ولما كان قولهم هذا صورته صورة المنة، قال مترجما له مبكتا لهم عليه معبرا بالمضارع تصويرا لحاله في شناعته:
nindex.php?page=treesubj&link=29711_34216_34274_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يمنون عليك أي: يذكرون ذكر من اصطنع [عندك] صنيعة وأسدى إليك نعمة، إنما فعلها لحاجتك إليها لا لقصد الثواب عليها؛ لأن المن هو القطع - قال في الكشاف: لأنه إنما يسديها إليه ليقطع بها حاجته [لا غير]، من
[ ص: 392 ] غير أن يعمد لطلب مثوبة، ثم يقال: من عليه ضيعة - إذا اعتده عليه منة وإنعاما. ولما كان الإسلام ظاهرا في الدين الذي هو الانقياد بالظاهر مع إذعان [الباطن] لم يعبر به، وقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فإن أسلموا أي: أوقعوا الانقياد للأحكام في الظاهر.
ولما كان المن هو القطع من العطاء الذي لا يراد عليه جزاء، قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17قل أي: في جواب قولهم هذا:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17لا تمنوا معبرا بما من المن إشارة إلى أن الإسلام لا يطلب جزاؤه إلا من الله، فلا ينبغي عده صنيعة على أحد، فإن ذلك يفسده
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17علي إسلامكم لو فرض أنكم كنتم مسلمين أي متدينين بدين الإسلام الذي هو انقياد الظاهر مع إذعان الباطن، [أي] لا تذكروه على وجه الامتنان أصلا، فالفعل وهو
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17تمنوا مضمن: "تذكروا" نفسه لا معناه كما تقدم [في]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185ولتكبروا الله على ما هداكم nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17بل الله أي: الملك الأعظم الذي له المنة على كل موجود ولا منة عليه بوجه
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يمن عليكم أي: يذكر أنه أسدى إليكم نعمه ظاهرة وباطنة منها ما هو
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17أن أي: بأن
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17هداكم للإيمان أي: بينه لكم أو وفقكم للاهتداء وهو تصديق الباطن مع الانقياد بالظاهر، والتعبير عن هذا بالمن أحق مواضعه؛ فإنه سبحانه غير محتاج إلى عمل؛ فإنه لا نفع يلحقه ولا ضر، وإنما طلب الأعمال لنفع العاملين أنفسهم، ومن عليهم بأن أرسل رسوله صلى الله
[ ص: 393 ] عليه وسلم فبين لهم فكذبوه بأجمعهم، فلم يزل يقويه حتى أظهر فيه [آية] مجده وأظهر دينه على الدين كله، ودخل فيه الناس طوعا وكرها على وجوه من المجد يعرفها من استحضر السيرة ولا سيما من عرف أمر
بني أسد وغطفان الذين نزلت فيهم هذه الآيات، وكيف كان حالهم في غزوة خيبر وغيره.
ولما كان [المراد] بهذا تجهيلهم وتعليمهم حقائق الأمور، لا الشهادة لهم بالهداية، قال منبها على ذلك:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17إن كنتم أي: كونا أنتم عريقون فيه
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17صادقين في ادعائكم ذلك، فإنه على تقدير الصدق إنما هو بتوفيق الله وهو الذي خلق لكم قدرة الطاعة، فهو الفاعل في الحقيقة فله المنة عليكم، قال الأستاذ
أبو القاسم القشيري: من لاحظ شيئا من أعماله وأحواله فإن رآها دون نفسه كان شركا، وإن رآها لنفسه كان مكرا، فكيف يمن العبد بما هو شرك أو مكر، والذي يجب عليه قبول المنة كيف يرى لنفسه على غيره منة، هذا لعمري فضيحة، والمنة تكدر الصنيعة، إذا كانت من المخلوقين، وبالمنة تطيب النعمة إذا كانت من قبل الله.
