تفسير سورة الزمر
وهي مكية
بسم الله الرحمن الرحيم
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32238_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تنزيل الكتاب من الله العزيز الحكيم nindex.php?page=treesubj&link=30489_30513_31011_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إنا أنزلنا إليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين nindex.php?page=treesubj&link=19881_28662_29706_30454_34089_34112_34191_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ألا لله الدين الخالص والذين اتخذوا من دونه أولياء ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون إن الله لا يهدي من هو كاذب كفار
يخبر تعالى عن عظمة القرآن، وجلالة من تكلم به ونزل منه، وأنه نزل من الله العزيز الحكيم، أي: الذي وصفه الألوهية للخلق، وذلك لعظمته وكماله، والعزة التي قهر بها كل مخلوق، وذل له كل شيء، والحكمة في خلقه وأمره.
فالقرآن نازل ممن هذا وصفه، والكلام وصف للمتكلم، والوصف يتبع الموصوف، فكما أن الله تعالى هو الكامل من كل وجه، الذي لا
[ ص: 1506 ] مثيل له، فكذلك كلامه كامل من كل وجه لا مثيل له، فهذا وحده كاف في وصف القرآن، دال على مرتبته.
ولكنه - مع هذا - زاد بيانا لكماله بمن نزل عليه، وهو
محمد صلى الله عليه وسلم، الذي هو أشرف الخلق فعلم أنه أشرف الكتب، وبما نزل به، وهو الحق، فنزل بالحق الذي لا مرية فيه، لإخراج الخلق من الظلمات إلى النور، ونزل مشتملا على الحق في أخباره الصادقة، وأحكامه العادلة، فكل ما دل عليه فهو أعظم أنواع الحق، من جميع المطالب العلمية، وما بعد الحق إلا الضلال.
ولما كان نازلا من الحق، مشتملا على الحق لهداية الخلق، على أشرف الخلق، عظمت فيه النعمة، وجلت، ووجب القيام بشكرها، وذلك بإخلاص الدين لله، فلهذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فاعبد الله مخلصا له الدين أي: أخلص لله تعالى جميع دينك، من الشرائع الظاهرة والشرائع الباطنة: الإسلام والإيمان والإحسان، بأن تفرد الله وحده بها، وتقصد به وجهه، لا غير ذلك من المقاصد.
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ألا لله الدين الخالص هذا تقرير للأمر بالإخلاص، وبيان أنه تعالى كما أنه له الكمال كله، وله التفضل على عباده من جميع الوجوه، فكذلك له الدين الخالص الصافي من جميع الشوائب، فهو الدين الذي ارتضاه لنفسه، وارتضاه لصفوة خلقه وأمرهم به، لأنه متضمن للتأله لله في حبه وخوفه ورجائه، وللإنابة إليه في عبوديته، والإنابة إليه في تحصيل مطالب عباده.
وذلك الذي يصلح القلوب ويزكيها ويطهرها، دون الشرك به في شيء من العبادة. فإن الله بريء منه، وليس لله فيه شيء، فهو أغنى الشركاء عن الشرك، وهو مفسد للقلوب والأرواح والدنيا والآخرة، مشق للنفوس غاية الشقاء، فلذلك لما
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28666أمر بالتوحيد والإخلاص، نهى عن الشرك به، وأخبر بذم من أشرك به فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3والذين اتخذوا من دونه أولياء أي: يتولونهم بعبادتهم ودعائهم، معتذرين عن أنفسهم وقائلين:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3ما نعبدهم إلا ليقربونا إلى الله زلفى أي: لترفع حوائجنا لله، وتشفع لنا عنده، وإلا فنحن نعلم أنها، لا تخلق، ولا ترزق، ولا تملك من الأمر شيئا.
أي: فهؤلاء، قد تركوا ما أمر الله به من الإخلاص، وتجرأوا على أعظم المحرمات، وهو الشرك، وقاسوا الذي ليس كمثله شيء، الملك العظيم، بالملوك، وزعموا بعقولهم الفاسدة ورأيهم السقيم، أن الملوك كما أنه لا يوصل إليهم إلا بوجهاء، وشفعاء، ووزراء يرفعون إليهم حوائج رعاياهم، ويستعطفونهم عليهم، ويمهدون لهم الأمر في ذلك، أن الله تعالى كذلك.
