778_30415_30507_33678_34137_34180_34188_34290_34475_34480_7856_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة إلخ ترغيب للمؤمنين في الجهاد ببيان حال المتخلفين عنه، ولا ترى كما نقل
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشهاب ترغيبا في الجهاد أحسن ولا أبلغ مما في هذه الآية لأنه أبرز في صورة عقد عاقده رب العزة جل جلاله وثمنه ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر، ولم يجعل المعقود عليه كونهم مقتولين فقط بل كونهم قاتلين أيضا لإعلاء كلمة الله تعالى ونصرة دينه سبحانه، وجعله مسجلا في الكتب السماوية وناهيك به من صك، وجعل وعده حقا ولا أحد أوفى من واعده فنسيئته أقوى من نقد غيره وأشار إلى ما فيه من الربح والفوز العظيم وهو استعارة تمثيلية
صور جهاد المؤمنين وبذل أموالهم وأنفسهم فيه وإثابة الله تعالى لهم على ذلك الجنة بالبيع والشراء وأتى بقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111يقاتلون إلخ بيانا لمكان التسليم وهو المعركة وإليه الإشارة بقوله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=886847الجنة تحت ظلال السيوف ثم أمضاه جل شأنه بقوله ذلك الفوز العظيم ومن هنا أعظم الصحابة رضي الله تعالى عنهم أمر هذه الآية، فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابن أبي حاتم nindex.php?page=showalam&ids=13508وابن مردويه عن
nindex.php?page=showalam&ids=36جابر بن عبد الله قال: نزلت هذه الآية على رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم وهو في المسجد
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى إلخ فكثر الناس في المسجد فأقبل رجل من
الأنصار ثانيا طرفي ردائه على عاتقه فقال: يا رسول الله أنزلت هذه الآية؟ قال: نعم فقال الأنصاري: بيع ربيح لا نقيل ولا نستقيل . ومن الناس من قرر وجه المبالغة بأنه سبحانه عبر عن قبوله من المؤمنين أنفسهم وأموالهم التي بذلوها في سبيله تعالى وإثابته إياهم بمقابلتها الجنة بالشراء على طريقة الاستعارة التبعية ثم جعل
[ ص: 27 ] المبيع الذي هو العمدة والمقصد في العقد أنفس المؤمنين وأموالهم والثمن الذي هو الوسيلة في الصفقة الجنة، ولم يعكس بأن يقال: إن الله باع الجنة من المؤمنين بأنفسهم وأموالهم ليدل على أن المقصد بالعقد هو الجنة وما بذله المؤمنون في مقابلتها وسيلة إليها بكمال العناية بهم وبأموالهم، ثم إنه تعالى لم يقل بالجنة بل قال عز شأنه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111بأن لهم الجنة مبالغة في تقرير وصول الثمن إليهم واختصاصه بهم كأنه قيل: بالجنة الثابتة لهم المختصة بهم ومن هنا يعلم أن هذه القراءة أبلغ من قراءة
nindex.php?page=showalam&ids=13726الأعمش ونسبت أيضا إلى
عبد الله رضي الله تعالى عنه بالجنة على أنها أوفق بسبب النزول . فقد أخرج
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير عن
nindex.php?page=showalam&ids=14980محمد بن كعب القرظي وغيره أنهم قالوا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=888252قال nindex.php?page=showalam&ids=82عبد الله بن رواحة لرسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم: اشترط لربك ولنفسك ما شئت . قال: أشترط لربي أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأشترط لنفسي أن تمنعوني مما تمنعون منه أنفسكم وأموالكم . قالوا: فما لنا؟ قال: الجنة . قالوا: ربح البيع لا نقيل ولا نستقيل . فنزلت: إن الله اشترى الآية
وقيل: عبر بذلك مدحا للمؤمنين بأنهم بذلوا أنفسهم وأموالهم بمجرد الوعد لكمال ثقتهم بوعده تعالى مع أن تمام الاستعارة موقوف على ذلك إذ لو قيل بالجنة لاحتمل كون الشراء على حقيقته لأنها صالحة للعوضية بخلاف الوعد بها واعترض بأن مناط دلالة ما عليه النظم الجليل على الوعد ليس كونه جملة ظرفية مصدرة بأن فإن ذلك بمعزل من الدلالة على الاستقبال بل هو الجنة التي يستحيل وجودها في عالم الدنيا ولو سلم ذلك بكون العوض الجنة الموعود بها لا نفس الوعد بها على أن حديث احتمال كون الشراء حقيقة لو قيل بالجنة يخلو عن نظر كما قيل لأن حقيقة الشراء مما لا يصح منه تعالى لأنه جل شأنه مالك الكل والشراء إنما يكون ممن لا يملك، ولهذا قال الفقهاء: طلب الشراء يبطل دعوى الملكية نعم قد لا يبطل في بعض الصور كما إذا اشترى الأب دارا لطفله من نفسه فكبر الطفل ولم يعلم ثم باعها الأب وسلمها للمشتري ثم طلب الابن شراءها منه ثم علم بما صنع أبوه فادعى الدار فإنه تقبل دعواه ولا يبطلها ذلك الطلب كما يقتضيه كلام
الأستروشني لكن هذا لا يضرنا فيما نحن فيه . ومن المحققين من وجه دلالة ما في النظم الكريم على الوعد بأنه يقتضي بصريحه عدم التسليم وهو عين الوعد لأنك إذا قلت: اشتريت منك كذا بكذا احتمل النقد بخلاف ما إذا قلت: بأن لك كذا فإنه في معنى لك علي كذا وفي ذمتي واللام هنا ليست للملك إذ لا يناسب شراء ملكه بملكه كالممهورة إحدى خدمتيها فهي للاستحقاق وفيه إشعار بعدم القبض، وأما كون تمام الاستعارة موقوفا على ذلك فله وجه أيضا حيث كان المراد بالاستعارة الاستعارة التمثيلية إذ لولاه لصح جعل الشراء مجازا عن الاستبدال مثلا وهو مما لا ينبغي الالتفات إليه مع تأتي التمثيل من البلاغة واللطائف على ما لا يخفى لكن أنت خبير بأن الكلام بعد لا يخلو عن بحث، ومما أشرنا إليه من فضيلة التمثيل يعلم انحطاط القول باعتبار الاستعارة أو المجاز المرسل في
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111اشترى وحده كما ذهب إليه البعض، وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111يقاتلون في سبيل الله قيل: بيان لمكان التسليم كما أشير إليه فيما تقدم، وذلك لأن البيع سلم كما قال
الطيبي وغيره وقيل: بيان لما لأجله الشراء كأنه لما قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إن الله اشترى إلخ قيل: لماذا فعل ذلك؟ فقيل: ليقاتلوا في سبيله تعالى وقيل: بيان للبيع الذي يستدعيه الاشتراء المذكور كأنه قيل: كيف يبيعون أنفسهم وأموالهم بالجنة؟ فقيل: يقاتلون في سبيله عز شأنه وذلك بذل منهم لأنفسهم وأموالهم إلى جهته تعالى وتعريض لهما للهلاك .
