[ ص: 1841 ] nindex.php?page=treesubj&link=18851_30563_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108يستخفون من الناس ولا يستخفون من الله وهو معهم إذ يبيتون ما لا يرضى من القول وكان الله بما يعملون محيطا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=109ها أنتم هؤلاء جادلتم عنهم في الحياة الدنيا فمن يجادل الله عنهم يوم القيامة أم من يكون عليهم وكيلا
* * *
الكلام مستمر في
nindex.php?page=treesubj&link=28845نهي المؤمنين عن أن يدافعوا عن رجل يظهر غير ما يبطن، أو يرتكب أمرا، ويحمل غيره وزره، فهو يرتكب الشر مرتين، ويتحمل إثمين: إثم الارتكاب وإثم رمي الأبرياء، والتدليس ولبس الحق بالباطل، وكان النهي موجها إلى النبي -صلى الله عليه وسلم-، ليبين وجوب الاحتراس على كل مؤمن، حتى لا يقع في الدفاع عن الآثمين الخاطئين; لأنه إذا كان النبي -صلى الله عليه وسلم-، وهو الذي ينزل عليه الوحي، إن اعتمد على نظره، قد يلبس الأمر عليه، فالاحتراس عن هذا أولى بكل مؤمن وأجدر، وقد قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم الجدال هنا الدفاع وإقامة الدليل لمصلحة الخائنين، وذلك للاسترسال في حسن الظن بالمظهر، وترك ما يختفي ولا يستبين، فإن ذلك إن جاز في السياسة لا يجوز في القضاء، وإن جاز في حقوق الله تعالى لا يجوز في حقوق العباد، ليعطي كل ذي حق حقه، ولكيلا تذهب الأموال والأنفس والدماء هدرا، فلا بد لإظهارها من تكشف المستور، وإظهار المخبوء.
[ ص: 1842 ] والجدال في أصل معناه اللغوي مشتق من الجدل بمعنى الفتل، أي تقوية الحجة، ويكون المجادل كمن يفتل الحبل ويقويه. وقيل إنه مأخوذ من الجدالة، والجدالة هي الأرض، فكل واحد من الخصمين يكون كالمصارع يريد أن يلقي صاحبه على الأرض. وإطلاق الجدالة على الأرض منه قولهم: تركته مجدلا، أي مطروحا على الأرض.
والاختيان، الذي هو مصدر
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107يختانون أنفسهم يعرفه
الأصفهاني في مفرداته بأنه: "تحرك شهوة الإنسان لتحري الخيانة"، وتحرك الشهوة لتحري الخيانة قصد إليها وتعمد لها، وعمل على إحكامها. والخيانة والنفاق باب واحد، موضعهما من النفس واحد.
ومعنى قوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107الذين يختانون أنفسهم الذين يقصدون خيانة أنفسهم، ويتحرونها، ويحكمون إخفاء المستور من جرائمهم. وأضيفت الخيانة للنفس; لأن الذين يصنعون ذلك إنما يحدثون في الأمة ذعرا عاما، يعود ضرره على الجماعة، ويعود عليهم أنفسهم، إذ يعيشون في جماعة قد فسد أمرها، وارتابت في شؤونها، وضل عن الناس معرفة الحق، وغاب عنهم لبه!! وكذلك لأن تلك الخيانة مغبتها على أنفسهم شديدة أمام الله تعالى، وسيحاسبهم عليها من لا يخفى عليه شيء في الأرض ولا في السماء، ولأن هؤلاء الخائنين الذين يتحرون الخيانة، إنما يحلون فطرهم السليمة عن الفطرة التي فطرهم الله عليها، فيصيب الفساد نفوسهم، وتنحل كل العرا فيها، وبذلك تضطرب، وتكون في بلبال مستمر:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما إذا كان الخائنون الذين تحروا الخيانة وقصدوها، وانحرفوا بفطرهم عن أصلها، ينالون العذاب في الدنيا بالحكم عليهم، وإعراض أهل الفضل عن معاونتهم، فإنهم لا ينالون حب الله تعالى، والمعنى الظاهر للنص:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107إن الله لا يحب من كان خوانا أثيما هو
nindex.php?page=treesubj&link=18853أن الله تعالى العلي الحكيم، الذي لا ترجى محبة سواه، لا يحب من كانت الخيانة وصفا [ ص: 1843 ] من أوصافه، وشأنا من شؤونه، وخلقا من أخلاقه، ومن صار الإثم عادة له، حتى صار يوصف بأنه خوان وأثيم. فكلمة خوان صيغة مبالغة معناها أن الخيانة صارت وصفا ملازما له، وكلمة أثيم صيغة مبالغة من إثم، تفيد أن الإثم صار وصفا ملازما!. وأن محبة الله تعالى شأن من شؤونه سبحانه تليق بذاته الكريمة، وهي تتضمن معنى الرضوان، وتستلزم فيض رحمته ومنح غفرانه،
nindex.php?page=treesubj&link=19884_19704فمن فقد محبة الله تعالى، فقد حرم من الرضوان، وحرم من رحمة الله تعالى التي تكون للتوابين، وحرم غفرانه; لأنه لا يكون إلا لمن أحاطت به خطيئته، حتى لا ينتقل إلا من إثم إلى إثم!!.