[ ص: 1507 ] وهذا القياس من أفسد الأقيسة، وهو يتضمن التسوية بين الخالق والمخلوق، مع ثبوت الفرق العظيم، عقلا ونقلا وفطرة، فإن الملوك، إنما احتاجوا للوساطة بينهم وبين رعاياهم، لأنهم لا يعلمون أحوالهم. فيحتاج من يعلمهم بأحوالهم، وربما لا يكون في قلوبهم رحمة لصاحب الحاجة، فيحتاج من يعطفهم عليه ويسترحمه لهم ويحتاجون إلى الشفعاء والوزراء، ويخافون منهم، فيقضون حوائج من توسطوا لهم، مراعاة لهم، ومداراة لخواطرهم، وهم أيضا فقراء، قد يمنعون لما يخشون من الفقر.
وأما الرب تعالى، فهو الذي أحاط علمه بظواهر الأمور وبواطنها، الذي لا يحتاج من يخبره بأحوال رعيته وعباده، وهو تعالى أرحم الراحمين، وأجود الأجودين، لا يحتاج إلى أحد من خلقه يجعله راحما لعباده، بل هو أرحم بهم من أنفسهم ووالديهم، وهو الذي يحثهم ويدعوهم إلى الأسباب التي ينالون بها رحمته، وهو يريد من مصالحهم ما لا يريدونه لأنفسهم، وهو الغني، الذي له الغنى التام المطلق، الذي لو اجتمع الخلق من أولهم وآخرهم في صعيد واحد فسألوه، فأعطى كلا منهم ما سأل وتمنى، لم ينقصوا من غناه شيئا، ولم ينقصوا مما عنده، إلا كما ينقص البحر إذا غمس فيه المخيط.
وجميع الشفعاء يخافونه، فلا يشفع منهم أحد إلا بإذنه، وله الشفاعة كلها.
فبهذه الفروق يعلم جهل المشركين به، وسفههم العظيم، وشدة جراءتهم عليه.
ويعلم أيضا
nindex.php?page=treesubj&link=30558_28675الحكمة في كون الشرك لا يغفره الله تعالى، لأنه يتضمن القدح في الله تعالى، ولهذا قال حاكما بين الفريقين، المخلصين والمشركين، وفي ضمنه التهديد للمشركين-:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3إن الله يحكم بينهم في ما هم فيه يختلفون
وقد علم أن حكمه أن المؤمنين المخلصين في جنات النعيم، ومن يشرك بالله فقد حرم الله عليه الجنة، ومأواه النار.
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3إن الله لا يهدي أي: لا يوفق للهداية إلى الصراط المستقيم
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3من هو كاذب كفار أي: وصفه الكذب أو الكفر، بحيث تأتيه المواعظ والآيات، ولا يزول عنه ما اتصف به، ويريه الله الآيات، فيجحدها ويكفر بها ويكذب، فهذا أنى له الهدى وقد سد على نفسه الباب، وعوقب بأن طبع الله على قلبه، فهو لا يؤمن؟
تَفْسِيرُ سُورَةِ الزُّمَرِ
وَهِيَ مَكِّيَّةٌ
بِسْمِ اللَّهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيمِ
nindex.php?page=treesubj&link=28723_32238_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=1تَنْزِيلُ الْكِتَابِ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ nindex.php?page=treesubj&link=30489_30513_31011_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2إِنَّا أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ الْكِتَابَ بِالْحَقِّ فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ nindex.php?page=treesubj&link=19881_28662_29706_30454_34089_34112_34191_29010nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ
يُخْبِرُ تَعَالَى عَنْ عَظَمَةِ الْقُرْآنِ، وَجَلَالَةِ مَنْ تَكَلَّمَ بِهِ وَنَزَلَ مِنْهُ، وَأَنَّهُ نَزَلَ مِنَ اللَّهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ، أَيِ: الَّذِي وَصْفُهُ الْأُلُوهِيَّةُ لِلْخَلْقِ، وَذَلِكَ لِعَظَمَتِهِ وَكَمَالِهِ، وَالْعِزَّةُ الَّتِي قَهَرَ بِهَا كُلَّ مَخْلُوقٍ، وَذَلَّ لَهُ كُلَّ شَيْءٍ، وَالْحِكْمَةُ فِي خَلْقِهِ وَأَمْرِهِ.
فَالْقُرْآنُ نَازِلٌ مِمَّنْ هَذَا وَصْفُهُ، وَالْكَلَامُ وَصْفٌ لِلْمُتَكَلِّمِ، وَالْوَصْفُ يَتْبَعُ الْمَوْصُوفَ، فَكَمَا أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى هُوَ الْكَامِلُ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ، الَّذِي لَا
[ ص: 1506 ] مَثِيلَ لَهُ، فَكَذَلِكَ كَلَامُهُ كَامِلٌ مِنْ كُلِّ وَجْهٍ لَا مَثِيلَ لَهُ، فَهَذَا وَحْدَهُ كَافٍ فِي وَصْفِ الْقُرْآنِ، دَالٌّ عَلَى مَرْتَبَتِهِ.