[ ص: 28 ] وقيل: بيان لنفس الاشتراء وقيل: ذكر لبعض ما شمله الكلام السابق اهتماما به على أن معنى ذلك أنه تعالى اشترى من المؤمنين أنفسهم بصرفها في العمل الصالح وأموالهم ببذلها فيما يرضيه وهو في جميع ذلك خبر لفظا ومعنى ولا محل له من الإعراب . وقيل: إنه في معنى الأمر كقوله سبحانه: (وتجاهدون بأموالكم وأنفسكم) ووجه ذلك بأنه أتى بالمضارع بعد الماضي لإفادة الاستمرار كأنه قيل: اشتريت منكم أنفسكم في الأزل وأعطيت ثمنها الجنة فسلموا المبيع واستمروا على القتال، ولا يخفى ما في بعض هذه الأقوال من النظر . وانظر هل ثم مانع من جعل الجملة في موضع الحال كأنه قيل: اشترى منهم ذلك حال كونهم مقاتلين في سبيله فإني لم أقف على من صرح بذلك مع أنه أوفق الأوجه بالاستعارة التمثيلية، تأمل .
وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فيقتلون ويقتلون بيان لكون القتال في سبيل الله تعالى بذلا للنفس وأن المقاتل في سبيله تعالى باذل لها وإن كانت سالمة غانمة، فإن الإسناد في الفعلين ليس بطريق اشتراط الجمع بينهما ولا اشتراط الاتصاف بأحدهما البتة بل بطريق وصف الكل بحال البعض، فإنه يتحقق القتال من الكل سواء وجد الفعلان أو أحدهما منهم أو من بعضهم بل يتحقق ذلك وإن لم يصدر منهم أحدهما أيضا، كما إذا وجد المضاربة ولم يوجد القتل من أحد الجانبين، ويفهم كلام بعضهم أنه يتحقق الجهاد بمجرد العزيمة والنفير وتكثير السواد وإن لم توجد مضاربة وليس بالبعيد لما أن في ذلك تعريض النفس للهلاك أيضا، والظاهر أن أجور المجاهدين مختلفة قلة وكثرة وإن كان هناك قدر مشترك بينهم . ففي صحيح
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم قال رسول الله صلى الله تعالى عليه وسلم:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660536ما من غازية تغزو في سبيل الله فيصيبون الغنيمة إلا تعجلوا ثلثي أجرهم من الآخرة، ويبقى لهم الثلث، وإن لم يصيبوا غنيمة تم لهم أجرهم . وفي رواية أخرى:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660537ما من غازية أو سرية تغزو وتسلم إلا كانوا قد تعجلوا ثلثي أجورهم، وما من غازية أو سرية تحنق وتصاب إلا أتم أجورهم . وزعم بعضهم أنهم في الأجر سواء ولا ينقص أجرهم بالغنيمة، واستدلوا عليه بما في الصحيحين من أن المجاهد يرجع بما نال من أجر وغنيمة، وبأن أهل
بدر غنموا وهم هم ويرد عليه أن خبر الصحيحين مطلق وخبر
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم مقيد فيجب حمله عليه، وبأنه لم يجئ نص في أهل
بدر أنهم لو لم يغنموا لكان أجرهم على قدر أجرهم وقد غنموا فقط، وكونهم هم هم لا يلزم منه أن لا يكون وراء مرتبتهم مرتبة أخرى أفضل منها، والقول بأن في السند
أبا هانئ وهو مجهول فلا يعول على خبره غلط فاحش فإنه ثقة مشهور روى عنه
الليث بن سعد وحيوة وابن وهب وخلائق من الأئمة ويكفي في توثيقه احتجاج
nindex.php?page=showalam&ids=17080مسلم به في صحيحه، ومثل هذا ما حكاه
القاضي عن بعضهم من أن تعجل ثلثي الأجر إنما هو في غنيمة أخذت على غير وجهها إذ لو كانت كذلك لم يكن ثلث الأجر، وكذا ما قيل: من أن الحديث محمول على من خرج بنية الغزو والغنيمة معا فإن ذلك ينقص ثوابه لا محالة، فالصواب أن أجر من لم يغنم أكثر من أجر من غنم لصريح ما ذكرناه الموافق لصرائح الأحاديث الصحيحة المشهورة عن الصحابة رضي الله تعالى عنهم . ويعلم من ذلك أن أجر من قتل أكثر من أجر من قتل لكون الأول من الشهداء دون الثاني، وظاهر ما أخرجه مسلم من رواية
nindex.php?page=showalam&ids=3أبي هريرة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=888494من قتل في سبيل الله تعالى فهو شهيد، ومن مات في سبيل الله تعالى فهو شهيد . أن
nindex.php?page=treesubj&link=25561القتل في سبيل الله تعالى والموت فيها سواء في الأجر وهو الموافق لمعنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=100ومن يخرج من بيته مهاجرا إلى الله ورسوله ثم يدركه الموت فقد وقع أجره على الله واستدل له أيضا بعض
[ ص: 29 ] العلماء بغير ذلك مما لا دلالة فيه عليه كما نص عليه
النووي رحمه الله تعالى، وتقديم حالة القاتلية في الآية على حالة المقتولية للإيذان بعدم الفرق بينهما في كونهما مصداقا لكون القتال بذلا للنفس، وقرأ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي بتقديم المبني للمفعول رعاية لكون الشهادة عريقة في هذا الباب إيذانا بعدم مبالاتهم بالموت في سبيل الله تعالى بل بكونه أحب إليهم من السلامة كما قال
كعب بن زهير في حقهم:
لا يفرحون إذا نالت رماحهم قوما وليسوا مجازيعا إذا نيلوا لا يقع الطعن إلا في نحورهم
وما لهم عن حياض الموت تهليل
وفيه على ما قيل دلالة على جراءتهم حيث لم ينكسروا لأن قتل بعضهم، ومن الناس من دفع السؤال بعدم مراعاة الترتيب في هذه القراءة بأن الواو لا تقتضيه، وتعقب بأن ذلك لا يجدي لأن تقديم ما حقه التأخير في أبلغ الكلام لا يكون بسلامة الأمير كما لا يخفى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وعدا عليه مصدر مؤكد لمضمون الجملة لأن معنى الشراء بأن لهم الجنة وعد لهم بها على الجهاد في سبيله سبحانه وقوله تعالى: (حقا) نعت له و (عليه) في موضع الحال من
