القول في تأويل قوله تعالى :
[ 119 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19474_19860_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله وكونوا مع الصادقين أي : في إيمانهم ومعاهدتهم لله ولرسوله على الطاعة ، من قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه أو هم
nindex.php?page=treesubj&link=30880الثلاثة ، أي : كونوا مثلهم في صدقهم وخلوص نيتهم .
تنبيهات :
الأول : روى الإمام
nindex.php?page=showalam&ids=12251أحمد والشيخان حديث
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب وصاحبيه مبسوطا بما يوضح هذه الآية :
قال
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزهري : أخبرني
عبد الرحمن بن عبد الله بن كعب بن مالك عن أبيه - وكان قائد
nindex.php?page=showalam&ids=331كعب من بنيه ، حين عمي - قال : سمعت
كعبا يحدث حديثه حين تخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم
[ ص: 3289 ] في غزوة
تبوك .
nindex.php?page=hadith&LINKID=706767قال nindex.php?page=showalam&ids=331كعب : لم أتخلف عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزاة غزاها قط ، إلا في غزوة تبوك ، غير أني كنت تخلفت في غزاة بدر ، ولم يعاتب أحد تخلف عنها ، وإنما خرج رسول الله صلى الله عليه وسلم يريد عير قريش ، حتى جمع الله بينهم وبين عدوهم على غير ميعاد .
ولقد شهدت مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة العقبة ، حين توافقنا على الإسلام ، وما أحب أن لي بها مشهد بدر ، وإن كانت بدر أذكر في الناس منها وأشهر .
وكان من خبري حين تخلفت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة تبوك ، أني لم أكن قط أقوى ولا أيسر مني حين تخلفت عنه في تلك الغزاة ، والله ما جمعت قبلها راحلتين قط ، حتى جمعتهما في تلك الغزاة .
وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم قلما يريد غزوة يغزوها ، إلا ورى بغيرها ، حتى كانت تلك الغزوة ، فغزاها رسول الله صلى الله عليه وسلم في حر شديد ، واستقبل سفرا بعيدا ومفاوز ، واستقبل عدوا كثيرا ، فجلى للمسلمين أمرهم ، ليتأهبوا أهبة عدوهم ، فأخبرهم وجهه الذي يريد ، والمسلمون مع رسول الله صلى الله عليه وسلم كثير ، لا يجمعهم كتاب حافظ - يريد الديوان ـ .
قال nindex.php?page=showalam&ids=331كعب : فقل رجل يريد أن يتغيب إلا ظن أن ذلك سيخفى عليه ، ما لم ينزل فيه وحي من الله عز وجل .
وغزا رسول الله صلى الله عليه وسلم تلك الغزاة ، حين طابت الثمار والظلال وأنا إليها أصعر - أي : أميل - فتجهز إليها رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنون معه ، فطفقت أغدو لكي أتجهز معهم ، فأرجع ولم أقض من جهازي شيئا ، فأقول لنفسي : أنا قادر على ذلك إذا أردت ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى استمر بالناس الجد ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم غاديا ، والمسلمون معه ، ولم أقض من جهازي شيئا ، وقلت : أتجهز بعد يوم أو يومين ، ثم ألحقه ، فغدوت بعد لأتجهز ، فرجعت ولم أقض شيئا ، فلم يزل ذلك يتمادى بي حتى أسرعوا وتفارط الغزو ، فهممت أن أرتحل فألحقهم - وليتني فعلت - ثم لم يقدر ذلك لي .
فكنت إذا خرجت في الناس ، بعد خروج رسول الله صلى الله عليه وسلم ، يحزنني أني لا أرى إلا رجلا مغموصا عليه في النفاق ، أو رجلا ممن عذره الله عز وجل . ولم يذكرني رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى بلغ تبوك . فقال وهو جالس في القوم بتبوك : « ما فعل nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك ؟ » فقال رجل من بني سلمة : حبسه يا رسول الله برداه ، والنظر في عطفيه ! فقال nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ بن جبل : بئسما قلت . والله ! يا رسول الله ما علمنا عليه إلا خيرا ! فسكت رسول الله صلى الله عليه وسلم .
[ ص: 3290 ] قال nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك : فلما بلغني أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد توجه قافلا من تبوك ، حضرني بثي أتذكر الكذب ، وأقول : بم أخرج من سخطته غدا ؟ وأستعين على ذلك بك ذي رأي من أهلي .
فلما قيل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم قد أظل قادما ، زاح عن الباطل ، وعرفت أني لم أنج منه بشيء أبدا ، فأجمعت صدقه ، فأصبح رسول الله صلى الله عليه وسلم - وكان إذا قدم من سفر بدأ بالمسجد فصلى ركعتين ثم جلس للناس - فلما فعل ذلك ، جاءه المتخلفون ، فطفقوا يعتذرون إليه ، ويحلفون له ، وكانوا بضعة وثمانين رجلا ، فيقبل منهم رسول الله علانيتهم ، ويستغفر لهم ، ويكل سرائرهم إلى الله تعالى ، حتى جئت ، فلما سلمت عليه تبسم تبسم المغضب ، ثم قال لي : « تعال ! » فجئت أمشي حتى جلست بين يديه ، فقال لي : « ما خلفك ؟ ألم تكن قد اشتريت ظهرا ؟ » فقلت يا رسول الله ! إني لو جلست عند غيرك من أهل الدنيا لرأيت أن أخرج من سخطه بعذر . لقد أعطيت جدلا ، ولكني ، والله لقد علمت ، لئن حدثتك اليوم بحديث كذب ترضى به عني ، ليوشكن الله أن يسخطك علي ، ولئن حدثتك بصدق تجد علي فيه ، إني لأرجو عقبى ذلك من الله عز وجل . والله ما كان لي عذر ، والله ! ما كنت قط أفزع ولا أيسر مني حين تخلفت عنك .
قال : فقال يا رسول الله صلى الله عليه وسلم : « أما هذا فقد صدق ، فقم حتى يقضي الله فيك ! » فقمت ، وقام إلي رجال من بني سلمة ، واتبعوني ، فقالوا لي : والله ! ما علمناك كنت أذنبت ذنبا قبل هذا ، ولقد عجزت ألا تكون اعتذرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم بما اعتذر به المتخلفون ، فقد كان كافيك من ذنبك استغفار رسول الله صلى الله عليه وسلم لك .
قال : فوالله ! ما زالوا حتى أردت أن أرجع فأكذب نفسي .
