الثاني :
nindex.php?page=treesubj&link=22302الشرعي : وهو المتعلق بالفروع والمذاهب وفيه ثلاثة : فرقة أوجبت التقليد وفرقة حرمته وفرقة توسطت . [ الأول ] فذهب بعض
المعتزلة إلى تحريم التقليد مطلقا ، كالتقليد في الأصول ، ووافقهم
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابن حزم ، وكاد يدعي الإجماع على النهي عن التقليد ، قال ونقل عن
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أنه قال : ( أنا بشر أخطئ وأصيب ، فانظروا في رأيي ، فما وافق الكتاب والسنة فخذوا به ، وما لم يوافق فاتركوه ) وقال عند موته : وددت أني ضربت بكل مسألة تكلمت فيها برأي سوطا ، على أنه لا صبر لي على السياط قال : فهذا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك ينهى عن تقليده ، وكذلك
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي nindex.php?page=showalam&ids=11990وأبو حنيفة ، وقد ذكر
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي عن النبي صلى الله عليه وسلم حديثا ، فقال بعض جلسائه : يا
nindex.php?page=showalam&ids=13790أبا عبد الله ، أتأخذ به ؟ فقال له : أرأيت علي زنارا ؟ أرأيتني خارجا من كنيسة ؟ حتى تقول لي في حديث النبي صلى الله عليه وسلم : أتأخذ بهذا ؟
[ ص: 328 ] ولم يزل رحمه الله في كتبه ينهى عن تقليده وتقليد غيره ، هكذا رواه
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في أول " مختصره " عنه .
وهذا الذي قاله ممنوع ، وإنما نهوا المجتهد خاصة عن تقليدهم ، دون من لم يبلغ هذه الرتبة ، قال
القرافي : مذهب
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك وجمهور العلماء وجوب الاجتهاد ، وإبطال التقليد لقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فاتقوا الله ما استطعتم } واستثنى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مالك أربع عشرة صورة للضرورة : وجوب التقليد على العوام ، وتقليد القائف ، إلى آخر ما ذكره . والثاني يجب مطلقا ، ويحرم النظر ، ونسب إلى بعض
الحشوية . والثالث : وهو الحق ، وعليه الأئمة الأربعة وغيرهم يجب على العامي ، ويحرم على المجتهد ، وقول
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشافعي وغيره : " لا يحل تقليد أحد " مرادهم على المجتهد ، قال
nindex.php?page=showalam&ids=16408عبد الله بن أحمد : سألت أبي ، الرجل يكون عنده الكتب المصنفة ، فيها قول الرسول واختلاف الصحابة والتابعين ، وليس له بصيرة بالحديث الضعيف المتروك ولا الإسناد القوي من الضعيف ، هل يجوز أن يعمل بما شاء ويفتي به ؟ قال : لا يعمل حتى يسأل أهل العلم عما يؤخذ به منها . قال
nindex.php?page=showalam&ids=14953القاضي أبو يعلى : ظاهر هذا أن فرضه التقليد والسؤال إذا لم يكن له معرفة بالكتاب والسنة . انتهى .
وأما تحريمه على المجتهد ، فلقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول } يعني كتاب الله وسنة رسوله بالاستنباط وفي حديث
nindex.php?page=showalam&ids=32معاذ المتلقى بالقبول لما {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62748قال له الرسول صلى الله عليه وسلم : بم تحكم ؟ قال : بكتاب الله . قال : فإن لم تجد قال : بسنة رسول الله . قال : فإن لم تجد ، قال أجتهد رأيي ولا آلو فقال : الحمد لله الذي وفق رسول رسوله ، إلى ما يرضاه رسول الله } . قالوا فصوبه في ذلك ، ولم يذكر من جملته التقليد ، فدل ذلك على أن التقليد يحرم على العلماء الذين هم من
[ ص: 329 ] أهل الاجتهاد والاستنباط ، ولهذا قال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83لعلمه الذين يستنبطونه منهم } . قال
nindex.php?page=showalam&ids=15215المزني في كتابه فساد التأويل " : توفيق الله تعالى
nindex.php?page=showalam&ids=32لمعاذ في اجتهاده لما يرضاه رسوله عندنا إنما هو لنظر الكتاب والسنة ولو كان تأويله أفرض ما رأيت في الحادثة ، لوجب فرض ذلك على جميع الناس ، قال : وقد ذم الله التقليد في غير ما آية كقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23إنا وجدنا آباءنا على أمة } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67وقالوا ربنا إنا أطعنا سادتنا وكبراءنا فأضلونا السبيلا } وقال تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتخذوا أحبارهم ورهبانهم أربابا من دون الله } وفي الحديث {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62749إن الله لا يقبض العلم انتزاعا وإنما يقبض العلم بقبض العلماء } قال : ويقال لمن حكم بالتقليد : هل لك من حجة فإن قال : نعم ، أبطل التقليد ، لأن الحجة أوجبت ذلك عنده لا التقليد وإن قال بغير علم ، قيل له : فلم أرقت الدماء ، وأبحت الفروج والأموال ، وقد حرم الله ذلك إلا بحجة . فإن قال : أنا أعلم أني قد أصبت ، وإن لم أعرف الحجة ، لأن معلمي من كبار العلماء .
