ولما بين سبحانه وتعالى المأتي في الآية السابقة نوع بيان أوضحه مشيرا إلى ثمرة النكاح الناهية لكل ذي لب عن السفاح فقال:
nindex.php?page=treesubj&link=1970_19860_24719_29680_30180_30347_30532_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223نساؤكم أي اللاتي هن حل لكم بعقد أو ملك يمين
[ ص: 280 ] ولما كان إلقاء النطفة التي يكون منها النسل كإلقاء البذر الذي يكون منه الزرع شبههن بالمحارث دلالة على أن الغرض الأصيل طلب النسل فقال مسميا موضع الحرث باسمه موقعا اسم الجزء على الكل موحدا لأنه جنس
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223حرث لكم فأوضح ذلك.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : ليقع الخطاب بالإشارة أي في الآية الأولى لأولي الفهم وبالتصريح أي في هذه لأولي العلم لأن الحرث كما قال بعض العلماء إنما يكون في موضع الزرع - انتهى.
وفي تخصيص الحرث بالذكر وتعميم
[ ص: 281 ] جميع الكيفيات الموصلة إليه بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223فأتوا حرثكم أي الموضع الصالح للحراثة
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223أنى شئتم أي من أين وكيف إشارة إلى تحريم ما سواه لما فيه من العبث بعدم المنفعة. قال
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثعلبي : الأدبار موضع الفرث لا موضع الحرث.
ولما كانت هذه أمورا خفية لا يحمل على صالحها وتحجر عن فاسدها إلا محض الورع قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وقدموا أي أوقعوا التقديم. ولما كان السياق للجمع وهو من شهوات النفس قال مشيرا إلى الزجر عن اتباعها كل ما تهوى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223لأنفسكم أي من هذا العمل وغيره من كل ما يتعلق بالشهوات ما إذا عرض على من تهابونه وتعتقدون خيره افتخرتم به عنده وذلك بأن تصرفوا مثلا هذا العمل عن محض الشهوة إلى قصد الإعفاف وطلب الولد الذي يدوم به صالح العمل فيتصل الثواب، ومن التقديم التسمية عند الجماع على ما وردت به السنة وصرح به الحبر
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله تعالى عنهما على
[ ص: 282 ] ما نقل عنه.
ولما كانت أفعال الإنسان في الشهوات تقرب من فعل من عنده شك احتيج إلى مزيد وعظ فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223واتقوا الله أي اجعلوا بينكم وبين ما يكرهه الملك الأعظم من ذلك وغيره وقاية من الحلال أو المشتبه.
وزاد سبحانه وتعالى في الوعظ والتحذير بالتنبيه بطلب العلم وتصوير العرض فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223واعلموا أنكم ملاقوه وهو سائلكم عن جميع ما فعلتموه من دقيق وجليل وصالح وغيره فلا تقعوا فيما تستحيون منه إذا سألكم فهو أجل من كل جليل.
قال
nindex.php?page=showalam&ids=14085الحرالي : وفيه إشعار بما يجري في أثناء ذلك من الأحكام التي لا يصل إليها أحكام حكام الدنيا مما لا يقع الفصل فيه إلا في الآخرة من حيث إن أمر ما بين الزوجين سر لا يفشى، قال عليه الصلاة والسلام:
nindex.php?page=hadith&LINKID=75530لا يسأل الرجل فيم ضرب امرأته وقال:
لا أحب للمرأة أن تشكو زوجها [ ص: 283 ] فأنبأ تعالى أن أمر ما بين الزوجين مؤخر حكمه إلى لقاء الله عز وجل حفيظة على ما بين الزوجين ليبقى سرا لا يظهر أمره إلا الله تعالى، وفي إشعاره إبقاء للمروة في أن لا يحتكم الزوجان عند حاكم في الدنيا وأن يرجع كل واحد منهما إلى تقوى الله وعلمه بلقاء الله - انتهى.
ولما كان هذا لا يعقله حق عقله كل أحد أشار إلى ذلك بالالتفات إلى أكمل الخلق فقال عاطفا على ما تقديره: فأنذر المكذبين فعلا أو قولا، قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وبشر المؤمنين أي الذين صار لهم الإيمان وصفا راسخا تهيأوا به للمراقبة، وهو إشارة إلى أن مثل هذا من باب الأمانات لا يحجز عنه إلا الإخلاص في الإيمان والتمكن فيه.
