ولما نفى عنهم الإيمان، وكان ربما غلط شخص في نفسه [فظن] أنه مؤمن، وليس كذلك، أخبر بالمؤمن على سبيل الحصر ذاكرا أمارته الظاهرة الباطنة، وهي أمهات الفضائل: العلم والعفة والشجاعة، فقال جوابا لمن قال: فمن الذي آمن؟ عادلا عن جوابه إلى وصف الراسخ ترغيبا في الاتصاف بوصفه وإيذانا بأن المخبر عن نفسه بآية إيمانه لا يريد إلا أنه راسخ:
nindex.php?page=treesubj&link=19474_29680_30483_30502_34290_34478_7856_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إنما المؤمنون أي: العريقون في الإيمان الذي هو حياة القلوب، قال
القشيري: والقلوب لا تحيا إلا بعد ذبح النفوس،
[ ص: 389 ] والنفوس لا تموت ولكنها تعيش
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الذين آمنوا أي: صدقوا معترفين
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15بالله معتقدين جميع ما له من صفات الكمال
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15ورسوله شاهدين برسالته، وهذا هو المعرفة التي هي العلم، وغايتها الحكمة، وهذا الإثبات هنا يدل على [أن] المنفي فيما قيل الكمال لا المطلق، وإلا لقال: "إنما الذين آمنوا".
ولما كان هذا عظيما والثبات عليه أعظم، وهو عين الحكمة، أشار إلى عظيم مزية الثبات بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15ثم أي: بعد امتطاء هذه الرتبة العظيمة [
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15لم يرتابوا أي: ينازعوا] الفطرة الأولى في تعمد التسبب إلى الشك ولم يوقعوا الشك في وقت من الأوقات الكائنة بعد الإيمان، فلا يزال على تطاول الأزمنة وحصول الفتن وصفهم بعد الريب غضا جديدا، ولعله عبر بصيغة الافتعال إشارة إلى
nindex.php?page=treesubj&link=30534العفو عن حديث النفس الذي لا يستطيع الإنسان دفع أصله ويكرهه غاية الكراهة ويجتهد في دفعه، فإذا أنفس المذموم المشي معه والمطاولة منه حتى يستحكم.
ولما ذكر الأمارة الباطنة على وجه جامع لجميع العبادات المالية والبدنية قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15وجاهدوا أي: أوقعوا الجهاد بكل ما ينبغي أن تجهد النفس فيه تصديقا لما ادعوه بألسنتهم من الإيمان
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15بأموالهم وذلك هو العفة
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15وأنفسهم أعم من النية وغيرها، وذلك هو
[ ص: 390 ] الشجاعة، وقدم الأموال لقلتها في ذلك الزمان عند
العرب nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15في سبيل الله أي: طريق الملك الأعظم بقتال الكفار وغيره من سائر العبادات المحتاجة إلى المال والنفس لا الذين يتخلفون ويقولون: شغلتنا أموالنا وأهلونا، قال
القشيري: جعل [الله] الإيمان مشروطا بخصال ذكرها، وذكر بلفظ "إنما" وهي للتحقيق، تقتضي الطرد والعكس، فمن أفرد الإيمان عن شرائطه التي جعلها له فمردود [عليه] قوله، والإيمان للعبد الأمان، فإيمان لا يوجب الأمان لصاحبه فخلافه أولى به.
ولما عرف بهم بذكر أمارتهم على سبيل الحصر، أنتج ذلك حصرا آخر قطعا لأطماع المدعين على وجه أثنى عليهم فيه بما تعظم المدحة به عندهم ترغيبا في مثل حالهم فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15أولئك أي العالو الرتبة الذين حصل لهم استواء الأخلاق والعدل في الدين بجميع أمهات الأخلاق
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15هم أي: خاصة
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الصادقون قالا وحالا وفعالا، وأما غيرهم فكاذب.
