[ ص: 190 ] القول في تأويل قوله جل ثناؤه (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_31926_30531_32416nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26قال فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في الناصب ل"الأربعين" .
فقال بعضهم : الناصب له قوله : "محرمة" ، وإنما حرم الله جل وعز على القوم الذين عصوه وخالفوا أمره من قوم
موسى وأبوا حرب الجبارين دخول مدينتهم أربعين سنة ، ثم فتحها عليهم وأسكنهموها ، وأهلك الجبارين بعد حرب منهم لهم ، بعد أن انقضت الأربعون سنة وخرجوا من التيه .
11690 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن
أبيه ، عن
الربيع قال : لما قال لهم القوم ما قالوا ، ودعا
موسى عليهم ، أوحى الله إلى
موسى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26إنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض فلا تأس على القوم الفاسقين " ، وهم يومئذ ، فيما ذكر ، ستمائة ألف مقاتل . فجعلهم "فاسقين" بما عصوا . فلبثوا أربعين سنة في فراسخ ستة ، أو دون ذلك ، يسيرون كل يوم جادين لكي يخرجوا منها ، حتى سئموا ونزلوا ، فإذا هم في الدار التي منها ارتحلوا وإنهم اشتكوا إلى
موسى ما فعل بهم ، فأنزل عليهم المن والسلوى ، وأعطوا من الكسوة ما هي قائمة لهم ، وينشأ الناشئ فتكون معه على هيئته . وسأل
موسى ربه أن
[ ص: 191 ] يسقيهم ، فأتى بحجر
الطور ، وهو حجر أبيض ، إذا ما نزل القوم ضربه بعصاه ، فيخرج منه اثنتا عشرة عينا ، لكل سبط منهم عين ، قد علم كل أناس مشربهم . حتى إذا خلت أربعون سنة ، وكانت عذابا بما اعتدوا وعصوا ، أوحى إلى
موسى : أن مرهم أن يسيروا إلى الأرض المقدسة ، فإن الله قد كفاهم عدوهم ، وقل لهم إذا أتوا المسجد : أن يأتوا الباب ، ويسجدوا إذا دخلوا ، ويقولوا : "حطة" وإنما قولهم : "حطة" ، أن يحط عنهم خطاياهم فأبى عامة القوم وعصوا ، وسجدوا على خدهم ، وقالوا : "حنطة" ، فقال الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=59فبدل الذين ظلموا قولا غير الذي قيل لهم إلى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=59بما كانوا يفسقون ) [ سورة البقرة : 59 ] .
وقال آخرون : بل الناصب ل"الأربعين" ، "يتيهون في الأرض" . قالوا : ومعنى الكلام : قال : فإنها محرمة عليهم أبدا ، يتيهون في الأرض أربعين سنة . قالوا : ولم يدخل مدينة الجبارين أحد ممن قال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24إنا لن ندخلها أبدا ما داموا فيها فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا ههنا قاعدون " ، وذلك أن الله عز ذكره حرمها عليهم . قالوا : وإنما دخلها من أولئك القوم
يوشع وكلاب ، اللذان قالا لهم : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23ادخلوا عليهم الباب فإذا دخلتموه فإنكم غالبون " ، وأولاد الذين حرم الله عليهم دخولها ، فتيههم الله فلم يدخلها منهم أحد .
ذكر من قال ذلك :
11691 - حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=15573محمد بن بشار قال : حدثنا
سليمان بن حرب قال : حدثنا
أبو هلال ، عن
قتادة في قول الله جل وعز : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26إنها محرمة عليهم " ، قال : أبدا .
11692 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
سليمان بن حرب قال : حدثنا
أبو هلال ، عن
قتادة في قول الله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26يتيهون في الأرض " ، قال : أربعين سنة .
11693 - حدثنا
المثنى قال : حدثنا
مسلم بن إبراهيم قال : حدثنا
هارون [ ص: 192 ] النحوي قال : حدثني
الزبير بن الخريت ، عن
عكرمة في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " ، قال : التحريم ، التيهاء .
