قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119أنتم أولاء تحبونهم ولا يحبونكم وتؤمنون بالكتاب كله وإذا لقوكم قالوا آمنا وإذا خلوا عضوا عليكم الأنامل من الغيظ قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119هاأنتم أولاء تحبونهم يعني المنافقين ; دليله قوله
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وإذا لقوكم قالوا آمنا ; قاله
أبو العالية ومقاتل . والمحبة هنا بمعنى المصافاة ، أي أنتم أيها المسلمون تصافونهم ولا يصافونكم لنفاقهم . وقيل : المعنى تريدون لهم الإسلام وهم يريدون لكم الكفر . وقيل : المراد
اليهود ; قاله الأكثر . والكتاب اسم جنس ; قال
ابن عباس : يعني بالكتب .
واليهود يؤمنون بالبعض ; كما قال تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91وإذا قيل لهم آمنوا بما أنزل الله قالوا نؤمن بما أنزل علينا ويكفرون بما وراءه nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وإذا لقوكم قالوا آمنا أي
بمحمد - صلى الله عليه وسلم - وأنه رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وإذا خلوا فيما بينهم
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119عضوا عليكم الأنامل يعني أطراف الأصابع من الغيظ والحنق عليكم ; فيقول بعضهم لبعض : ألا ترون إلى هؤلاء ظهروا
[ ص: 173 ] وكثروا . والعض عبارة عن شدة الغيظ مع عدم القدرة على إنفاذه ; ومنه قول
أبي طالب :
يعضون غيظا خلفنا بالأنامل
وقال آخر :
إذا رأوني أطال الله غيظهم عضوا من الغيظ أطراف الأباهيم
يقال : عض يعض عضا وعضيضا . والعض ( بضم العين ) : علف دواب أهل الأمصار مثل الكسب والنوى المرضوخ ; يقال منه : أعض القوم ، إذا أكلت إبلهم العض . وبعير عضاضي ، أي سمين كأنه منسوب إليه . والعض ( بالكسر ) : الداهي من الرجال والبليغ المكر . وعض الأنامل من فعل المغضب الذي فاته ما لا يقدر عليه ، أو نزل به ما لا يقدر على تغييره . وهذا العض هو بالأسنان كعض اليد على فائت قريب الفوات . وكقرع السن النادمة ، إلى غير ذلك من عد الحصى والخط في الأرض للمهموم . ويكتب هذا العض بالضاد الساقطة ، وعظ الزمان بالظاء المشالة ; كما قال :
وعظ زمان يا ابن مروان لم يدع من المال إلا مسحتا أو مجلفا
وواحد الأنامل أنملة ( بضم الميم ) ويقال بفتحها ، والضم أشهر . وكان
أبو الجوزاء إذا تلا هذه الآية قال : هم
الإباضية . قال
ابن عطية : وهذه الصفة قد تترتب في كثير من أهل البدع إلى يوم القيامة .
قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119قل موتوا بغيظكم إن الله عليم بذات الصدور إن قيل : كيف لم يموتوا والله تعالى إذا قال لشيء : كن فيكون . قيل عنه جوابان : أحدهما : قال فيه
الطبري وكثير من المفسرين : هو دعاء عليهم . أي قل يا
محمد أدام الله غيظكم إلى أن تموتوا . فعلى هذا يتجه أن يدعو عليهم بهذا مواجهة وغير مواجهة بخلاف اللعنة .
الثاني : إن المعنى أخبرهم أنهم لا يدركون ما يؤملون ، فإن الموت دون ذلك . فعلى هذا المعنى زال معنى الدعاء وبقي معنى التقريع والإغاظة . ويجري هذا المعنى مع قول
مسافر بن أبي عمرو :
ويتمنى في أرومتنا ونفقأ عين من حسدا
وينظر إلى هذا المعنى قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15من كان يظن أن لن ينصره الله في الدنيا والآخرة فليمدد بسبب إلى السماء ثم ليقطع .