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111حقا لتقدمه عليه: وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111في التوراة والإنجيل والقرآن متعلق بمحذوف وقع نعتا لوعدا أيضا أي وعدا مثبتا في التوراة والإنجيل كما هو مثبت في القرآن فالمراد إلحاق ما لا يعرف بما يعرف إذ من المعلوم ثبوت هذا الحكم في القرآن ثم إن ما في الكتابين إما أن يكون أن أمة
محمد صلى الله تعالى عليه وسلم اشترى الله تعالى منهم أنفسهم وأموالهم بذلك أو أن من جاهد بنفسه وماله له ذلك وفي كلا الأمرين ثبوت موافق لما في القرآن، وجوز تعلق الجار باشترى ووعدا وحقا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111ومن أوفى بعهده من الله اعتراض مقرر لمضمون ما قبله من حقيقة الوعد والمقصود من مثل هذا التركيب عرفا نفي المساواة أي لا أحد مثله تعالى في الوفاء بعهده وهذا كما يقال: ليس في
المدينة أفقه من فلان فإنه يفيد عرفا أنه أفقه أهلها، ولا يخفى ما في جعل الوعد عهدا وميثاقا من الاعتناء بشأنه
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فاستبشروا التفات إلى خطابهم لزيادة التشريف والاستبشار إظهار لسرورهم وليست السين فيه للطلب والفاء لترتيبه أو ترتيب الأمر به على ما قبله أي فإذا كان كذلك فأظهروا السرور بما فزتم به من الجنة، وإنما قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111ببيعكم مع أن الابتهاج به باعتبار أدائه إلى الجنة لأن المراد ترغيبهم في الجهاد الذي عبر عنه بالبيع ولم يذكر العقد بعنوان الشراء لأن ذلك من قبله سبحانه لا من قبلهم والترغيب على ما قيل إنما يتم فيما هو من قبلهم وقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111الذي بايعتم به لزيادة تقرير بيعهم وللإشعار بتميزه على غيره فإنه بيع الفاني بالباقي ولأن كلا البدلين له سبحانه وتعالى ومن هنا كان
nindex.php?page=showalam&ids=14102الحسن إذا قرأ الآية يقول: أنفس هو خلقها وأموال هو رزقها
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وذلك أي البيع الذي أمرتم به
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111هو الفوز العظيم 111 الذي لا فوز أعظم منه وما في ذلك من البعد إشارة إلى بعد منزلة المشار إليه وسمو رتبته في الكمال والجملة تذليل مقرر لمضمون الأمر السابق، ويجوز أن يكون تذليلا للآية الكريمة، والإشارة إلى الجنة التي جعلت ثمنا بمقابلة ما بذلوا من أنفسهم وأموالهم، وفي ذلك إعظام للثمن ومنه يعلم حال المثمن ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=13721الأصمعي أنه أنشد للصادق رضي الله تعالى عنه:
[ ص: 30 ] أثامن بالنفس النفيسة ربها فليس لها في الخلق كلهم
ثمن بها أشتري الجنات إن أنا بعتها بشيء سواها إن ذلكم غبن
إذا ذهبت نفسي بدنيا أصبتها فقد ذهبت مني وقد ذهب الثم
ن والمشهور عنه - رضي الله تعالى عنه - أنه قال: ليس لأبدانكم ثمن إلا الجنة فلا تبيعوها إلا بها، وهو ظاهر في أن المبيع هو الأبدان وبذلك صرح بعض الفضلاء في حواشيه على تفسير
nindex.php?page=showalam&ids=13926البيضاوي حيث قال: إن الله تعالى اشترى من المؤمن الذي هو عبارة عن الجوهر الباقي بدنه الذي هو مركبه وآلته والظاهر أنه أراد بالجوهر الباقي الجوهر المجرد المخصوص وهو النفس الناطقة، ولا يخفى أن جمهور المتكلمين على نفي المجردات وإنكار النفس الناطقة وأن الإنسان هو هذا الهيكل المحسوس وبذلك أبطل بعض أجلة المتأخرين من أفاضل المعاصرين القول بخلق الأفعال لما يلزم عليه من كون الفاعل والقابل واحدا، وقد قالوا: بامتناع اتحادهما والإنصاف إثبات شيء مغاير للبدن والهيكل المحسوس في الإنسان، والمبيع إما ذاك ومعنى بيعه تعريضه للمهالك والخروج عن التعلق الخاص بالبدن، وإما البدن ومعنى بيعه ظاهر إلا أنه ربما يدعي أن المتبادر من النفس غير ذلك كما لا يخفى على ذوي النفوس الزكية
nindex.php?page=treesubj&link=25561_29778_30415_30507_33678_34137_34180_34188_34290_34475_34480_7856_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ إِلَخْ تَرْغِيبٌ لِلْمُؤْمِنِينَ فِي الْجِهَادِ بِبَيَانِ حَالِ الْمُتَخَلِّفِينَ عَنْهُ، وَلَا تَرَى كَمَا نَقَلَ
nindex.php?page=showalam&ids=14589الشِّهَابُ تَرْغِيبًا فِي الْجِهَادِ أَحْسَنَ وَلَا أَبْلَغَ مِمَّا فِي هَذِهِ الْآيَةِ لِأَنَّهُ أُبْرِزَ فِي صُورَةِ عَقْدٍ عَاقِدُهُ رَبُّ الْعِزَّةِ جَلَّ جَلَالُهُ وَثَمَنُهُ مَا لَا عَيْنٌ رَأَتْ وَلَا أُذُنٌ سَمِعَتْ وَلَا خَطَرَ عَلَى قَلْبِ بَشَرٍ، وَلَمْ يَجْعَلِ الْمَعْقُودُ عَلَيْهِ كَوْنَهُمْ مَقْتُولِينَ فَقَطْ بَلْ كُونُهُمْ قَاتِلِينَ أَيْضًا لِإِعْلَاءِ كَلِمَةِ اللَّهِ تَعَالَى وَنُصْرَةِ دِينِهِ سُبْحَانَهُ، وَجَعَلَهُ مُسَجَّلًا فِي الْكُتُبِ السَّمَاوِيَّةِ وَنَاهِيكَ بِهِ مِنْ صَكٍّ، وَجَعَلَ وَعْدَهُ حَقًّا وَلَا أَحَدَ أَوْفَى مِنْ وَاعِدِهِ فَنَسِيئَتُهُ أَقْوَى مِنْ نَقْدِ غَيْرِهِ وَأَشَارَ إِلَى مَا فِيهِ مِنَ الرِّبْحِ وَالْفَوْزِ الْعَظِيمِ وَهُوَ اسْتِعَارَةٌ تَمْثِيلِيَّةٌ