قال : ثم قلت لهم : هل لقي معي هذا أحد ؟ قالوا : نعم لقيه معك رجلان قالا مثل ما قلت ، وقيل لهما مثل ما قيل لك . قلت : فمن هما ؟ قالوا : مرارة بن الربيع العامري ، وهلال بن أمية الواقفي ، فذكروا لي رجلين صالحين قد شهدا بدرا ، لي فيهما أسوة .
[ ص: 3291 ] قال : فمضيت حين ذكروهما لي .
فقال : ونهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن كلامنا ، أيها الثلاثة ، من بين من تخلف . فاجتنبنا الناس ، وتغيروا لنا ، حتى تنكرت لي في نفسي الأرض ، فما هي بالأرض التي كنت أعرف ، فلبثنا على ذلك خمسين ليلة .
فأما صاحباي فاستكانا وقعدا في بيوتهما يبكيان ، وأما أنا فكنت أشد القوم وأجلدهم ، فكنت أشهد الصلاة مع المسلمين ، وأطوف بالأسواق ، فلا يكلمني أحد ، وآتي رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو في مجلسه بعد الصلاة ، فأسلم وأقول في نفسي : أحرك شفتيه برد السلام علي أم لا ؟ ثم أصلي قريبا منه وأسارقه النظر ، فإذا أقبلت على صلاتي نظر إلي ، فإذا التفت نحوه أعرض عني .
حتى إذا طال علي ذلك من هجر المسلمين ، مشيت حتى تسورت حائط nindex.php?page=showalam&ids=60أبي قتادة ، وهو ابن عمي ، وأحب الناس إلي ، فإذا التفت نحوه أعرض عني ، فسلمت عليه ، فوالله ! ما رد علي السلام . فقلت له : يا أبا قتادة ! أنشدك الله هل تعلم أني أحب الله ورسوله ؟ قال فسكت .
قال : فعدت له فنشدته فسكت ، فعدت له فنشدته فسكت ، فقال : الله ورسوله أعلم . قال ففاضت عيناي ، وتوليت حتى تسورت الجدار . فبينما أنا أمشي بسوق المدينة ، إذا أنا بنبطي من أنباط الشام ، ممن قدم بطعامه يبيعه بالمدينة ، يقول : من يدل على nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك ؟ قال فطفق الناس يشيرون إلي ، حتى جاء فدفع إلي كتابا من ملك غسان ، وكنت كاتبا ، فإذا فيه :
أما بعد فقد بلغنا أن صاحبك قد جفاك ، وإن الله لم يجعلك بدار هوان ولا مضيعة ، فالحق بنا نواسك .
قال - فقلت حين قرأته - : وهذا أيضا من البلاء .
قال : فتيممت به التنور فسجرته به . حتى إذا مضت أربعون ليلة من الخمسين ، إذا برسول رسول الله صلى الله عليه وسلم يأتيني يقول : [ ص: 3292 ] يأمرك رسول الله صلى الله عليه وسلم أن تعتزل امرأتك . قال : فقلت : أطلقها أم ماذا أفعل ؟ فقال : بل اعتزلها ولا تقربها .
قال : وأرسل إلى صاحبي بمثل ذلك . قال : فقلت لامرأتي : الحقي بأهلك فكوني عندهم حتى يقضي الله في هذا الأمر ما يشاء ! قال : فجاءت امرأة هلال بن أمية رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالت : يا رسول الله ! إن هلالا شيخ ضعيف ، ليس له خادم ، فهل تكره أن أخدمه ؟ قال : لا ، ولكن لا يقربك ! قالت : وإنه والله ! ما به من حركة إلى شيء ، وإنه والله مازال يبكي منذ كان من أمره ما كان إلى يومه هذا .
قال : فقال لي بعض أهلي : لو استأذنت رسول الله صلى الله عليه وسلم في امرأتك ، فقد أذن لامرأة هلال أن تخدمه . قال : فقلت : والله لا أستأذن فيها رسول الله صلى الله عليه وسلم وما أدري ما يقوله فيها إذا استأذنته ، وأنا رجل شاب .
قال : فلبثنا عشر ليال ، فكمل لنا خمسون ليلة من حين انتهى عن كلامنا .
قال : ثم صليت صلاة الصبح ، صباح خمسين ليلة على ظهر بيت من بيوتنا ، فبينما أنا جالس على الحال التي ذكر الله تعالى منا ، قد ضاقت علي نفسي ، وضاقت علي الأرض بما رحبت ، سمعت صارخا أوفى على جبل سلع ، يقول بأعلى صوته : أبشر يا nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك ! قال : فخررت ساجدا ، وعرفت أن قد جاء الفرج من الله عز وجل بالتوبة علينا ، فآذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا حين صلى الفجر ، فذهب الناس يبشروننا ، وذهب قبل صاحبي مبشرون ، وركض إلي رجل فرسا ، وسعى ساع من أسلم وأوفى على الجبل ، فكان الصوت أسرع من الفرس ، فلما جاءني الذي سمعت صوته يبشرني نزعت له ثوبي فكسوته إياهما ببشراه .
والله ـ ما أملك يومئذ غيرهما - واستعرت ثوبين فلبستهما ، وانطلقت أؤم رسول الله صلى الله عليه وسلم وتلقاني الناس فوجا فوجا يهنئونني بتوبة الله ، يقولون : ليهنك توبة الله عليك ! حتى دخلت المسجد ، فإذا رسول الله صلى الله عليه وسلم جالس في المسجد ، والناس حوله ، فقام إلي nindex.php?page=showalam&ids=55طلحة بن عبيد الله يهرول ، حتى صافحني وهنأني ـ والله ! ما قام إلي رجل من المهاجرين غيره - قال : [ ص: 3293 ] فكان nindex.php?page=showalam&ids=331كعب لا ينساها nindex.php?page=showalam&ids=55لطلحة .
قال nindex.php?page=showalam&ids=331كعب : فلما سلمت على رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ـ وهو يبرق وجهه من السرور ـ : « أبشر بخير يوم مر عليك منذ ولدتك أمك ! » قال ، قلت : أمن عندك يا رسول الله أم من عند الله ؟ قال : « لا ، بل من عند الله » . قال ، وكان رسول الله إذا سر استنار وجهه ، حتى كأنه قطعة قمر ، حتى يعرف ذلك منه ، فلما جلست بين يديه قلت : يا رسول الله ! إن من توبتي أن أنخلع من مالي ، صدقة إلى الله وإلى رسوله . قال : « امسك عليك بعض مالك ، فهو خير لك » . قال ، فقلت : فإني أمسك سهمي الذي بخيبر . وقلت : يا رسول الله إنما نجاني الله بالصدق ، وإن من توبتي ألا أحدث إلا صدقا ما بقيت . قال ، فوالله ! ما أعلم أحدا من المسلمين أبلاه الله من الصدق في الحديث ، منذ ذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم ، أحسن مما أبلاني الله تعالى . والله ! ما تعمدت كذبة منذ قلت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم إلى يومي هذا ، وإني لأرجو أن يحفظني الله عز وجل فيما بقي .