وَلَكِنَّهُ - مَعَ هَذَا - زَادَ بَيَانًا لِكَمَالِهِ بِمَنْ نَزَلَ عَلَيْهِ، وَهُوَ
مُحَمَّدٌ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، الَّذِي هُوَ أَشْرَفُ الْخَلْقِ فَعَلِمَ أَنَّهُ أَشْرَفُ الْكُتُبِ، وَبِمَا نَزَلَ بِهِ، وَهُوَ الْحَقُّ، فَنَزَلَ بِالْحَقِّ الَّذِي لَا مِرْيَةَ فِيهِ، لِإِخْرَاجِ الْخَلْقِ مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَنَزَلَ مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَقِّ فِي أَخْبَارِهِ الصَّادِقَةِ، وَأَحْكَامِهِ الْعَادِلَةِ، فَكُلُّ مَا دَلَّ عَلَيْهِ فَهُوَ أَعْظَمُ أَنْوَاعِ الْحَقِّ، مِنْ جَمِيعِ الْمَطَالِبِ الْعِلْمِيَّةِ، وَمَا بَعْدَ الْحَقِّ إِلَّا الضَّلَالُ.
وَلَمَّا كَانَ نَازِلًا مِنَ الْحَقِّ، مُشْتَمِلًا عَلَى الْحَقِّ لِهِدَايَةِ الْخَلْقِ، عَلَى أَشْرَفِ الْخَلْقِ، عَظُمَتْ فِيهِ النِّعْمَةُ، وَجَلَّتْ، وَوَجَبَ الْقِيَامُ بِشُكْرِهَا، وَذَلِكَ بِإِخْلَاصِ الدِّينِ لِلَّهِ، فَلِهَذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=2فَاعْبُدِ اللَّهَ مُخْلِصًا لَهُ الدِّينَ أَيْ: أَخْلِصْ لِلَّهِ تَعَالَى جَمِيعَ دِينِكَ، مِنَ الشَّرَائِعِ الظَّاهِرَةِ وَالشَّرَائِعِ الْبَاطِنَةِ: الْإِسْلَامِ وَالْإِيمَانِ وَالْإِحْسَانِ، بِأَنْ تُفْرِدَ اللَّهَ وَحْدَهُ بِهَا، وَتَقْصِدَ بِهِ وَجْهَهُ، لَا غَيْرَ ذَلِكَ مِنَ الْمَقَاصِدِ.
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3أَلا لِلَّهِ الدِّينُ الْخَالِصُ هَذَا تَقْرِيرٌ لِلْأَمْرِ بِالْإِخْلَاصِ، وَبَيَانُ أَنَّهُ تَعَالَى كَمَا أَنَّهُ لَهُ الْكَمَالُ كُلُّهُ، وَلَهُ التَّفَضُّلُ عَلَى عِبَادِهِ مِنْ جَمِيعِ الْوُجُوهِ، فَكَذَلِكَ لَهُ الدَّيْنُ الْخَالِصُ الصَّافِي مِنْ جَمِيعِ الشَّوَائِبِ، فَهُوَ الدِّينُ الَّذِي ارْتَضَاهُ لِنَفْسِهِ، وَارْتَضَاهُ لِصَفْوَةِ خَلْقِهِ وَأَمَرَهُمْ بِهِ، لِأَنَّهُ مُتَضَمِّنٌ لِلتَّأَلُّهِ لِلَّهِ فِي حُبِّهِ وَخَوْفِهِ وَرَجَائِهِ، وَلِلْإِنَابَةِ إِلَيْهِ فِي عُبُودِيَّتِهِ، وَالْإِنَابَةِ إِلَيْهِ فِي تَحْصِيلِ مَطَالِبِ عِبَادِهِ.