وَلَمَّا بَيَّنَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى الْمَأْتِيَّ فِي الْآيَةِ السَّابِقَةِ نَوْعَ بَيَانٍ أَوْضَحَهُ مُشِيرًا إِلَى ثَمَرَةِ النِّكَاحِ النَّاهِيَةِ لِكُلِّ ذِي لُبٍّ عَنِ السِّفَاحِ فَقَالَ:
nindex.php?page=treesubj&link=1970_19860_24719_29680_30180_30347_30532_28973nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223نِسَاؤُكُمْ أَيِ اللَّاتِي هُنَّ حِلٌّ لَكُمْ بِعَقْدٍ أَوْ مِلْكٍ يَمِينٍ
[ ص: 280 ] وَلَمَّا كَانَ إِلْقَاءُ النُّطْفَةِ الَّتِي يَكُونُ مِنْهَا النَّسْلُ كَإِلْقَاءِ الْبِذْرِ الَّذِي يَكُونُ مِنْهُ الزَّرْعُ شَبَّهَهُنَّ بِالْمَحَارِثِ دَلَالَةً عَلَى أَنَّ الْغَرَضَ الْأَصِيلَ طَلَبُ النَّسْلِ فَقَالَ مُسَمِّيًا مَوْضِعَ الْحَرْثِ بِاسْمِهِ مُوقِعًا اسْمَ الْجُزْءِ عَلَى الْكُلِّ مُوَحَّدًا لِأَنَّهُ جِنْسٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223حَرْثٌ لَكُمْ فَأَوْضَحَ ذَلِكَ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : لِيَقَعَ الْخِطَابُ بِالْإِشَارَةِ أَيْ فِي الْآيَةِ الْأُولَى لِأُولِي الْفَهْمِ وَبِالتَّصْرِيحِ أَيْ فِي هَذِهِ لِأُولِي الْعِلْمِ لِأَنَّ الْحَرْثَ كَمَا قَالَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ إِنَّمَا يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الزَّرْعِ - انْتَهَى.
وَفِي تَخْصِيصِ الْحَرْثِ بِالذِّكْرِ وَتَعْمِيمِ
[ ص: 281 ] جَمِيعِ الْكَيْفِيَّاتِ الْمُوَصِّلَةِ إِلَيْهِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَيِ الْمَوْضِعَ الصَّالِحَ لِلْحِرَاثَةِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223أَنَّى شِئْتُمْ أَيْ مِنْ أَيْنَ وَكَيْفَ إِشَارَةً إِلَى تَحْرِيمِ مَا سِوَاهُ لِمَا فِيهِ مِنَ الْعَبَثِ بِعَدَمِ الْمَنْفَعَةِ. قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13968الثَّعْلَبِيُّ : الْأَدْبَارُ مَوْضِعُ الْفَرْثِ لَا مَوْضِعُ الْحَرْثِ.
وَلَمَّا كَانَتْ هَذِهِ أُمُورًا خَفِيَّةً لَا يُحْمَلُ عَلَى صَالِحِهَا وَتُحْجَرُ عَنْ فَاسِدِهَا إِلَّا مَحْضَ الْوَرَعِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَقَدِّمُوا أَيْ أَوْقِعُوا التَّقْدِيمَ. وَلَمَّا كَانَ السِّيَاقُ لِلْجَمْعِ وَهُوَ مِنْ شَهَوَاتِ النَّفْسِ قَالَ مُشِيرًا إِلَى الزَّجْرِ عَنِ اتِّبَاعِهَا كُلَّ مَا تَهْوَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223لأَنْفُسِكُمْ أَيْ مِنْ هَذَا الْعَمَلِ وَغَيْرِهِ مَنْ كُلِّ مَا يَتَعَلَّقُ بِالشَّهَوَاتِ مَا إِذَا عَرَضَ عَلَى مَنْ تَهَابُونَهُ وَتَعْتَقِدُونَ خَيْرَهُ افْتَخَرْتُمْ بِهِ عِنْدَهُ وَذَلِكَ بِأَنْ تَصْرِفُوا مَثَلًا هَذَا الْعَمَلَ عَنْ مَحْضِ الشَّهْوَةِ إِلَى قَصْدِ الْإِعْفَافِ وَطَلَبِ الْوَلَدِ الَّذِي يَدُومُ بِهِ صَالِحُ الْعَمَلِ فَيَتَّصِلُ الثَّوَابُ، وَمِنَ التَّقْدِيمِ التَّسْمِيَةُ عِنْدَ الْجِمَاعِ عَلَى مَا وَرَدَتْ بِهِ السُّنَّةُ وَصَرَّحَ بِهِ الْحَبْرُ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمَا عَلَى
[ ص: 282 ] مَا نُقِلَ عَنْهُ.