11694 - حدثنا
موسى بن هارون قال : حدثنا
عمرو بن حماد قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي قال : غضب
موسى على قومه فدعا عليهم فقال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25رب إني لا أملك إلا نفسي وأخي " الآية ، فقال الله جل وعز : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " . فلما ضرب عليهم التيه ، ندم
موسى . وأتاه قومه الذين كانوا [ معه ] يطيعونه ، فقالوا له : ما صنعت بنا يا
موسى ! فمكثوا في التيه . فلما خرجوا من التيه ، رفع المن والسلوى وأكلوا من البقول . والتقى
موسى وعاج ، فنزا
موسى في السماء عشرة أذرع ، وكانت عصاه عشرة أذرع ، وكان طوله عشرة أذرع فأصاب كعب
عاج فقتله . ولم يبق [ أحد ] ممن أبى أن يدخل قرية الجبارين مع
موسى ، إلا مات ولم يشهد الفتح . ثم إن الله جل وعز لما انقضت الأربعون سنة ، بعث
يوشع بن النون نبيا ، فأخبرهم أنه نبي ، وأن الله قد أمره أن يقاتل الجبارين ، فبايعوه وصدقوه ، فهزم الجبارين واقتحموا عليهم يقتلونهم ،
[ ص: 193 ] فكانت العصابة من بني إسرائيل يجتمعون على عنق الرجل يضربونها لا يقطعونها .
11695 - حدثني
nindex.php?page=showalam&ids=14316عبد الكريم بن الهيثم قال : حدثنا
إبراهيم بن بشار قال : حدثنا
سفيان قال : قال
أبو سعيد ، عن
عكرمة ، عن
ابن عباس قال : قال الله جل وعز لما دعا
موسى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فإنها محرمة عليهم أربعين سنة يتيهون في الأرض " . قال : فدخلوا التيه ، فكل من دخل التيه ممن جاوز العشرين سنة مات في التيه .
قال : فمات
موسى في التيه ، ومات
هارون قبله . قال : فلبثوا في تيههم أربعين سنة ، فناهض
يوشع بمن بقي معه مدينة الجبارين ، فافتتح
يوشع المدينة .
11696 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة ، قال الله جل وعز : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26إنها محرمة عليهم أربعين سنة " ، حرمت عليهم [ القرى ] ، فكانوا لا يهبطون قرية ولا يقدرون على ذلك ، إنما يتبعون الأطواء أربعين سنة ، وذكر لنا أن
موسى صلى الله عليه وسلم مات في الأربعين سنة ، وأنه لم يدخل
بيت المقدس منهم إلا أبناؤهم والرجلان اللذان قالا ما قالا .
11697 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة ، عن
ابن إسحاق قال : حدثني بعض أهل العلم بالكتاب الأول قال : لما فعلت بنو إسرائيل ما فعلت من
[ ص: 194 ] معصيتهم نبيهم ، وهمهم
بكالب ويوشع ، إذ أمراهم بدخول مدينة الجبارين ، وقالا لهم ما قالا ظهرت عظمة الله بالغمام على باب قبة الزمر على كل بني إسرائيل ، فقال جل ثناؤه
لموسى : إلى متى يعصيني هذا الشعب؟ وإلى متى لا يصدقون بالآيات كلها التي وضعت بينهم؟ أضربهم بالموت فأهلكهم ، وأجعل لك شعبا أشد وأكبر منهم؟ فقال
موسى : يسمع أهل المصر الذين أخرجت هذا الشعب بقوتك من بينهم ، ويقول ساكن هذه البلاد الذين قد سمعوا أنك أنت الله في هذا الشعب ، فلو أنك قتلت هذا الشعب كلهم كرجل واحد ، لقالت الأمم الذين سمعوا باسمك : "إنما قتل هذا الشعب من أجل الذين لا يستطيع أن يدخلهم الأرض التي خلق لهم ، فقتلهم في البرية" ، ولكن لترتفع أياديك ويعظم جزاؤك ، يا رب ، كما كنت تكلمت وقلت لهم ، فإنه طويل صبرك ، كثيرة نعمك ، وأنت تغفر الذنوب فلا توبق ، وإنك تحفظ [ ذنب ] الآباء على الأبناء وأبناء الأبناء إلى ثلاثة أحقاب وأربعة . فاغفر ، أي رب ، آثام هذا الشعب بكثرة
[ ص: 195 ] نعمك ، وكما غفرت لهم منذ أخرجتهم من
أرض مصر إلى الآن . فقال الله جل ثناؤه
لموسى صلى الله عليه : قد غفرت لهم بكلمتك ، ولكن حي أنا ، وقد ملأت الأرض محمدتي كلها ، لا يرى القوم الذين قد رأوا محمدتي وآياتي التي فعلت في أرض مصر وفي القفار ، وابتلوني عشر مرات ولم يطيعوني ، لا يرون الأرض التي حلفت لآبائهم ، ولا يراها من أغضبني ، فأما عبدي
كالب الذي كان روحه معي واتبع هواي ، فإني مدخله الأرض التي دخلها ، ويراها خلفه .
