هذا ومن باب الإشارة في بعض ما تقدم من الآيات
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67يا أيها الرسول بلغ ما أنزل إليك من ربك وإن لم تفعل فما بلغت رسالته ذهب كثير من ساداتنا الصوفية إلى أن هذا أمر منه عز شأنه أن يبلغ رسوله صلى الله عليه وسلم ما أنزله إليه مما يتعلق بأحكام العبودية ولم يأمره جل جلاله بأن يعرف الناس أسرار ما بينه وبينه فإن ذرة من أسراره سبحانه تتحملها السموات والأرض، وهذه الأسرار هي المشار إليها بقوله تعالى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فأوحى إلى عبده ما أوحى ولهذا قال سبحانه
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68ما أنزل إليك ولم يقل ما خصصناك به أو تعرفنا به إليك
وقال بعضهم وهو
المنصور : أن الموصول عام ويندرج فيه الوحي والإلهامات والمنامات والمشاهدات وسائر المواهب والرسول صلى الله عليه وسلم مأمور بتبليغ كل ذلك إلا أن مراتب التبليغ مختلفة حسب اختلاف الاستعدادات فتبليغ بالعبارة وتبليغ بالإشارة وتبليغ بالهمة وتبليغ بالجذبة إلى غير ذلك فسبحان من أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67والله يعصمك من الناس بما أودع فيك من أسرار الألوهية فلا يقدرون أن يوصلوا إليك ما يقطعك عن الله تعالى، وقريب من ذلك ما قيل: يعصمك منهم أن يكون لك بهم اشتغال، وقيل: يعصمك من أن ترى لنفسك فيهم شيئا بل ترى الكل منه سبحانه وبه
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68قل يا أهل الكتاب لستم على شيء يعتد به
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68حتى تقيموا التوراة فتعطوا الظاهر حقه وتعملوا بالشريعة على الوجه الأكمل مع
[ ص: 7 ] توحيد الأفعال
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68والإنجيل فتعطوا الباطن حقه وتعملوا بالطريقة على الوجه الأتم مع توحيد الصفات
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68وما أنزل إليكم فتعطوا الحقيقة حقها وتشاهدوا الكثرة في عين الوحدة والوحدة في عين الكثرة ولا تحجبكم الكثرة عن الوحدة ولا الوحدة عن الكثرة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68وليزيدن كثيرا منهم ما أنزل إليك من ربك طغيانا وكفرا لجهلهم به وقلة استعدادهم لمعرفة أسراره
وعن بعض السادة قدس الله تعالى أسرارهم: أن القرآن المنزل على النبي المرسل صلى الله عليه وسلم ذو صفتين؛ صفة قهر وصفة لطف فمن تجلى له القرءان بصفة اللطف يزيد نور بصيرته وحكمته وحقائق أسراره ودقائق بيانه ويزيد بذلك ظاهر الخطاب وباطنه، ومن يتجلى له بصفة القهر تزيد ظلمة طغيانه وينسد عليه باب عرفانه بحيث لا يدرك سر الخطاب فتكثر عليه الشكوك والأوهام، وإلى ذلك الإشارة بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هدى للمتقين وقوله سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يضل به كثيرا ويهدي به كثيرا وما يضل به إلا الفاسقين وشبه بعضهم ذلك بنور الشمس فإنه ينتفع به من ينتفع ويتضرر به الخفاش ونحوه
ومن ذلك كتب كثير من الصوفية قدس الله تعالى أسرارهم فإنه قد هدي بها أرباب القلوب الصافية وضل بها الكثير حتى تركوا الصلاة واتبعوا الشهوات وعطلوا الشرائع واستحلوا المحرمات وزعموا والعياذ بالله تعالى أن ذلك والذي يقتضيه القول بوحدة الوجود التي هي معتقد القوم نفعنا الله تعالى بفتوحاتهم، وقد نقل لي عن بعض من أضله الله تعالى بالاشتغال بكتب القوم ممن لم يقف على حقيقة الحال أنه لا فرق بين أن يدخل الرجل أصبعه في فمه وبين أن يدخل ذكره في فرج محرم لأن الكل واحد، وكذا لا فرق بين أن يتزوج أجنبية وبين