وَلَمَّا كَانَ قَوْلُهُمْ هَذَا صُورَتُهُ صُورَةُ الْمِنَّةِ، قَالَ مُتَرْجِمًا لَهُ مُبَكِّتًا لَهُمْ عَلَيْهِ مُعَبِّرًا بِالْمُضَارِعِ تَصْوِيرًا لِحَالِهِ فِي شَنَاعَتِهِ:
nindex.php?page=treesubj&link=29711_34216_34274_29020nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَيْ: يَذْكُرُونَ ذِكْرَ مَنِ اصْطَنَعَ [عِنْدَكَ] صَنِيعَةً وَأَسْدَى إِلَيْكَ نِعْمَةً، إِنَّمَا فَعَلَهَا لِحَاجَتِكَ إِلَيْهَا لَا لِقَصْدِ الثَّوَابِ عَلَيْهَا؛ لِأَنَّ الْمَنَّ هُوَ الْقَطْعُ - قَالَ فِي الْكَشَّافِ: لِأَنَّهُ إِنَّمَا يُسْدِيهَا إِلَيْهِ لِيَقْطَعَ بِهَا حَاجَتَهُ [لَا غَيْرَ]، مِنْ
[ ص: 392 ] غَيْرِ أَنْ يَعْمِدَ لِطَلَبِ مَثُوبَةٍ، ثُمَّ يُقَالُ: مَنْ عَلَيْهِ ضَيْعَةٌ - إِذَا اعْتَدَّهُ عَلَيْهِ مِنَّةً وَإِنْعَامًا. وَلَمَّا كَانَ الْإِسْلَامُ ظَاهِرًا فِي الدِّينِ الَّذِي هُوَ الِانْقِيَادُ بِالظَّاهِرِ مَعَ إِذْعَانِ [الْبَاطِنِ] لَمْ يُعَبِّرْ بِهِ، وَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=20فَإِنْ أَسْلَمُوا أَيْ: أَوْقَعُوا الِانْقِيَادَ لِلْأَحْكَامِ فِي الظَّاهِرِ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَنُّ هُوَ الْقَطْعَ مِنَ الْعَطَاءِ الَّذِي لَا يُرَادُ عَلَيْهِ جَزَاءٌ، قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17قُلْ أَيْ: فِي جَوَابِ قَوْلِهِمْ هَذَا:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17لا تَمُنُّوا مُعَبِّرًا بِمَا مِنَ الْمَنِّ إِشَارَةً إِلَى أَنَّ الْإِسْلَامَ لَا يُطْلَبُ جَزَاؤُهُ إِلَّا مِنَ اللَّهِ، فَلَا يَنْبَغِي عَدُّهُ صَنِيعَةً عَلَى أَحَدٍ، فَإِنَّ ذَلِكَ يُفْسِدُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17عَلَيَّ إِسْلامَكُمْ لَوْ فُرِضَ أَنَّكُمْ كُنْتُمْ مُسْلِمِينَ أَيْ مُتَدَيِّنِينَ بِدِينِ الْإِسْلَامِ الَّذِي هُوَ انْقِيَادُ الظَّاهِرِ مَعَ إِذْعَانِ الْبَاطِنِ، [أَيْ] لَا تَذْكُرُوهُ عَلَى وَجْهِ الِامْتِنَانِ أَصْلًا، فَالْفِعْلُ وَهُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17تَمُنُّوا مُضَمَّنٌ: "تَذْكُرُوا" نَفْسِهِ لَا مَعْنَاهُ كَمَا تَقَدَّمَ [فِي]
