[ ص: 2107 ] nindex.php?page=treesubj&link=30549_31931_32409_32412_32417_32419_33147_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=21يا قوم ادخلوا الأرض المقدسة التي كتب الله لكم ولا ترتدوا على أدباركم فتنقلبوا خاسرين nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=22قالوا يا موسى إن فيها قوما جبارين وإنا لن ندخلها حتى يخرجوا منها فإن يخرجوا منها فإنا داخلون
* * *
في الآيات السابقة بين الله تعالى لجاجة أهل الكتاب في عنادهم وطغيانهم، ونقضهم العهود التي وثقت عليهم، ولعن الله تعالى لهم وطردهم من رحمته، ومكان العز لهم، وأشار إلى أن
محمدا -صلى الله عليه وسلم- لا يزال يرى طائفة من أخلاف الحاضرين تسير على خطة السابقين من خيانة، وتظهر بما اتسموا به من قسوة جعلت قلوبهم كالحجارة أو أشد قسوة، وذكر سبحانه للنبي -صلى الله عليه وسلم- ما كان منهم لنبي الله
موسى عليه السلام الذي أجرى الله تعالى على يده إنقاذهم من
فرعون الذي كان يذبح أبناءهم ويستحيي نساءهم، ويسومهم سوء العذاب، ولقد قال شيخ المفسرين
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابن جرير الطبري في معنى هذا:
"وهذا من تعريف الله لنبيه
محمد -صلى الله عليه وسلم- بتمادي هؤلاء اليهود في الغي، وبعدهم عن الحق، وسوء اختيارهم لأنفسهم، وشدة خلافهم لأنبيائهم، وبطء إنابتهم إلى الرشاد مع كثرة نعم الله عندهم، وتتابع أياديه وآلائه عليهم، مسليا بذلك نبيه
محمدا -صلى الله عليه وسلم-، عما يحل به من علاجهم، وينزل به من مقاساتهم في ذات الله تعالى، يقول الله تعالى له -صلى الله عليه وسلم-: لا تأس على ما أصابك منهم، فإن الذهاب عن الله تعالى والبعد عن الحق من عاداتهم وعادات أسلافهم.
[ ص: 2108 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وإذ قال موسى لقومه يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم هذا النص وما يليه فيه عزاء للنبي -صلى الله عليه وسلم- ليصبر على ما يصيبه من المشركين وأهل الكتاب عامة، ومن اليهود خاصة، ففيها بيان لما أصاب
موسى عليه السلام، وهو من أولي العزم من الرسل، في سبيل الدعوة، مع ما أجراه الله تعالى على يديه من نعم وآلاء، ومع ذلك جبنوا عندما دعاهم إلى الحق، وكان منهم أعداء له، فمهما ينزل بالنبي من الكفار عامة واليهود خاصة يجب أن يصبر عليه، صبر المتوقع له، الذي ينتظره، كما قال تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فاصبر كما صبر أولو العزم من الرسل [الأحقاف].
ومعنى النص الكريم: اذكر يا
محمد حال
موسى مع قومه، بعد أن رأوا الآيات المحسوسة، وبعد أن نزل عليهم من النعم والآلاء، وحال قومه معه. لقد دعاهم إلى الجهاد بقوله:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20يا قوم اذكروا نعمة الله عليكم ابتدأ بالنداء بقوله: (يا قوم) تذكيرا لهم بما يربطهم من رابطة الدم والقرابة التي تجعله منهم، يهمه ما يهمهم، ويسعده ما يسعدهم ويعزه ما يعزهم، فوق أنه رسول الله تعالى إليهم، وهو بهذا يقربهم إليه، ليقرب إلى نفوسهم، والتذكير كان بنعمة الله تعالى عليهم التي توجب عليهم الطاعة، وقد
nindex.php?page=treesubj&link=32419ذكر سبحانه وتعالى نعما ثلاثا بقوله تعالى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20إذ جعل فيكم أنبياء وجعلكم ملوكا وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين نعم ثلاث بينات واضحات، فالنعمة الأولى أنه سبحانه جعل فيهم أنبياء، أي أنه سبحانه بعث فيهم أنبياء منهم يهدونهم ويرشدون، وكانوا كمصابيح في ديجور الظلام، ونورا في عمياء الضلالة، ولا منة أجل من الهداية والسير في طريق الحق، ولا نقمة أشد من نقمة الضلالة والسير في طريق الفساد.
