ولا بد من
nindex.php?page=treesubj&link=30495_29680جزاء للمؤمنين من الله ، الذي يتعاملون معه وحده ; يشجع ويقوي على النهوض بتكاليف القوامة ;
[ ص: 854 ] وعلى الوفاء بالميثاق . ولا بد أن يختلف مصير الذين كفروا وكذبوا عن مصير الذين آمنوا وعملوا الصالحات عند الله :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=9وعد الله الذين آمنوا وعملوا الصالحات. لهم مغفرة وأجر عظيم nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=10والذين كفروا وكذبوا بآياتنا أولئك أصحاب الجحيم . .
إنه الجزاء الذي يعوض الخيرين عما يفوتهم من عرض الحياة الدنيا - وهم ينهضون بالتكاليف العليا - والذي تصغر معه تكاليف القوامة على أهواء البشرية وعنادها ولجاجها في هذه الأرض . . ثم هو العدل الإلهي الذي لا يسوي بين جزاء الخيرين وجزاء الأشرار !
ولا بد من تعليق قلوب المؤمنين وأنظارهم بهذا العدل وبذلك الجزاء لتتعامل مع الله متجردة من كل النوازع المعوقة من ملابسات الحياة . . وبعض القلوب يكفيها أن تشعر برضاء الله ; وتتذوق حلاوة هذا الرضى ; كما تتذوق حلاوة الوفاء بالميثاق . . ولكن المنهج يتعامل مع الناس جميعا . مع الطبيعة البشرية . والله يعلم من هذه الطبيعة حاجتها إلى هذا الوعد بالمغفرة والأجر العظيم . وحاجتها كذلك إلى معرفة جزاء الكافرين المكذبين ! إن هذا وذلك يرضي هذه الطبيعة . يطمئنها على مصيرها وجزائها ; ويشفي غيظها من أفاعيل الشريرين ! وبخاصة إذا كانت مأمورة بالعدل مع من تكره من هؤلاء ! بعد أن تلقى منهم ما تلقى من الكيد والإيذاء . . والمنهج الرباني يأخذ الطبيعة البشرية بما يعلمه الله من أمرها ; ويهتف لها بما تتفتح له مشاعرها ، وتستجيب له كينونتها . . ذلك فوق أن المغفرة والأجر العظيم دليل رضى الله الكريم ; وفيهما مذاق الرضى فوق مذاق النعيم .
ويمضي السياق يقوي في الجماعة المسلمة روح العدل والقسط والسماحة ; ويكفكف فيها شعور العدوان والميل والانتقام . . فيذكر المسلمين نعمة الله عليهم في كف المشركين عنهم ، حين هموا في عام الحديبية - أو في غيره - أن يبسطوا إليهم أيديهم بالعدوان :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11يا أيها الذين آمنوا اذكروا نعمت الله عليكم. إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم، فكف أيديهم عنكم. واتقوا الله. وعلى الله فليتوكل المؤمنون . .
وتختلف الروايات في من تعنيهم هذه الآية . ولكن الأرجح أنها إشارة إلى حادثة المجموعة التي همت يوم
الحديبية أن تغدر برسول الله - صلى الله عليه وسلم - وبالمسلمين ، فتأخذهم على غرة . فأوقعهم الله أسارى في أيدي المسلمين (كما فصلنا ذلك في تفسير سورة الفتح ) .
وأيا ما كان الحادث ، فإن عبرته في هذا المقام هي المنشودة في المنهج التربوي الفريد ، وهي إماتة الغيظ والشنآن لهؤلاء القوم في صدور المسلمين . كي يفيئوا إلى الهدوء والطمأنينة وهم يرون أن الله هو راعيهم وكالئهم . وفي ظل الهدوء والطمأنينة يصبح ضبط النفس ، وسماحة القلب ، وإقامة العدل ميسورة . ويستحيي المسلمون أن لا يفوا بميثاقهم مع الله ; وهو يرعاهم ويكلؤهم ، ويكف الأيدي المبسوطة إليهم .
ولا ننس أن نقف وقفة قصيرة أمام التعبير القرآني المصور :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11إذ هم قوم أن يبسطوا إليكم أيديهم، فكف أيديهم عنكم . .
في مقام : إذ هم قوم أن يبطشوا بكم ويعتدوا عليكم فحماكم الله منهم . .
[ ص: 855 ] إن صورة و "حركة " بسط الأيدي وكفها أكثر حيوية من ذلك التعبير المعنوي الآخر . . والتعبير القرآني يتبع طريقة الصورة والحركة . لأن هذه الطريقة تطلق الشحنة الكاملة في التعبير ; كما لو كان هذا التعبير يطلق للمرة الأولى ، مصاحبا للواقعة الحسية التي يعبر عنها مبرزا لها في صورتها الحية المتحركة . . وتلك طريقة القرآن .