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=185وَلِتُكَبِّرُوا اللَّهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17بَلِ اللَّهُ أَيِ: الْمَلِكُ الْأَعْظَمُ الَّذِي لَهُ الْمِنَّةُ عَلَى كُلِّ مَوْجُودٍ وَلَا مِنَّةَ عَلَيْهِ بِوَجْهٍ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَيْ: يَذْكُرُ أَنَّهُ أَسْدَى إِلَيْكُمْ نِعَمَهُ ظَاهِرَةً وَبَاطِنَةً مِنْهَا مَا هُوَ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17أَنْ أَيْ: بِأَنْ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17هَدَاكُمْ لِلإِيمَانِ أَيْ: بَيَّنَهُ لَكُمْ أَوْ وَفَّقَكُمْ لِلِاهْتِدَاءِ وَهُوَ تَصْدِيقُ الْبَاطِنِ مَعَ الِانْقِيَادِ بِالظَّاهِرِ، وَالتَّعْبِيرُ عَنْ هَذَا بِالْمَنِّ أَحَقُّ مَوَاضِعِهِ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ غَيْرُ مُحْتَاجٍ إِلَى عَمَلٍ؛ فَإِنَّهُ لَا نَفْعَ يَلْحَقُهُ وَلَا ضُرَّ، وَإِنَّمَا طَلَبَ الْأَعْمَالَ لِنَفْعِ الْعَامِلِينَ أَنْفُسِهِمْ، وَمَنَّ عَلَيْهِمْ بِأَنْ أَرْسَلَ رَسُولَهُ صَلَّى اللَّهُ
[ ص: 393 ] عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَبَيَّنَ لَهُمْ فَكَذَّبُوهُ بِأَجْمَعِهِمْ، فَلَمْ يَزَلْ يُقَوِّيهِ حَتَّى أَظْهَرَ فِيهِ [آيَةَ] مَجْدِهِ وَأَظْهَرَ دِينَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ، وَدَخَلَ فِيهِ النَّاسُ طَوْعًا وَكَرْهًا عَلَى وُجُوهٍ مِنَ الْمَجْدِ يَعْرِفُهَا مَنِ اسْتَحْضَرَ السِّيرَةَ وَلَا سِيَّمَا مَنْ عَرَفَ أَمْرَ
بَنِي أَسَدٍ وَغَطَفَانَ الَّذِينَ نَزَلَتْ فِيهِمْ هَذِهِ الْآيَاتُ، وَكَيْفَ كَانَ حَالُهُمْ فِي غَزْوَةِ خَيْبَرَ وَغَيْرِهِ.
وَلَمَّا كَانَ [الْمُرَادُ] بِهَذَا تَجْهِيلَهُمْ وَتَعْلِيمَهُمْ حَقَائِقَ الْأُمُورِ، لَا الشَّهَادَةَ لَهُمْ بِالْهِدَايَةِ، قَالَ مُنَبِّهًا عَلَى ذَلِكَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17إِنْ كُنْتُمْ أَيْ: كَوْنًا أَنْتُمْ عَرِيقُونَ فِيهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=49&ayano=17صَادِقِينَ فِي ادِّعَائِكُمْ ذَلِكَ، فَإِنَّهُ عَلَى تَقْدِيرِ الصِّدْقِ إِنَّمَا هُوَ بِتَوْفِيقِ اللَّهِ وَهُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ قُدْرَةَ الطَّاعَةِ، فَهُوَ الْفَاعِلُ فِي الْحَقِيقَةِ فَلَهُ الْمِنَّةُ عَلَيْكُمْ، قَالَ الْأُسْتَاذُ
أَبُو الْقَاسِمِ الْقُشَيْرِيُّ: مَنْ لَاحَظَ شَيْئًا مِنْ أَعْمَالِهِ وَأَحْوَالِهِ فَإِنْ رَآهَا دُونَ نَفْسِهِ كَانَ شِرْكًا، وَإِنْ رَآهَا لِنَفْسِهِ كَانَ مَكْرًا، فَكَيْفَ يَمُنُّ الْعَبْدُ بِمَا هُوَ شِرْكٌ أَوْ مَكْرٌ، وَالَّذِي يَجِبُ عَلَيْهِ قَبُولُ الْمِنَّةِ كَيْفَ يَرَى لِنَفْسِهِ عَلَى غَيْرِهِ مِنَّةٌ، هَذَا لَعَمْرِي فَضِيحَةٌ، وَالْمِنَّةُ تُكَدِّرُ الصَّنِيعَةَ، إِذَا كَانَتْ مِنَ الْمَخْلُوقِينَ، وَبِالْمِنَّةِ تَطِيبُ النِّعْمَةُ إِذَا كَانَتْ مِنْ قِبَلِ اللَّهِ.