صَوَّرَ جِهَادَ الْمُؤْمِنِينَ وَبَذْلَ أَمْوَالِهِمْ وَأَنْفُسِهِمْ فِيهِ وَإِثَابَةَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ عَلَى ذَلِكَ الْجَنَّةَ بِالْبَيْعِ وَالشِّرَاءِ وَأَتَى بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111يُقَاتِلُونَ إِلَخْ بَيَانًا لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ وَهُوَ الْمَعْرَكَةُ وَإِلَيْهِ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=886847الْجَنَّةُ تَحْتَ ظِلَالِ السُّيُوفِ ثُمَّ أَمْضَاهُ جَلَّ شَأْنُهُ بِقَوْلِهِ ذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ وَمِنْ هُنَا أَعْظَمَ الصَّحَابَةُ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ أَمْرَ هَذِهِ الْآيَةِ، فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=11970ابْنُ أَبِي حَاتِمٍ nindex.php?page=showalam&ids=13508وَابْنُ مَرْدَوَيْهِ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=36جَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ قَالَ: نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي الْمَسْجِدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى إِلَخْ فَكَثُرَ النَّاسُ فِي الْمَسْجِدِ فَأَقْبَلَ رَجُلٌ مِنَ
الْأَنْصَارِ ثَانِيًا طَرَفَيْ رِدَائِهِ عَلَى عَاتِقِهِ فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ أَنْزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ؟ قَالَ: نَعَمْ فَقَالَ الْأَنْصَارِيُّ: بَيْعٌ رَبِيحٌ لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ . وَمِنَ النَّاسِ مَنْ قَرَّرَ وَجْهَ الْمُبَالَغَةِ بِأَنَّهُ سُبْحَانَهُ عَبَّرَ عَنْ قَبُولِهِ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمُ الَّتِي بَذَلُوهَا فِي سَبِيلِهِ تَعَالَى وَإِثَابَتِهِ إِيَّاهُمْ بِمُقَابَلَتِهَا الْجَنَّةَ بِالشِّرَاءِ عَلَى طَرِيقَةِ الِاسْتِعَارَةِ التَّبَعِيَّةِ ثُمَّ جَعَلَ
[ ص: 27 ] الْمَبِيعَ الَّذِي هُوَ الْعُمْدَةُ وَالْمَقْصِدُ فِي الْعَقْدِ أَنْفُسَ الْمُؤْمِنِينَ وَأَمْوَالَهُمْ وَالثَّمَنَ الَّذِي هُوَ الْوَسِيلَةُ فِي الصَّفْقَةِ الْجَنَّةَ، وَلَمْ يَعْكِسْ بِأَنْ يُقَالَ: إِنَّ الَّلَهَ بَاعَ الْجَنَّةَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ بِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ لِيَدُلَّ عَلَى أَنَّ الْمَقْصِدَ بِالْعَقْدِ هُوَ الْجَنَّةُ وَمَا بَذَلَهُ الْمُؤْمِنُونَ فِي مُقَابَلَتِهَا وَسِيلَةٌ إِلَيْهَا بِكَمَالِ الْعِنَايَةِ بِهِمْ وَبِأَمْوَالِهِمْ، ثُمَّ إِنَّهُ تَعَالَى لَمْ يَقُلْ بِالْجَنَّةِ بَلْ قَالَ عَزَّ شَأْنُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ مُبَالَغَةً فِي تَقْرِيرِ وُصُولِ الثَّمَنِ إِلَيْهِمْ وَاخْتِصَاصِهِ بِهِمْ كَأَنَّهُ قِيلَ: بِالْجَنَّةِ الثَّابِتَةِ لَهُمُ الْمُخْتَصَّةِ بِهِمْ وَمِنْ هُنَا يُعْلَمُ أَنَّ هَذِهِ الْقِرَاءَةَ أَبْلَغُ مِنْ قِرَاءَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=13726الْأَعْمَشِ وَنُسِبَتْ أَيْضًا إِلَى
عَبْدِ اللَّهِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ بِالْجَنَّةِ عَلَى أَنَّهَا أَوْفَقُ بِسَبَبِ النُّزُولِ . فَقَدْ أَخْرَجَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=14980مُحَمَّدِ بْنِ كَعْبٍ الْقُرَظِيِّ وَغَيْرِهِ أَنَّهُمْ قَالُوا:
nindex.php?page=hadith&LINKID=888252قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=82عَبْدُ اللَّهِ بْنُ رَوَاحَةَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: اشْتَرِطْ لِرَبِّكَ وَلِنَفْسِكَ مَا شِئْتَ . قَالَ: أَشْتَرِطُ لِرَبِّي أَنْ تَعْبُدُوهُ وَلَا تُشْرِكُوا بِهِ شَيْئًا وَأَشْتَرِطُ لِنَفْسِي أَنْ تَمْنَعُونِي مِمَّا تَمْنَعُونَ مِنْهُ أَنْفُسَكُمْ وَأَمْوَالَكُمْ . قَالُوا: فَمَا لَنَا؟ قَالَ: الْجَنَّةُ . قَالُوا: رَبِحَ الْبَيْعُ لَا نُقِيلُ وَلَا نَسْتَقِيلُ . فَنَزَلَتْ: إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى الْآيَةَ
وَقِيلَ: عَبَّرَ بِذَلِكَ مَدْحًا لِلْمُؤْمِنِينَ بِأَنَّهُمْ بَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِمُجَرَّدِ الْوَعْدِ لِكَمَالِ ثِقَتِهِمْ بِوَعْدِهِ تَعَالَى مَعَ أَنَّ تَمَامَ الِاسْتِعَارَةِ مَوْقُوفٌ عَلَى ذَلِكَ إِذْ لَوْ قِيلَ بِالْجَنَّةِ لَاحْتَمَلَ كَوْنَ الشِّرَاءِ عَلَى حَقِيقَتِهِ لِأَنَّهَا صَالِحَةٌ لِلْعِوَضِيَّةِ بِخِلَافِ الْوَعْدِ بِهَا وَاعْتُرِضَ بِأَنَّ مَنَاطَ دَلَالَةِ مَا عَلَيْهِ النَّظْمُ الْجَلِيلُ عَلَى الْوَعْدِ لَيْسَ كَوْنَهُ جُمْلَةً ظَرْفِيَّةً مُصَدَّرَةً بِأَنْ فَإِنَّ ذَلِكَ بِمَعْزِلٍ مِنَ الدَّلَالَةِ عَلَى الِاسْتِقْبَالِ بَلْ هُوَ الْجَنَّةُ الَّتِي يَسْتَحِيلُ وُجُودُهَا فِي عَالَمِ الدُّنْيَا وَلَوْ سَلِمَ ذَلِكَ بِكَوْنِ الْعِوَضِ الْجَنَّةَ الْمَوْعُودَ بِهَا لَا نَفْسَ الْوَعْدِ بِهَا عَلَى أَنَّ حَدِيثَ احْتِمَالِ كَوْنِ الشِّرَاءِ حَقِيقَةً لَوْ قِيلَ بِالْجَنَّةِ يَخْلُو عَنْ نَظَرٍ كَمَا قِيلَ لِأَنَّ حَقِيقَةَ الشِّرَاءِ مِمَّا لَا يَصِحُّ مِنْهُ تَعَالَى لِأَنَّهُ جَلَّ شَأْنُهُ مَالِكُ الْكُلِّ وَالشِّرَاءُ إِنَّمَا يَكُونُ مِمَّنْ لَا يَمْلِكُ، وَلِهَذَا قَالَ الْفُقَهَاءُ: طَلَبُ الشِّرَاءِ يُبْطِلُ دَعْوَى الْمِلْكِيَّةِ نَعَمْ قَدْ لَا يُبْطِلُ فِي بَعْضِ الصُّوَرِ كَمَا إِذَا اشْتَرَى الْأَبُ دَارًا لِطِفْلِهِ مِنْ نَفْسِهِ فَكَبِرَ الطِّفْلُ وَلَمْ يَعْلَمْ ثُمَّ بَاعَهَا الْأَبُ وَسَلَّمَهَا لِلْمُشْتَرِي ثُمَّ طَلَبَ الِابْنُ شِرَاءَهَا مِنْهُ ثُمَّ عَلِمَ بِمَا صَنَعَ أَبُوهُ فَادَّعَى الدَّارَ فَإِنَّهُ تُقْبَلُ دَعْوَاهُ وَلَا يُبْطِلُهَا ذَلِكَ الطَّلَبُ كَمَا يَقْتَضِيهِ كَلَامُ
الْأَسْتُرُوشْنِيِّ لَكِنَّ هَذَا لَا يَضُرُّنَا فِيمَا نَحْنُ فِيهِ . وَمِنَ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ وَجْهِ دَلَالَةِ مَا فِي النَّظْمِ الْكَرِيمِ عَلَى الْوَعْدِ بِأَنَّهُ يَقْتَضِي بِصَرِيحِهِ عَدَمَ التَّسْلِيمِ وَهُوَ عَيْنُ الْوَعْدِ لِأَنَّكَ إِذَا قُلْتَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكَ كَذَا بِكَذَا احْتَمَلَ النَّقْدَ بِخِلَافِ مَا إِذَا قُلْتَ: بِأَنَّ لَكَ كَذَا فَإِنَّهُ فِي مَعْنَى لَكَ عَلَيَّ كَذَا وَفِي ذِمَّتِي وَاللَّامُ هُنَا لَيْسَتْ لِلْمِلْكِ إِذْ لَا يُنَاسِبُ شِرَاءَ مِلْكِهِ بِمِلْكِهِ كَالْمَمْهُورَةِ إِحْدَى خَدَمَتَيْهَا فَهِيَ لِلِاسْتِحْقَاقِ وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِعَدَمِ الْقَبْضِ، وَأَمَّا كَوْنُ تَمَامِ الِاسْتِعَارَةِ مَوْقُوفًا عَلَى ذَلِكَ فَلَهُ وَجْهٌ أَيْضًا حَيْثُ كَانَ الْمُرَادُ بِالِاسْتِعَارَةِ الِاسْتِعَارَةَ التَّمْثِيلِيَّةَ إِذْ لَوْلَاهُ لَصَحَّ جَعْلُ الشِّرَاءِ مَجَازًا عَنِ الِاسْتِبْدَالِ مَثَلًا وَهُوَ مِمَّا لَا يَنْبَغِي الِالْتِفَاتُ إِلَيْهِ مَعَ تَأَتِّي التَّمْثِيلِ مِنَ الْبَلَاغَةِ وَاللَّطَائِفِ عَلَى مَا لَا يَخْفَى لَكِنْ أَنْتَ خَبِيرٌ بِأَنَّ الْكَلَامَ بَعْدُ لَا يَخْلُو عَنْ بَحْثٍ، وَمِمَّا أَشَرْنَا إِلَيْهِ مِنْ فَضِيلَةِ التَّمْثِيلِ يُعْلَمُ انْحِطَاطُ الْقَوْلِ بِاعْتِبَارِ الِاسْتِعَارَةِ أَوِ الْمَجَازِ الْمُرْسَلِ فِي
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111اشْتَرَى وَحْدَهُ كَمَا ذَهَبَ إِلَيْهِ الْبَعْضُ، وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ قِيلَ: بَيَانٌ لِمَكَانِ التَّسْلِيمِ كَمَا أُشِيرَ إِلَيْهِ فِيمَا تَقَدَّمَ، وَذَلِكَ لِأَنَّ الْبَيْعَ سَلِمَ كَمَا قَالَ
الطِّيبِيُّ وَغَيْرُهُ وَقِيلَ: بَيَانٌ لِمَا لِأَجْلِهِ الشِّرَاءُ كَأَنَّهُ لَمَّا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111إِنَّ اللَّهَ اشْتَرَى إِلَخْ قِيلَ: لِمَاذَا فَعَلَ ذَلِكَ؟ فَقِيلَ: لِيُقَاتِلُوا فِي سَبِيلِهِ تَعَالَى وَقِيلَ: بَيَانٌ لِلْبَيْعِ الَّذِي يَسْتَدْعِيهِ الِاشْتِرَاءُ الْمَذْكُورُ كَأَنَّهُ قِيلَ: كَيْفَ يَبِيعُونَ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِالْجَنَّةِ؟ فَقِيلَ: يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِهِ عَزَّ شَأْنُهُ وَذَلِكَ بَذْلٌ مِنْهُمْ لِأَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ إِلَى جِهَتِهِ تَعَالَى وَتَعْرِيضٌ لَهُمَا لِلْهَلَاكِ .
[ ص: 28 ] وَقِيلَ: بَيَانٌ لِنَفْسِ الِاشْتِرَاءِ وَقِيلَ: ذِكْرٌ لِبَعْضِ مَا شَمِلَهُ الْكَلَامُ السَّابِقُ اهْتِمَامًا بِهِ عَلَى أَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ أَنَّهُ تَعَالَى اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِينَ أَنْفُسَهُمْ بِصَرْفِهَا فِي الْعَمَلِ الصَّالِحِ وَأَمْوَالَهُمْ بِبَذْلِهَا فِيمَا يُرْضِيهِ وَهُوَ فِي جَمِيعِ ذَلِكَ خَبَرٌ لَفْظًا وَمَعْنًى وَلَا مَحَلَّ لَهُ مِنَ الْإِعْرَابِ . وَقِيلَ: إِنَّهُ فِي مَعْنَى الْأَمْرِ كَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ: (وتُجَاهِدُونَ بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنْفُسِكُمْ) وَوَجَّهَ ذَلِكَ بِأَنَّهُ أَتَى بِالْمُضَارِعِ بَعْدَ الْمَاضِي لِإِفَادَةِ الِاسْتِمْرَارِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اشْتَرَيْتُ مِنْكُمْ أَنْفُسَكُمْ فِي الْأَزَلِ وَأَعْطَيْتُ ثَمَنَهَا الْجَنَّةَ فَسَلِّمُوا الْمَبِيعَ وَاسْتَمِرُّوا عَلَى الْقِتَالِ، وَلَا يَخْفَى مَا فِي بَعْضِ هَذِهِ الْأَقْوَالِ مِنَ النَّظَرِ . وَانْظُرْ هَلْ ثَمَّ مَانِعٌ مِنْ جَعْلِ الْجُمْلَةِ فِي مَوْضِعِ الْحَالِ كَأَنَّهُ قِيلَ: اشْتَرَى مِنْهُمْ ذَلِكَ حَالَ كَوْنِهِمْ مُقَاتِلِينَ فِي سَبِيلِهِ فَإِنِّي لَمْ أَقِفْ عَلَى مَنْ صَرَّحَ بِذَلِكَ مَعَ أَنَّهُ أَوْفَقُ الْأَوْجُهِ بِالِاسْتِعَارَةِ التَّمْثِيلِيَّةِ، تَأَمَّلْ .
وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فَيَقْتُلُونَ وَيُقْتَلُونَ بَيَانٌ لِكَوْنِ الْقِتَالِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بَذْلًا لِلنَّفْسِ وَأَنَّ الْمُقَاتِلَ فِي سَبِيلِهِ تَعَالَى بَاذِلٌ لَهَا وَإِنْ كَانَتْ سَالِمَةً غَانِمَةً، فَإِنَّ الْإِسْنَادَ فِي الْفِعْلَيْنِ لَيْسَ بِطَرِيقِ اشْتِرَاطِ الْجَمْعِ بَيْنَهُمَا وَلَا اشْتِرَاطِ الِاتِّصَافِ بِأَحَدِهِمَا الْبَتَّةَ بَلْ بِطَرِيقِ وَصْفِ الْكُلِّ بِحَالِ الْبَعْضِ، فَإِنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْقِتَالُ مِنَ الْكُلِّ سَوَاءٌ وُجِدَ الْفِعْلَانِ أَوْ أَحَدُهُمَا مِنْهُمْ أَوْ مِنْ بَعْضِهِمْ بَلْ يَتَحَقَّقُ ذَلِكَ وَإِنْ لَمْ يَصْدُرْ مِنْهُمْ أَحَدُهُمَا أَيْضًا، كَمَا إِذَا وَجَدَ الْمُضَارَبَةَ وَلَمْ يُوجَدِ الْقَتْلُ مِنْ أَحَدِ الْجَانِبَيْنِ، وَيُفْهَمُ كَلَامُ بَعْضِهِمْ أَنَّهُ يَتَحَقَّقُ الْجِهَادُ بِمُجَرَّدِ الْعَزِيمَةِ وَالنَّفِيرِ وَتَكْثِيرِ السَّوَادِ وَإِنْ لَمْ تُوجَدْ مُضَارَبَةٌ وَلَيْسَ بِالْبَعِيدِ لِمَا أَنَّ فِي ذَلِكَ تَعْرِيضَ النَّفْسِ لِلْهَلَاكِ أَيْضًا، وَالظَّاهِرُ أَنَّ أُجُورَ الْمُجَاهِدِينَ مُخْتَلِفَةٌ قِلَّةً وَكَثْرَةً وَإِنْ كَانَ هُنَاكَ قَدْرٌ مُشْتَرَكٌ بَيْنَهُمْ . فَفِي صَحِيحِ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660536مَا مِنْ غَازِيَةٍ تَغْزُو فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَيُصِيبُونَ الْغَنِيمَةَ إِلَّا تَعَجَّلُوا ثُلْثَيْ أَجْرِهِمْ مِنَ الْآخِرَةِ، وَيَبْقَى لَهُمُ الثُّلُثُ، وَإِنْ لَمْ يُصِيبُوا غَنِيمَةً تَمَّ لَهُمْ أَجْرُهُمْ . وَفِي رِوَايَةٍ أُخْرَى:
nindex.php?page=hadith&LINKID=660537مَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تَغْزُو وَتَسْلَمُ إِلَّا كَانُوا قَدْ تَعَجَّلُوا ثُلْثَيْ أُجُورِهِمْ، وَمَا مِنْ غَازِيَةٍ أَوْ سَرِيَّةٍ تُحْنَقُ وَتُصَابُ إِلَّا أَتَمَّ أُجُورَهُمْ . وَزَعَمَ بَعْضُهُمْ أَنَّهُمْ فِي الْأَجْرِ سَوَاءٌ وَلَا يَنْقُصُ أَجْرُهُمْ بِالْغَنِيمَةِ، وَاسْتَدَلُّوا عَلَيْهِ بِمَا فِي الصَّحِيحَيْنِ مِنْ أَنَّ الْمُجَاهِدَ يَرْجِعُ بِمَا نَالَ مِنْ أَجْرٍ وَغَنِيمَةٍ، وَبِأَنْ أَهْلَ
بَدْرٍ غَنِمُوا وَهُمْ هُمْ وَيَرُدُّ عَلَيْهِ أَنَّ خَبَرَ الصَّحِيحَيْنِ مُطْلَقٌ وَخَبَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ مُقَيَّدٌ فَيَجِبُ حَمْلُهُ عَلَيْهِ، وَبِأَنَّهُ لِمَ يَجِئْ نَصٌّ فِي أَهْلِ
بَدْرٍ أَنَّهُمْ لَوْ لَمْ يَغْنَمُوا لَكَانَ أَجْرُهُمْ عَلَى قَدْرِ أَجْرِهِمْ وَقَدْ غَنِمُوا فَقَطْ، وَكَوْنُهُمْ هُمْ هُمْ لَا يَلْزَمُ مِنْهُ أَنْ لَا يَكُونَ وَرَاءَ مَرْتَبَتِهِمْ مَرْتَبَةٌ أُخْرَى أَفْضَلُ مِنْهَا، وَالْقَوْلُ بِأَنَّ فِي السَّنَدِ
أَبَا هَانِئٍ وَهُوَ مَجْهُولٌ فَلَا يُعَوَّلُ عَلَى خَبَرِهِ غَلَطٌ فَاحِشٌ فَإِنَّهُ ثِقَةٌ مَشْهُورٌ رَوَى عَنْهُ
اللَّيْثُ بْنُ سَعْدٍ وَحَيْوَةُ وَابْنُ وَهْبٍ وَخَلَائِقُ مِنَ الْأَئِمَّةِ وَيَكْفِي فِي تَوْثِيقِهِ احْتِجَاجُ
nindex.php?page=showalam&ids=17080مُسْلِمٍ بِهِ فِي صَحِيحِهِ، وَمِثْلَ هَذَا مَا حَكَاهُ
الْقَاضِي عَنْ بَعْضِهِمْ مِنْ أَنَّ تَعَجُّلَ ثُلْثَيِ الْأَجْرِ إِنَّمَا هُوَ فِي غَنِيمَةٍ أُخِذَتْ عَلَى غَيْرِ وَجْهِهَا إِذْ لَوْ كَانَتْ كَذَلِكَ لَمْ يَكُنْ ثُلُثُ الْأَجْرِ، وَكَذَا مَا قِيلَ: مِنْ أَنَّ الْحَدِيثَ مَحْمُولٌ عَلَى مَنْ خَرَجَ بِنِيَّةِ الْغَزْوِ وَالْغَنِيمَةِ مَعًا فَإِنَّ ذَلِكَ يَنْقُصُ ثَوَابَهُ لَا مَحَالَةَ، فَالصَّوَابُ أَنَّ أَجْرَ مَنْ لَمْ يَغْنَمْ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ مَنْ غَنِمَ لِصَرِيحِ مَا ذَكَرْنَاهُ الْمُوَافِقِ لِصَرَائِحِ الْأَحَادِيثِ الصَّحِيحَةِ الْمَشْهُورَةِ عَنِ الصَّحَابَةِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ . وَيُعْلَمُ مِنْ ذَلِكَ أَنَّ أَجْرَ مَنْ قُتِلَ أَكْثَرُ مِنْ أَجْرِ مَنْ قَتَلَ لِكَوْنِ الْأَوَّلِ مِنَ الشُّهَدَاءِ دُونَ الثَّانِي، وَظَاهِرُ مَا أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ مِنْ رِوَايَةِ