وَلَمَّا نَفَى عَنْهُمُ الْإِيمَانَ، وَكَانَ رُبَّمَا غَلِطَ شَخْصٌ فِي نَفْسِهِ [فَظَنَّ] أَنَّهُ مُؤْمِنٌ، وَلَيْسَ كَذَلِكَ، أَخْبَرَ بِالْمُؤْمِنِ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ ذَاكِرًا أَمَارَتَهُ الظَّاهِرَةَ الْبَاطِنَةَ، وَهِيَ أُمَّهَاتُ الْفَضَائِلِ: الْعِلْمُ وَالْعِفَّةُ وَالشَّجَاعَةُ، فَقَالَ جَوَابًا لِمَنْ قَالَ: فَمَنِ الَّذِي آمَنَ؟ عَادِلًا عَنْ جَوَابِهِ إِلَى وَصْفِ الرَّاسِخِ تَرْغِيبًا فِي الِاتِّصَافِ بِوَصْفِهِ وَإِيذَانًا بِأَنَّ الْمُخْبِرَ عَنْ نَفْسِهِ بِآيَةِ إِيمَانِهِ لَا يُرِيدُ إِلَّا أَنَّهُ رَاسِخٌ:
nindex.php?page=treesubj&link=19474_29680_30483_30502_34290_34478_7856_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ أَيِ: الْعَرِيقُونَ فِي الْإِيمَانِ الَّذِي هُوَ حَيَاةُ الْقُلُوبِ، قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ: وَالْقُلُوبُ لَا تَحْيَا إِلَّا بَعْدَ ذَبْحِ النُّفُوسِ،
[ ص: 389 ] وَالنُّفُوسُ لَا تَمُوتُ وَلَكِنَّهَا تَعِيشُ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الَّذِينَ آمَنُوا أَيْ: صَدَّقُوا مُعْتَرِفِينَ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15بِاللَّهِ مُعْتَقِدِينَ جَمِيعَ مَا لَهُ مِنْ صِفَاتِ الْكَمَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15وَرَسُولِهِ شَاهِدِينَ بِرِسَالَتِهِ، وَهَذَا هُوَ الْمَعْرِفَةُ الَّتِي هِيَ الْعِلْمُ، وَغَايَتُهَا الْحِكْمَةُ، وَهَذَا الْإِثْبَاتُ هُنَا يَدُلُّ عَلَى [أَنَّ] الْمَنْفِيَّ فِيمَا قِيلَ الْكَمَالُ لَا الْمُطْلَقُ، وَإِلَّا لَقَالَ: "إِنَّمَا الَّذِينَ آمَنُوا".
وَلَمَّا كَانَ هَذَا عَظِيمًا وَالثَّبَاتُ عَلَيْهِ أَعْظَمَ، وَهُوَ عَيْنُ الْحِكْمَةِ، أَشَارَ إِلَى عَظِيمِ مَزِيَّةِ الثَّبَاتِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15ثُمَّ أَيْ: بَعْدَ امْتِطَاءِ هَذِهِ الرُّتْبَةِ الْعَظِيمَةِ [
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15لَمْ يَرْتَابُوا أَيْ: يُنَازِعُوا] الْفِطْرَةَ الْأُولَى فِي تَعَمُّدِ التَّسَبُّبِ إِلَى الشَّكِّ وَلَمْ يُوقِعُوا الشَّكَّ فِي وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ الْكَائِنَةِ بَعْدَ الْإِيمَانِ، فَلَا يَزَالُ عَلَى تَطَاوُلِ الْأَزْمِنَةِ وَحُصُولِ الْفِتَنِ وَصْفُهُمْ بَعْدَ الرَّيْبِ غَضًّا جَدِيدًا، وَلَعَلَّهُ عَبَّرَ بِصِيغَةِ الِافْتِعَالِ إِشَارَةً إِلَى
nindex.php?page=treesubj&link=30534الْعَفْوِ عَنْ حَدِيثِ النَّفْسِ الَّذِي لَا يَسْتَطِيعُ الْإِنْسَانُ دَفْعَ أَصْلِهِ وَيَكْرَهُهُ غَايَةَ الْكَرَاهَةِ وَيَجْتَهِدُ فِي دَفْعِهِ، فَإِذَا أَنْفَسُ الْمَذْمُومِ الْمَشْيُ مَعَهُ وَالْمُطَاوَلَةُ مِنْهُ حَتَّى يَسْتَحْكِمَ.