والتنكير في قوله تعالى: (أنبياء) للكثرة، اذكروا نعمة الله عليكم إذ جعل فيكم أنبياء كثيرين، ويكون ما اختصوا به هو كثرة الأنبياء قبل موسى وبعده، ولا يقال: إن الأنبياء كانت فيهم وحدهم، لأن الله تعالى يقول:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=24وإن من أمة إلا خلا فيها نذير [فاطر]، ويقول سبحانه:
[ ص: 2109 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وما كنا معذبين حتى نبعث رسولا [الإسراء]، والنعمة الثانية عبر سبحانه عنها بقوله تعالت كلماته:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وجعلكم ملوكا
ويلاحظ أنه في النعمة الأولى قرر سبحانه وتعالى أنه جعل فيهم أنبياء، أي جعل بعضا منهم أنبياء، أما النعمة الثانية، فقد قال سبحانه:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وجعلكم ملوكا أي لم يجعل الملك في بعضهم، بل جعلهم جميعا ملوكا، ولقد أول ذلك بعض العلماء بأن المراد جعل فيهم زعماء منهم مسيطرين على أمورهم، موجهين لشؤونهم، كما طلبوا ذلك من بعد، فقد قال الله تعالى عنهم:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=243ألم تر إلى الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت فقال لهم الله موتوا ثم أحياهم إن الله لذو فضل على الناس ولكن أكثر الناس لا يشكرون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=244وقاتلوا في سبيل الله واعلموا أن الله سميع عليم nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة والله يقبض ويبسط وإليه ترجعون nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246ألم تر إلى الملإ من بني إسرائيل من بعد موسى إذ قالوا لنبي لهم ابعث لنا ملكا نقاتل في سبيل الله [البقرة].
والمراد أن يبعث عليهم كبيرا يتبعونه في القتال، ويظهر أن ذلك كان منهم من بعد
موسى ومن قبله، والقائد إذا كان من الشعب أو من الجماعة كانوا جميعا ملوكا ومسيطرين على أمورهم، لأنه ينفذ إرادتهم، ويسير مع إحساسهم، ويعمل لمصلحتهم ما ظهر منها وما بطن.
وقد يفسر الملك بأنه خروجهم في عهد موسى من ربقة العبودية التي فرضها عليهم فرعون، فقد صارت لهم إرادة حرة، وتوجيه لعامة أمورهم، واختيارهم لحكامهم، وبذلك صاروا ملوكا، وفوق ذلك قد أوتوا رغد العيش وصاروا أحرارا في بيوتهم، بعد أن كان
فرعون يذبح أبناءهم، ويستحيي نساءهم، وفي الآثار أن الرجل إذا كان له ما يكفيه وأهله بالمعروف كان ملكا. سأل رجل
nindex.php?page=showalam&ids=13عبد الله بن عمرو بن العاص ، فقال: ألسنا من فقراء المهاجرين؟ فقال
عبد الله : ألك امرأة تأوي إليها؟ قال: نعم، قال ألك مسكن تسكنه؟ قال: نعم، قال: فأنت من الأغنياء،
[ ص: 2110 ] فقال إن لي خادما، قال: فأنت من الملوك، وقد روي
أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من كان له بيت وخادم فهو ملك" قد آتى الله سبحانه وتعالى بني إسرائيل الحرية، ومنع ذلهم، ومنحهم رغد العيش، وبذلك جعلهم ملوكا
بموسى عليه السلام. النعمة الثالثة: هي النعم التي أفاضها الله تعالى عليهم وقد عبر سبحانه وتعالى عنها بقوله تعالى حاكيا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وآتاكم ما لم يؤت أحدا من العالمين
والعالمون: جمع أريد به العقلاء من أهل هذه الأرض، ويفترق عن مفرده بأن المفرد يطلق على كل من هو على ظهر الأرض أو في باطنها من جماد ونبات، وحيوان وإنسان، بل إنه يشمل الأرض، والسماوات قاصيها ودانيها; ولذلك يقول العلماء: إن المفرد هنا أعم من الجمع، لأن الجمع لا يشمل إلا العقلاء، بينما المفرد يشمل كل شيء، والمفرد هو العالم.
وقد قال العلماء: إن المراد هو العالمون في زمانهم، أما من جاء بعدهم، فقد أعطاهم الله تعالى ما هو أكثر وأبعد أثرا، وذكر
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزمخشري هذه النعم، فقال:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20ما لم يؤت أحدا من العالمين من فلق البحر، وإغراق العدو، وتظليل الغمام، وإنزال المن والسلوى، ويصح أن يضاف إلى ذلك إنقاذهم من أذى
فرعون.