قيل له : تقليد معلم معلمك أولى من تقليد معلمك ، لأنه لا يقول إلا بحجة خفيت عن معلمه كما لم يقل معلمك إلا بحجة قد خفيت عنك ، فإن قال : نعم ترك تقليد معلمه إلى تقليد معلم معلمه ، وكذلك حتى ينتهي إلى العالم من الصحابة ، فإن أبى ذلك نقض قوله ، وقيل له : كيف يجوز تقليد من هو أصغر وأقل علما ، ولا يجوز تقليد من هو أكبر وأغزر علما وقد روي عن {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62750رسول الله صلى الله عليه وسلم : أنه حذر من زلة العالم } . وعن
nindex.php?page=showalam&ids=10ابن مسعود .
[ ص: 330 ] رضي الله عنه أنه قال {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62751 : لا يقلدن أحدكم دينه ، رجلا ، فإن آمن آمن وإن كفر كفر فإنه لا أسوة في الشر } . وأما وجوبه على العامة ، فلقوله تعالى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } وقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فلولا نفر من كل فرقة منهم طائفة } فأمر بقبول قول أهل العلم فيما كان من أمر دينهم ، ولولا أنه يجب الرجوع إليهم لما كان للنذارة معنى ، ولقضية الذي شج ، فأمروه أن يغتسل ، وقالوا : لسنا نجد لك رخصة فاغتسل ومات فقال النبي عليه السلام : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62752قتلوه قتلهم الله ، إنما كان شفاء العي السؤال } فبان بذلك جواز التقليد . قال
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشيخ أبو حامد : ولأنه لا خلاف أن طلب العلم من فروض الكفاية التي إذا قام بها البعض ، سقط عن الباقين ، ولو منعنا التقليد ، لأفضى إلى أن يكون من فروض الأعيان .
ونقل غير واحد إجماع الصحابة فمن بعدهم عليه ، فإنهم كانوا يفتون العوام ، ولا يأمرونهم بنيل درجة الاجتهاد ، ولأن الذي يذكره المجتهد له من الدليل ، إن كان بحيث لا يكفي في الحكم فلا عبرة به ، وإن كان يذكر له ما يكفي ، فأسند إليه الحكم
[ ص: 331 ] في مثل ذلك ، التزمه قطعا وقال
القاضي أبو المعالي عزيزي بن عبد الملك ، في بعض مؤلفاته : لو وجب على الكافة التحقيق دون التقليد أدى ذلك إلى تعطيل المعاش ، وخراب الدنيا ، فجاز أن يكون بعضهم مقلدا ، وبعضهم معلما ، وبعضهم متعلما ، ولم ترفع درجة أحد في الجنان لدرجة العلماء والمتعلمين ثم درجة المحبين وقال : المصير في الموجب لتقليد العامي للعالم ، عدم آلة الاستنباط وتعذرها عليه في الحال ، والتماس أصول ذلك ، فلو تركه حتى يعلم جميعها ، ويستنبط منها لتعطلت الفرائض من العالم حتى يصيروا كلهم علماء ، وهذا فاسد ، فرخص له في قبول قول العالم الباحث . ولا يجوز له قبول قول من هو مثله ، ومن هذا امتنع تقليد المجتهد لمثله ، لأن المعنى الموجب لدفع التقليد وجود الأدلة وهو متمكن منها .
قلت : والفرق بينه وبين العقائد ، أن المطلوب في العقائد العلم ، والمطلوب في الفروع الظن ، والتقليد قريب من الظن ، ولأن العقائد أهم من الفروع والمخطئ فيها كافر . وأورد
الإمام فخر الدين شبهة للمانعين من التقليد ، قال : إنهم يمنعون العمل بالإجماع وخبر الواحد والقياس ، ويتمسكون بالظواهر ، ويقولون : حكم العقل في المنافع الإباحة ، وفي المضار الحرمة ، ولا يترك هذا إلا لنص قاطع المتن والدلالة والعامي الذكي يعلم ذلك وإلا نبهه المفتي عليه ، وعلى النص القاطع في الواقعة إن جهله ، ولا يقال معرفة ذلك تمنعه من المعاش والمصالح التي الاشتغال عنها يفضي إلى خراب العالم ، لأنه يقتضي إيجاب معرفة أصول الدين ، ولا يجاب بأن الواجب معرفة أدلة النبوة والتوحيد جملة وهي سهلة ، بخلاف الفروع لكثرتها وتشعبها ، لأنه إن لم يعلم جميع مقدمات الدليل الجلي ، فقد قلد في بعضها ، فيكون مقلدا في النتيجة ، وإن علمها وما يرد فقد حصل الاشتغال . وجوابه على تقدير تسليم تقليل الأدلة ، فذلك
[ ص: 332 ] يحتاج إلى تأمل وممارسة ، وهو مفقود في العامي .
