قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261مثل الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم
فيه خمس مسائل :
الأولى : لما قص الله سبحانه ما فيه من البراهين ، حث على الجهاد ، وأعلم أن من جاهد بعد هذا البرهان الذي لا يأتي به إلا نبي فله في جهاده الثواب العظيم . روى
البستي في صحيح مسنده عن
ابن عمر قال : لما نزلت هذه الآية
nindex.php?page=hadith&LINKID=837856قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رب زد أمتي ) فنزلت nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245من ذا الذي يقرض الله قرضا حسنا فيضاعفه له أضعافا كثيرة ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( رب زد أمتي ) فنزلت nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إنما يوفى الصابرون أجرهم بغير حساب . وهذه الآية لفظها بيان
[ ص: 276 ] مثال لشرف النفقة في سبيل الله ولحسنها ، وضمنها التحريض على ذلك . وفي الكلام حذف مضاف تقديره مثل نفقة الذين ينفقون أموالهم في سبيل الله كمثل حبة . وطريق آخر : مثل الذين ينفقون أموالهم كمثل زارع زرع في الأرض حبة فأنبتت الحبة سبع سنابل ، يعني أخرجت سبع سنابل في كل سنبلة مائة حبة ، فشبه المتصدق بالزارع وشبه الصدقة بالبذر فيعطيه الله بكل صدقة له سبعمائة حسنة ، ثم قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261والله يضاعف لمن يشاء يعني على سبعمائة ، فيكون مثل المتصدق مثل الزارع ، إن كان حاذقا في عمله ، ويكون البذر جيدا وتكون الأرض عامرة يكون الزرع أكثر ، فكذلك المتصدق إذا كان صالحا والمال طيبا ويضعه موضعه فيصير الثواب أكثر ، خلافا لمن قال : ليس في الآية تضعيف على سبعمائة ، على ما نبينه إن شاء الله .
الثانية : روي أن هذه الآية نزلت في شأن
عثمان بن عفان nindex.php?page=showalam&ids=38وعبد الرحمن بن عوف رضي الله عنهما ، وذلك
nindex.php?page=hadith&LINKID=837857أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لما حث الناس على الصدقة حين أراد الخروج إلى غزوة تبوك جاءه عبد الرحمن بأربعة آلاف فقال : يا رسول الله ، كانت لي ثمانية آلاف فأمسكت لنفسي ولعيالي أربعة آلاف ، وأربعة آلاف أقرضتها لربي . فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : ( بارك الله لك فيما أمسكت وفيما أعطيت ) . وقال عثمان : يا رسول الله علي جهاز من لا جهاز له ، فنزلت هذه الآية فيهما . وقيل : نزلت في نفقة التطوع . وقيل : نزلت قبل آية الزكاة ثم نسخت بآية الزكاة ، ولا حاجة إلى دعوى النسخ ؛ لأن الإنفاق في سبيل الله مندوب إليه في كل وقت . وسبل الله كثيرة وأعظمها الجهاد لتكون كلمة الله هي العليا .
الثالثة : قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261كمثل حبة الحبة اسم جنس لكل ما يزدرعه ابن آدم ويقتاته وأشهر ذلك البر فكثيرا ما يراد بالحب ، ومنه قول
المتلمس :
آليت حب العراق الدهر أطعمه والحب يأكله في القرية السوس
وحبة القلب : سويداؤه ، ويقال ثمرته وهو ذاك . والحبة بكسر الحاء : بذور البقول مما ليس بقوت ، وفي حديث الشفاعة :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831680فينبتون كما تنبت الحبة في حميل السيل والجمع
[ ص: 277 ] حبب . والحبة بضم الحاء الحب يقال : نعم وحبة وكرامة . والحب المحبة وكذلك الحب بالكسر . والحب أيضا الحبيب ، مثل خدن وخدين ، وسنبلة فنعلة من أسبل الزرع إذا صار فيه السنبل ، أي استرسل بالسنبل كما يسترسل الستر بالإسبال . وقيل : معناه صار فيه حب مستور كما يستر الشيء بإسبال الستر عليه . والجمع سنابل . ثم قيل : المراد سنبل الدخن فهو الذي يكون في السنبلة منه هذا العدد .