وهذه نعم منها ما أخذها غيرهم ومنها ما اختصوا بها كفلق البحر اثني عشر فرقا كالطود العظيم، وإنزال المن والسلوى، فهذه قد اختصوا بها دون العالمين، وإن لم يكن أكبر مما أعطاه غيرهم من نصر مؤزر.
* * *
[ ص: 2107 ] nindex.php?page=treesubj&link=30549_31931_32409_32412_32417_32419_33147_28976nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=21يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ وَلا تَرْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِكُمْ فَتَنْقَلِبُوا خَاسِرِينَ nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=22قَالُوا يَا مُوسَى إِنَّ فِيهَا قَوْمًا جَبَّارِينَ وَإِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا حَتَّى يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنْ يَخْرُجُوا مِنْهَا فَإِنَّا دَاخِلُونَ
* * *
فِي الْآيَاتِ السَّابِقَةِ بَيَّنَ اللَّهُ تَعَالَى لَجَاجَةَ أَهْلِ الْكِتَابِ فِي عِنَادِهِمْ وَطُغْيَانِهِمْ، وَنَقْضِهِمُ الْعُهُودَ الَّتِي وُثِّقَتْ عَلَيْهِمْ، وَلَعْنَ اللَّهِ تَعَالَى لَهُمْ وَطَرْدَهُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ، وَمَكَانَ الْعِزِّ لَهُمْ، وَأَشَارَ إِلَى أَنَّ
مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لَا يَزَالُ يَرَى طَائِفَةً مِنْ أَخْلَافِ الْحَاضِرِينَ تَسِيرُ عَلَى خُطَّةِ السَّابِقِينَ مِنْ خِيَانَةٍ، وَتَظْهَرُ بِمَا اتَّسَمُوا بِهِ مِنْ قَسْوَةٍ جَعَلَتْ قُلُوبَهُمْ كَالْحِجَارَةِ أَوْ أَشَدَّ قَسْوَةً، وَذَكَرَ سُبْحَانَهُ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَا كَانَ مِنْهُمْ لِنَبِيِّ اللَّهِ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ الَّذِي أَجْرَى اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدِهِ إِنْقَاذَهُمْ مِنْ
فِرْعَوْنَ الَّذِي كَانَ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، وَيَسُومُهُمْ سُوءَ الْعَذَابِ، وَلَقَدْ قَالَ شَيْخُ الْمُفَسِّرِينَ
nindex.php?page=showalam&ids=16935ابْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ فِي مَعْنَى هَذَا:
"وَهَذَا مِنْ تَعْرِيفِ اللَّهِ لِنَبِيِّهِ
مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِتَمَادِي هَؤُلَاءِ الْيَهُودِ فِي الْغَيِّ، وَبُعْدِهِمْ عَنِ الْحَقِّ، وَسُوءِ اخْتِيَارِهِمْ لِأَنْفُسِهِمْ، وَشَدَّةِ خِلَافِهِمْ لِأَنْبِيَائِهِمْ، وَبُطْءِ إِنَابَتِهِمْ إِلَى الرَّشَادِ مَعَ كَثْرَةِ نِعَمِ اللَّهِ عِنْدَهُمْ، وَتَتَابُعِ أَيَادِيهِ وَآلَائِهِ عَلَيْهِمْ، مُسَلِّيًا بِذَلِكَ نَبِيَّهُ
مُحَمَّدًا -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-، عَمَّا يَحِلُّ بِهِ مِنْ عِلَاجِهِمْ، وَيَنْزِلُ بِهِ مِنْ مَقَاسَاتِهِمْ فِي ذَاتِ اللَّهِ تَعَالَى، يَقُولُ اللَّهُ تَعَالَى لَهُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: لَا تَأْسَ عَلَى مَا أَصَابَكَ مِنْهُمْ، فَإِنَّ الذَّهَابَ عَنِ اللَّهِ تَعَالَى وَالْبُعْدَ عَنِ الْحَقِّ مِنْ عَادَاتِهِمْ وَعَادَاتِ أَسْلَافِهِمْ.