إذا علمت هذا فلا بد من تقسيم يجمع أفراد المسألة ، ويضبط شعبها ، فنقول :
nindex.php?page=treesubj&link=22310_22309_22308_22307_22306_22305_22304العلوم نوعان : نوع يشترك في معرفته الخاصة والعامة ، ويعلم من الدين بالضرورة ، كالمتواتر ، فلا يجوز التقليد فيه لأحد ، كعدد الركعات ، وتعيين الصلاة ، وتحريم الأمهات والبنات ، والزنى ، واللواط ، فإن هذا مما لا يشق على العامي معرفته ، ولا يشغله عن أعماله ، وكذا في أهلية المفتي . ونوع مختص معرفته بالخاصة ، والناس فيه ثلاثة ضروب : مجتهد ، وعامي ، وعالم لم يبلغ رتبة الاجتهاد . أحدها : العامي الصرف : والجمهور على أنه يجوز له الاستفتاء ، ويجب عليه التقليد في فروع الشريعة جميعها ، ولا ينفعه ما عنده من العلوم لا تؤدي إلى اجتهاد ، وحكى
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابن عبد البر فيه الإجماع ، ولم يختلف العلماء أن العامة عليها تقليد علمائها ، وأنهم المرادون بقوله : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فاسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون } قال : وأجمعوا على أن الأعمى لا بد له من تقليد غيره في القبلة ، نقل لك من لا علم له ولا بغيره بمعنى ما يدين به . انتهى . ومنع منه بعض
معتزلة بغداد ، كالتقليد في الأصول ، وقالوا : يجب عليه الوقوف على طريق الحكم وعلته ، ولا يرجع إلى العالم ، إلا لتنبيهه على أصولها ، ونقله
nindex.php?page=showalam&ids=14960القاضي عبد الوهاب ، عن
الجعفر بن مبشر ،
وابن حرب منهم عن
الجبائي : يجوز في المسائل الاجتهادية دون ما طريقه القطع ، فإنه يصير مثل العقليات ونحوه . قول
الأستاذ : يجب عليه تحصيل علم كل مسألة في الفقه يدركها القطع ، ويجوز له التقليد في ظنياته إلى القطعيات ، الفروع بالأصول . وحكى
ابن برهان الخلاف على وجه آخر ، فقال : من صار له التقليد ،
[ ص: 333 ] لم يجب عليه السؤال عن الدليل ، ونقل عن
أبي علي الجبائي أنه قال : يجب عليه أن يعلم كل مسألة بدليلها . وصار بعض الناس إلى أن المسائل الظاهرة يجب عليه معرفتها دون الخفية . انتهى . وإذا قلنا بأن وظيفة العامي التقليد جاء الخلاف السابق أنه هل هو تقليد حقيقة ؟ فالقاضي يمنعه ويقول إنما مستدل ، لأن الله تعالى أوجب عليه اتباع العالم ، وهو خلاف يرجع إلى العبارة ، لأن القائل بالتقليد لم ير إلا هذا ، ولكن لسان حملة الشريعة جرى على صحة إطلاق
nindex.php?page=treesubj&link=22309_22307التقليد للعامي ، والنهي عن إطلاق الاجتهاد عليه .
الثَّانِي :
nindex.php?page=treesubj&link=22302الشَّرْعِيُّ : وَهُوَ الْمُتَعَلِّقُ بِالْفُرُوعِ وَالْمَذَاهِبِ وَفِيهِ ثَلَاثَةٌ : فِرْقَةٌ أَوْجَبَتْ التَّقْلِيدَ وَفِرْقَةٌ حَرَّمَتْهُ وَفِرْقَةٌ تَوَسَّطَتْ . [ الْأَوَّلُ ] فَذَهَبَ بَعْضُ
الْمُعْتَزِلَةِ إلَى تَحْرِيمِ التَّقْلِيدِ مُطْلَقًا ، كَالتَّقْلِيدِ فِي الْأُصُولِ ، وَوَافَقَهُمْ
nindex.php?page=showalam&ids=13064ابْنُ حَزْمٍ ، وَكَادَ يَدَّعِي الْإِجْمَاعَ عَلَى النَّهْيِ عَنْ التَّقْلِيدِ ، قَالَ وَنُقِلَ عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ أَنَّهُ قَالَ : ( أَنَا بَشَرٌ أُخْطِئُ وَأُصِيبُ ، فَانْظُرُوا فِي رَأْيِي ، فَمَا وَافَقَ الْكِتَابَ وَالسُّنَّةَ فَخُذُوا بِهِ ، وَمَا لَمْ يُوَافِقْ فَاتْرُكُوهُ ) وَقَالَ عِنْدَ مَوْتِهِ : وَدِدْت أَنِّي ضُرِبْت بِكُلِّ مَسْأَلَةٍ تَكَلَّمْت فِيهَا بِرَأْيٍ سَوْطًا ، عَلَى أَنَّهُ لَا صَبْرَ لِي عَلَى السِّيَاطِ قَالَ : فَهَذَا
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ يَنْهَى عَنْ تَقْلِيدِهِ ، وَكَذَلِكَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ nindex.php?page=showalam&ids=11990وَأَبُو حَنِيفَةَ ، وَقَدْ ذَكَرَ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيُّ عَنْ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حَدِيثًا ، فَقَالَ بَعْضُ جُلَسَائِهِ : يَا
nindex.php?page=showalam&ids=13790أَبَا عَبْدِ اللَّهِ ، أَتَأْخُذُ بِهِ ؟ فَقَالَ لَهُ : أَرَأَيْت عَلَيَّ زُنَّارًا ؟ أَرَأَيْتَنِي خَارِجًا مِنْ كَنِيسَةٍ ؟ حَتَّى تَقُولَ لِي فِي حَدِيثِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَتَأْخُذُ بِهَذَا ؟
[ ص: 328 ] وَلَمْ يَزَلْ رَحِمَهُ اللَّهُ فِي كُتُبِهِ يَنْهَى عَنْ تَقْلِيدِهِ وَتَقْلِيدِ غَيْرِهِ ، هَكَذَا رَوَاهُ
nindex.php?page=showalam&ids=15215الْمُزَنِيّ فِي أَوَّلِ " مُخْتَصَرِهِ " عَنْهُ .