وَلَمَّا ذَكَرَ الْأَمَارَةَ الْبَاطِنَةَ عَلَى وَجْهٍ جَامِعٍ لِجَمِيعِ الْعِبَادَاتِ الْمَالِيَّةِ وَالْبَدَنِيَّةِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15وَجَاهَدُوا أَيْ: أَوْقَعُوا الْجِهَادَ بِكُلِّ مَا يَنْبَغِي أَنْ تُجْهَدَ النَّفْسُ فِيهِ تَصْدِيقًا لِمَا ادَّعَوْهُ بِأَلْسِنَتِهِمْ مِنَ الْإِيمَانِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15بِأَمْوَالِهِمْ وَذَلِكَ هُوَ الْعِفَّةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15وَأَنْفُسِهِمْ أَعَمُّ مِنَ النِّيَّةِ وَغَيْرِهَا، وَذَلِكَ هُوَ
[ ص: 390 ] الشَّجَاعَةُ، وَقَدَّمَ الْأَمْوَالَ لِقِلَّتِهَا فِي ذَلِكَ الزَّمَانِ عِنْدَ
الْعَرَبِ nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15فِي سَبِيلِ اللَّهِ أَيْ: طَرِيقِ الْمَلِكِ الْأَعْظَمِ بِقِتَالِ الْكُفَّارِ وَغَيْرِهِ مِنْ سَائِرِ الْعِبَادَاتِ الْمُحْتَاجَةِ إِلَى الْمَالِ وَالنَّفْسِ لَا الَّذِينَ يَتَخَلَّفُونَ وَيَقُولُونَ: شَغَلَتْنَا أَمْوَالُنَا وَأَهْلُونَا، قَالَ
الْقُشَيْرِيُّ: جَعَلَ [اللَّهُ] الْإِيمَانَ مَشْرُوطًا بِخِصَالٍ ذَكَرَهَا، وَذَكَرَ بِلَفْظِ "إِنَّمَا" وَهِيَ لِلتَّحْقِيقِ، تَقْتَضِي الطَّرْدَ وَالْعَكْسَ، فَمَنْ أَفْرَدَ الْإِيمَانَ عَنْ شَرَائِطِهِ الَّتِي جَعَلَهَا لَهُ فَمَرْدُودٌ [عَلَيْهِ] قَوْلُهُ، وَالْإِيمَانُ لِلْعَبْدِ الْأَمَانُ، فَإِيمَانٌ لَا يُوجِبُ الْأَمَانَ لِصَاحِبِهِ فَخِلَافُهُ أَوْلَى بِهِ.
وَلَمَّا عَرَّفَ بِهِمْ بِذِكْرِ أَمَارَتِهِمْ عَلَى سَبِيلِ الْحَصْرِ، أَنْتَجَ ذَلِكَ حَصْرًا آخَرَ قَطْعًا لِأَطْمَاعِ الْمُدَّعِينَ عَلَى وَجْهٍ أَثْنَى عَلَيْهِمْ فِيهِ بِمَا تَعْظُمُ الْمِدْحَةُ بِهِ عِنْدَهُمْ تَرْغِيبًا فِي مِثْلِ حَالِهِمْ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15أُولَئِكَ أَيِ الْعَالُو الرُّتْبَةِ الَّذِينَ حَصَلَ لَهُمُ اسْتِوَاءُ الْأَخْلَاقِ وَالْعَدْلُ فِي الدِّينِ بِجَمِيعِ أُمَّهَاتِ الْأَخْلَاقِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15هُمُ أَيْ: خَاصَّةً
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=15الصَّادِقُونَ قَالَا وَحَالًا وَفِعَالًا، وَأَمَّا غَيْرُهُمْ فَكَاذِبٌ.