ولما دل هذا كله على أنه دعا على أعداء الله، دعا أيضا لأوليائه وبدأ بنفسه لأنه رأس تلك الأمة، فقال مسقطا على عادة أهل الخصوص:
nindex.php?page=treesubj&link=18017_20009_20027_32064_32079_33175_33177_34513_29042nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28رب أي أيها المحسن إلي باتباع من اتبعني وتجنب من تجنبني، فإن من كانت طبيعته طبعت على شيء لا تحول عنه.
ولما كان المقام الأعلى أجل من أن يقدره أحد حق قدره قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28اغفر لي أي فإنه لا يسعني وإن كنت معصوما إلا حلمك وعفوك
[ ص: 459 ] ورحمتك. ولما أظهر بتواضعه عظمة الله سبحانه وتعالى رتب المدعو لهم [ على -] الأحق فالأحق [ فقال-] :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28ولوالدي وكانا مؤمنين وهما لمك بن متوشلخ وشمخاء بنت أنوش، قال
أبو حيان : وقال
nindex.php?page=showalam&ids=11ابن عباس رضي الله عنهما: لم يكفر
لنوح عليه السلام أب فيما بينه وبين
آدم عليهم الصلاة والسلام. وأعاد الجار [ إظهارا -] للاهتمام فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28ولمن دخل بيتي لأن المتحرم بالإنسان له حق أكيد لا سيما إن كان مخلصا في حبه، ولذا قال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28مؤمنا ولما خص عم وأعاد الجار أيضا اهتماما فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28وللمؤمنين والمؤمنات أي العريقين في هذا الوصف في [ كل -] أمة إلى آخر الدهر [ و-] لا تزدهم في حال من الأحوال شيئا من الأشياء إلا مفازا.
ولما كان التقدير بما أرشد إليه الاحتباك: ولا تكرم المارقين، عطف عليه قوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28ولا تزد الظالمين أي العريقين في الظلم في حال من الأحوال
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28إلا تبارا أي إلا هلاكا مدمرا مفتتا لصورهم قاطعا لأعقابهم مخربا لديارهم وكما استجاب الله سبحانه وتعالى له في أهل الإيمان والكفران من أهل ذلك الزمان فكذلك يستجيب له في أهل الإيمان وأهل الخسران بالسعادة والتبار في جميع الأعصار
[ ص: 460 ] إلى أن يقفوا بين يدي العزيز الجبار، والآية من الاحتباك: إثبات الدعاء المقتضي لأصل إكرام المؤمنين أولا مرشد إلى حذف الدعاء المفهم لأصل إهانة الكافرين ثانيا، وإثبات الدعاء بزيادة التبار [ ثانيا مفهم لحذف الدعاء الموجب لزيادة المفاز أولا، وهذا الآخر المفصح بالتبار -] هو ما أرشد إليه الابتداء بالإنذار، فقد انطبق الآخر على الأول على أصرح وجه وأكمل، وأحسن حال وأجمل منال، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم والحمد لله تعالى على كل حال.
وَلَمَّا دَلَّ هَذَا كُلُّهُ عَلَى أَنَّهُ دَعَا عَلَى أَعْدَاءِ اللَّهِ، دَعَا أَيْضًا لِأَوْلِيَائِهِ وَبَدَأَ بِنَفْسِهِ لِأَنَّهُ رَأْسُ تِلْكَ الْأُمَّةِ، فَقَالَ مُسْقِطًا عَلَى عَادَةِ أَهْلِ الْخُصُوصِ:
nindex.php?page=treesubj&link=18017_20009_20027_32064_32079_33175_33177_34513_29042nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28رَبِّ أَيْ أَيُّهَا الْمُحْسِنُ إِلَيَّ بِاتِّبَاعِ مَنِ اتَّبَعَنِي وَتَجَنُّبِ مَنْ تَجَنَّبَنِي، فَإِنَّ مَنْ كَانَتْ طَبِيعَتُهُ طُبِعَتْ عَلَى شَيْءٍ لَا تُحَوُّلُ عَنْهُ.