أن يتزوج أمه أو أخته وهذا كفر صريح عافانا الله تعالى والمسلمين منه، ومنشأ ذلك النظر في كتب القوم من دون فهم لمرادهم وما درى هذا المسكين أن مراعاة المراتب أمر واجب عندهم وأن ترك ذلك زندقة وأنهم قد صرحوا بأن الشريعة مظهر أعظم لأنها مظهر اسم الله تعالى الظاهر وأنه لا يمكن لأحد أن يصل إلى الله تعالى بإهمالها، فقد جاء عن غير واحد من العارفين : الطرق إلى الله تعالى مسدودة إلا على من اقتفى أثر الرسول صلى الله عليه وسلم، وإذا رأيتم الرجل يطير في الهواء وقد أخل بحكم واحد من الشريعة فقولوا: إنه زنديق، ولله در من قال خطابا للحضرة المحمدية :
وأنت باب الله أي أمره أتاه من غيرك يدخل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا الإيمان الحقيقي
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82اليهود وذلك لقوة المباينة لأنهم محجوبون عن توحيد الصفات وتوحيد الذات ولم يكن لهم إلا توحيد الأفعال
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82والذين أشركوا كذلك بل هم أشد مباينة منهم للمؤمنين وأقوى لأنهم محجوبون مطلقا وإنما قدم اليهود عليهم لأن البحث فيهم وهذا خلاف ما عليه أهل العبارة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى لأنهم برزوا من حجاب الصفات ولم يبق لهم إلا حجاب الذات وإلى هذا الإشارة بقوله سبحانه وتعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون حيث مدحوا بالعلم والعمل وعدم الاستكبار، وذلك يقتضي أنهم وصلوا إلى توحيد الأفعال والصفات وأنهم ما رأوا نفوسهم موصوفة بصفة العلم والعمل ولا نسبوا عملهم وعلمهم إليها بل إلى الله تعالى وإلا لاستكبروا وأظهروا العجب
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وإذا سمعوا ما أنزل إلى الرسول من أنواع التوحيد التي
[ ص: 8 ] من جملتها توحيد الذات
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83ترى أعينهم تفيض من الدمع مما عرفوا بالدليل وبواسطة الرياضة
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83من الحق الذي أنزل إلى الرسول صلى الله عليه وسلم
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83يقولون ربنا آمنا بذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83فاكتبنا مع الشاهدين المعاينين لذلك
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84وما لنا لا نؤمن بالله جمعا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84وما جاءنا من الحق تفصيلا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84ونطمع أن يدخلنا ربنا مع القوم الصالحين الذين استقاموا بالبقاء بعد الفناء
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85فأثابهم الله بما قالوا جنات تجري من تحتها الأنهار من التجليات الثلاث مع علومها
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85وذلك جزاء المحسنين المشاهدين للوحدة في عين الكثرة بالاستقامة في الله عز وجل
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=86والذين كفروا أي حجبوا عن الذات
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=86وكذبوا بآياتنا الدال على التوحيد
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=86أولئك أصحاب الجحيم لحرمانهم الكلي واحتجابهم بنفوسهم وصفاتها، والله تعالى الموفق