nindex.php?page=showalam&ids=3أَبِي هُرَيْرَةَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=888494مَنْ قُتِلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ شَهِيدٌ، وَمَنْ مَاتَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى فَهُوَ شَهِيدٌ . أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=25561الْقَتْلَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْمَوْتَ فِيهَا سَوَاءٌ فِي الْأَجْرِ وَهُوَ الْمُوَافِقُ لِمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=100وَمَنْ يَخْرُجْ مِنْ بَيْتِهِ مُهَاجِرًا إِلَى اللَّهِ وَرَسُولِهِ ثُمَّ يُدْرِكْهُ الْمَوْتُ فَقَدْ وَقَعَ أَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ وَاسْتَدَلَّ لَهُ أَيْضًا بَعْضُ
[ ص: 29 ] الْعُلَمَاءِ بِغَيْرِ ذَلِكَ مِمَّا لَا دَلَالَةَ فِيهِ عَلَيْهِ كَمَا نَصَّ عَلَيْهِ
النَّوَوِيُّ رَحِمَهُ اللَّهُ تَعَالَى، وَتَقْدِيمُ حَالَةِ الْقَاتِلِيَّةِ فِي الْآيَةِ عَلَى حَالَةِ الْمَقْتُولِيَّةِ لِلْإِيذَانِ بِعَدَمِ الْفَرْقِ بَيْنَهُمَا فِي كَوْنِهِمَا مِصْدَاقًا لِكَوْنِ الْقِتَالِ بَذْلًا لِلنَّفْسِ، وَقَرَأَ
nindex.php?page=showalam&ids=15760حَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ بِتَقْدِيمِ الْمَبْنِيِّ لِلْمَفْعُولِ رِعَايَةً لِكَوْنِ الشَّهَادَةِ عَرِيقَةً فِي هَذَا الْبَابِ إِيذَانًا بِعَدَمِ مُبَالَاتِهِمْ بِالْمَوْتِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ تَعَالَى بَلْ بِكَوْنِهِ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ مِنَ السَّلَامَةِ كَمَا قَالَ
كَعْبُ بْنُ زُهَيْرٍ فِي حَقِّهِمْ:
لَا يَفْرَحُونَ إِذَا نَالَتْ رِمَاحُهُمْ قَوْمًا وَلَيْسُوا مَجَازِيعَا إِذَا نِيلُوا لَا يَقَعُ الطَّعْنُ إِلَّا فِي نُحُورِهِمْ
وَمَا لَهُمْ عَنْ حِيَاضِ الْمَوْتِ تَهْلِيلُ
وَفِيهِ عَلَى مَا قِيلَ دَلَالَةٌ عَلَى جَرَاءَتِهِمْ حَيْثُ لَمْ يَنْكَسِرُوا لِأَنْ قُتِلَ بَعْضُهُمْ، وَمِنَ النَّاسِ مَنْ دَفَعَ السُّؤَالَ بِعَدَمِ مُرَاعَاةِ التَّرْتِيبِ فِي هَذِهِ الْقِرَاءَةِ بِأَنَّ الْوَاوَ لَا تَقْتَضِيهِ، وَتُعُقِّبَ بِأَنَّ ذَلِكَ لَا يُجْدِي لِأَنَّ تَقْدِيمَ مَا حَقُّهُ التَّأْخِيرُ فِي أَبْلَغِ الْكَلَامِ لَا يَكُونُ بِسَلَامَةِ الْأَمِيرِ كَمَا لَا يَخْفَى
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وَعْدًا عَلَيْهِ مَصْدَرٌ مُؤَكِّدٌ لِمَضْمُونِ الْجُمْلَةِ لِأَنَّ مَعْنَى الشِّرَاءِ بِأَنَّ لَهُمُ الْجَنَّةَ وَعْدٌ لَهُمْ بِهَا عَلَى الْجِهَادِ فِي سَبِيلِهِ سُبْحَانَهُ وَقَوْلُهُ تَعَالَى: (حَقًّا) نَعْتٌ لَهُ وَ (عَلَيْهِ) فِي مَوْضِعِ الْحَالِ مِنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111حَقًّا لِتَقَدُّمِهِ عَلَيْهِ: وَقَوْلُهُ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فِي التَّوْرَاةِ وَالإِنْجِيلِ وَالْقُرْآنِ مُتَعَلِّقٌ بِمَحْذُوفٍ وَقَعَ نَعْتًا لِوَعْدًا أَيْضًا أَيْ وَعْدًا مُثْبَتًا فِي التَّوْرَاةِ وَالْإِنْجِيلِ كَمَا هُوَ مُثْبَتٌ فِي الْقُرْآنِ فَالْمُرَادُ إِلْحَاقُ مَا لًا يُعْرَفُ بِمَا يُعْرَفُ إِذْ مِنَ الْمَعْلُومِ ثُبُوتُ هَذَا الْحُكْمِ فِي الْقُرْآنِ ثُمَّ إِنَّ مَا فِي الْكِتَابَيْنِ إِمَّا أَنْ يَكُونَ أَنَّ أُمَّةَ
مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَرَى اللَّهُ تَعَالَى مِنْهُمْ أَنْفُسَهُمْ وَأَمْوَالَهُمْ بِذَلِكَ أَوْ أَنَّ مَنْ جَاهَدَ بِنَفْسِهِ وَمَالِهِ لَهُ ذَلِكَ وَفِي كِلَا الْأَمْرَيْنِ ثُبُوتٌ مُوَافِقٌ لِمَا فِي الْقُرْآنِ، وَجُوِّزَ تَعَلُّقُ الْجَارِّ بِاشْتَرَى وَوَعْدًا وَحَقًّا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنَ اللَّهِ اعْتِرَاضٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونٍ مَا قَبْلَهُ مِنْ حَقِيقَةِ الْوَعْدِ وَالْمَقْصُودُ مِنْ مِثْلِ هَذَا التَّرْكِيبِ عُرْفًا نَفْيُ الْمُسَاوَاةِ أَيْ لَا أَحَدَ مِثْلُهُ تَعَالَى فِي الْوَفَاءِ بِعَهْدِهِ وَهَذَا كَمَا يُقَالُ: لَيْسَ فِي