[ ص: 174 ]
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119أَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ وَلَا يُحِبُّونَكُمْ وَتُؤْمِنُونَ بِالْكِتَابِ كُلِّهِ وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ مِنَ الْغَيْظِ قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119هَاأَنْتُمْ أُولَاءِ تُحِبُّونَهُمْ يَعْنِي الْمُنَافِقِينَ ; دَلِيلُهُ قَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا ; قَالَهُ
أَبُو الْعَالِيَةِ وَمُقَاتِلٌ . وَالْمَحَبَّةُ هُنَا بِمَعْنَى الْمُصَافَاةِ ، أَيْ أَنْتُمْ أَيُّهَا الْمُسْلِمُونَ تُصَافُونَهُمْ وَلَا يُصَافُونَكُمْ لِنِفَاقِهِمْ . وَقِيلَ : الْمَعْنَى تُرِيدُونَ لَهُمُ الْإِسْلَامَ وَهُمْ يُرِيدُونَ لَكُمُ الْكُفْرَ . وَقِيلَ : الْمُرَادُ
الْيَهُودُ ; قَالَهُ الْأَكْثَرُ . وَالْكِتَابُ اسْمُ جِنْسٍ ; قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ : يَعْنِي بِالْكُتُبِ .
وَالْيَهُودُ يُؤْمِنُونَ بِالْبَعْضِ ; كَمَا قَالَ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=91وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آمِنُوا بِمَا أَنْزَلَ اللَّهُ قَالُوا نُؤْمِنُ بِمَا أُنْزِلَ عَلَيْنَا وَيَكْفُرُونَ بِمَا وَرَاءَهُ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَإِذَا لَقُوكُمْ قَالُوا آمَنَّا أَيْ
بِمُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنَّهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - .
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119وَإِذَا خَلَوْا فِيمَا بَيْنَهُمْ
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119عَضُّوا عَلَيْكُمُ الْأَنَامِلَ يَعْنِي أَطْرَافَ الْأَصَابِعِ مِنَ الْغَيْظِ وَالْحَنَقِ عَلَيْكُمْ ; فَيَقُولُ بَعْضُهُمْ لِبَعْضٍ : أَلَا تَرَوْنَ إِلَى هَؤُلَاءِ ظَهَرُوا
[ ص: 173 ] وَكَثُرُوا . وَالْعَضُّ عِبَارَةٌ عَنْ شِدَّةِ الْغَيْظِ مَعَ عَدَمِ الْقُدْرَةِ عَلَى إِنْفَاذِهِ ; وَمِنْهُ قَوْلُ
أَبِي طَالِبٍ :
يَعَضُّونَ غَيْظًا خَلْفَنَا بِالْأَنَامِلِ
وَقَالَ آخَرُ :
إِذَا رَأَوْنِي أَطَالَ اللَّهُ غَيْظَهُمُ عَضُّوا مِنَ الْغَيْظِ أَطْرَافَ الْأَبَاهِيمِ