هَذَا وَمِنْ بَابِ الْإِشَارَةِ فِي بَعْضِ مَا تَقَدَّمَ مِنَ الْآيَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67يَا أَيُّهَا الرَّسُولُ بَلِّغْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ وَإِنْ لَمْ تَفْعَلْ فَمَا بَلَّغْتَ رِسَالَتَهُ ذَهَبَ كَثِيرٌ مِنْ سَادَاتِنَا الصُّوفِيَّةِ إِلَى أَنَّ هَذَا أَمْرٌ مِنْهُ عَزَّ شَأْنُهُ أَنْ يُبَلِّغَ رَسُولُهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَا أَنْزَلَهُ إِلَيْهِ مِمَّا يَتَعَلَّقُ بِأَحْكَامِ الْعُبُودِيَّةِ وَلَمْ يَأْمُرْهُ جَلَّ جَلَالُهُ بِأَنْ يُعَرِّفَ النَّاسَ أَسْرَارَ مَا بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ فَإِنَّ ذَرَّةً مِنْ أَسْرَارِهِ سُبْحَانَهُ تَتَحَمَّلُهَا السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ، وَهَذِهِ الْأَسْرَارُ هِيَ الْمُشَارُ إِلَيْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى
nindex.php?page=tafseer&surano=53&ayano=10فَأَوْحَى إِلَى عَبْدِهِ مَا أَوْحَى وَلِهَذَا قَالَ سُبْحَانَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَلَمْ يَقُلْ مَا خَصَصْنَاكَ بِهِ أَوْ تَعَرَّفْنَا بِهِ إِلَيْكَ
وَقَالَ بَعْضُهُمْ وَهُوَ
الْمَنْصُورُ : أَنَّ الْمَوْصُولَ عَامٌّ وَيَنْدَرِجُ فِيهِ الْوَحْيُ وَالْإِلْهَامَاتُ وَالْمَنَامَاتُ وَالْمُشَاهَدَاتُ وَسَائِرُ الْمَوَاهِبِ وَالرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَأْمُورٌ بِتَبْلِيغِ كُلِّ ذَلِكَ إِلَّا أَنَّ مَرَاتِبَ التَّبْلِيغِ مُخْتَلِفَةٌ حَسَبَ اخْتِلَافِ الِاسْتِعْدَادَاتِ فَتَبْلِيغٌ بِالْعِبَارَةِ وَتَبْلِيغٌ بِالْإِشَارَةِ وَتَبْلِيغٌ بِالْهِمَّةِ وَتَبْلِيغٌ بِالْجَذْبَةِ إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فَسُبْحَانَ مَنْ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=67وَاللَّهُ يَعْصِمُكَ مِنَ النَّاسِ بِمَا أَوْدَعَ فِيكَ مِنْ أَسْرَارِ الْأُلُوهِيَّةِ فَلَا يَقْدِرُونَ أَنْ يُوصِلُوا إِلَيْكَ مَا يَقْطَعُكَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى، وَقَرِيبٌ مِنْ ذَلِكَ مَا قِيلَ: يَعْصِمُكَ مِنْهُمْ أَنْ يَكُونَ لَكَ بِهِمُ اشْتِغَالٌ، وَقِيلَ: يَعْصِمُكَ مِنْ أَنْ تَرَى لِنَفْسِكَ فِيهِمْ شَيْئًا بَلْ تَرَى الْكُلَّ مِنْهُ سُبْحَانَهُ وَبِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لَسْتُمْ عَلَى شَيْءٍ يُعْتَدُّ بِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68حَتَّى تُقِيمُوا التَّوْرَاةَ فَتُعْطُوا الظَّاهِرَ حَقَّهُ وَتَعْمَلُوا بِالشَّرِيعَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَكْمَلِ مَعَ
[ ص: 7 ] تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68وَالإِنْجِيلَ فَتُعْطُوا الْبَاطِنَ حَقَّهُ وَتَعْمَلُوا بِالطَّرِيقَةِ عَلَى الْوَجْهِ الْأَتَمِّ مَعَ تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68وَمَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ فَتُعْطُوا الْحَقِيقَةَ حَقَّهَا وَتُشَاهِدُوا الْكَثْرَةَ فِي عَيْنِ الْوَحْدَةِ وَالْوَحْدَةَ فِي عَيْنِ الْكَثْرَةِ وَلَا تَحْجُبُكُمُ الْكَثْرَةُ عَنِ الْوَحْدَةِ وَلَا الْوَحْدَةُ عَنِ الْكَثْرَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=68وَلَيَزِيدَنَّ كَثِيرًا مِنْهُمْ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ مِنْ رَبِّكَ طُغْيَانًا وَكُفْرًا لِجَهْلِهِمْ بِهِ وَقِلَّةِ اسْتِعْدَادِهِمْ لِمَعْرِفَةِ أَسْرَارِهِ