قلت : هذا ليس بشيء فإن سنبل الدخن يجيء في السنبلة منه أكثر من هذا العدد بضعفين وأكثر ، على ما شاهدناه . قال
ابن عطية : وقد يوجد في سنبل القمح ما فيه مائة حبة ، فأما في سائر الحبوب فأكثر ولكن المثال وقع بهذا القدر . وقال
الطبري في هذه الآية : إن قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261في كل سنبلة مائة حبة معناه إن وجد ذلك ، وإلا فعلى أن يفرضه ، ثم نقل عن
الضحاك أنه قال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261في كل سنبلة مائة حبة معناه كل سنبلة أنبتت مائة حبة . قال
ابن عطية : فجعل
الطبري قول
الضحاك نحو ما قال ، وذلك غير لازم من قول
الضحاك . وقال
أبو عمرو الداني : وقرأ بعضهم " مائة " بالنصب على تقدير أنبتت مائة حبة .
قلت : وقال
يعقوب الحضرمي : وقرأ بعضهم " في كل سنبلة مائة حبة " على : أنبتت مائة حبة ، وكذلك قرأ بعضهم " وللذين كفروا بربهم عذاب جهنم " على
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وأعتدنا لهم عذاب السعير وأعتدنا للذين كفروا عذاب جهنم . وقرأ
أبو عمرو وحمزة nindex.php?page=showalam&ids=15080والكسائي "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261أنبتت سبع سنابل " بإدغام التاء في السين ؛ لأنهما مهموستان ، ألا ترى أنهما يتعاقبان . وأنشد
أبو عمرو :
يا لعن الله بني السعلاة عمرو بن ميمون لئام النات
أراد الناس فحول السين تاء . الباقون بالإظهار على الأصل لأنهما كلمتان .
الرابعة : قوله تعالى : ورد القرآن بأن
nindex.php?page=treesubj&link=30502الحسنة في جميع أعمال البر بعشر أمثالها ، واقتضت هذه الآية أن
nindex.php?page=treesubj&link=33401_7862نفقة الجهاد حسنتها بسبعمائة ضعف . واختلف العلماء في معنى قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261والله يضاعف لمن يشاء فقالت طائفة : هي مبينة مؤكدة لما تقدم من ذكر السبعمائة ، وليس ثم تضعيف فوق السبعمائة . وقالت طائفة من العلماء : بل هو إعلام بأن الله تعالى يضاعف لمن يشاء أكثر من سبعمائة ضعف .
[ ص: 278 ] قلت : وهذا القول أصح لحديث
ابن عمر المذكور أول الآية . وروى
ابن ماجه حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17220هارون بن عبد الله الحمال حدثنا
ابن أبي فديك عن
الخليل بن عبد الله عن
الحسن عن
علي بن أبي طالب nindex.php?page=showalam&ids=4وأبي الدرداء nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمر nindex.php?page=showalam&ids=481وأبي أمامة الباهلي nindex.php?page=showalam&ids=12وعبد الله بن عمرو nindex.php?page=showalam&ids=36وجابر بن عبد الله nindex.php?page=showalam&ids=40وعمران بن حصين كلهم يحدث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831681من أرسل بنفقة في سبيل الله وأقام في بيته فله بكل درهم سبعمائة درهم ومن غزا بنفسه في سبيل الله وأنفق في وجهه فله بكل درهم سبعمائة ألف درهم - ثم تلا هذه الآية nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261والله يضاعف لمن يشاء . وقد روي عن
ابن عباس أن التضعيف ينتهي لمن شاء الله إلى ألفي ألف . قال
ابن عطية : وليس هذا بثابت الإسناد عنه .
الخامسة : في هذه الآية دليل على أن
nindex.php?page=treesubj&link=30502اتخاذ الزرع من أعلى الحرف التي يتخذها الناس والمكاسب التي يشتغل بها العمال ، ولذلك ضرب الله به المثل فقال :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261مثل الذين ينفقون أموالهم الآية . وفي صحيح
مسلم عن النبي صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831682ما من مسلم يغرس غرسا أو يزرع زرعا فيأكل منه طير أو إنسان أو بهيمة إلا كان له صدقة . وروى
nindex.php?page=showalam&ids=17245هشام بن عروة عن أبيه عن
عائشة قالت : قال رسول الله صلى الله عليه وسلم :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837861التمسوا الرزق في خبايا الأرض يعني الزرع ، أخرجه
الترمذي .
nindex.php?page=hadith&LINKID=837862وقال صلى الله عليه وسلم في النخل : هي الراسخات في الوحل المطعمات في المحل . وهذا خرج مخرج المدح والزراعة من فروض الكفاية فيجب على الإمام أن يجبر الناس عليها وما كان في معناها من غرس الأشجار . ولقي
عبد الله بن عبد الملك nindex.php?page=showalam&ids=12300ابن شهاب الزهري فقال : دلني على مال أعالجه ، فأنشأ
ابن شهاب يقول :
أقول
لعبد الله يوم لقيته وقد شد أحلاس المطي مشرقا
تتبع خبايا الأرض وادع مليكها لعلك يوما أن تجاب فترزقا
فيؤتيك مالا واسعا ذا مثابة إذا ما مياه الأرض غارت تدفقا
وحكي عن
المعتضد أنه قال : رأيت
علي بن أبي طالب رضي الله عنه في المنام يناولني مسحاة وقال : خذها فإنها مفاتيح خزائن الأرض .