وَهَذَا الَّذِي قَالَهُ مَمْنُوعٌ ، وَإِنَّمَا نَهَوْا الْمُجْتَهِدَ خَاصَّةً عَنْ تَقْلِيدِهِمْ ، دُونَ مَنْ لَمْ يَبْلُغْ هَذِهِ الرُّتْبَةَ ، قَالَ
الْقَرَافِيُّ : مَذْهَبُ
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٍ وَجُمْهُورِ الْعُلَمَاءِ وُجُوبُ الِاجْتِهَادِ ، وَإِبْطَالُ التَّقْلِيدِ لِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=64&ayano=16فَاتَّقُوا اللَّهَ مَا اسْتَطَعْتُمْ } وَاسْتَثْنَى
nindex.php?page=showalam&ids=16867مَالِكٌ أَرْبَعَ عَشْرَةَ صُورَةً لِلضَّرُورَةِ : وُجُوبَ التَّقْلِيدِ عَلَى الْعَوَامّ ، وَتَقْلِيدَ الْقَائِفِ ، إلَى آخِرِ مَا ذَكَرَهُ . وَالثَّانِي يَجِبُ مُطْلَقًا ، وَيَحْرُمُ النَّظَرُ ، وَنُسِبَ إلَى بَعْضِ
الْحَشْوِيَّةِ . وَالثَّالِثُ : وَهُوَ الْحَقُّ ، وَعَلَيْهِ الْأَئِمَّةُ الْأَرْبَعَةُ وَغَيْرُهُمْ يَجِبُ عَلَى الْعَامِّيِّ ، وَيَحْرُمُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ ، وَقَوْلُ
nindex.php?page=showalam&ids=13790الشَّافِعِيِّ وَغَيْرِهِ : " لَا يَحِلُّ تَقْلِيدُ أَحَدٍ " مُرَادُهُمْ عَلَى الْمُجْتَهِدِ ، قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=16408عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَحْمَدَ : سَأَلْت أَبِي ، الرَّجُلُ يَكُونُ عِنْدَهُ الْكُتُبُ الْمُصَنَّفَةُ ، فِيهَا قَوْلُ الرَّسُولِ وَاخْتِلَافُ الصَّحَابَةِ وَالتَّابِعِينَ ، وَلَيْسَ لَهُ بَصِيرَةٌ بِالْحَدِيثِ الضَّعِيفِ الْمَتْرُوكِ وَلَا الْإِسْنَادِ الْقَوِيِّ مِنْ الضَّعِيفِ ، هَلْ يَجُوزُ أَنْ يَعْمَلَ بِمَا شَاءَ وَيُفْتِي بِهِ ؟ قَالَ : لَا يَعْمَلُ حَتَّى يَسْأَلَ أَهْلَ الْعِلْمِ عَمَّا يُؤْخَذُ بِهِ مِنْهَا . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=14953الْقَاضِي أَبُو يَعْلَى : ظَاهِرُ هَذَا أَنَّ فَرْضَهُ التَّقْلِيدُ وَالسُّؤَالُ إذَا لَمْ يَكُنْ لَهُ مَعْرِفَةٌ بِالْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ . انْتَهَى .