وَعَنْ بَعْضِ السَّادَةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْرَارَهُمْ: أَنَّ الْقُرْآنَ الْمُنَزَّلَ عَلَى النَّبِيِّ الْمُرْسَلِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ذُو صِفَتَيْنِ؛ صِفَةُ قَهْرٍ وَصِفَةُ لُطْفٍ فَمَنْ تَجَلَّى لَهُ الْقُرْءَانُ بِصِفَةِ اللُّطْفِ يَزِيدُ نُورُ بَصِيرَتِهِ وَحِكْمَتِهِ وَحَقَائِقِ أَسْرَارِهِ وَدَقَائِقِ بَيَانِهِ وَيَزِيدُ بِذَلِكَ ظَاهِرُ الْخِطَابِ وَبَاطِنُهُ، وَمَنْ يَتَجَلَّى لَهُ بِصِفَةِ الْقَهْرِ تَزِيدُ ظُلْمَةُ طُغْيَانِهِ وَيَنْسَدُّ عَلَيْهِ بَابُ عِرْفَانِهِ بِحَيْثُ لَا يُدْرِكُ سِرَّ الْخِطَابِ فَتَكْثُرُ عَلَيْهِ الشُّكُوكُ وَالْأَوْهَامُ، وَإِلَى ذَلِكَ الْإِشَارَةُ بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=2هُدًى لِلْمُتَّقِينَ وَقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=26يُضِلُّ بِهِ كَثِيرًا وَيَهْدِي بِهِ كَثِيرًا وَمَا يُضِلُّ بِهِ إِلا الْفَاسِقِينَ وَشَبَّهَ بَعْضُهُمْ ذَلِكَ بِنُورِ الشَّمْسِ فَإِنَّهُ يَنْتَفِعُ بِهِ مَنْ يَنْتَفِعُ وَيَتَضَرَّرُ بِهِ الْخُفَّاشُ وَنَحْوُهُ
وَمِنْ ذَلِكَ كَتَبَ كَثِيرٌ مِنَ الصُّوفِيَّةِ قَدَّسَ اللَّهُ تَعَالَى أَسْرَارَهُمْ فَإِنَّهُ قَدْ هُدِيَ بِهَا أَرْبَابُ الْقُلُوبِ الصَّافِيَةِ وَضَلَّ بِهَا الْكَثِيرُ حَتَّى تَرَكُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ وَعَطَّلُوا الشَّرَائِعَ وَاسْتَحَلُّوا الْمُحَرَّمَاتِ وَزَعَمُوا وَالْعِيَاذُ بِاللَّهِ تَعَالَى أَنَّ ذَلِكَ وَالَّذِي يَقْتَضِيهِ الْقَوْلُ بِوَحْدَةِ الْوُجُودِ الَّتِي هِيَ مُعْتَقَدُ الْقَوْمِ نَفَعَنَا اللَّهُ تَعَالَى بِفُتُوحَاتِهِمْ، وَقَدْ نُقِلَ لِي عَنْ بَعْضِ مَنْ أَضَلَّهُ اللَّهُ تَعَالَى بِالِاشْتِغَالِ بِكُتُبِ الْقَوْمِ مِمَّنْ لَمْ يَقِفْ عَلَى حَقِيقَةِ الْحَالِ أَنَّهُ لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ الرَّجُلُ أُصْبَعَهُ فِي فَمِهِ وَبَيْنَ أَنْ يُدْخِلَ ذَكَرَهُ فِي فَرْجٍ مُحَرَّمٍ لِأَنَّ الْكُلَّ وَاحِدٌ، وَكَذَا لَا فَرْقَ بَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أَجْنَبِيَّةً وَبَيْنَ أَنْ يَتَزَوَّجَ أُمَّهُ أَوْ أُخْتَهُ وَهَذَا كَفَّرٌ صَرِيحٌ عَافَانَا اللَّهُ تَعَالَى وَالْمُسْلِمِينَ مِنْهُ، وَمَنْشَأُ ذَلِكَ النَّظَرُ فِي كُتُبِ الْقَوْمِ مِنْ دُونِ فَهْمٍ لِمُرَادِهِمْ وَمَا دَرَى هَذَا الْمِسْكِينُ أَنَّ مُرَاعَاةَ الْمَرَاتِبِ أَمْرٌ وَاجِبٌ عِنْدَهُمْ وَأَنَّ تَرْكَ ذَلِكَ زَنْدَقَةٌ وَأَنَّهُمْ قَدْ صَرَّحُوا بِأَنَّ الشَّرِيعَةَ مَظْهَرٌ أَعْظَمٌ لِأَنَّهَا مَظْهَرُ اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى الظَّاهِرِ وَأَنَّهُ لَا يُمْكِنُ لِأَحَدٍ أَنْ يَصِلَ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى بِإِهْمَالِهَا، فَقَدْ جَاءَ عَنْ غَيْرِ وَاحِدٍ مِنَ الْعَارِفِينَ : الطُّرُقُ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى مَسْدُودَةٌ إِلَّا عَلَى مَنِ اقْتَفَى أَثَرَ الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَإِذَا رَأَيْتُمُ الرَّجُلَ يَطِيرُ فِي الْهَوَاءِ وَقَدْ أَخَلَّ بِحُكْمٍ وَاحِدٍ مِنَ الشَّرِيعَةِ فَقُولُوا: إِنَّهُ زِنْدِيقٌ، وَلِلَّهِ دَرُّ مَنْ قَالَ خِطَابًا لِلْحَضْرَةِ الْمُحَمَّدِيَّةِ :