قال ، وأنزل الله : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117لقد تاب الله إلى آخر الآيات .
قال nindex.php?page=showalam&ids=331كعب : فوالله ! ما أنعم علي من نعمة قط ، بعد أن هداني للإسلام ، أعظم في نفسي من صدقي رسول الله صلى الله عليه وسلم يومئذ ألا أكون كذبته فأهلك كما هلك الذين كذبوه ، فإن الله تعالى قال للذين كذبوه حين أنزل الوحي ، شر ما قال لأحد . فقال الله تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=95سيحلفون بالله لكم إذا انقلبتم إليهم لتعرضوا عنهم فأعرضوا عنهم إنهم رجس ومأواهم جهنم جزاء بما كانوا يكسبون nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=96يحلفون لكم لترضوا عنهم فإن ترضوا عنهم فإن الله لا يرضى عن القوم الفاسقين
قال : وكنا أيها الثلاثة الذين خلفنا عن أمر أولئك الذين قبل منهم رسول الله صلى الله عليه وسلم حين خلفوا ، فبايعهم واستغفر لهم ، وأرجأ رسول الله صلى الله عليه وسلم أمرنا حتى قضى الله فيه ، فبذلك قال تعالى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وعلى الثلاثة الذين خلفوا وليس الذي ذكر مما خلفنا عن الغزو ، وإنما هو تخليفه إيانا ، وإرجاؤه أمرنا عمن حلف له ، واعتذر إليه ، فقبل منه . [ ص: 3294 ] وفي رواية :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654309ونهى النبي صلى الله عليه وسلم عن كلامي ، وكلام صاحبي ، ولم ينه عن كلام أحد من المتخلفين غيرنا ، فاجتنب الناس كلامنا ، فلبث كذلك حتى طال علي الأمر ، فما من شيء أهم إلي من أن أموت ، فلا يصلي علي النبي صلى الله عليه وسلم ، أو يموت رسول الله صلى الله عليه وسلم فأكون بتلك المنزلة ، فلا يكلمني أحد منهم ، ولا يصلي علي ، ولا يسلم علي .
قال : وأنزل الله عز وجل توبتنا على نبيه صلى الله عليه وسلم حين بقي الثلث الأخير من الليل ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم عند nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة ، وكانت nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة محسنة في شأني ، معتنية بأمري . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : « يا nindex.php?page=showalam&ids=54أم سلمة تيب على nindex.php?page=showalam&ids=331كعب بن مالك » . قالت : أفلا أرسل إليه فأبشره ؟ قال : « إذا فيحطمكم الناس فيمنعونكم النوم سائر الليل » .
حتى إذا صلى رسول الله صلى الله عليه وسلم صلاة الفجر ، آذن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتوبة الله علينا - أخرجه
nindex.php?page=showalam&ids=12070البخاري nindex.php?page=showalam&ids=17080ومسلم - .
قال
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابن كثير : هذا حديث صحيح ثابت متفق على صحته ، وقد تضمن تفسير الآية بأحسن الوجوه وأبسطها .
الثاني : قال بعض المفسرين : في الآية دليل على الشدة على من فعل الخطيئة وعلى قطع ما يلهي عن الطاعة .
الثالث : في الآية دليل على التحريض على الصدق .
قال
القاشاني : في قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله أي : في جميع الرذائل بالاجتناب عنها ، خاصة رذيلة الكذب ، وذلك معنى قوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119وكونوا مع الصادقين فإن الكذب أسوء الرذائل وأقبحها ، لكونه ينافي المروءة ، وقد قيل : لا مروءة لكذوب ، إذ المراد من الكلام الذي يتميز به الإنسان عن سائر الحيوان إخبار الغير عما لا يعلم ، فإذا كان الخبر غير مطابق ولم تحصل فائدة النطق ، وحصل منه اعتقاد غير مطابق ، وذلك من خواص الشيطنة فالكذاب شيطان . وكما أن الكذب أقبح الرذائل ، فالصدق أحسن الفضائل ، وأصل كل حسنة ، ومادة كل خصلة محمودة ، وملاك كل خير وسعادة، وبه يحصل كل كمال ،
[ ص: 3295 ] وأصله الصدق في عهد الله تعالى الذي هو نتيجة الوفاء بميثاق الفطرة أو نفسه ، كما قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رجال صدقوا ما عاهدوا الله عليه في عقد العزيمة ، ووعد الخليقة . كما قال في
إسماعيل :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=54إنه كان صادق الوعد
وإذا روعي في المواطن كلها ، حتى الخاطر والفكر والنية والقول والعمل ، صدقت المنامات والواردات ، والأحوال والمقامات والمواهب والمشاهدات ، كأنه أصل شجرة الكمال ، وبذرة ثمرة الأحوال . انتهى .
ولما أوجب تعالى الكون مع الصادقين ، أشار تعالى إلى أن النفر مع رسول الله صلى الله عليه وسلم واجب كفاية ، فلا يجوز تخلف الجميع ، ولا يلزم النفر للناس كافة ، فقال سبحانه :
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى :
[ 119 ]
nindex.php?page=treesubj&link=19474_19860_28980nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ .
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ أَيْ : فِي إِيمَانِهِمْ وَمُعَاهِدَتِهِمْ لِلَّهِ وَلِرَسُولِهِ عَلَى الطَّاعَةِ ، مِنْ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ أَوْ هُمُ
nindex.php?page=treesubj&link=30880الثَّلَاثَةُ ، أَيْ : كُونُوا مِثْلَهُمْ فِي صِدْقِهِمْ وَخُلُوصِ نِيَّتِهِمْ .