وَأَمَّا تَحْرِيمُهُ عَلَى الْمُجْتَهِدِ ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=59فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرَدُّوهُ إلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ } يَعْنِي كِتَابَ اللَّهِ وَسُنَّةَ رَسُولِهِ بِالِاسْتِنْبَاطِ وَفِي حَدِيثِ
nindex.php?page=showalam&ids=32مُعَاذٍ الْمُتَلَقَّى بِالْقَبُولِ لَمَّا {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62748قَالَ لَهُ الرَّسُولُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : بِمَ تَحْكُمُ ؟ قَالَ : بِكِتَابِ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ قَالَ : بِسُنَّةِ رَسُولِ اللَّهِ . قَالَ : فَإِنْ لَمْ تَجِدْ ، قَالَ أَجْتَهِدُ رَأْيِي وَلَا آلُو فَقَالَ : الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي وَفَّقَ رَسُولَ رَسُولِهِ ، إلَى مَا يَرْضَاهُ رَسُولُ اللَّهِ } . قَالُوا فَصَوَّبَهُ فِي ذَلِكَ ، وَلَمْ يَذْكُرْ مِنْ جُمْلَتِهِ التَّقْلِيدَ ، فَدَلَّ ذَلِكَ عَلَى أَنَّ التَّقْلِيدَ يَحْرُمُ عَلَى الْعُلَمَاءِ الَّذِينَ هُمْ مِنْ
[ ص: 329 ] أَهْلِ الِاجْتِهَادِ وَالِاسْتِنْبَاطِ ، وَلِهَذَا قَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=4&ayano=83لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنْبِطُونَهُ مِنْهُمْ } . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=15215الْمُزَنِيّ فِي كِتَابِهِ فَسَادِ التَّأْوِيلِ " : تَوْفِيقُ اللَّهِ تَعَالَى
nindex.php?page=showalam&ids=32لِمُعَاذٍ فِي اجْتِهَادِهِ لِمَا يَرْضَاهُ رَسُولُهُ عِنْدَنَا إنَّمَا هُوَ لِنَظَرِ الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ وَلَوْ كَانَ تَأْوِيلُهُ أَفَرْضَ مَا رَأَيْت فِي الْحَادِثَةِ ، لَوَجَبَ فَرْضُ ذَلِكَ عَلَى جَمِيعِ النَّاسِ ، قَالَ : وَقَدْ ذَمَّ اللَّهُ التَّقْلِيدَ فِي غَيْرِ مَا آيَةٍ كَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=43&ayano=23إنَّا وَجَدْنَا آبَاءَنَا عَلَى أُمَّةٍ } وَقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=33&ayano=67وَقَالُوا رَبَّنَا إنَّا أَطَعْنَا سَادَتَنَا وَكُبَرَاءَنَا فَأَضَلُّونَا السَّبِيلَا } وَقَالَ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=31اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ } وَفِي الْحَدِيثِ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62749إنَّ اللَّهَ لَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ انْتِزَاعًا وَإِنَّمَا يَقْبِضُ الْعِلْمَ بِقَبْضِ الْعُلَمَاءِ } قَالَ : وَيُقَالُ لِمَنْ حَكَمَ بِالتَّقْلِيدِ : هَلْ لَك مِنْ حُجَّةٍ فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ ، أُبْطِلَ التَّقْلِيدُ ، لِأَنَّ الْحُجَّةَ أَوْجَبَتْ ذَلِكَ عِنْدَهُ لَا التَّقْلِيدَ وَإِنْ قَالَ بِغَيْرِ عِلْمٍ ، قِيلَ لَهُ : فَلِمَ أَرَقْت الدِّمَاءَ ، وَأَبَحْت الْفُرُوجَ وَالْأَمْوَالَ ، وَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ ذَلِكَ إلَّا بِحُجَّةٍ . فَإِنْ قَالَ : أَنَا أَعْلَمُ أَنِّي قَدْ أَصَبْت ، وَإِنْ لَمْ أَعْرِفْ الْحُجَّةَ ، لِأَنَّ مُعَلِّمِي مِنْ كِبَارِ الْعُلَمَاءِ .
قِيلَ لَهُ : تَقْلِيدُ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِك أَوْلَى مِنْ تَقْلِيدِ مُعَلِّمِك ، لِأَنَّهُ لَا يَقُولُ إلَّا بِحُجَّةٍ خَفِيَتْ عَنْ مُعَلِّمِهِ كَمَا لَمْ يَقُلْ مُعَلِّمُك إلَّا بِحُجَّةٍ قَدْ خَفِيَتْ عَنْك ، فَإِنْ قَالَ : نَعَمْ تَرَكَ تَقْلِيدَ مُعَلِّمِهِ إلَى تَقْلِيدِ مُعَلِّمِ مُعَلِّمِهِ ، وَكَذَلِكَ حَتَّى يَنْتَهِيَ إلَى الْعَالِمِ مِنْ الصَّحَابَةِ ، فَإِنْ أَبَى ذَلِكَ نُقِضَ قَوْلُهُ ، وَقِيلَ لَهُ : كَيْفَ يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَصْغَرُ وَأَقَلُّ عِلْمًا ، وَلَا يَجُوزُ تَقْلِيدُ مَنْ هُوَ أَكْبَرُ وَأَغْزَرُ عِلْمًا وَقَدْ رُوِيَ عَنْ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62750رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : أَنَّهُ حَذَّرَ مِنْ زَلَّةِ الْعَالِمِ } . وَعَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=10ابْنِ مَسْعُودٍ .