[ ص: 279 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ
فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ :
الْأُولَى : لَمَّا قَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ ، حَثَّ عَلَى الْجِهَادِ ، وَأَعْلَمَ أَنَّ مَنْ جَاهَدَ بَعْدَ هَذَا الْبُرْهَانِ الَّذِي لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا نَبِيٌّ فَلَهُ فِي جِهَادِهِ الثَّوَابُ الْعَظِيمُ . رَوَى
الْبُسْتِيُّ فِي صَحِيحِ مُسْنَدِهِ عَنِ
ابْنِ عُمَرَ قَالَ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=837856قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَبِّ زِدْ أُمَّتِي ) فَنَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=245مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا فَيُضَاعِفَهُ لَهُ أَضْعَافًا كَثِيرَةً ، قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( رَبِّ زِدْ أُمَّتِي ) فَنَزَلَتْ nindex.php?page=tafseer&surano=39&ayano=10إِنَّمَا يُوَفَّى الصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ . وَهَذِهِ الْآيَةُ لَفْظُهَا بَيَانُ
[ ص: 276 ] مِثَالٍ لِشَرَفِ النَّفَقَةِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلِحُسْنِهَا ، وَضَمَّنَهَا التَّحْرِيضُ عَلَى ذَلِكَ . وَفِي الْكَلَامِ حَذْفُ مُضَافٍ تَقْدِيرُهُ مَثَلُ نَفَقَةِ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ . وَطَرِيقٌ آخَرُ : مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ كَمَثَلِ زَارِعٍ زَرَعَ فِي الْأَرْضِ حَبَّةً فَأَنْبَتَتِ الْحَبَّةُ سَبْعَ سَنَابِلَ ، يَعْنِي أَخْرَجَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ ، فَشَبَّهَ الْمُتَصَدِّقَ بِالزَّارِعِ وَشَبَّهَ الصَّدَقَةَ بِالْبِذْرِ فَيُعْطِيهِ اللَّهُ بِكُلِّ صَدَقَةٍ لَهُ سَبْعَمِائَةِ حَسَنَةٍ ، ثُمَّ قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ يَعْنِي عَلَى سَبْعِمِائَةٍ ، فَيَكُونُ مَثَلُ الْمُتَصَدِّقِ مَثَلَ الزَّارِعِ ، إِنْ كَانَ حَاذِقًا فِي عَمَلِهِ ، وَيَكُونُ الْبَذْرُ جَيِّدًا وَتَكُونُ الْأَرْضُ عَامِرَةً يَكُونُ الزَّرْعُ أَكْثَرَ ، فَكَذَلِكَ الْمُتَصَدِّقُ إِذَا كَانَ صَالِحًا وَالْمَالُ طَيِّبًا وَيَضَعُهُ مَوْضِعَهُ فَيَصِيرُ الثَّوَابُ أَكْثَرَ ، خِلَافًا لِمَنْ قَالَ : لَيْسَ فِي الْآيَةِ تَضْعِيفٌ عَلَى سَبْعِمِائَةٍ ، عَلَى مَا نُبَيِّنُهُ إِنْ شَاءَ اللَّهُ .