[ ص: 2108 ] nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وَإِذْ قَالَ مُوسَى لِقَوْمِهِ يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ هَذَا النَّصُّ وَمَا يَلِيهِ فِيهِ عَزَاءٌ لِلنَّبِيِّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- لِيَصْبِرَ عَلَى مَا يُصِيبُهُ مِنَ الْمُشْرِكِينَ وَأَهْلِ الْكِتَابِ عَامَّةً، وَمِنَ الْيَهُودِ خَاصَّةً، فَفِيهَا بَيَانٌ لِمَا أَصَابَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ، وَهُوَ مِنْ أُولِي الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ، فِي سَبِيلِ الدَّعْوَةِ، مَعَ مَا أَجْرَاهُ اللَّهُ تَعَالَى عَلَى يَدَيْهِ مِنْ نِعَمٍ وَآلَاءٍ، وَمَعَ ذَلِكَ جَبُنُوا عِنْدَمَا دَعَاهُمْ إِلَى الْحَقِّ، وَكَانَ مِنْهُمْ أَعْدَاءٌ لَهُ، فَمَهْمَا يَنْزِلْ بِالنَّبِيِّ مِنَ الْكُفَّارِ عَامَّةً وَالْيَهُودِ خَاصَّةً يَجِبُ أَنْ يَصْبِرَ عَلَيْهِ، صَبْرَ الْمُتَوَقِّعِ لَهُ، الَّذِي يَنْتَظِرُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=46&ayano=35فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ [الْأَحْقَافِ].
وَمَعْنَى النَّصِّ الْكَرِيمِ: اذْكُرْ يَا
مُحَمَّدُ حَالَ
مُوسَى مَعَ قَوْمِهِ، بَعْدَ أَنْ رَأَوُا الْآيَاتِ الْمَحْسُوسَةَ، وَبَعْدَ أَنْ نَزَلَ عَلَيْهِمْ مِنَ النِّعَمِ وَالْآلَاءِ، وَحَالَ قَوْمِهِ مَعَهُ. لَقَدْ دَعَاهُمْ إِلَى الْجِهَادِ بِقَوْلِهِ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20يَا قَوْمِ اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ ابْتَدَأَ بِالنِّدَاءِ بِقَوْلِهِ: (يَا قَوْمِ) تَذْكِيرًا لَهُمْ بِمَا يَرْبُطُهُمْ مِنْ رَابِطَةِ الدَّمِ وَالْقَرَابَةِ الَّتِي تَجْعَلُهُ مِنْهُمْ، يَهُمُّهُ مَا يَهُمُّهُمْ، وَيُسْعِدُهُ مَا يُسْعِدُهُمْ وَيُعِزُّهُ مَا يُعِزُّهُمْ، فَوْقَ أَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ تَعَالَى إِلَيْهِمْ، وَهُوَ بِهَذَا يُقَرِّبُهُمْ إِلَيْهِ، لِيَقْرُبَ إِلَى نُفُوسِهِمْ، وَالتَّذْكِيرُ كَانَ بِنِعْمَةِ اللَّهِ تَعَالَى عَلَيْهِمُ الَّتِي تُوجِبُ عَلَيْهِمُ الطَّاعَةَ، وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=32419ذَكَرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى نِعَمًا ثَلَاثًا بِقَوْلِهِ تَعَالَى:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ نِعَمٌ ثَلَاثٌ بَيِّنَاتٌ وَاضِحَاتٌ، فَالنِّعْمَةُ الْأُولَى أَنَّهُ سُبْحَانَهُ جَعَلَ فِيهِمْ أَنْبِيَاءَ، أَيْ أَنَّهُ سُبْحَانَهُ بَعَثَ فِيهِمْ أَنْبِيَاءَ مِنْهُمْ يَهْدُونَهُمْ وَيُرْشِدُونَ، وَكَانُوا كَمَصَابِيحَ فِي دَيْجُورِ الظَّلَامِ، وَنُورًا فِي عَمْيَاءِ الضَّلَالَةِ، وَلَا مِنَّةَ أَجَلَّ مِنَ الْهِدَايَةِ وَالسَّيْرِ فِي طَرِيقِ الْحَقِّ، وَلَا نِقْمَةَ أَشَدَّ مِنْ نِقْمَةِ الضَّلَالَةِ وَالسَّيْرِ فِي طَرِيقِ الْفَسَادِ.