تَنْبِيهَاتٌ :
الْأَوَّلُ : رَوَى الْإِمَامُ
nindex.php?page=showalam&ids=12251أَحْمَدُ وَالشَّيْخَانِ حَدِيثَ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٍ وَصَاحِبَيْهِ مَبْسُوطًا بِمَا يُوَضِّحُ هَذِهِ الْآيَةَ :
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=12300الزُّهْرِيُّ : أَخْبَرَنِي
عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ عَنْ أَبِيهِ - وَكَانَ قَائِدَ
nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٍ مِنْ بَنِيهِ ، حِينَ عَمِيَ - قَالَ : سَمِعْتُ
كَعْبًا يُحَدِّثُ حَدِيثَهُ حِينَ تَخَلَّفَ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
[ ص: 3289 ] فِي غَزْوَةِ
تَبُوكَ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=706767قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٌ : لَمْ أَتَخَلَّفْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزَاةٍ غَزَاهَا قَطُّ ، إِلَّا فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، غَيْرَ أَنِّي كُنْتُ تَخَلَّفْتُ فِي غَزَاةِ بَدْرٍ ، وَلَمْ يُعَاتَبْ أَحَدٌ تَخَلَّفَ عَنْهَا ، وَإِنَّمَا خَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يُرِيدُ عِيرَ قُرَيْشٍ ، حَتَّى جَمَعُ اللَّهُ بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ عَدُوِّهِمْ عَلَى غَيْرِ مِيعَادٍ .
وَلَقَدْ شَهِدْتُ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَيْلَةَ الْعَقَبَةِ ، حِينَ تَوَافَقْنَا عَلَى الْإِسْلَامِ ، وَمَا أُحِبُّ أَنَّ لِي بِهَا مَشْهَدَ بَدْرٍ ، وَإِنْ كَانَتْ بَدْرٌ أَذْكَرَ فِي النَّاسِ مِنْهَا وَأَشْهَرَ .
وَكَانَ مِنْ خَبَرِي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي غَزْوَةِ تَبُوكَ ، أَنِّي لَمْ أَكُنْ قَطُّ أَقْوَى وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْهُ فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ ، وَاللَّهِ مَا جَمَعْتُ قَبْلَهَا رَاحِلَتَيْنِ قَطُّ ، حَتَّى جَمَعْتُهُمَا فِي تِلْكَ الْغَزَاةِ .
وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَلَّمَا يُرِيدُ غَزْوَةً يَغْزُوهَا ، إِلَّا وَرَّى بِغَيْرِهَا ، حَتَّى كَانَتْ تِلْكَ الْغَزْوَةُ ، فَغَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي حَرٍّ شَدِيدٍ ، وَاسْتَقْبَلَ سَفَرًا بَعِيدًا وَمَفَاوِزَ ، وَاسْتَقْبَلَ عَدُوًّا كَثِيرًا ، فَجَلَّى لِلْمُسْلِمِينَ أَمْرَهُمْ ، لِيَتَأَهَّبُوا أُهْبَةَ عَدُوِّهِمْ ، فَأَخْبَرَهُمْ وَجْهَهُ الَّذِي يُرِيدُ ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ كَثِيرٌ ، لَا يَجْمَعُهُمْ كِتَابٌ حَافِظٌ - يُرِيدُ الدِّيوَانَ ـ .
قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٌ : فَقَلَّ رَجُلٌ يُرِيدُ أَنْ يَتَغَيَّبَ إِلَّا ظَنَّ أَنَّ ذَلِكَ سَيَخْفَى عَلَيْهِ ، مَا لَمْ يَنْزِلْ فِيهِ وَحْيٌ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ .
وَغَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ تِلْكَ الْغَزَاةَ ، حِينَ طَابَتِ الثِّمَارُ وَالظِّلَالُ وَأَنَا إِلَيْهَا أَصْعَرُ - أَيْ : أَمِيلُ - فَتَجَهَّزَ إِلَيْهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُؤْمِنُونَ مَعَهُ ، فَطَفِقْتُ أَغْدُو لِكَيْ أَتَجَهَّزَ مَعَهُمْ ، فَأَرْجِعَ وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا ، فَأَقُولُ لِنَفْسِي : أَنَا قَادِرٌ عَلَى ذَلِكَ إِذَا أَرَدْتُ ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى اسْتَمَرَّ بِالنَّاسِ الْجِدُّ ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَادِيًا ، وَالْمُسْلِمُونَ مَعَهُ ، وَلَمْ أَقْضِ مِنْ جِهَازِي شَيْئًا ، وَقُلْتُ : أَتَجَهَّزُ بَعْدَ يَوْمٍ أَوْ يَوْمَيْنِ ، ثُمَّ أَلْحَقُهُ ، فَغَدَوْتُ بَعْدُ لِأَتَجَهَّزَ ، فَرَجَعْتُ وَلَمْ أَقْضِ شَيْئًا ، فَلَمْ يَزَلْ ذَلِكَ يَتَمَادَى بِي حَتَّى أَسْرَعُوا وَتَفَارَطَ الْغَزْوُ ، فَهَمَمْتُ أَنْ أَرْتَحِلَ فَأَلْحَقَهُمْ - وَلَيْتَنِي فَعَلْتُ - ثُمَّ لَمْ يُقَدَّرْ ذَلِكَ لِي .
فَكُنْتُ إِذَا خَرَجْتُ فِي النَّاسِ ، بَعْدَ خُرُوجِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، يُحْزِنُنِي أَنِّي لَا أَرَى إِلَّا رَجُلًا مَغْمُوصًا عَلَيْهِ فِي النِّفَاقِ ، أَوْ رَجُلًا مِمَّنْ عَذَرَهُ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ . وَلَمْ يَذْكُرْنِي رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَتَّى بَلَغَ تَبُوكَ . فَقَالَ وَهُوَ جَالِسٌ فِي الْقَوْمِ بِتَبُوكَ : « مَا فَعَلَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ ؟ » فَقَالَ رَجُلٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ : حَبَسَهُ يَا رَسُولَ اللَّهِ بُرْدَاهُ ، وَالنَّظَرُ فِي عِطْفَيْهِ ! فَقَالَ nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذُ بْنُ جَبَلٍ : بِئْسَمَا قُلْتَ . وَاللَّهِ ! يَا رَسُولَ اللَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ إِلَّا خَيْرًا ! فَسَكَتَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ .
[ ص: 3290 ] قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبُ بْنُ مَالِكٍ : فَلَمَّا بَلَغَنِي أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ تَوَجَّهَ قَافِلًا مِنْ تَبُوكَ ، حَضَرَنِي بَثِّي أَتَذَكَّرُ الْكَذِبَ ، وَأَقُولُ : بِمَ أَخْرُجُ مِنْ سَخْطَتِهِ غَدًا ؟ وَأَسْتَعِينُ عَلَى ذَلِكَ بِكَ ذِي رَأْيٍ مِنْ أَهْلِي .