الثَّانِيَةُ : رُوِيَ أَنَّ هَذِهِ الْآيَةَ نَزَلَتْ فِي شَأْنِ
عُثْمَانَ بْنِ عَفَّانَ nindex.php?page=showalam&ids=38وَعَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ عَوْفٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمَا ، وَذَلِكَ
nindex.php?page=hadith&LINKID=837857أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمَّا حَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ حِينَ أَرَادَ الْخُرُوجَ إِلَى غَزْوَةِ تَبُوكَ جَاءَهُ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بِأَرْبَعَةِ آلَافٍ فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، كَانَتْ لِي ثَمَانِيَةُ آلَافٍ فَأَمْسَكْتُ لِنَفْسِي وَلِعِيَالِي أَرْبَعَةَ آلَافٍ ، وَأَرْبَعَةَ آلَافٍ أَقْرَضْتُهَا لِرَبِّي . فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : ( بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِيمَا أَمْسَكْتَ وَفِيمَا أَعْطَيْتَ ) . وَقَالَ عُثْمَانُ : يَا رَسُولَ اللَّهِ عَلَيَّ جَهَازُ مَنْ لَا جَهَازَ لَهُ ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ فِيهِمَا . وَقِيلَ : نَزَلَتْ فِي نَفَقَةِ التَّطَوُّعِ . وَقِيلَ : نَزَلَتْ قَبْلَ آيَةِ الزَّكَاةِ ثُمَّ نُسِخَتْ بِآيَةِ الزَّكَاةِ ، وَلَا حَاجَةَ إِلَى دَعْوَى النَّسْخِ ؛ لِأَنَّ الْإِنْفَاقَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ مَنْدُوبٌ إِلَيْهِ فِي كُلِّ وَقْتٍ . وَسُبُلُ اللَّهِ كَثِيرَةٌ وَأَعْظَمُهَا الْجِهَادُ لِتَكُونَ كَلِمَةُ اللَّهِ هِيَ الْعُلْيَا .
الثَّالِثَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261كَمَثَلِ حَبَّةٍ الْحَبَّةُ اسْمُ جِنْسٍ لِكُلِّ مَا يَزْدرُعُهُ ابْنُ آدَمَ وَيَقْتَاتُهُ وَأَشْهَرُ ذَلِكَ الْبُرُّ فَكَثِيرًا مَا يُرَادُ بِالْحَبِّ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
الْمُتَلَمِّسِ :
آلَيْتُ حَبَّ الْعِرَاقِ الدَّهْرَ أَطْعَمُهُ وَالْحَبُّ يَأْكُلُهُ فِي الْقَرْيَةِ السُّوسُ
وَحَبَّةُ الْقَلْبِ : سُوَيْدَاؤُهُ ، وَيُقَالُ ثَمَرَتُهُ وَهُوَ ذَاكَ . وَالْحِبَّةُ بِكَسْرِ الْحَاءِ : بُذُورُ الْبُقُولِ مِمَّا لَيْسَ بِقُوتٍ ، وَفِي حَدِيثِ الشَّفَاعَةِ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831680فَيَنْبُتُونَ كَمَا تَنْبُتُ الْحِبَّةُ فِي حَمِيلِ السَّيْلِ وَالْجَمْعُ
[ ص: 277 ] حِبَبٌ . وَالْحُبَّةُ بِضَمِّ الْحَاءِ الْحُبُّ يُقَالُ : نَعَمٌ وَحُبَّةٌ وَكَرَامَةٌ . وَالْحُبُّ الْمَحَبَّةُ وَكَذَلِكَ الْحِبُّ بِالْكَسْرِ . وَالْحِبُّ أَيْضًا الْحَبِيبُ ، مِثْلُ خِدْنٍ وَخَدِينٍ ، وَسُنْبُلَةٌ فُنْعُلَةٌ مِنْ أَسْبَلَ الزَّرْعَ إِذَا صَارَ فِيهِ السُّنْبُلُ ، أَيِ اسْتَرْسَلَ بِالسُّنْبُلِ كَمَا يَسْتَرْسِلُ السِّتْرُ بِالْإِسْبَالِ . وَقِيلَ : مَعْنَاهُ صَارَ فِيهِ حَبٌّ مَسْتُورٌ كَمَا يُسْتَرُ الشَّيْءُ بِإِسْبَالِ السِّتْرِ عَلَيْهِ . وَالْجَمْعُ سَنَابِلُ . ثُمَّ قِيلَ : الْمُرَادُ سُنْبُلُ الدُّخْنِ فَهُوَ الَّذِي يَكُونُ فِي السُّنْبُلَةِ مِنْهُ هَذَا الْعَدَدُ .