وَذَلِكَ الَّذِي يُصْلِحُ الْقُلُوبَ وَيُزَكِّيهَا وَيُطَهِّرُهَا، دُونَ الشِّرْكِ بِهِ فِي شَيْءٍ مِنَ الْعِبَادَةِ. فَإِنَّ اللَّهَ بَرِيءٌ مِنْهُ، وَلَيْسَ لِلَّهِ فِيهِ شَيْءٌ، فَهُوَ أَغْنَى الشُّرَكَاءِ عَنِ الشِّرْكِ، وَهُوَ مُفْسِدٌ لِلْقُلُوبِ وَالْأَرْوَاحِ وَالدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، مُشْقٍ لِلنُّفُوسِ غَايَةَ الشَّقَاءِ، فَلِذَلِكَ لَمَّا
nindex.php?page=treesubj&link=29428_28666أَمَرَ بِالتَّوْحِيدِ وَالْإِخْلَاصِ، نَهَى عَنِ الشِّرْكِ بِهِ، وَأَخْبَرَ بِذَمِّ مَنْ أَشَرَكَ بِهِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3وَالَّذِينَ اتَّخَذُوا مِنْ دُونِهِ أَوْلِيَاءَ أَيْ: يَتَوَلَّوْنَهُمْ بِعِبَادَتِهِمْ وَدُعَائِهِمْ، مُعْتَذِرِينَ عَنْ أَنْفُسِهِمْ وَقَائِلِينَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَا نَعْبُدُهُمْ إِلا لِيُقَرِّبُونَا إِلَى اللَّهِ زُلْفَى أَيْ: لِتَرْفَعَ حَوَائِجَنَا لِلَّهِ، وَتَشْفَعَ لَنَا عِنْدَهُ، وَإِلَّا فَنَحْنُ نَعْلَمُ أَنَّهَا، لَا تَخْلُقُ، وَلَا تَرْزُقُ، وَلَا تَمْلِكُ مِنَ الْأَمْرِ شَيْئًا.
أَيْ: فَهَؤُلَاءِ، قَدْ تَرَكُوا مَا أَمَرَ اللَّهُ بِهِ مِنَ الْإِخْلَاصِ، وَتَجَرَّأُوا عَلَى أَعْظَمِ الْمُحَرَّمَاتِ، وَهُوَ الشِّرْكُ، وَقَاسُوا الَّذِي لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ، الْمَلِكَ الْعَظِيمَ، بِالْمُلُوكِ، وَزَعَمُوا بِعُقُولِهِمُ الْفَاسِدَةِ وَرَأْيِهِمُ السَّقِيمِ، أَنَّ الْمُلُوكَ كَمَا أَنَّهُ لَا يُوصَلُ إِلَيْهِمْ إِلَّا بِوُجَهَاءَ، وَشُفَعَاءَ، وَوُزَرَاءَ يَرْفَعُونَ إِلَيْهِمْ حَوَائِجَ رَعَايَاهُمْ، وَيَسْتَعْطِفُونَهُمْ عَلَيْهِمْ، وَيُمَهِّدُونَ لَهُمُ الْأَمْرَ فِي ذَلِكَ، أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى كَذَلِكَ.
[ ص: 1507 ] وَهَذَا الْقِيَاسُ مَنْ أَفْسَدِ الْأَقْيِسَةِ، وَهُوَ يَتَضَمَّنُ التَّسْوِيَةَ بَيْنَ الْخَالِقِ وَالْمَخْلُوقِ، مَعَ ثُبُوتِ الْفَرْقِ الْعَظِيمِ، عَقْلًا وَنَقْلًا وَفِطْرَةً، فَإِنَّ الْمُلُوكَ، إِنَّمَا احْتَاجُوا لِلْوَسَاطَةِ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ رَعَايَاهُمْ، لِأَنَّهُمْ لَا يَعْلَمُونَ أَحْوَالَهُمْ. فَيَحْتَاجُ مَنْ يُعْلِمُهُمْ بِأَحْوَالِهِمْ، وَرُبَّمَا لَا يَكُونُ فِي قُلُوبِهِمْ رَحْمَةٌ لِصَاحِبِ الْحَاجَةِ، فَيَحْتَاجُ مَنْ يَعْطِفُهُمْ عَلَيْهِ وَيَسْتَرَحَمُهُ لَهُمْ وَيَحْتَاجُونَ إِلَى الشُّفَعَاءِ وَالْوُزَرَاءِ، وَيَخَافُونَ مِنْهُمْ، فَيَقْضُونَ حَوَائِجَ مَنْ تَوَسَّطُوا لَهُمْ، مُرَاعَاةً لَهُمْ، وَمُدَارَاةً لِخَوَاطِرِهِمْ، وَهُمْ أَيْضًا فَقُرَّاءُ، قَدْ يَمْنَعُونَ لِمَا يَخْشَوْنَ مِنَ الْفَقْرِ.