الْمَدِينَةِ أَفْقَهُ مِنْ فُلَانٍ فَإِنَّهُ يُفِيدُ عُرْفًا أَنَّهُ أَفْقَهُ أَهْلِهَا، وَلَا يَخْفَى مَا فِي جَعْلِ الْوَعْدِ عَهْدًا وَمِيثَاقًا مِنَ الِاعْتِنَاءِ بِشَأْنِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111فَاسْتَبْشِرُوا الْتِفَاتٌ إِلَى خِطَابِهِمْ لِزِيَادَةِ التَّشْرِيفِ وَالِاسْتِبْشَارُ إِظْهَارٌ لِسُرُورِهِمْ وَلَيْسَتِ السِّينُ فِيهِ لِلطَّلَبِ وَالْفَاءُ لِتَرْتِيبِهِ أَوْ تَرْتِيبِ الْأَمْرِ بِهِ عَلَى مَا قَبْلَهُ أَيْ فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ فَأَظْهِرُوا السُّرُورَ بِمَا فُزْتُمْ بِهِ مِنَ الْجَنَّةِ، وَإِنَّمَا قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111بِبَيْعِكُمُ مَعَ أَنَّ الِابْتِهَاجَ بِهِ بِاعْتِبَارِ أَدَائِهِ إِلَى الْجَنَّةِ لِأَنَّ الْمُرَادَ تَرْغِيبُهُمْ فِي الْجِهَادِ الَّذِي عَبَّرَ عَنْهُ بِالْبَيْعِ وَلَمْ يُذْكَرِ الْعَقْدُ بِعُنْوَانِ الشِّرَاءِ لِأَنَّ ذَلِكَ مِنْ قِبَلِهِ سُبْحَانَهُ لَا مِنْ قِبَلِهِمْ وَالتَّرْغِيبُ عَلَى مَا قِيلَ إِنَّمَا يَتِمُّ فِيمَا هُوَ مِنْ قِبَلِهِمْ وَقَوْلُهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111الَّذِي بَايَعْتُمْ بِهِ لِزِيَادَةِ تَقْرِيرِ بَيْعِهِمْ وَلِلْإِشْعَارِ بِتَمَيُّزِهِ عَلَى غَيْرِهِ فَإِنَّهُ بَيْعُ الْفَانِي بِالْبَاقِي وَلِأَنَّ كِلَا الْبَدَلَيْنِ لَهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى وَمِنْ هُنَا كَانَ
nindex.php?page=showalam&ids=14102الْحَسَنُ إِذَا قَرَأَ الْآيَةَ يَقُولُ: أَنْفُسٌ هُوَ خَلَقَهَا وَأَمْوَالٌ هُوَ رَزَقَهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111وَذَلِكَ أَيِ الْبَيْعُ الَّذِي أُمِرْتُمْ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=111هُوَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ 111 الَّذِي لَا فَوْزَ أَعْظَمُ مِنْهُ وَمَا فِي ذَلِكَ مِنَ الْبُعْدِ إِشَارَةٌ إِلَى بُعْدِ مَنْزِلَةِ الْمُشَارِ إِلَيْهِ وَسُمُوِّ رُتْبَتِهِ فِي الْكَمَالِ وَالْجُمْلَةُ تَذْلِيلٌ مُقَرِّرٌ لِمَضْمُونِ الْأَمْرِ السَّابِقِ، وَيَجُوزُ أَنْ يَكُونَ تَذْلِيلًا لِلْآيَةِ الْكَرِيمَةِ، وَالْإِشَارَةِ إِلَى الْجَنَّةِ الَّتِي جُعِلَتْ ثَمَنًا بِمُقَابَلَةِ مَا بَذَلُوا مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَأَمْوَالِهِمْ، وَفِي ذَلِكَ إِعْظَامٌ لِلثَّمَنِ وَمِنْهُ يُعْلَمُ حَالُ الْمُثَمِّنِ وَنُقِلَ عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=13721الْأَصْمَعِيِّ أَنْهُ أَنْشَدَ لِلصَّادِقِ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُ:
[ ص: 30 ] أُثَامِنُ بِالنَّفْسِ النَّفِيسَةِ رَبَّهَا فَلَيْسَ لَهَا فِي الْخَلْقِ كُلِّهِمْ
ثَمَنُ بِهَا أَشْتَرِي الْجَنَّاتِ إِنْ أَنَا بِعْتُهَا بِشَيْءٍ سِوَاهَا إِنَّ ذَلِكُمْ غَبْنُ
إِذَا ذَهَبَتْ نَفْسِي بِدُنْيَا أَصَبْتُهَا فَقَدْ ذَهَبَتْ مِنِّي وَقَدْ ذَهَبَ الثَّمَ
نُ وَالْمَشْهُورُ عَنْهُ - رَضِيَ اللَّهِ تَعَالَى عَنْهُ - أَنَّهُ قَالَ: لَيْسَ لِأَبْدَانِكُمْ ثَمَنٌ إِلَّا الْجَنَّةُ فَلَا تَبِيعُوهَا إِلَّا بِهَا، وَهُوَ ظَاهِرٌ فِي أَنَّ الْمَبِيعَ هُوَ الْأَبْدَانُ وَبِذَلِكَ صَرَّحَ بَعْضُ الْفُضَلَاءِ فِي حَوَاشِيهِ عَلَى تَفْسِيرِ
nindex.php?page=showalam&ids=13926الْبَيْضَاوِيِّ حَيْثُ قَالَ: إِنَّ اللَّهَ تَعَالَى اشْتَرَى مِنَ الْمُؤْمِنِ الَّذِي هُوَ عِبَارَةٌ عَنِ الْجَوْهَرِ الْبَاقِي بَدَنُهُ الَّذِي هُوَ مَرْكَبُهُ وَآلَتُهُ وَالظَّاهِرُ أَنَّهُ أَرَادَ بِالْجَوْهَرِ الْبَاقِي الْجَوْهَرَ الْمُجَرَّدَ الْمَخْصُوصَ وَهُوَ النَّفْسُ النَّاطِقَةُ، وَلَا يَخْفَى أَنَّ جُمْهُورَ الْمُتَكَلِّمِينَ عَلَى نَفْيِ الْمُجَرَّدَاتِ وَإِنْكَارِ النَّفْسِ النَّاطِقَةِ وَأَنَّ الْإِنْسَانَ هُوَ هَذَا الْهَيْكَلُ الْمَحْسُوسُ وَبِذَلِكَ أَبْطَلَ بَعْضُ أَجِلَّةِ الْمُتَأَخِّرِينَ مِنْ أَفَاضِلِ الْمُعَاصِرِينَ الْقَوْلَ بِخَلْقِ الْأَفْعَالِ لِمَا يَلْزَمُ عَلَيْهِ مِنْ كَوْنِ الْفَاعِلِ وَالْقَابِلِ وَاحِدًا، وَقَدْ قَالُوا: بِامْتِنَاعِ اتِّحَادِهِمَا وَالْإِنْصَافُ إِثْبَاتُ شَيْءٍ مُغَايِرٍ لِلْبَدَنِ وَالْهَيْكَلِ الْمَحْسُوسِ فِي الْإِنْسَانِ، وَالْمَبِيعُ إِمَّا ذَاكَ وَمَعْنَى بَيْعِهِ تَعْرِيضُهُ لِلْمَهَالِكِ وَالْخُرُوجِ عَنِ التَّعَلُّقِ الْخَاصِّ بِالْبَدَنِ، وَإِمَّا الْبَدَنُ وَمَعْنَى بَيْعِهِ ظَاهِرٌ إِلَّا أَنَّهُ رُبَّمَا يَدَّعِي أَنَّ الْمُتَبَادِرَ مِنَ النَّفْسِ غَيْرُ ذَلِكَ كَمَا لَا يَخْفَى عَلَى ذَوِي النُّفُوسِ الزَّكِيَّةِ