وَالتَّنْكِيرُ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (أَنْبِيَاءَ) لِلْكَثْرَةِ، اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جَعَلَ فِيكُمْ أَنْبِيَاءَ كَثِيرِينَ، وَيَكُونُ مَا اخْتُصُّوا بِهِ هُوَ كَثْرَةُ الْأَنْبِيَاءِ قَبْلَ مُوسَى وَبَعْدَهُ، وَلَا يُقَالُ: إِنَّ الْأَنْبِيَاءَ كَانَتْ فِيهِمْ وَحْدَهُمْ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يَقُولُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=35&ayano=24وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلا خَلا فِيهَا نَذِيرٌ [فَاطِرٍ]، وَيَقُولُ سُبْحَانَهُ:
[ ص: 2109 ] nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=15وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولا [الْإِسْرَاءِ]، وَالنِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ عَبَّرَ سُبْحَانَهُ عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَتْ كَلِمَاتُهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا
وَيُلَاحَظُ أَنَّهُ فِي النِّعْمَةِ الْأُولَى قَرَّرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى أَنَّهُ جَعَلَ فِيهِمْ أَنْبِيَاءَ، أَيْ جَعَلَ بَعْضًا مِنْهُمْ أَنْبِيَاءَ، أَمَّا النِّعْمَةُ الثَّانِيَةُ، فَقَدْ قَالَ سُبْحَانَهُ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وَجَعَلَكُمْ مُلُوكًا أَيْ لَمْ يَجْعَلِ الْمُلْكَ فِي بَعْضِهِمْ، بَلْ جَعَلَهُمْ جَمِيعًا مُلُوكًا، وَلَقَدْ أَوَّلَ ذَلِكَ بَعْضُ الْعُلَمَاءِ بِأَنَّ الْمُرَادَ جَعْلُ فِيهِمْ زُعَمَاءَ مِنْهُمْ مُسَيْطِرِينَ عَلَى أُمُورِهِمْ، مُوَجِّهِينَ لِشُؤُونِهِمْ، كَمَا طَلَبُوا ذَلِكَ مِنْ بَعْدُ، فَقَدْ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى عَنْهُمْ:
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=243أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ فَقَالَ لَهُمُ اللَّهُ مُوتُوا ثُمَّ أَحْيَاهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَذُو فَضْلٍ عَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَشْكُرُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=244وَقَاتِلُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ عَلِيمٌ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً وَاللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=246أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى إِذْ قَالُوا لِنَبِيٍّ لَهُمُ ابْعَثْ لَنَا مَلِكًا نُقَاتِلْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ [الْبَقَرَةِ].
وَالْمُرَادُ أَنْ يَبْعَثَ عَلَيْهِمْ كَبِيرًا يَتْبَعُونَهُ فِي الْقِتَالِ، وَيَظْهَرُ أَنَّ ذَلِكَ كَانَ مِنْهُمْ مِنْ بَعْدِ
مُوسَى وَمِنْ قَبْلِهِ، وَالْقَائِدُ إِذَا كَانَ مِنَ الشَّعْبِ أَوْ مِنَ الْجَمَاعَةِ كَانُوا جَمِيعًا مُلُوكًا وَمُسَيْطِرِينَ عَلَى أُمُورِهِمْ، لِأَنَّهُ يُنَفِّذُ إِرَادَتَهُمْ، وَيَسِيرُ مَعَ إِحْسَاسِهِمْ، وَيَعْمَلُ لِمَصْلَحَتِهِمْ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ.