[ ص: 330 ] رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ أَنَّهُ قَالَ {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62751 : لَا يُقَلِّدَنَّ أَحَدُكُمْ دِينَهُ ، رَجُلًا ، فَإِنْ آمَنَ آمَنَ وَإِنْ كَفَرَ كَفَرَ فَإِنَّهُ لَا أُسْوَةَ فِي الشَّرِّ } . وَأَمَّا وُجُوبُهُ عَلَى الْعَامَّةِ ، فَلِقَوْلِهِ تَعَالَى : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } وَقَوْلُهُ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=122فَلَوْلَا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ } فَأَمَرَ بِقَبُولِ قَوْلِ أَهْلِ الْعِلْمِ فِيمَا كَانَ مِنْ أَمْرِ دِينِهِمْ ، وَلَوْلَا أَنَّهُ يَجِبُ الرُّجُوعُ إلَيْهِمْ لَمَا كَانَ لِلنِّذَارَةِ مَعْنًى ، وَلِقَضِيَّةِ الَّذِي شُجَّ ، فَأَمَرُوهُ أَنْ يَغْتَسِلَ ، وَقَالُوا : لَسْنَا نَجِدُ لَك رُخْصَةً فَاغْتَسَلَ وَمَاتَ فَقَالَ النَّبِيُّ عَلَيْهِ السَّلَامُ : {
nindex.php?page=hadith&LINKID=62752قَتَلُوهُ قَتَلَهُمْ اللَّهُ ، إنَّمَا كَانَ شِفَاءُ الْعِيِّ السُّؤَالَ } فَبَانَ بِذَلِكَ جَوَازُ التَّقْلِيدِ . قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=11976الشَّيْخُ أَبُو حَامِدٍ : وَلِأَنَّهُ لَا خِلَافَ أَنَّ طَلَبَ الْعِلْمِ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ الَّتِي إذَا قَامَ بِهَا الْبَعْضُ ، سَقَطَ عَنْ الْبَاقِينَ ، وَلَوْ مَنَعْنَا التَّقْلِيدَ ، لَأَفْضَى إلَى أَنْ يَكُونَ مِنْ فُرُوضِ الْأَعْيَانِ .
وَنَقَلَ غَيْرُ وَاحِدٍ إجْمَاعَ الصَّحَابَةِ فَمَنْ بَعْدَهُمْ عَلَيْهِ ، فَإِنَّهُمْ كَانُوا يُفْتُونَ الْعَوَامَّ ، وَلَا يَأْمُرُونَهُمْ بِنَيْلِ دَرَجَةِ الِاجْتِهَادِ ، وَلِأَنَّ الَّذِي يَذْكُرُهُ الْمُجْتَهِدُ لَهُ مِنْ الدَّلِيلِ ، إنْ كَانَ بِحَيْثُ لَا يَكْفِي فِي الْحُكْمِ فَلَا عِبْرَةَ بِهِ ، وَإِنْ كَانَ يَذْكُرُ لَهُ مَا يَكْفِي ، فَأَسْنَدَ إلَيْهِ الْحُكْمَ
[ ص: 331 ] فِي مِثْلِ ذَلِكَ ، الْتَزَمَهُ قَطْعًا وَقَالَ
الْقَاضِي أَبُو الْمَعَالِي عَزِيزِيُّ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ ، فِي بَعْضِ مُؤَلَّفَاتِهِ : لَوْ وَجَبَ عَلَى الْكَافَّةِ التَّحْقِيقُ دُونَ التَّقْلِيدِ أَدَّى ذَلِكَ إلَى تَعْطِيلِ الْمَعَاشِ ، وَخَرَابِ الدُّنْيَا ، فَجَازَ أَنْ يَكُونَ بَعْضُهُمْ مُقَلِّدًا ، وَبَعْضُهُمْ مُعَلِّمًا ، وَبَعْضُهُمْ مُتَعَلِّمًا ، وَلَمْ تَرْفَعْ دَرَجَةُ أَحَدٍ فِي الْجِنَانِ لِدَرَجَةِ الْعُلَمَاءِ وَالْمُتَعَلِّمِينَ ثُمَّ دَرَجَةِ الْمُحِبِّينَ وَقَالَ : الْمَصِيرُ فِي الْمُوجِبِ لِتَقْلِيدِ الْعَامِّيِّ لِلْعَالِمِ ، عَدَمُ آلَةِ الِاسْتِنْبَاطِ وَتَعَذُّرُهَا عَلَيْهِ فِي الْحَالِ ، وَالْتِمَاسُ أُصُولِ ذَلِكَ ، فَلَوْ تَرَكَهُ حَتَّى يَعْلَمَ جَمِيعَهَا ، وَيَسْتَنْبِطَ مِنْهَا لَتَعَطَّلَتْ الْفَرَائِضُ مِنْ الْعَالِمِ حَتَّى يَصِيرُوا كُلُّهُمْ عُلَمَاءَ ، وَهَذَا فَاسِدٌ ، فَرَخَّصَ لَهُ فِي قَبُولِ قَوْلِ الْعَالِمِ الْبَاحِثِ . وَلَا يَجُوزُ لَهُ قَبُولُ قَوْلِ مَنْ هُوَ مِثْلُهُ ، وَمِنْ هَذَا امْتَنَعَ تَقْلِيدُ الْمُجْتَهِدِ لِمِثْلِهِ ، لِأَنَّ الْمَعْنَى الْمُوجِبَ لِدَفْعِ التَّقْلِيدِ وُجُودُ الْأَدِلَّةِ وَهُوَ مُتَمَكِّنٌ مِنْهَا .