قُلْتُ : هَذَا لَيْسَ بِشَيْءٍ فَإِنَّ سُنْبُلَ الدُّخْنِ يَجِيءُ فِي السُّنْبُلَةِ مِنْهُ أَكْثَرُ مِنْ هَذَا الْعَدَدِ بِضِعْفَيْنِ وَأَكْثَرُ ، عَلَى مَا شَاهَدْنَاهُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَقَدْ يُوجَدُ فِي سُنْبُلِ الْقَمْحِ مَا فِيهِ مِائَةُ حَبَّةٍ ، فَأَمَّا فِي سَائِرِ الْحُبُوبِ فَأَكْثَرُ وَلَكِنَّ الْمِثَالَ وَقَعَ بِهَذَا الْقَدْرِ . وَقَالَ
الطَّبَرِيُّ فِي هَذِهِ الْآيَةِ : إِنَّ قَوْلَهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ مَعْنَاهُ إِنْ وُجِدَ ذَلِكَ ، وَإِلَّا فَعَلَى أَنْ يَفْرِضَهُ ، ثُمَّ نُقِلَ عَنِ
الضَّحَّاكِ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ مَعْنَاهُ كُلُّ سُنْبُلَةٍ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : فَجَعَلَ
الطَّبَرِيُّ قَوْلَ
الضَّحَّاكِ نَحْوَ مَا قَالَ ، وَذَلِكَ غَيْرُ لَازِمٍ مِنْ قَوْلِ
الضَّحَّاكِ . وَقَالَ
أَبُو عَمْرٍو الدَّانِيُّ : وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ " مِائَةَ " بِالنَّصْبِ عَلَى تَقْدِيرِ أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ .
قُلْتُ : وَقَالَ
يَعْقُوبُ الْحَضْرَمِيُّ : وَقَرَأَ بَعْضُهُمْ " فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةَ حَبَّةٍ " عَلَى : أَنْبَتَتْ مِائَةَ حَبَّةٍ ، وَكَذَلِكَ قَرَأَ بَعْضُهُمْ " وَلِلَّذِينَ كَفَرُوا بِرَبِّهِمْ عَذَابَ جَهَنَّمَ " عَلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=67&ayano=5وَأَعْتَدْنَا لَهُمْ عَذَابَ السَّعِيرِ وَأَعْتَدْنَا لِلَّذِينَ كَفَرُوا عَذَابَ جَهَنَّمَ . وَقَرَأَ
أَبُو عَمْرٍو وَحَمْزَةُ nindex.php?page=showalam&ids=15080وَالْكِسَائِيُّ "
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ " بِإِدْغَامِ التَّاءِ فِي السِّينِ ؛ لِأَنَّهُمَا مَهْمُوسَتَانِ ، أَلَا تَرَى أَنَّهُمَا يَتَعَاقَبَانِ . وَأَنْشَدَ
أَبُو عَمْرٍو :
يَا لَعْنَ اللَّهِ بَنِي السِّعْلَاةِ عَمْرَو بْنَ مَيْمُونٍ لِئَامُ النَّاتِ
أَرَادَ النَّاسَ فَحَوَّلَ السِّينَ تَاءً . الْبَاقُونَ بِالْإِظْهَارِ عَلَى الْأَصْلِ لِأَنَّهُمَا كَلِمَتَانِ .
الرَّابِعَةُ : قَوْلُهُ تَعَالَى : وَرَدَ الْقُرْآنُ بِأَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30502الْحَسَنَةَ فِي جَمِيعِ أَعْمَالِ الْبِرِّ بِعَشْرِ أَمْثَالِهَا ، وَاقْتَضَتْ هَذِهِ الْآيَةُ أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=33401_7862نَفَقَةَ الْجِهَادِ حَسَنَتُهَا بِسَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ . وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَعْنَى قَوْلِهِ
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ فَقَالَتْ طَائِفَةٌ : هِيَ مُبَيِّنَةٌ مُؤَكِّدَةٌ لِمَا تَقَدَّمَ مِنْ ذِكْرِ السَّبْعِمِائَةِ ، وَلَيْسَ ثَمَّ تَضْعِيفٌ فَوْقَ السَّبْعِمِائَةِ . وَقَالَتْ طَائِفَةٌ مِنَ الْعُلَمَاءِ : بَلْ هُوَ إِعْلَامٌ بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ أَكْثَرَ مِنْ سَبْعِمِائَةِ ضِعْفٍ .