وَأَنْتَ بَابُ اللَّهِ أَيْ أَمْرُهُ أَتَاهُ مِنْ غَيْرِكَ يَدْخُلُ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْإِيمَانَ الْحَقِيقِيَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82الْيَهُودَ وَذَلِكَ لِقُوَّةِ الْمُبَايَنَةِ لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ عَنْ تَوْحِيدِ الصِّفَاتِ وَتَوْحِيدِ الذَّاتِ وَلَمْ يَكُنْ لَهُمْ إِلَّا تَوْحِيدَ الْأَفْعَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا كَذَلِكَ بَلْ هُمْ أَشَدُّ مُبَايَنَةً مِنْهُمْ لِلْمُؤْمِنِينَ وَأَقْوَى لِأَنَّهُمْ مَحْجُوبُونَ مُطْلَقًا وَإِنَّمَا قُدِّمَ الْيَهُودُ عَلَيْهِمْ لِأَنَّ الْبَحْثَ فِيهِمْ وَهَذَا خِلَافُ مَا عَلَيْهِ أَهْلُ الْعِبَارَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82وَلَتَجِدَنَّ أَقْرَبَهُمْ مَوَدَّةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى لِأَنَّهُمْ بَرَزُوا مِنْ حِجَابِ الصِّفَاتِ وَلَمْ يَبْقَ لَهُمْ إِلَّا حِجَابَ الذَّاتِ وَإِلَى هَذَا الْإِشَارَةِ بِقَوْلِهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=82ذَلِكَ بِأَنَّ مِنْهُمْ قِسِّيسِينَ وَرُهْبَانًا وَأَنَّهُمْ لا يَسْتَكْبِرُونَ حَيْثُ مُدِحُوا بِالْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَعَدَمِ الِاسْتِكْبَارِ، وَذَلِكَ يَقْتَضِي أَنَّهُمْ وَصَلُوا إِلَى تَوْحِيدِ الْأَفْعَالِ وَالصِّفَاتِ وَأَنَّهُمْ مَا رَأَوْا نُفُوسَهُمْ مَوْصُوفَةً بِصِفَةِ الْعِلْمِ وَالْعَمَلِ وَلَا نَسَبُوا عَمَلَهُمْ وَعِلْمَهُمْ إِلَيْهَا بَلْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى وَإِلَّا لَاسْتَكْبَرُوا وَأَظْهَرُوا الْعُجْبَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83وَإِذَا سَمِعُوا مَا أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ مِنْ أَنْوَاعِ التَّوْحِيدِ الَّتِي
[ ص: 8 ] مِنْ جُمْلَتِهَا تَوْحِيدُ الذَّاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُوا بِالدَّلِيلِ وَبِوَاسِطَةِ الرِّيَاضَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83مِنَ الْحَقِّ الَّذِي أُنْزِلَ إِلَى الرَّسُولِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا بِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=83فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ الْمُعَايِنِينَ لِذَلِكَ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84وَمَا لَنَا لا نُؤْمِنُ بِاللَّهِ جَمْعًا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84وَمَا جَاءَنَا مِنَ الْحَقِّ تَفْصِيلًا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=84وَنَطْمَعُ أَنْ يُدْخِلَنَا رَبُّنَا مَعَ الْقَوْمِ الصَّالِحِينَ الَّذِينَ اسْتَقَامُوا بِالْبَقَاءِ بَعْدَ الْفَنَاءِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85فَأَثَابَهُمُ اللَّهُ بِمَا قَالُوا جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ مِنَ التَّجَلِّيَاتِ الثَّلَاثِ مَعَ عُلُومِهَا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=85وَذَلِكَ جَزَاءُ الْمُحْسِنِينَ الْمُشَاهِدِينَ لِلْوَحْدَةِ فِي عَيْنِ الْكَثْرَةِ بِالِاسْتِقَامَةِ فِي اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=86وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَيْ حُجِبُوا عَنِ الذَّاتِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=86وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا الدَّالُ عَلَى التَّوْحِيدِ
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=86أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ لِحِرْمَانِهِمُ الْكُلِّيِّ وَاحْتِجَابِهِمْ بِنُفُوسِهِمْ وَصِفَاتِهَا، وَاللَّهُ تَعَالَى الْمُوَفِّقُ