فَلَمَّا قِيلَ إِنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَدْ أَظَلَّ قَادِمًا ، زَاحَ عَنِ الْبَاطِلِ ، وَعَرَفْتُ أَنِّي لَمْ أَنْجُ مِنْهُ بِشَيْءٍ أَبَدًا ، فَأَجْمَعْتُ صِدْقَهُ ، فَأَصْبَحَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَانَ إِذَا قَدِمَ مِنْ سَفَرٍ بَدَأَ بِالْمَسْجِدِ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ ثُمَّ جَلَسَ لِلنَّاسِ - فَلَمَّا فَعَلَ ذَلِكَ ، جَاءَهُ الْمُتَخَلِّفُونَ ، فَطَفِقُوا يَعْتَذِرُونَ إِلَيْهِ ، وَيَحْلِفُونَ لَهُ ، وَكَانُوا بِضْعَةً وَثَمَانِينَ رَجُلًا ، فَيَقْبَلُ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ عَلَانِيَتَهُمْ ، وَيَسْتَغْفِرُ لَهُمْ ، وَيَكِلُ سَرَائِرَهُمْ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى ، حَتَّى جِئْتُ ، فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَيْهِ تَبَسَّمَ تَبَسُّمَ الْمُغْضَبِ ، ثُمَّ قَالَ لِي : « تَعَالَ ! » فَجِئْتُ أَمْشِي حَتَّى جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ ، فَقَالَ لِي : « مَا خَلَّفَكَ ؟ أَلَمْ تَكُنْ قَدِ اشْتَرَيْتَ ظَهْرًا ؟ » فَقُلْتُ يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنِّي لَوْ جَلَسْتُ عِنْدَ غَيْرِكَ مِنْ أَهْلِ الدُّنْيَا لَرَأَيْتُ أَنْ أَخْرُجَ مِنْ سَخَطِهِ بِعُذْرٍ . لَقَدْ أُعْطِيتُ جَدَلًا ، وَلَكِنِّي ، وَاللَّهِ لَقَدْ عَلِمْتُ ، لَئِنْ حَدَّثْتُكَ الْيَوْمَ بِحَدِيثِ كَذِبٍ تَرْضَى بِهِ عَنِّي ، لَيُوشِكَنَّ اللَّهُ أَنْ يُسْخِطُكَ عَلَيَّ ، وَلَئِنْ حَدَّثْتُكَ بِصِدْقٍ تَجِدُ عَلَيَّ فِيهِ ، إِنِّي لَأَرْجُو عُقْبَى ذَلِكَ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ . وَاللَّهِ مَا كَانَ لِي عُذْرٌ ، وَاللَّهِ ! مَا كُنْتُ قَطُّ أَفْزَعَ وَلَا أَيْسَرَ مِنِّي حِينَ تَخَلَّفْتُ عَنْكَ .
قَالَ : فَقَالَ يَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « أَمَّا هَذَا فَقَدَ صَدَقَ ، فَقُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِيكَ ! » فَقُمْتُ ، وَقَامَ إِلَيَّ رِجَالٌ مِنْ بَنِي سَلِمَةَ ، وَاتَّبَعُونِي ، فَقَالُوا لِي : وَاللَّهِ ! مَا عَلِمْنَاكَ كُنْتَ أَذْنَبْتَ ذَنْبًا قَبْلَ هَذَا ، وَلَقَدْ عَجَزْتُ أَلَّا تَكُونَ اعْتَذَرْتَ إِلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِمَا اعْتَذَرَ بِهِ الْمُتَخَلِّفُونَ ، فَقَدْ كَانَ كَافِيَكَ مِنْ ذَنْبِكَ اسْتِغْفَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَكَ .
قَالَ : فَوَاللَّهِ ! مَا زَالُوا حَتَّى أَرَدْتُ أَنْ أَرْجِعَ فَأُكَذِّبَ نَفْسِي .
قَالَ : ثُمَّ قُلْتُ لَهُمْ : هَلْ لَقِيَ مَعِي هَذَا أَحَدٌ ؟ قَالُوا : نَعَمْ لَقِيَهُ مَعَكَ رَجُلَانِ قَالَا مِثْلَ مَا قُلْتَ ، وَقِيلَ لَهُمَا مِثْلُ مَا قِيلَ لَكَ . قُلْتُ : فَمَنْ هُمَا ؟ قَالُوا : مُرَارَةُ بْنُ الرَّبِيعِ الْعَامِرِيُّ ، وَهِلَالُ بْنُ أُمَيَّةَ الْوَاقِفِيُّ ، فَذَكَرُوا لِي رَجُلَيْنِ صَالِحَيْنِ قَدْ شَهِدَا بَدْرًا ، لِي فِيهِمَا أُسْوَةٌ .
[ ص: 3291 ] قَالَ : فَمَضَيْتُ حِينَ ذَكَرُوهُمَا لِي .
فَقَالَ : وَنَهَى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِنَا ، أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ ، مِنْ بَيْنِ مَنْ تَخَلَّفَ . فَاجْتَنَبَنَا النَّاسُ ، وَتَغَيَّرُوا لَنَا ، حَتَّى تَنَكَّرَتْ لِي فِي نَفْسِي الْأَرْضُ ، فَمَا هِيَ بِالْأَرْضِ الَّتِي كُنْتُ أَعْرِفُ ، فَلَبِثْنَا عَلَى ذَلِكَ خَمْسِينَ لَيْلَةً .
فَأَمَّا صَاحِبَايَ فَاسْتَكَانَا وَقَعَدَا فِي بُيُوتِهِمَا يَبْكِيَانِ ، وَأَمَّا أَنَا فَكُنْتُ أَشَدَّ الْقَوْمِ وَأَجْلَدَهُمْ ، فَكُنْتُ أَشْهَدُ الصَّلَاةَ مَعَ الْمُسْلِمِينَ ، وَأَطُوفُ بِالْأَسْوَاقِ ، فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ ، وَآتِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَهُوَ فِي مَجْلِسِهِ بَعْدَ الصَّلَاةِ ، فَأُسَلِّمُ وَأَقُولُ فِي نَفْسِي : أَحَرَّكَ شَفَتَيْهِ بِرَدِّ السَّلَامِ عَلَيَّ أَمْ لَا ؟ ثُمَّ أُصَلِّي قَرِيبًا مِنْهُ وَأُسَارِقُهُ النَّظَرَ ، فَإِذَا أَقْبَلْتُ عَلَى صَلَاتِي نَظَرَ إِلَيَّ ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي .
حَتَّى إِذَا طَالَ عَلَيَّ ذَلِكَ مِنْ هَجْرِ الْمُسْلِمِينَ ، مَشَيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ حَائِطَ nindex.php?page=showalam&ids=60أَبِي قَتَادَةَ ، وَهُوَ ابْنُ عَمِّي ، وَأَحَبُّ النَّاسِ إِلَيَّ ، فَإِذَا الْتَفَتُّ نَحْوَهُ أَعْرَضَ عَنِّي ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَوَاللَّهِ ! مَا رَدَّ عَلَيَّ السَّلَامَ . فَقُلْتُ لَهُ : يَا أَبَا قَتَادَةَ ! أَنْشُدُكَ اللَّهَ هَلْ تَعْلَمُ أَنِّي أُحِبُّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ ؟ قَالَ فَسَكَتَ .
قَالَ : فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ ، فَعُدْتُ لَهُ فَنَشَدْتُهُ فَسَكَتَ ، فَقَالَ : اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ . قَالَ فَفَاضَتْ عَيْنَايَ ، وَتَوَلَّيْتُ حَتَّى تَسَوَّرْتُ الْجِدَارَ . فَبَيْنَمَا أَنَا أَمْشِي بِسُوقِ الْمَدِينَةِ ، إِذَا أَنَا بِنَبَطِيٍّ مِنْ أَنْبَاطِ الشَّامِ ، مِمَّنْ قَدِمَ بِطَعَامِهِ يَبِيعُهُ بِالْمَدِينَةِ ، يَقُولُ : مَنْ يَدُلُّ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ ؟ قَالَ فَطَفِقَ النَّاسُ يُشِيرُونَ إِلَيَّ ، حَتَّى جَاءَ فَدَفَعَ إِلَيَّ كِتَابًا مِنْ مَلِكِ غَسَّانَ ، وَكُنْتُ كَاتِبًا ، فَإِذَا فِيهِ :
أَمَّا بَعْدُ فَقَدْ بَلَغَنَا أَنَّ صَاحِبَكَ قَدْ جَفَاكَ ، وَإِنَّ اللَّهَ لَمْ يَجْعَلْكَ بِدَارِ هَوَانٍ وَلَا مَضْيَعَةٍ ، فَالْحَقْ بِنَا نُوَاسِكَ .
قَالَ - فَقُلْتُ حِينَ قَرَأْتُهُ - : وَهَذَا أَيْضًا مِنَ الْبَلَاءِ .
قَالَ : فَتَيَمَّمْتُ بِهِ التَّنُّورَ فَسَجَرْتُهُ بِهِ . حَتَّى إِذَا مَضَتْ أَرْبَعُونَ لَيْلَةً مِنَ الْخَمْسِينَ ، إِذَا بِرَسُولِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَأْتِينِي يَقُولُ : [ ص: 3292 ] يَأْمُرُكَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنْ تَعْتَزِلَ امْرَأَتَكَ . قَالَ : فَقُلْتُ : أُطَلِّقُهَا أَمْ مَاذَا أَفْعَلُ ؟ فَقَالَ : بَلِ اعْتَزِلْهَا وَلَا تَقْرَبْهَا .
قَالَ : وَأَرْسَلَ إِلَى صَاحِبَيَّ بِمِثْلِ ذَلِكَ . قَالَ : فَقُلْتُ لِامْرَأَتِي : الْحَقِي بِأَهْلِكِ فَكُونِي عِنْدَهُمْ حَتَّى يَقْضِيَ اللَّهُ فِي هَذَا الْأَمْرِ مَا يَشَاءُ ! قَالَ : فَجَاءَتِ امْرَأَةُ هِلَالِ بْنِ أُمَيَّةَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَقَالَتْ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ هِلَالًا شَيْخٌ ضَعِيفٌ ، لَيْسَ لَهُ خَادِمٌ ، فَهَلْ تَكْرَهُ أَنْ أَخْدُمَهُ ؟ قَالَ : لَا ، وَلَكِنْ لَا يَقْرَبْكِ ! قَالَتْ : وَإِنَّهُ وَاللَّهِ ! مَا بِهِ مِنْ حَرَكَةٍ إِلَى شَيْءٍ ، وَإِنَّهُ وَاللَّهِ مَازَالَ يَبْكِي مُنْذُ كَانَ مِنْ أَمْرِهِ مَا كَانَ إِلَى يَوْمِهِ هَذَا .
قَالَ : فَقَالَ لِي بَعْضُ أَهْلِي : لَوِ اسْتَأْذَنْتَ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي امْرَأَتِكَ ، فَقَدْ أَذِنَ لِامْرَأَةِ هِلَالٍ أَنْ تَخْدُمَهُ . قَالَ : فَقُلْتُ : وَاللَّهِ لَا أَسْتَأْذِنُ فِيهَا رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَمَا أَدْرِي مَا يَقُولُهُ فِيهَا إِذَا اسْتَأْذَنْتُهُ ، وَأَنَا رَجُلٌ شَابٌّ .
قَالَ : فَلَبَثْنَا عَشْرَ لَيَالٍ ، فَكَمُلَ لَنَا خَمْسُونَ لَيْلَةً مِنْ حِينِ انْتَهَى عَنْ كَلَامِنَا .
قَالَ : ثُمَّ صَلَّيْتُ صَلَاةَ الصُّبْحِ ، صَبَاحَ خَمْسِينَ لَيْلَةً عَلَى ظَهْرِ بَيْتٍ مِنْ بُيُوتِنَا ، فَبَيْنَمَا أَنَا جَالِسٌ عَلَى الْحَالِ الَّتِي ذَكَرَ اللَّهُ تَعَالَى مِنَّا ، قَدْ ضَاقَتْ عَلَيَّ نَفْسِي ، وَضَاقَتْ عَلَيَّ الْأَرْضُ بِمَا رَحُبَتْ ، سَمِعْتُ صَارِخًا أَوْفَى عَلَى جَبَلِ سَلْعٍ ، يَقُولُ بِأَعْلَى صَوْتِهِ : أَبْشِرْ يَا nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبُ بْنَ مَالِكٍ ! قَالَ : فَخَرَرْتُ سَاجِدًا ، وَعَرَفْتُ أَنْ قَدْ جَاءَ الْفَرَجُ مِنَ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالتَّوْبَةِ عَلَيْنَا ، فَآذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا حِينَ صَلَّى الْفَجْرَ ، فَذَهَبَ النَّاسُ يُبَشِّرُونَنَا ، وَذَهَبَ قِبَلَ صَاحِبَيَّ مُبَشِّرُونَ ، وَرَكَضَ إِلَيَّ رَجُلٌ فَرَسًا ، وَسَعَى سَاعٍ مِنْ أَسْلَمَ وَأَوْفَى عَلَى الْجَبَلِ ، فَكَانَ الصَّوْتُ أَسْرَعَ مِنَ الْفَرَسِ ، فَلَمَّا جَاءَنِي الَّذِي سَمِعْتُ صَوْتَهُ يُبَشِّرُنِي نَزَعْتُ لَهُ ثَوْبَيَّ فَكَسَوْتُهُ إِيَّاهُمَا بِبُشْرَاهُ .