قُلْت : وَالْفَرْقُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ الْعَقَائِدِ ، أَنَّ الْمَطْلُوبَ فِي الْعَقَائِدِ الْعِلْمُ ، وَالْمَطْلُوبَ فِي الْفُرُوعِ الظَّنُّ ، وَالتَّقْلِيدُ قَرِيبٌ مِنْ الظَّنِّ ، وَلِأَنَّ الْعَقَائِدَ أَهَمُّ مِنْ الْفُرُوعِ وَالْمُخْطِئُ فِيهَا كَافِرٌ . وَأَوْرَدَ
الْإِمَامُ فَخْرُ الدِّينِ شُبْهَةً لِلْمَانِعِينَ مِنْ التَّقْلِيدِ ، قَالَ : إنَّهُمْ يَمْنَعُونَ الْعَمَلَ بِالْإِجْمَاعِ وَخَبَرِ الْوَاحِدِ وَالْقِيَاسِ ، وَيَتَمَسَّكُونَ بِالظَّوَاهِرِ ، وَيَقُولُونَ : حُكْمُ الْعَقْلِ فِي الْمَنَافِعِ الْإِبَاحَةُ ، وَفِي الْمَضَارِّ الْحُرْمَةُ ، وَلَا يُتْرَكُ هَذَا إلَّا لِنَصٍّ قَاطِعِ الْمَتْنِ وَالدَّلَالَةِ وَالْعَامِّيُّ الذَّكِيُّ يَعْلَمُ ذَلِكَ وَإِلَّا نَبَّهَهُ الْمُفْتِي عَلَيْهِ ، وَعَلَى النَّصِّ الْقَاطِعِ فِي الْوَاقِعَةِ إنْ جَهِلَهُ ، وَلَا يُقَالُ مَعْرِفَةُ ذَلِكَ تَمْنَعُهُ مِنْ الْمَعَاشِ وَالْمَصَالِحِ الَّتِي الِاشْتِغَالُ عَنْهَا يُفْضِي إلَى خَرَابِ الْعَالَمِ ، لِأَنَّهُ يَقْتَضِي إيجَابَ مَعْرِفَةِ أُصُولِ الدِّينِ ، وَلَا يُجَابُ بِأَنَّ الْوَاجِبَ مَعْرِفَةُ أَدِلَّةِ النُّبُوَّةِ وَالتَّوْحِيدِ جُمْلَةً وَهِيَ سَهْلَةٌ ، بِخِلَافِ الْفُرُوعِ لِكَثْرَتِهَا وَتَشَعُّبِهَا ، لِأَنَّهُ إنْ لَمْ يَعْلَمْ جَمِيعَ مُقَدِّمَاتِ الدَّلِيلِ الْجَلِيِّ ، فَقَدْ قَلَّدَ فِي بَعْضِهَا ، فَيَكُونُ مُقَلِّدًا فِي النَّتِيجَةِ ، وَإِنْ عَلِمَهَا وَمَا يَرِدُ فَقَدْ حَصَلَ الِاشْتِغَالُ . وَجَوَابُهُ عَلَى تَقْدِيرِ تَسْلِيمِ تَقْلِيلِ الْأَدِلَّةِ ، فَذَلِكَ
[ ص: 332 ] يَحْتَاجُ إلَى تَأَمُّلٍ وَمُمَارَسَةٍ ، وَهُوَ مَفْقُودٌ فِي الْعَامِّيِّ .
إذَا عَلِمْت هَذَا فَلَا بُدَّ مِنْ تَقْسِيمٍ يَجْمَعُ أَفْرَادَ الْمَسْأَلَةِ ، وَيَضْبِطُ شُعَبَهَا ، فَنَقُولُ :
nindex.php?page=treesubj&link=22310_22309_22308_22307_22306_22305_22304الْعُلُومُ نَوْعَانِ : نَوْعٌ يَشْتَرِك فِي مَعْرِفَتِهِ الْخَاصَّةُ وَالْعَامَّةُ ، وَيُعْلَمُ مِنْ الدِّينِ بِالضَّرُورَةِ ، كَالْمُتَوَاتِرِ ، فَلَا يَجُوزُ التَّقْلِيدُ فِيهِ لِأَحَدٍ ، كَعَدَدِ الرَّكَعَاتِ ، وَتَعْيِينِ الصَّلَاةِ ، وَتَحْرِيمِ الْأُمَّهَاتِ وَالْبَنَاتِ ، وَالزِّنَى ، وَاللِّوَاطِ ، فَإِنَّ هَذَا مِمَّا لَا يَشُقُّ عَلَى الْعَامِّيِّ مَعْرِفَتُهُ ، وَلَا يَشْغَلُهُ عَنْ أَعْمَالِهِ ، وَكَذَا فِي أَهْلِيَّةِ الْمُفْتِي . وَنَوْعٌ مُخْتَصٌّ مَعْرِفَتُهُ بِالْخَاصَّةِ ، وَالنَّاسُ فِيهِ ثَلَاثَةُ ضُرُوبٍ : مُجْتَهِدٌ ، وَعَامِّيٌّ ، وَعَالِمٌ لَمْ يَبْلُغْ رُتْبَةَ الِاجْتِهَادِ . أَحَدُهَا : الْعَامِّيُّ الصِّرْفُ : وَالْجُمْهُورُ عَلَى أَنَّهُ يَجُوزُ لَهُ الِاسْتِفْتَاءُ ، وَيَجِبُ عَلَيْهِ التَّقْلِيدُ فِي فُرُوعِ الشَّرِيعَةِ جَمِيعِهَا ، وَلَا يَنْفَعُهُ مَا عِنْدَهُ مِنْ الْعُلُومِ لَا تُؤَدِّي إلَى اجْتِهَادٍ ، وَحَكَى