وَأَمَّا الرَّبُّ تَعَالَى، فَهُوَ الَّذِي أَحَاطَ عِلْمُهُ بِظَوَاهِرِ الْأُمُورِ وَبَوَاطِنِهَا، الَّذِي لَا يَحْتَاجُ مَنْ يُخْبِرُهُ بِأَحْوَالِ رَعِيَّتِهِ وَعِبَادِهِ، وَهُوَ تَعَالَى أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ، وَأَجْوَدُ الْأَجْوَدِينَ، لَا يَحْتَاجُ إِلَى أَحَدٍ مِنْ خَلْقِهِ يَجْعَلُهُ رَاحِمًا لِعِبَادِهِ، بَلْ هُوَ أَرْحَمُ بِهِمْ مِنْ أَنْفُسِهِمْ وَوَالِدَيْهِمْ، وَهُوَ الَّذِي يُحِثُّهُمْ وَيَدَعُوهُمْ إِلَى الْأَسْبَابِ الَّتِي يَنَالُونَ بِهَا رَحْمَتَهُ، وَهُوَ يُرِيدُ مِنْ مَصَالِحِهِمْ مَا لَا يُرِيدُونَهُ لِأَنْفُسِهِمْ، وَهُوَ الْغَنِيُّ، الَّذِي لَهُ الْغِنَى التَّامُّ الْمُطْلَقُ، الَّذِي لَوِ اجْتَمَعَ الْخَلْقُ مِنْ أَوَّلِهِمْ وَآخِرِهِمْ فِي صَعِيدٍ وَاحِدٍ فَسَأَلُوهُ، فَأَعْطَى كُلًّا مِنْهُمْ مَا سَأَلَ وَتَمَنَّى، لَمْ يَنْقُصُوا مِنْ غِنَاهُ شَيْئًا، وَلَمْ يَنْقُصُوا مِمَّا عِنْدَهُ، إِلَّا كَمَا يَنْقُصُ الْبَحْرُ إِذَا غُمِسَ فِيهِ الْمَخِيطُ.
وَجَمِيعُ الشُّفَعَاءِ يَخَافُونَهُ، فَلَا يَشْفَعُ مِنْهُمْ أَحَدٌ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَهُ الشَّفَاعَةُ كُلُّهَا.
فَبِهَذِهِ الْفُرُوقِ يَعْلَمُ جَهْلَ الْمُشْرِكِينَ بِهِ، وَسَفَهَهُمُ الْعَظِيمَ، وَشِدَّةَ جَرَاءَتِهِمْ عَلَيْهِ.
وَيَعْلَمُ أَيْضًا
nindex.php?page=treesubj&link=30558_28675الْحِكْمَةَ فِي كَوْنِ الشِّرْكِ لَا يَغْفِرُهُ اللَّهُ تَعَالَى، لِأَنَّهُ يَتَضَمَّنُ الْقَدْحَ فِي اللَّهِ تَعَالَى، وَلِهَذَا قَالَ حَاكِمًا بَيْنَ الْفَرِيقَيْنِ، الْمُخْلِصِينَ وَالْمُشْرِكِينَ، وَفِي ضِمْنِهِ التَّهْدِيدُ لِلْمُشْرِكِينَ-:
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3إِنَّ اللَّهَ يَحْكُمُ بَيْنَهُمْ فِي مَا هُمْ فِيهِ يَخْتَلِفُونَ
وَقَدْ عَلِمَ أَنَّ حُكْمَهُ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ الْمُخْلِصِينَ فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ، وَمَنْ يُشْرِكُ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ، وَمَأْوَاهُ النَّارُ.
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي أَيْ: لَا يُوَفِّقُ لِلْهِدَايَةِ إِلَى الصِّرَاطِ الْمُسْتَقِيمِ
nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=3مَنْ هُوَ كَاذِبٌ كَفَّارٌ أَيْ: وَصْفُهُ الْكَذِبُ أَوِ الْكُفْرُ، بِحَيْثُ تَأْتِيهِ الْمَوَاعِظُ وَالْآيَاتُ، وَلَا يَزُولُ عَنْهُ مَا اتَّصَفَ بِهِ، وَيُرِيهِ اللَّهُ الْآيَاتِ، فَيَجْحَدُهَا وَيَكْفُرُ بِهَا وَيَكْذِبُ، فَهَذَا أَنَّى لَهُ الْهُدَى وَقَدْ سَدَّ عَلَى نَفْسِهِ الْبَابَ، وَعُوقِبَ بِأَنْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَى قَلْبِهِ، فَهُوَ لَا يُؤْمِنُ؟