وقد أكد سبحانه نفي محبته لهؤلاء الذين أركست نفوسهم في الخيانة، ودنس الإثم نفوسهم، حتى أصبحوا لا يعيشون إلا في آثام، بالجملة الاسمية المصدرة بحرف "إن" الدال على التوكيد.
وهنا إشارة معنوية: وهي أنه تعالى وصف الذين حرموا محبته بأنهم خوانون أثيمون; وذلك له معناه لأن اختيان النفس، وتعودها الخيانة يجرها إلى آثام كثيرة، فمن خان يسرق ويكذب، ويأكل أموال الناس بالباطل، ولا يتحرج عن إثم، فكأن الخيانة جاذبة معها كل الآثام!.
* * *
[ ص: 1841 ] nindex.php?page=treesubj&link=18851_30563_28975nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=108يَسْتَخْفُونَ مِنَ النَّاسِ وَلا يَسْتَخْفُونَ مِنَ اللَّهِ وَهُوَ مَعَهُمْ إِذْ يُبَيِّتُونَ مَا لا يَرْضَى مِنَ الْقَوْلِ وَكَانَ اللَّهُ بِمَا يَعْمَلُونَ مُحِيطًا nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=109هَا أَنْتُمْ هَؤُلاءِ جَادَلْتُمْ عَنْهُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فَمَنْ يُجَادِلُ اللَّهَ عَنْهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَمْ مَنْ يَكُونُ عَلَيْهِمْ وَكِيلا
* * *
الْكَلَامُ مُسْتَمِرٌّ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28845نَهْيِ الْمُؤْمِنِينَ عَنْ أَنْ يُدَافِعُوا عَنْ رَجُلٍ يُظْهِرُ غَيْرَ مَا يُبْطِنُ، أَوْ يَرْتَكِبُ أَمْرًا، وَيُحَمِّلُ غَيْرَهُ وِزْرَهُ، فَهُوَ يَرْتَكِبُ الشَّرَّ مَرَّتَيْنِ، وَيَتَحَمَّلُ إِثْمَيْنِ: إِثْمَ الِارْتِكَابِ وَإِثْمَ رَمْيِ الْأَبْرِيَاءِ، وَالتَّدْلِيسِ وَلَبْسِ الْحَقِّ بِالْبَاطِلِ، وَكَانَ النَّهْيُ مُوَجَّهًا إِلَى النَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، لِيُبَيِّنَ وُجُوبَ الِاحْتِرَاسِ عَلَى كُلِّ مُؤْمِنٍ، حَتَّى لَا يَقَعَ فِي الدِّفَاعِ عَنِ الْآثِمِينَ الْخَاطِئِينَ; لِأَنَّهُ إِذَا كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، وَهُوَ الَّذِي يَنْزِلُ عَلَيْهِ الْوَحْيُ، إِنِ اعْتَمَدَ عَلَى نَظَرِهِ، قَدْ يُلَبَّسُ الْأَمْرُ عَلَيْهِ، فَالِاحْتِرَاسُ عَنْ هَذَا أَوْلَى بِكُلِّ مُؤْمِنٍ وَأَجْدَرُ، وَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107وَلا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ الْجِدَالُ هُنَا الدِّفَاعُ وَإِقَامَةُ الدَّلِيلِ لِمَصْلَحَةِ الْخَائِنِينَ، وَذَلِكَ لِلِاسْتِرْسَالِ فِي حُسْنِ الظَّنِّ بِالْمَظْهَرِ، وَتَرْكِ مَا يَخْتَفِي وَلَا يَسْتَبِينُ، فَإِنَّ ذَلِكَ إِنْ جَازَ فِي السِّيَاسَةِ لَا يَجُوزُ فِي الْقَضَاءِ، وَإِنْ جَازَ فِي حُقُوقِ اللَّهِ تَعَالَى لَا يَجُوزُ فِي حُقُوقِ الْعِبَادِ، لِيُعْطِيَ كُلَّ ذِي حَقِّ حَقَّهُ، وَلِكَيْلَا تَذْهَبَ الْأَمْوَالُ وَالْأَنْفُسُ وَالدِّمَاءُ هَدْرًا، فَلَا بُدَّ لِإِظْهَارِهَا مِنْ تَكَشُّفِ الْمَسْتُورِ، وَإِظْهَارِ الْمَخْبُوءِ.