وَاللَّهِ ـ مَا أَمْلِكُ يَوْمَئِذٍ غَيْرَهُمَا - وَاسْتَعَرْتُ ثَوْبَيْنِ فَلَبِسْتُهُمَا ، وَانْطَلَقْتُ أَؤُمُّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَتَلَقَّانِي النَّاسُ فَوْجًا فَوْجًا يُهَنِّئُونَنِي بِتَوْبَةِ اللَّهِ ، يَقُولُونَ : لِيَهْنِكَ تَوْبَةُ اللَّهِ عَلَيْكَ ! حَتَّى دَخَلْتُ الْمَسْجِدَ ، فَإِذَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ جَالِسٌ فِي الْمَسْجِدِ ، وَالنَّاسُ حَوْلَهُ ، فَقَامَ إِلَيَّ nindex.php?page=showalam&ids=55طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِ اللَّهِ يُهَرْوِلُ ، حَتَّى صَافَحَنِي وَهَنَّأَنِي ـ وَاللَّهِ ! مَا قَامَ إِلَيَّ رَجُلٌ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ غَيْرُهُ - قَالَ : [ ص: 3293 ] فَكَانَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٌ لَا يَنْسَاهَا nindex.php?page=showalam&ids=55لِطَلْحَةَ .
قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٌ : فَلَمَّا سَلَّمْتُ عَلَى رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ ـ وَهُوَ يَبْرُقُ وَجْهُهُ مِنَ السُّرُورِ ـ : « أَبْشِرْ بِخَيْرِ يَوْمٍ مَرَّ عَلَيْكَ مُنْذُ وَلَدَتْكَ أُمُّكَ ! » قَالَ ، قُلْتُ : أَمِنْ عِنْدِكَ يَا رَسُولَ اللَّهِ أَمْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ ؟ قَالَ : « لَا ، بَلْ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ » . قَالَ ، وَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ إِذَا سُرَّ اسْتَنَارَ وَجْهُهُ ، حَتَّى كَأَنَّهُ قِطْعَةُ قَمَرٍ ، حَتَّى يُعْرَفَ ذَلِكَ مِنْهُ ، فَلَمَّا جَلَسْتُ بَيْنَ يَدَيْهِ قُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ! إِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَنْ أَنْخَلِعَ مِنْ مَالِي ، صَدَقَةً إِلَى اللَّهِ وَإِلَى رَسُولِهِ . قَالَ : « امْسِكْ عَلَيْكَ بَعْضَ مَالِكَ ، فَهُوَ خَيْرٌ لَكَ » . قَالَ ، فَقُلْتُ : فَإِنِّي أُمْسِكُ سَهْمِي الَّذِي بِخَيْبَرَ . وَقُلْتُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّمَا نَجَّانِي اللَّهُ بِالصِّدْقِ ، وَإِنَّ مِنْ تَوْبَتِي أَلَّا أُحَدِّثَ إِلَّا صِدْقًا مَا بَقِيتُ . قَالَ ، فَوَاللَّهِ ! مَا أَعْلَمُ أَحَدًا مِنَ الْمُسْلِمِينَ أَبْلَاهُ اللَّهُ مِنَ الصِّدْقِ فِي الْحَدِيثِ ، مُنْذُ ذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَحْسَنَ مِمَّا أَبْلَانِي اللَّهُ تَعَالَى . وَاللَّهِ ! مَا تَعَمَّدْتُ كِذْبَةً مُنْذُ قُلْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ إِلَى يَوْمِي هَذَا ، وَإِنِّي لَأَرْجُو أَنْ يَحْفَظَنِي اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ فِيمَا بَقِيَ .
قَالَ ، وَأَنْزَلَ اللَّهُ : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=117لَقَدْ تَابَ اللَّهُ إِلَى آخِرِ الْآيَاتِ .
قَالَ nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبٌ : فَوَاللَّهِ ! مَا أَنْعَمَ عَلَيَّ مِنْ نِعْمَةٍ قَطُّ ، بَعْدَ أَنْ هَدَانِي لِلْإِسْلَامِ ، أَعْظَمَ فِي نَفْسِي مِنْ صِدْقِي رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَوْمَئِذٍ أَلَّا أَكُونَ كَذَبْتُهُ فَأَهَلَكَ كَمَا هَلَكَ الَّذِينَ كَذَبُوهُ ، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ لِلَّذِينِ كَذَبُوهُ حِينَ أَنْزَلَ الْوَحْيَ ، شَرَّ مَا قَالَ لِأَحَدٍ . فَقَالَ اللَّهُ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=95سَيَحْلِفُونَ بِاللَّهِ لَكُمْ إِذَا انْقَلَبْتُمْ إِلَيْهِمْ لِتُعْرِضُوا عَنْهُمْ فَأَعْرِضُوا عَنْهُمْ إِنَّهُمْ رِجْسٌ وَمَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=96يَحْلِفُونَ لَكُمْ لِتَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنْ تَرْضَوْا عَنْهُمْ فَإِنَّ اللَّهَ لا يَرْضَى عَنِ الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ
قَالَ : وَكُنَّا أَيُّهَا الثَّلَاثَةُ الَّذِينَ خُلِّفْنَا عَنْ أَمْرِ أُولَئِكَ الَّذِينَ قَبِلَ مِنْهُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ خُلِّفُوا ، فَبَايَعَهُمْ وَاسْتَغْفَرَ لَهُمْ ، وَأَرْجَأَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمْرَنَا حَتَّى قَضَى اللَّهُ فِيهِ ، فَبِذَلِكَ قَالَ تَعَالَى : nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=118وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا وَلَيْسَ الَّذِي ذَكَرَ مِمَّا خَلَّفَنَا عَنِ الْغَزْوِ ، وَإِنَّمَا هُوَ تَخْلِيفُهُ إِيَّانَا ، وَإِرْجَاؤُهُ أَمْرَنَا عَمَّنْ حَلَفَ لَهُ ، وَاعْتَذَرَ إِلَيْهِ ، فَقَبَلَ مِنْهُ . [ ص: 3294 ] وَفِي رِوَايَةٍ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=654309وَنَهَى النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عَنْ كَلَامِي ، وَكَلَامِ صَاحِبَيَّ ، وَلَمْ يَنْهَ عَنْ كَلَامِ أَحَدٍ مِنَ الْمُتَخَلِّفِينَ غَيْرَنَا ، فَاجْتَنَبَ النَّاسُ كَلَامَنَا ، فَلَبِثَ كَذَلِكَ حَتَّى طَالَ عَلَيَّ الْأَمْرُ ، فَمَا مِنْ شَيْءٍ أَهَمُّ إِلَيَّ مِنْ أَنْ أَمُوتَ ، فَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، أَوْ يَمُوتُ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَكُونُ بِتِلْكَ الْمَنْزِلَةِ ، فَلَا يُكَلِّمُنِي أَحَدٌ مِنْهُمْ ، وَلَا يُصَلِّي عَلَيَّ ، وَلَا يُسَلِّمُ عَلَيَّ .