يُقَالُ : عَضَّ يَعَضُّ عَضًّا وَعَضِيضًا . وَالْعُضُّ ( بِضَمِ الْعَيْنِ ) : عَلَفُ دَوَابِّ أَهْلِ الْأَمْصَارِ مِثْلَ الْكُسْبِ وَالنَّوَى الْمَرْضُوخِ ; يُقَالُ مِنْهُ : أَعَضَّ الْقَوْمُ ، إِذَا أَكَلَتْ إِبِلُهُمُ الْعُضَّ . وَبَعِيرٌ عُضَاضِيٌّ ، أَيْ سَمِينٌ كَأَنَّهُ مَنْسُوبٌ إِلَيْهِ . وَالْعِضُّ ( بِالْكَسْرِ ) : الدَّاهِي مِنَ الرِّجَالِ وَالْبَلِيغُ الْمَكْرِ . وَعَضُّ الْأَنَامِلِ مِنْ فِعْلِ الْمُغْضَبِ الَّذِي فَاتَهُ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَيْهِ ، أَوْ نَزَلَ بِهِ مَا لَا يَقْدِرُ عَلَى تَغْيِيرِهِ . وَهَذَا الْعَضُّ هُوَ بِالْأَسْنَانِ كَعَضِّ الْيَدِ عَلَى فَائِتٍ قَرِيبِ الْفَوَاتِ . وَكَقَرْعِ السِّنِّ النَّادِمَةِ ، إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ مِنْ عَدِّ الْحَصَى وَالْخَطِّ فِي الْأَرْضِ لِلْمَهْمُومِ . وَيُكْتَبُ هَذَا الْعَضُّ بِالضَّادِ السَّاقِطَةِ ، وَعَظَّ الزَّمَانُ بِالظَّاءِ الْمُشَالَةِ ; كَمَا قَالَ :
وَعَظُّ زَمَانٍ يَا ابْنَ مَرْوَانَ لَمْ يَدَعْ مِنَ الْمَالِ إِلَّا مُسْحَتًا أَوْ مُجَلَّفَا
وَوَاحِدُ الْأَنَامِلِ أُنْمُلَةٌ ( بِضَمِ الْمِيمِ ) وَيُقَالُ بِفَتْحِهَا ، وَالضَّمُّ أَشْهَرُ . وَكَانَ
أَبُو الْجَوْزَاءِ إِذَا تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ قَالَ : هُمُ
الْإِبَاضِيَّةُ . قَالَ
ابْنُ عَطِيَّةَ : وَهَذِهِ الصِّفَةُ قَدْ تَتَرَتَّبُ فِي كَثِيرٍ مِنْ أَهْلِ الْبِدَعِ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ .
قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=119قُلْ مُوتُوا بِغَيْظِكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ بِذَاتِ الصُّدُورِ إِنْ قِيلَ : كَيْفَ لَمْ يَمُوتُوا وَاللَّهُ تَعَالَى إِذَا قَالَ لِشَيْءٍ : كُنْ فَيَكُونُ . قِيلَ عَنْهُ جَوَابَانِ : أَحَدُهُمَا : قَالَ فِيهِ
الطَّبَرِيُّ وَكَثِيرٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : هُوَ دُعَاءٌ عَلَيْهِمْ . أَيْ قُلْ يَا
مُحَمَّدُ أَدَامَ اللَّهُ غَيْظَكُمْ إِلَى أَنْ تَمُوتُوا . فَعَلَى هَذَا يَتَّجِهُ أَنْ يَدْعُوَ عَلَيْهِمْ بِهَذَا مُوَاجَهَةً وَغَيْرَ مُوَاجَهَةٍ بِخِلَافِ اللَّعْنَةِ .
الثَّانِي : إِنَّ الْمَعْنَى أَخْبِرْهُمْ أَنَّهُمْ لَا يُدْرِكُونَ مَا يُؤَمِّلُونَ ، فَإِنَّ الْمَوْتَ دُونَ ذَلِكَ . فَعَلَى هَذَا الْمَعْنَى زَالَ مَعْنَى الدُّعَاءِ وَبَقِيَ مَعْنَى التَّقْرِيعِ وَالْإِغَاظَةِ . وَيَجْرِي هَذَا الْمَعْنَى مَعَ قَوْلِ
مُسَافِرِ بْنِ أَبِي عَمْرٍو :
وَيَتَمَنَّى فِي أَرُومَتِنَا وَنَفْقَأُ عَيْنَ مَنْ حَسَدَا
وَيَنْظُرُ إِلَى هَذَا الْمَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=22&ayano=15مَنْ كَانَ يَظُنُّ أَنْ لَنْ يَنْصُرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ فَلْيَمْدُدْ بِسَبَبٍ إِلَى السَّمَاءِ ثُمَّ لِيَقْطَعْ .
[ ص: 174 ]