وَقَدْ يُفَسَّرُ الْمُلْكُ بِأَنَّهُ خُرُوجُهُمْ فِي عَهْدِ مُوسَى مِنْ رِبْقَةِ الْعُبُودِيَّةِ الَّتِي فَرَضَهَا عَلَيْهِمْ فِرْعَوْنُ، فَقَدْ صَارَتْ لَهُمْ إِرَادَةٌ حُرَّةٌ، وَتَوْجِيهٌ لِعَامَّةِ أُمُورِهِمْ، وَاخْتِيَارُهُمْ لِحُكَّامِهِمْ، وَبِذَلِكَ صَارُوا مُلُوكًا، وَفَوْقَ ذَلِكَ قَدْ أُوتُوا رَغَدَ الْعَيْشِ وَصَارُوا أَحْرَارًا فِي بُيُوتِهِمْ، بَعْدَ أَنْ كَانَ
فِرْعَوْنُ يُذَبِّحُ أَبْنَاءَهُمْ، وَيَسْتَحْيِي نِسَاءَهُمْ، وَفِي الْآثَارِ أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا كَانَ لَهُ مَا يَكْفِيهِ وَأَهْلَهُ بِالْمَعْرُوفِ كَانَ مَلِكًا. سَأَلَ رَجُلٌ
nindex.php?page=showalam&ids=13عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ ، فَقَالَ: أَلَسْنَا مِنْ فُقَرَاءِ الْمُهَاجِرِينَ؟ فَقَالَ
عَبْدُ اللَّهِ : أَلَكَ امْرَأَةٌ تَأْوِي إِلَيْهَا؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ أَلَكَ مَسْكَنٌ تَسْكُنُهُ؟ قَالَ: نَعَمْ، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْأَغْنِيَاءِ،
[ ص: 2110 ] فَقَالَ إِنَّ لِي خَادِمًا، قَالَ: فَأَنْتَ مِنَ الْمُلُوكِ، وَقَدْ رُوِيَ
أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "مَنْ كَانَ لَهُ بَيْتٌ وَخَادِمٌ فَهُوَ مَلِكٌ" قَدْ آتَى اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بَنِي إِسْرَائِيلَ الْحُرِّيَّةَ، وَمَنَعَ ذُلَّهُمْ، وَمَنَحَهُمْ رَغَدَ الْعَيْشِ، وَبِذَلِكَ جَعَلَهُمْ مُلُوكًا
بِمُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ. النِّعْمَةُ الثَّالِثَةُ: هِيَ النِّعَمُ الَّتِي أَفَاضَهَا اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِمْ وَقَدْ عَبَّرَ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى عَنْهَا بِقَوْلِهِ تَعَالَى حَاكِيًا
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20وَآتَاكُمْ مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ
وَالْعَالَمُونَ: جَمْعٌ أُرِيدَ بِهِ الْعُقَلَاءُ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْأَرْضِ، وَيَفْتَرِقُ عَنْ مُفْرَدِهِ بِأَنَّ الْمُفْرَدَ يُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَنْ هُوَ عَلَى ظَهْرِ الْأَرْضِ أَوْ فِي بَاطِنِهَا مِنْ جَمَادٍ وَنَبَاتٍ، وَحَيَوَانٍ وَإِنْسَانٍ، بَلْ إِنَّهُ يَشْمَلُ الْأَرْضَ، وَالسَّمَاوَاتِ قَاصِيهَا وَدَانِيهَا; وَلِذَلِكَ يَقُولُ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْمُفْرَدَ هُنَا أَعَمُّ مِنَ الْجَمْعِ، لِأَنَّ الْجَمْعَ لَا يَشْمَلُ إِلَّا الْعُقَلَاءَ، بَيْنَمَا الْمُفْرَدُ يَشْمَلُ كُلَّ شَيْءٍ، وَالْمُفْرَدُ هُوَ الْعَالَمُ.
وَقَدْ قَالَ الْعُلَمَاءُ: إِنَّ الْمُرَادَ هُوَ الْعَالِمُونَ فِي زَمَانِهِمْ، أَمَّا مَنْ جَاءَ بَعْدَهُمْ، فَقَدْ أَعْطَاهُمُ اللَّهُ تَعَالَى مَا هُوَ أَكْثَرُ وَأَبْعَدُ أَثَرًا، وَذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=14423الزَّمَخْشَرِيُّ هَذِهِ النِّعَمَ، فَقَالَ:
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=20مَا لَمْ يُؤْتِ أَحَدًا مِنَ الْعَالَمِينَ مِنْ فَلْقِ الْبَحْرِ، وَإِغْرَاقِ الْعَدُوِّ، وَتَظْلِيلِ الْغَمَامِ، وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، وَيَصِحُّ أَنْ يُضَافَ إِلَى ذَلِكَ إِنْقَاذُهُمْ مَنْ أَذَى
فِرْعَوْنَ.
وَهَذِهِ نِعَمٌ مِنْهَا مَا أَخَذَهَا غَيْرُهُمْ وَمِنْهَا مَا اخْتُصُّوا بِهَا كَفَلْقِ الْبَحْرِ اثْنَيْ عَشَرَ فِرْقًا كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ، وَإِنْزَالِ الْمَنِّ وَالسَّلْوَى، فَهَذِهِ قَدِ اخْتُصُّوا بِهَا دُونَ الْعَالَمِينَ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ أَكْبَرَ مِمَّا أَعْطَاهُ غَيْرُهُمْ مِنْ نَصْرٍ مُؤَزَّرٍ.
* * *