nindex.php?page=showalam&ids=13332ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِيهِ الْإِجْمَاعَ ، وَلَمْ يَخْتَلِفْ الْعُلَمَاءُ أَنَّ الْعَامَّةَ عَلَيْهَا تَقْلِيدُ عُلَمَائِهَا ، وَأَنَّهُمْ الْمُرَادُونَ بِقَوْلِهِ : {
nindex.php?page=tafseer&surano=16&ayano=43فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ } قَالَ : وَأَجْمَعُوا عَلَى أَنَّ الْأَعْمَى لَا بُدَّ لَهُ مِنْ تَقْلِيدِ غَيْرِهِ فِي الْقِبْلَةِ ، نَقَلَ لَك مَنْ لَا عِلْمَ لَهُ وَلَا بِغَيْرِهِ بِمَعْنًى مَا يَدِينُ بِهِ . انْتَهَى . وَمَنَعَ مِنْهُ بَعْضُ
مُعْتَزِلَةِ بَغْدَادَ ، كَالتَّقْلِيدِ فِي الْأُصُولِ ، وَقَالُوا : يَجِبُ عَلَيْهِ الْوُقُوفُ عَلَى طَرِيقِ الْحُكْمِ وَعِلَّتِهِ ، وَلَا يَرْجِعُ إلَى الْعَالِمِ ، إلَّا لِتَنْبِيهِهِ عَلَى أُصُولِهَا ، وَنَقَلَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=14960الْقَاضِي عَبْدُ الْوَهَّابِ ، عَنْ
الْجَعْفَرِ بْنِ مُبَشِّرٍ ،
وَابْنِ حَرْبٍ مِنْهُمْ عَنْ
الْجُبَّائِيُّ : يَجُوزُ فِي الْمَسَائِلِ الِاجْتِهَادِيَّةِ دُونَ مَا طَرِيقُهُ الْقَطْعُ ، فَإِنَّهُ يَصِيرُ مِثْلَ الْعَقْلِيَّاتِ وَنَحْوِهِ . قَوْلُ
الْأُسْتَاذِ : يَجِبُ عَلَيْهِ تَحْصِيلُ عِلْمِ كُلِّ مَسْأَلَةٍ فِي الْفِقْهِ يُدْرِكُهَا الْقَطْعُ ، وَيَجُوزُ لَهُ التَّقْلِيدُ فِي ظَنِّيَّاتِهِ إلَى الْقَطْعِيَّاتِ ، الْفُرُوعُ بِالْأُصُولِ . وَحَكَى
ابْنُ بَرْهَانٍ الْخِلَافَ عَلَى وَجْهٍ آخَرَ ، فَقَالَ : مَنْ صَارَ لَهُ التَّقْلِيدُ ،
[ ص: 333 ] لَمْ يَجِبْ عَلَيْهِ السُّؤَالُ عَنْ الدَّلِيلِ ، وَنُقِلَ عَنْ
أَبِي عَلِيٍّ الْجُبَّائِيُّ أَنَّهُ قَالَ : يَجِبُ عَلَيْهِ أَنْ يَعْلَمَ كُلَّ مَسْأَلَةٍ بِدَلِيلِهَا . وَصَارَ بَعْضُ النَّاسِ إلَى أَنَّ الْمَسَائِلَ الظَّاهِرَةَ يَجِبُ عَلَيْهِ مَعْرِفَتُهَا دُونَ الْخَفِيَّةِ . انْتَهَى . وَإِذَا قُلْنَا بِأَنَّ وَظِيفَةَ الْعَامِّيِّ التَّقْلِيدُ جَاءَ الْخِلَافُ السَّابِقُ أَنَّهُ هَلْ هُوَ تَقْلِيدٌ حَقِيقَةً ؟ فَالْقَاضِي يَمْنَعُهُ وَيَقُولُ إنَّمَا مُسْتَدِلٌّ ، لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى أَوْجَبَ عَلَيْهِ اتِّبَاعَ الْعَالِمِ ، وَهُوَ خِلَافٌ يَرْجِعُ إلَى الْعِبَارَةِ ، لِأَنَّ الْقَائِلَ بِالتَّقْلِيدِ لَمْ يَرَ إلَّا هَذَا ، وَلَكِنَّ لِسَانَ حَمَلَةِ الشَّرِيعَةِ جَرَى عَلَى صِحَّةِ إطْلَاقِ
nindex.php?page=treesubj&link=22309_22307التَّقْلِيدِ لِلْعَامِّيِّ ، وَالنَّهْيُ عَنْ إطْلَاقِ الِاجْتِهَادِ عَلَيْهِ .