وكان
العماليق والكنعانيون جلوسا في الجبال ، ثم غدوا فارتحلوا إلى القفار في طريق بحر سوف ، وكلم الله عز وجل
موسى وهارون ، وقال لهما : إلى متى توسوس علي هذه الجماعة جماعة السوء؟ قد سمعت وسوسة بني إسرائيل . وقال :
[ ص: 196 ] لأفعلن بكم كما قلت لكم ، ولتلقين جيفكم في هذه القفار ، وكحسابكم من بني عشرين سنة فما فوق ذلك ، من أجل أنكم وسوستم علي ، فلا تدخلوا الأرض التي رفعت [ يدي ] إليها ، ولا ينزل فيها أحد منكم غير
كالب بن يوفنا ، ويوشع بن نون ، وتكون أثقالكم كما كنتم الغنيمة ، وأما بنوكم اليوم الذين لم يعلموا ما بين الخير والشر ، فإنهم يدخلون الأرض ، وإني بهم عارف ، لهم الأرض التي أردت لهم ، وتسقط جيفكم في هذه القفار ، وتتيهون في هذه القفار على حساب الأيام التي حسستم الأرض أربعين يوما ، مكان كل يوم سنة وتقتلون بخطاياكم أربعين سنة ، وتعلمون أنكم وسوستم قدامي . إنى أنا الله فاعل بهذه الجماعة جماعة بني إسرائيل الذين وعدوا قدامي بأن يتيهوا في القفار ، فيها يموتون .
فأما الرهط الذين كان
موسى بعثهم ليتحسسوا الأرض ، ثم حرشوا الجماعة ، فأفشوا فيهم خبر الشر ، فماتوا كلهم بغتة ، وعاش
يوشع وكالب بن يوفنا من الرهط الذين انطلقوا يتحسسون الأرض .
فلما قال
موسى عليه السلام هذا الكلام كله لبني إسرائيل ، حزن الشعب
[ ص: 197 ] حزنا شديدا ، وغدوا فارتفعوا ، إلى رأس الجبل ، وقالوا : نرتقي الأرض التي قال جل ثناؤه ، من أجل أنا قد أخطأنا . فقال لهم
موسى : "لم تعتدون في كلام الله؟ من أجل ذلك لا يصلح لكم عمل ، ولا تصعدوا من أجل أن الله ليس معكم ، فالآن تنكسرون من قدام أعدائكم ، من أجل
العمالقة والكنعانيين أمامكم ، فلا تقعوا في الحرب من أجل أنكم انقلبتم على الله ، فلم يكن الله معكم" . فأخذوا يرقون في الجبل ، ولم يبرح التابوت الذي فيه مواثيق الله جل ذكره
وموسى من المحلة - يعني : من الخيمة - حتى هبط
العماليق والكنعانيون في ذلك الحائط ، فحرقوهم وطردوهم وقتلوهم . فتيههم الله عز ذكره في التيه أربعين سنة بالمعصية ، حتى هلك من كان استوجب المعصية من الله في ذلك . قال : فلما شب النواشئ من ذراريهم وهلك آباؤهم ، وانقضت الأربعون سنة التي تيهوا فيها ، وسار بهم
موسى ومعه
يوشع بن نون وكالب بن يوفنا ، وكان - فيما يزعمون - على
مريم ابنة عمران أخت
موسى وهارون ، وكان لهما صهرا ، قدم
يوشع بن نون إلى
أريحا ، في بني إسرائيل ، فدخلها بهم ، وقتل بها الجبابرة الذين
[ ص: 198 ] كانوا فيها ، ثم دخلها
موسى ببني إسرائيل ، فأقام فيها ما شاء الله أن يقيم ، ثم قبضه الله إليه ، لا يعلم قبره أحد من الخلائق .