وَلَا بُدَّ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30495_29680جَزَاءٍ لِلْمُؤْمِنِينَ مِنَ اللَّهِ ، الَّذِي يَتَعَامَلُونَ مَعَهُ وَحْدَهُ ; يُشَجِّعُ وَيُقَوِّي عَلَى النُّهُوضِ بِتَكَالِيفِ الْقَوَامَةِ ;
[ ص: 854 ] وَعَلَى الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ . وَلَا بُدَّ أَنْ يَخْتَلِفَ مَصِيرُ الَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا عَنْ مَصِيرِ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ عِنْدَ اللَّهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=9وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ. لَهُمْ مَغْفِرَةٌ وَأَجْرٌ عَظِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=10وَالَّذِينَ كَفَرُوا وَكَذَّبُوا بِآيَاتِنَا أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَحِيمِ . .
إِنَّهُ الْجَزَاءُ الَّذِي يُعَوِّضُ الْخَيِّرِينَ عَمَّا يَفُوتُهُمْ مِنْ عَرَضِ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا - وَهُمْ يَنْهَضُونَ بِالتَّكَالِيفِ الْعُلْيَا - وَالَّذِي تَصْغُرُ مَعَهُ تَكَالِيفُ الْقَوَامَةِ عَلَى أَهْوَاءِ الْبَشَرِيَّةِ وَعِنَادِهَا وَلَجَاجِهَا فِي هَذِهِ الْأَرْضِ . . ثُمَّ هُوَ الْعَدْلُ الْإِلَهِيُّ الَّذِي لَا يُسَوِّي بَيْنَ جَزَاءِ الْخَيِّرِينَ وَجَزَاءِ الْأَشْرَارِ !
وَلَا بُدَّ مِنْ تَعْلِيقِ قُلُوبِ الْمُؤْمِنِينَ وَأَنْظَارِهِمْ بِهَذَا الْعَدْلِ وَبِذَلِكَ الْجَزَاءِ لِتَتَعَامَلَ مَعَ اللَّهِ مُتَجَرِّدَةً مِنْ كُلِّ النَّوَازِعِ الْمُعَوَّقَةِ مِنْ مُلَابَسَاتِ الْحَيَاةِ . . وَبَعْضُ الْقُلُوبِ يَكْفِيهَا أَنْ تَشْعُرَ بِرِضَاءِ اللَّهِ ; وَتَتَذَوَّقَ حَلَاوَةَ هَذَا الرِّضَى ; كَمَا تَتَذَوَّقُ حَلَاوَةَ الْوَفَاءِ بِالْمِيثَاقِ . . وَلَكِنَّ الْمَنْهَجَ يَتَعَامَلُ مَعَ النَّاسِ جَمِيعًا . مَعَ الطَّبِيعَةِ الْبَشَرِيَّةِ . وَاللَّهُ يَعْلَمُ مِنْ هَذِهِ الطَّبِيعَةِ حَاجَتَهَا إِلَى هَذَا الْوَعْدِ بِالْمَغْفِرَةِ وَالْأَجْرِ الْعَظِيمِ . وَحَاجَتَهَا كَذَلِكَ إِلَى مَعْرِفَةِ جَزَاءِ الْكَافِرِينَ الْمُكَذِّبِينَ ! إِنَّ هَذَا وَذَلِكَ يُرْضِي هَذِهِ الطَّبِيعَةَ . يُطَمْئِنُهَا عَلَى مَصِيرِهَا وَجَزَائِهَا ; وَيَشْفِي غَيْظَهَا مِنْ أَفَاعِيلِ الشِّرِّيرِينَ ! وَبِخَاصَّةٍ إِذَا كَانَتْ مَأْمُورَةً بِالْعَدْلِ مَعَ مَنْ تَكْرَهُ مِنْ هَؤُلَاءِ ! بَعْدَ أَنْ تَلْقَى مِنْهُمْ مَا تَلْقَى مِنَ الْكَيْدِ وَالْإِيذَاءِ . . وَالْمَنْهَجُ الرَّبَّانِيُّ يَأْخُذُ الطَّبِيعَةَ الْبَشَرِيَّةَ بِمَا يَعْلَمُهُ اللَّهُ مِنْ أَمْرِهَا ; وَيَهْتِفُ لَهَا بِمَا تَتَفَتَّحُ لَهُ مَشَاعِرُهَا ، وَتَسْتَجِيبُ لَهُ كَيْنُونَتُهَا . . ذَلِكَ فَوْقَ أَنَّ الْمَغْفِرَةَ وَالْأَجْرَ الْعَظِيمَ دَلِيلُ رِضَى اللَّهِ الْكَرِيمِ ; وَفِيهِمَا مَذَاقُ الرِّضَى فَوْقَ مَذَاقِ النَّعِيمِ .