وَلَمَّا كَانَتْ أَفْعَالُ الْإِنْسَانِ فِي الشَّهَوَاتِ تُقَرِّبُ مِنْ فِعْلِ مَنْ عِنْدَهُ شَكٌّ احْتِيجَ إِلَى مَزِيدِ وَعْظٍ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَاتَّقُوا اللَّهَ أَيِ اجْعَلُوا بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَا يَكْرَهُهُ الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ مِنْ ذَلِكَ وَغَيْرِهِ وِقَايَةً مِنَ الْحَلَالِ أَوِ الْمُشْتَبَهِ.
وَزَادَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى فِي الْوَعْظِ وَالتَّحْذِيرِ بِالتَّنْبِيهِ بِطَلَبِ الْعِلْمِ وَتَصْوِيرِ الْعَرْضِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَاعْلَمُوا أَنَّكُمْ مُلاقُوهُ وَهُوَ سَائِلُكُمْ عَنْ جَمِيعِ مَا فَعَلْتُمُوهُ مِنْ دَقِيقٍ وَجَلِيلٍ وَصَالِحٍ وَغَيْرِهِ فَلَا تَقَعُوا فِيمَا تَسْتَحْيُونَ مِنْهُ إِذَا سَأَلَكُمْ فَهُوَ أَجَلُّ مَنْ كُلِّ جَلِيلٍ.
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14085الْحَرَالِيُّ : وَفِيهِ إِشْعَارٌ بِمَا يَجْرِي فِي أَثْنَاءِ ذَلِكَ مِنَ الْأَحْكَامِ الَّتِي لَا يَصِلُ إِلَيْهَا أَحْكَامُ حُكَّامِ الدُّنْيَا مِمَّا لَا يَقَعُ الْفَصْلُ فِيهِ إِلَّا فِي الْآخِرَةِ مِنْ حَيْثُ إِنَّ أَمْرَ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ سِرٌّ لَا يُفْشَى، قَالَ عَلَيْهِ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ:
nindex.php?page=hadith&LINKID=75530لَا يُسْأَلُ الرَّجُلُ فِيمَ ضَرَبَ امْرَأَتَهُ وَقَالَ:
لَا أُحِبُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَشْكُوَ زَوْجَهَا [ ص: 283 ] فَأَنْبَأَ تَعَالَى أَنَّ أَمْرَ مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ مُؤَخَّرٌ حُكْمُهُ إِلَى لِقَاءِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ حَفِيظَةً عَلَى مَا بَيْنَ الزَّوْجَيْنِ لِيَبْقَى سِرًّا لَا يُظْهِرُ أَمْرَهُ إِلَّا اللَّهُ تَعَالَى، وَفِي إِشْعَارِهِ إِبْقَاءٌ لِلْمَرُوَّةِ فِي أَنْ لَا يَحْتَكِمَ الزَّوْجَانِ عِنْدَ حَاكِمٍ فِي الدُّنْيَا وَأَنْ يَرْجِعَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا إِلَى تَقْوَى اللَّهِ وَعِلْمِهِ بِلِقَاءِ اللَّهِ - انْتَهَى.
وَلَمَّا كَانَ هَذَا لَا يَعْقِلُهُ حَقَّ عَقْلِهِ كُلُّ أَحَدٍ أَشَارَ إِلَى ذَلِكَ بِالِالْتِفَاتِ إِلَى أَكْمَلِ الْخَلْقِ فَقَالَ عَاطِفًا عَلَى مَا تَقْدِيرُهُ: فَأَنْذِرِ الْمُكَذِّبِينَ فِعْلًا أَوْ قَوْلًا، قَوْلَهُ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=223وَبَشِّرِ الْمُؤْمِنِينَ أَيِ الَّذِينَ صَارَ لَهُمُ الْإِيمَانُ وَصْفًا رَاسِخًا تَهَيَّأُوا بِهِ لِلْمُرَاقَبَةِ، وَهُوَ إِشَارَةٌ إِلَى أَنَّ مِثْلَ هَذَا مِنْ بَابِ الْأَمَانَاتِ لَا يَحْجِزُ عَنْهُ إِلَّا الْإِخْلَاصُ فِي الْإِيمَانِ وَالتَّمَكُّنِ فِيهِ.