وَلَمَّا كَانَ الْمَقَامُ الْأَعْلَى أَجْلَّ مِنْ أَنْ يُقَدِّرَهُ أَحَدٌ حَقَّ قَدْرِهِ قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28اغْفِرْ لِي أَيْ فَإِنَّهُ لَا يَسَعُنِي وَإِنْ كُنْتُ مَعْصُومًا إِلَّا حُلْمُكَ وَعَفْوُكَ
[ ص: 459 ] وَرَحْمَتُكَ. وَلَمَّا أَظْهَرَ بِتَوَاضُعِهِ عَظَمَةَ اللَّهِ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى رَتَّبَ الْمَدْعُوَّ لَهُمْ [ عَلَى -] الْأَحَقِّ فَالْأَحَقِّ [ فَقَالَ-] :
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28وَلِوَالِدَيَّ وَكَانَا مُؤْمِنَيْنِ وَهُمَا لَمْكُ بْنُ مِتْوَشَلَخْ وَشَمْخَاءُ بِنْتُ أَنْوَشَ، قَالَ
أَبُو حَيَّانَ : وَقَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11ابْنُ عَبَّاسٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا: لَمْ يَكْفُرْ
لِنُوحٍ عَلَيْهِ السَّلَامُ أَبٌ فِيمَا بَيْنَهُ وَبَيْنَ
آدَمَ عَلَيْهِمُ الصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ. وَأَعَادَ الْجَارَّ [ إِظْهَارًا -] لِلِاهْتِمَامِ فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ لِأَنَّ الْمُتَحَرِّمَ بِالْإِنْسَانِ لَهُ حَقُّ أَكِيدُ لَا سِيَّمَا إِنْ كَانَ مُخْلِصًا فِي حُبِّهِ، وَلِذَا قَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28مُؤْمِنًا وَلَمَّا خَصَّ عَمَّ وَأَعَادَ الْجَارَّ أَيْضًا اهْتِمَامًا فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ أَيِ الْعَرِيقِينَ فِي هَذَا الْوَصْفِ فِي [ كُلِّ -] أُمَّةٍ إِلَى آخِرِ الدَّهْرِ [ وَ-] لَا تَزِدْهُمْ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ شَيْئًا مِنَ الْأَشْيَاءِ إِلَّا مَفَازًا.
وَلَمَّا كَانَ التَّقْدِيرُ بِمَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ الِاحْتِبَاكُ: وَلَا تُكْرِمِ الْمَارِقِينَ، عَطَفَ عَلَيْهِ قَوْلَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28وَلا تَزِدِ الظَّالِمِينَ أَيِ الْعَرِيقِينَ فِي الظُّلْمِ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=28إِلا تَبَارًا أَيْ إِلَّا هَلَاكًا مُدَمِّرًا مُفَتِّتًا لِصُوَرِهِمْ قَاطِعًا لِأَعْقَابِهِمْ مُخَرِّبًا لِدِيَارِهِمْ وَكَمَا اسْتَجَابَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى لَهُ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ وَالْكُفْرَانِ مِنْ أَهْلِ ذَلِكَ الزَّمَانِ فَكَذَلِكَ يَسْتَجِيبُ لَهُ فِي أَهْلِ الْإِيمَانِ وَأَهْلِ الْخُسْرَانِ بِالسَّعَادَةِ وَالتَّبَارُ فِي جَمِيعِ الْأَعْصَارِ
[ ص: 460 ] إِلَى أَنْ يَقِفُوا بَيْنَ يَدَيِ الْعَزِيزِ الْجَبَّارِ، وَالْآيَةُ مِنَ الِاحْتِبَاكِ: إِثْبَاتُ الدُّعَاءِ الْمُقْتَضِي لِأَصِلِ إِكْرَامِ الْمُؤْمِنِينَ أَوَّلًا مُرْشِدٌ إِلَى حَذْفِ الدُّعَاءِ الْمُفْهِمِ لِأَصِلِ إِهَانَةِ الْكَافِرِينَ ثَانِيًا، وَإِثْبَاتِ الدُّعَاءِ بِزِيَادَةِ التَّبَارِ [ ثَانِيًا مُفْهِمٌ لِحَذْفِ الدُّعَاءِ الْمُوجِبِ لِزِيَادَةِ الْمَفَازِ أَوَّلًا، وَهَذَا الْآخَرُ الْمُفْصِحُ بِالتَّبَارِ -] هُوَ مَا أَرْشَدَ إِلَيْهِ الِابْتِدَاءُ بِالْإِنْذَارِ، فَقَدِ انْطَبَقَ الْآخَرُ عَلَى الْأَوَّلِ عَلَى أَصْرَحِ وَجْهٍ وَأَكْمَلَ، وَأَحْسَنِ حَالٍ وَأَجْمَلِ مَنَالٍ، وَلَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ الْعَلِيِّ الْعَظِيمِ وَالْحَمْدُ لِلَّهِ تَعَالَى عَلَى كُلِّ حَالٍ.