[ ص: 278 ] قُلْتُ : وَهَذَا الْقَوْلُ أَصَحُّ لِحَدِيثِ
ابْنِ عُمَرَ الْمَذْكُورِ أَوَّلَ الْآيَةِ . وَرَوَى
ابْنُ مَاجَهْ حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17220هَارُونُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ الْحَمَّالُ حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي فُدَيْكٍ عَنِ
الْخَلِيلِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ عَنِ
الْحَسَنِ عَنْ
عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ nindex.php?page=showalam&ids=4وَأَبِي الدَّرْدَاءِ nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ nindex.php?page=showalam&ids=481وَأَبِي أُمَامَةَ الْبَاهِلِيِّ nindex.php?page=showalam&ids=12وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو nindex.php?page=showalam&ids=36وَجَابِرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ nindex.php?page=showalam&ids=40وَعِمْرَانَ بْنِ حُصَيْنٍ كُلِّهِمْ يُحَدِّثُ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831681مَنْ أَرْسَلَ بِنَفَقَةٍ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَقَامَ فِي بَيْتِهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمِائَةِ دِرْهَمٍ وَمَنْ غَزَا بِنَفْسِهِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَأَنْفَقَ فِي وَجْهِهِ فَلَهُ بِكُلِّ دِرْهَمٍ سَبْعُمِائَةِ أَلْفِ دِرْهَمٍ - ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ . وَقَدْ رُوِيَ عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ أَنَّ التَّضْعِيفَ يَنْتَهِي لِمَنْ شَاءَ اللَّهُ إِلَى أَلْفَيْ أَلْفٍ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَلَيْسَ هَذَا بِثَابِتِ الْإِسْنَادِ عَنْهُ .
الْخَامِسَةُ : فِي هَذِهِ الْآيَةِ دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ
nindex.php?page=treesubj&link=30502اتِّخَاذَ الزَّرْعِ مِنْ أَعْلَى الْحِرَفِ الَّتِي يَتَّخِذُهَا النَّاسُ وَالْمَكَاسِبُ الَّتِي يَشْتَغِلُ بِهَا الْعُمَّالُ ، وَلِذَلِكَ ضَرَبَ اللَّهُ بِهِ الْمَثَلَ فَقَالَ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=261مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ الْآيَةَ . وَفِي صَحِيحِ
مُسْلِمٍ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=831682مَا مِنْ مُسْلِمٍ يَغْرِسُ غَرْسًا أَوْ يَزْرَعُ زَرْعًا فَيَأْكُلُ مِنْهُ طَيْرٌ أَوْ إِنْسَانٌ أَوْ بَهِيمَةٌ إِلَّا كَانَ لَهُ صَدَقَةً . وَرَوَى
nindex.php?page=showalam&ids=17245هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ :
nindex.php?page=hadith&LINKID=837861الْتَمِسُوا الرِّزْقَ فِي خَبَايَا الْأَرْضِ يَعْنِي الزَّرْعَ ، أَخْرَجَهُ
التِّرْمِذِيُّ .
nindex.php?page=hadith&LINKID=837862وَقَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي النَّخْلِ : هِيَ الرَّاسِخَاتُ فِي الْوَحْلِ الْمُطْعِمَاتُ فِي الْمَحْلِ . وَهَذَا خَرَجَ مَخْرَجَ الْمَدْحِ وَالزِّرَاعَةُ مِنْ فُرُوضِ الْكِفَايَةِ فَيَجِبُ عَلَى الْإِمَامِ أَنْ يُجْبِرَ النَّاسَ عَلَيْهَا وَمَا كَانَ فِي مَعْنَاهَا مِنْ غَرْسِ الْأَشْجَارِ . وَلَقِيَ
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عَبْدِ الْمَلِكِ nindex.php?page=showalam&ids=12300ابْنَ شِهَابٍ الزُّهْرِيَّ فَقَالَ : دُلَّنِي عَلَى مَالٍ أُعَالِجُهُ ، فَأَنْشَأَ
ابْنُ شِهَابٍ يَقُولُ :
أَقُولُ
لِعَبْدِ اللَّهِ يَوْمَ لَقِيتُهُ وَقَدْ شَدَّ أَحْلَاسَ الْمَطِيِّ مُشَرِّقَا
تَتَبَّعْ خَبَايَا الْأَرْضِ وَادْعُ مَلِيكَهَا لَعَلَّكَ يَوْمًا أَنْ تُجَابَ فَتُرْزَقَا
فَيُؤْتِيكَ مَالًا وَاسِعًا ذَا مَثَابَةٍ إِذَا مَا مِيَاهُ الْأَرْضِ غَارَتْ تَدَفُّقَا
وَحُكِيَ عَنِ
الْمُعْتَضِدِ أَنَّهُ قَالَ : رَأَيْتُ
عَلِيَّ بْنَ أَبِي طَالِبٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فِي الْمَنَامِ يُنَاوِلُنِي مِسْحَاةً وَقَالَ : خُذْهَا فَإِنَّهَا مَفَاتِيحُ خَزَائِنِ الْأَرْضِ .
[ ص: 279 ]