[ ص: 1842 ] وَالْجِدَالُ فِي أَصْلِ مَعْنَاهُ اللُّغَوِيِّ مُشْتَقٌّ مِنَ الْجَدْلِ بِمَعْنَى الْفَتْلِ، أَيْ تَقْوِيَةُ الْحُجَّةِ، وَيَكُونُ الْمُجَادِلُ كَمَنْ يَفْتِلُ الْحَبْلَ وَيُقَوِّيهِ. وَقِيلَ إِنَّهُ مَأْخُوذٌ مِنَ الْجَدَالَةِ، وَالْجَدَالَةُ هِيَ الْأَرْضُ، فَكُلُّ وَاحِدٍ مِنَ الْخَصْمَيْنِ يَكُونُ كَالْمُصَارِعِ يُرِيدُ أَنْ يُلْقِيَ صَاحِبَهُ عَلَى الْأَرْضِ. وَإِطْلَاقُ الْجَدَالَةِ عَلَى الْأَرْضِ مِنْهُ قَوْلُهُمْ: تَرَكْتُهُ مُجَدَّلًا، أَيْ مَطْرُوحًا عَلَى الْأَرْضِ.
وَالِاخْتِيَانُ، الَّذِي هُوَ مَصْدَرٌ
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ يُعَرِّفُهُ
الْأَصْفَهَانِيُّ فِي مُفْرَدَاتِهِ بِأَنَّهُ: "تَحَرُّكُ شَهْوَةِ الْإِنْسَانِ لِتَحَرِّي الْخِيَانَةِ"، وَتَحَرُّكُ الشَّهْوَةِ لِتَحَرِّي الْخِيَانَةِ قَصَدَ إِلَيْهَا وَتَعَمَّدَ لَهَا، وَعَمِلَ عَلَى إِحْكَامِهَا. وَالْخِيَانَةُ وَالنِّفَاقُ بَابٌ وَاحِدٌ، مَوْضِعُهُمَا مِنَ النَّفْسِ وَاحِدٌ.
وَمَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنْفُسَهُمْ الَّذِينَ يَقْصِدُونَ خِيَانَةَ أَنْفُسِهِمْ، وَيَتَحَرَّوْنَهَا، وَيُحْكِمُونَ إِخْفَاءَ الْمَسْتُورِ مِنْ جَرَائِمِهِمْ. وَأُضِيفَتِ الْخِيَانَةُ لِلنَّفْسِ; لِأَنَّ الَّذِينَ يَصْنَعُونَ ذَلِكَ إِنَّمَا يُحْدِثُونَ فِي الْأُمَّةِ ذُعْرًا عَامًّا، يَعُودُ ضَرَرُهُ عَلَى الْجَمَاعَةِ، وَيَعُودُ عَلَيْهِمْ أَنْفُسِهِمْ، إِذْ يَعِيشُونَ فِي جَمَاعَةٍ قَدْ فَسَدَ أَمْرُهَا، وَارْتَابَتْ فِي شُؤُونِهَا، وَضَلَّ عَنِ النَّاسِ مَعْرِفَةُ الْحَقِّ، وَغَابَ عَنْهُمْ لُبُّهُ!! وَكَذَلِكَ لِأَنَّ تِلْكَ الْخِيَانَةَ مَغَبَّتُهَا عَلَى أَنْفُسِهِمْ شَدِيدَةٌ أَمَامَ اللَّهِ تَعَالَى، وَسَيُحَاسِبُهُمْ عَلَيْهَا مَنْ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ شَيْءٌ فِي الْأَرْضِ وَلَا فِي السَّمَاءِ، وَلِأَنَّ هَؤُلَاءِ الْخَائِنِينَ الَّذِينَ يَتَحَرَّوْنَ الْخِيَانَةَ، إِنَّمَا يَحُلُّونَ فِطْرَهُمُ السَّلِيمَةَ عَنِ الْفِطْرَةِ الَّتِي فَطَرَهُمُ اللَّهُ عَلَيْهَا، فَيُصِيبُ الْفَسَادُ نُفُوسَهُمْ، وَتَنْحَلُّ كُلُّ الْعُرَا فِيهَا، وَبِذَلِكَ تَضْطَرِبُ، وَتَكُونُ فِي بِلْبَالٍ مُسْتَمِرٍّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا إِذَا كَانَ الْخَائِنُونَ الَّذِينَ تَحَرَّوُا الْخِيَانَةَ وَقَصَدُوهَا، وَانْحَرَفُوا بِفِطَرِهِمْ عَنْ أَصْلِهَا، يَنَالُونَ الْعَذَابَ فِي الدُّنْيَا بِالْحُكْمِ عَلَيْهِمْ، وَإِعْرَاضِ أَهْلِ الْفَضْلِ عَنْ مُعَاوَنَتِهِمْ، فَإِنَّهُمْ لَا يَنَالُونَ حُبَّ اللَّهِ تَعَالَى، وَالْمَعْنَى الظَّاهِرُ لِلنَّصِّ:
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=107إِنَّ اللَّهَ لا يُحِبُّ مَنْ كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا هُوَ
nindex.php?page=treesubj&link=18853أَنَّ اللَّهَ تَعَالَى الْعَلِيَّ الْحَكِيمَ، الَّذِي لَا تُرْجَى مَحَبَّةً سِوَاهُ، لَا يُحِبُّ مَنْ كَانَتِ الْخِيَانَةُ وَصْفًا [ ص: 1843 ] مِنْ أَوْصَافِهِ، وَشَأْنًا مِنْ شُؤُونِهِ، وَخُلُقًا مِنْ أَخْلَاقِهِ، وَمَنْ صَارَ الْإِثْمُ عَادَةً لَهُ، حَتَّى صَارَ يُوصَفُ بِأَنَّهُ خَوَّانٌ وَأَثِيمٌ. فَكَلِمَةُ خَوَّانٍ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مَعْنَاهَا أَنَّ الْخِيَانَةَ صَارَتْ وَصْفًا مُلَازِمًا لَهُ، وَكَلِمَةُ أَثِيمٍ صِيغَةُ مُبَالَغَةٍ مِنْ إِثْمٍ، تُفِيدُ أَنَّ الْإِثْمَ صَارَ وَصْفًا مُلَازِمًا!. وَأَنَّ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى شَأْنٌ مِنْ شُؤُونِهِ سُبْحَانَهُ تَلِيقُ بِذَاتِهِ الْكَرِيمَةِ، وَهِيَ تَتَضَمَّنُ مَعْنَى الرِّضْوَانِ، وَتَسْتَلْزِمُ فَيْضَ رَحْمَتِهِ وَمِنَحَ غُفْرَانِهِ،
nindex.php?page=treesubj&link=19884_19704فَمَنْ فَقَدَ مَحَبَّةَ اللَّهِ تَعَالَى، فَقَدْ حُرِمَ مِنَ الرِّضْوَانِ، وَحُرِمَ مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى الَّتِي تَكُونُ لِلتَّوَّابِينَ، وَحُرِمَ غُفْرَانَهُ; لِأَنَّهُ لَا يَكُونُ إِلَّا لِمَنْ أَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ، حَتَّى لَا يَنْتَقِلَ إِلَّا مِنْ إِثْمٍ إِلَى إِثْمٍ!!.
وَقَدْ أَكَدَّ سُبْحَانَهُ نَفْيَ مَحَبَّتِهِ لِهَؤُلَاءِ الَّذِينَ أُرْكِسَتْ نُفُوسُهُمْ فِي الْخِيَانَةِ، وَدَنَّسَ الْإِثْمُ نُفُوسَهُمْ، حَتَّى أَصْبَحُوا لَا يَعِيشُونَ إِلَّا فِي آثَامٍ، بِالْجُمْلَةِ الِاسْمِيَّةِ الْمُصَدَّرَةِ بِحَرْفِ "إِنَّ" الدَّالِّ عَلَى التَّوْكِيدِ.
وَهُنَا إِشَارَةٌ مَعْنَوِيَّةٌ: وَهِيَ أَنَّهُ تَعَالَى وَصَفَ الَّذِينَ حَرَّمُوا مَحَبَّتَهُ بِأَنَّهُمْ خَوَّانُونَ أَثِيمُونَ; وَذَلِكَ لَهُ مَعْنَاهُ لِأَنَّ اخْتِيَانَ النَّفْسِ، وَتَعَوُّدَهَا الْخِيَانَةَ يَجُرُّهَا إِلَى آثَامٍ كَثِيرَةٍ، فَمَنْ خَانَ يَسْرِقُ وَيَكْذِبُ، وَيَأْكُلُ أَمْوَالَ النَّاسِ بِالْبَاطِلِ، وَلَا يَتَحَرَّجُ عَنْ إِثْمٍ، فَكَأَنَّ الْخِيَانَةَ جَاذِبَةٌ مَعَهَا كُلَّ الْآثَامِ!.
* * *