وَيَمْضِي السِّيَاقُ يُقَوِّي فِي الْجَمَاعَةِ الْمُسْلِمَةِ رُوحَ الْعَدْلِ وَالْقِسْطِ وَالسَّمَاحَةِ ; وَيُكَفْكِفُ فِيهَا شُعُورَ الْعُدْوَانِ وَالْمَيْلِ وَالِانْتِقَامِ . . فَيُذَكِّرُ الْمُسْلِمِينَ نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْهِمْ فِي كَفِّ الْمُشْرِكِينَ عَنْهُمْ ، حِينَ هَمُّوا فِي عَامِ الْحُدَيْبِيَةِ - أَوْ فِي غَيْرِهِ - أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْهِمْ أَيْدِيَهُمْ بِالْعُدْوَانِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَتَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ. إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ. وَاتَّقُوا اللَّهِ. وَعَلَى اللَّهِ فَلْيَتَوَكَّلِ الْمُؤْمِنُونَ . .
وَتَخْتَلِفُ الرِّوَايَاتُ فِي مَنْ تَعْنِيهِمْ هَذِهِ الْآيَةُ . وَلَكِنَّ الْأَرْجَحَ أَنَّهَا إِشَارَةٌ إِلَى حَادِثَةِ الْمَجْمُوعَةِ الَّتِي هَمَّتْ يَوْمَ
الْحُدَيْبِيَةِ أَنْ تَغْدِرَ بِرَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَبِالْمُسْلِمِينَ ، فَتَأْخُذَهُمْ عَلَى غِرَّةٍ . فَأَوْقَعَهُمُ اللَّهُ أَسَارَى فِي أَيْدِي الْمُسْلِمِينَ (كَمَا فَصَّلْنَا ذَلِكَ فِي تَفْسِيرِ سُورَةِ الْفَتْحِ ) .
وَأَيًّا مَا كَانَ الْحَادِثُ ، فَإِنَّ عِبْرَتَهُ فِي هَذَا الْمَقَامِ هِيَ الْمَنْشُودَةُ فِي الْمَنْهَجِ التَّرْبَوِيِّ الْفَرِيدِ ، وَهِيَ إِمَاتَةُ الْغَيْظِ وَالشَّنَآنِ لِهَؤُلَاءِ الْقَوْمِ فِي صُدُورِ الْمُسْلِمِينَ . كَيْ يَفِيئُوا إِلَى الْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ وَهُمْ يَرَوْنَ أَنَّ اللَّهَ هُوَ رَاعِيهِمْ وَكَالِئُهُمْ . وَفِي ظِلِّ الْهُدُوءِ وَالطُّمَأْنِينَةِ يُصْبِحُ ضَبْطُ النَّفْسِ ، وَسَمَاحَةُ الْقَلْبِ ، وَإِقَامَةُ الْعَدْلِ مَيْسُورَةً . وَيَسْتَحْيِي الْمُسْلِمُونَ أَنْ لَا يَفُوا بِمِيثَاقِهِمْ مَعَ اللَّهِ ; وَهُوَ يَرْعَاهُمْ وَيَكْلَؤُهُمْ ، وَيَكُفُّ الْأَيْدِيَ الْمَبْسُوطَةَ إِلَيْهِمْ .
وَلَا نَنْسَ أَنْ نَقِفَ وَقْفَةً قَصِيرَةً أَمَامَ التَّعْبِيرِ الْقُرْآنِيِّ الْمُصَوِّرِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=11إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْسُطُوا إِلَيْكُمْ أَيْدِيَهُمْ، فَكَفَّ أَيْدِيَهُمْ عَنْكُمْ . .
فِي مَقَامِ : إِذْ هَمَّ قَوْمٌ أَنْ يَبْطِشُوا بِكُمْ وَيَعْتَدُوا عَلَيْكُمْ فَحَمَاكُمُ اللَّهُ مِنْهُمْ . .
[ ص: 855 ] إِنَّ صُورَةَ وَ "حَرَكَةَ " بَسْطِ الْأَيْدِي وَكَفِّهَا أَكْثَرُ حَيَوِيَّةً مِنْ ذَلِكَ التَّعْبِيرِ الْمَعْنَوِيِّ الْآخَرِ . . وَالتَّعْبِيرُ الْقُرْآنِيُّ يَتَّبِعُ طَرِيقَةَ الصُّورَةِ وَالْحَرَكَةِ . لِأَنَّ هَذِهِ الطَّرِيقَةَ تُطْلِقُ الشِّحْنَةَ الْكَامِلَةَ فِي التَّعْبِيرِ ; كَمَا لَوْ كَانَ هَذَا التَّعْبِيرُ يُطْلَقُ لِلْمَرَّةِ الْأُولَى ، مُصَاحِبًا لِلْوَاقِعَةِ الْحِسِّيَّةِ الَّتِي يُعَبِّرُ عَنْهَا مُبْرِزًا لَهَا فِي صُورَتِهَا الْحَيَّةِ الْمُتَحَرِّكَةِ . . وَتِلْكَ طَرِيقَةُ الْقُرْآنِ .