قَالَ : وَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ تَوْبَتَنَا عَلَى نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ بَقِيَ الثُّلُثُ الْأَخِيرُ مِنَ اللَّيْلِ ، وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ عِنْدَ nindex.php?page=showalam&ids=54أُمِّ سَلَمَةَ ، وَكَانَتْ nindex.php?page=showalam&ids=54أُمُّ سَلَمَةَ مُحْسِنَةً فِي شَأْنِي ، مُعْتَنِيَةً بِأَمْرِي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : « يَا nindex.php?page=showalam&ids=54أُمَّ سَلَمَةَ تِيبَ عَلَى nindex.php?page=showalam&ids=331كَعْبِ بْنِ مَالِكٍ » . قَالَتْ : أَفَلَا أُرْسِلُ إِلَيْهِ فَأُبَشِّرُهُ ؟ قَالَ : « إِذًا فَيَحْطِمَكُمُ النَّاسُ فَيَمْنَعُونَكُمُ النَّوْمَ سَائِرَ اللَّيْلِ » .
حَتَّى إِذَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَلَاةَ الْفَجْرِ ، آذَنَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَوْبَةِ اللَّهِ عَلَيْنَا - أَخْرَجَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=12070الْبُخَارِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=17080وَمُسْلِمٌ - .
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16456ابْنُ كَثِيرٍ : هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحٌ ثَابِتٌ مُتَّفَقٌ عَلَى صِحَّتِهِ ، وَقَدْ تَضَمَّنَ تَفْسِيرَ الْآيَةِ بِأَحْسَنِ الْوُجُوهِ وَأَبْسَطِهَا .
الثَّانِي : قَالَ بَعْضُ الْمُفَسِّرِينَ : فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى الشِّدَّةِ عَلَى مَنْ فَعَلَ الْخَطِيئَةَ وَعَلَى قَطْعِ مَا يُلْهِي عَنِ الطَّاعَةِ .
الثَّالِثُ : فِي الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى التَّحْرِيضِ عَلَى الصِّدْقِ .
قَالَ
الْقَاشَانِيُّ : فِي قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ أَيْ : فِي جَمِيعِ الرَّذَائِلِ بَالِاجْتِنَابِ عَنْهَا ، خَاصَّةً رَذِيلَةَ الْكَذِبِ ، وَذَلِكَ مَعْنَى قَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=119وَكُونُوا مَعَ الصَّادِقِينَ فَإِنَّ الْكَذِبَ أَسُوءُ الرَّذَائِلِ وَأَقْبَحُهَا ، لِكَوْنِهِ يُنَافِي الْمُرُوءَةَ ، وَقَدْ قِيلَ : لَا مُرُوءَةَ لِكَذُوبٍ ، إِذِ الْمُرَادُ مِنَ الْكَلَامِ الَّذِي يَتَمَيَّزُ بِهِ الْإِنْسَانُ عَنْ سَائِرِ الْحَيَوَانِ إِخْبَارُ الْغَيْرِ عَمَّا لَا يَعْلَمُ ، فَإِذَا كَانَ الْخَبَرُ غَيْرَ مُطَابِقٍ وَلَمْ تَحْصُلْ فَائِدَةُ النُّطْقِ ، وَحَصَلَ مِنْهُ اعْتِقَادٌ غَيْرُ مُطَابِقٍ ، وَذَلِكَ مِنْ خَوَاصِّ الشَّيْطَنَةِ فَالْكَذَّابُ شَيْطَانٌ . وَكَمَا أَنَّ الْكَذِبَ أَقْبَحُ الرَّذَائِلِ ، فَالصِّدْقُ أَحْسَنُ الْفَضَائِلِ ، وَأَصْلُ كُلِّ حَسَنَةٍ ، وَمَادَّةُ كُلِّ خَصْلَةٍ مَحْمُودَةٍ ، وَمِلَاكُ كُلِّ خَيْرٍ وَسَعَادَةٍ، وَبِهِ يَحْصُلُ كُلُّ كَمَالٍ ،
[ ص: 3295 ] وَأَصْلُهُ الصِّدْقُ فِي عَهْدِ اللَّهِ تَعَالَى الَّذِي هُوَ نَتِيجَةُ الْوَفَاءِ بِمِيثَاقِ الْفِطْرَةِ أَوْ نَفْسِهِ ، كَمَا قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=23رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّهَ عَلَيْهِ فِي عَقْدِ الْعَزِيمَةِ ، وَوَعْدِ الْخَلِيقَةِ . كَمَا قَالَ فِي
إِسْمَاعِيلَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=19&ayano=54إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ
وَإِذَا رُوعِيَ فِي الْمَوَاطِنِ كُلِّهَا ، حَتَّى الْخَاطِرِ وَالْفِكْرِ وَالنِّيَّةِ وَالْقَوْلِ وَالْعَمَلِ ، صَدَقَتِ الْمَنَامَاتُ وَالْوَارِدَاتُ ، وَالْأَحْوَالُ وَالْمَقَامَاتُ وَالْمَوَاهِبُ وَالْمُشَاهَدَاتُ ، كَأَنَّهُ أَصْلُ شَجَرَةِ الْكَمَالِ ، وَبَذْرَةُ ثَمَرَةِ الْأَحْوَالِ . انْتَهَى .
وَلَمَّا أَوْجَبَ تَعَالَى الْكَوْنَ مَعَ الصَّادِقِينَ ، أَشَارَ تَعَالَى إِلَى أَنَّ النَّفْرَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَاجِبُ كِفَايَةٍ ، فَلَا يَجُوزُ تَخَلُّفُ الْجَمِيعِ ، وَلَا يَلْزَمُ النَّفْرُ لِلنَّاسِ كَافَّةً ، فَقَالَ سُبْحَانَهُ :