قال
أبو جعفر : وأولى القولين في ذلك عندي بالصواب قول من قال : إن"الأربعين" منصوبة ب"التحريم" ، وإن قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26محرمة عليهم أربعين سنة " معني به جميع قوم
موسى ، لا بعض دون بعض منهم . لأن الله عز ذكره عم بذلك القوم ، ولم يخصص منهم بعضا دون بعض . وقد وفى الله جل ثناؤه بما وعدهم به من العقوبة ، فتيههم أربعين سنة ، وحرم على جميعهم ، في الأربعين سنة التي مكثوا فيها تائهين دخول الأرض المقدسة ، فلم يدخلها منهم أحد ، لا صغير ولا كبير ، ولا صالح ولا طالح ، حتى انقضت السنون التي حرم الله عز وجل عليهم فيها دخولها . ثم أذن لمن بقي منهم وذراريهم بدخولها مع نبي الله
موسى والرجلين اللذين أنعم الله عليهما ، وافتتح قرية الجبارين ، إن شاء الله ، نبي الله
موسى صلى الله عليه وسلم ، وعلى مقدمته
يوشع ، وذلك لإجماع أهل العلم بأخبار الأولين أن
عوج بن عناق قتله
موسى صلى الله عليه وسلم . فلو كان قتله إياه قبل مصيره في التيه ، وهو من أعظم الجبارين خلقا ، لم تكن بنو إسرائيل تجزع من الجبارين الجزع الذي ظهر منها . ولكن ذلك كان - إن شاء الله - بعد فناء الأمة التي جزعت وعصت ربها ، وأبت الدخول على الجبارين مدينتهم .
وبعد : فإن أهل العلم بأخبار الأولين مجمعون على أن
بلعم بن باعور ، كان ممن أعان الجبارين بالدعاء على
موسى . ومحال أن يكون ذلك كان وقوم
موسى ممتنعون من حربهم وجهادهم ، لأن المعونة إنما يحتاج إليها من كان مطلوبا ، فأما ولا طالب ، فلا وجه للحاجة إليها .
[ ص: 199 ]
11698 - حدثنا
ابن بشار قال : حدثنا
مؤمل قال : حدثنا
سفيان ، عن
أبي إسحاق ، عن
نوف قال : كان سرير
عوج ثمانمائة ذراع ، وكان طول
موسى عشرة أذرع ، وعصاه عشرة أذرع ، ووثب في السماء عشرة أذرع ، فضرب
عوجا فأصاب كعبه ، فسقط ميتا ، فكان جسرا للناس يمرون عليه .
11699 - حدثنا
أبو كريب قال : حدثنا
ابن عطية قال : حدثنا
قيس ، عن
أبي إسحاق ، عن
سعيد بن جبير ، عن
ابن عباس قال : كانت
nindex.php?page=treesubj&link=31907عصا موسى عشرة أذرع ، ووثبته عشرة أذرع ، وطوله عشرة أذرع ، فوثب فأصاب كعب
عوج فقتله ، فكان جسرا لأهل النيل سنة .
ومعنى : "يتيهون في الأرض " ، يحارون فيها ويضلون ومن ذلك قيل للرجل الضال عن سبيل الحق : "تائه" . وكان تيههم ذلك : أنهم كانوا يصبحون أربعين سنة كل يوم جادين في قدر ستة فراسخ للخروج منه ، فيمسون في الموضع الذي ابتدءوا السير منه .
11700 - حدثني بذلك
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
عبد الله بن أبي جعفر ، عن
أبيه ، عن
الربيع .
11701 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
[ ص: 200 ] عيسى ، عن
ابن أبي نجيح ، عن
مجاهد قال : تاهت بنو إسرائيل أربعين سنة ، يصبحون حيث أمسوا ، ويمسون حيث أصبحوا في تيههم .
[ ص: 190 ] الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ (
nindex.php?page=treesubj&link=28976_31926_30531_32416nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26قَالَ فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي النَّاصِبِ لِ"الْأَرْبَعِينَ" .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : النَّاصِبُ لَهُ قَوْلُهُ : "مُحَرَّمَةٌ" ، وَإِنَّمَا حَرَّمَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ عَلَى الْقَوْمِ الَّذِينَ عَصَوْهُ وَخَالَفُوا أَمْرَهُ مِنْ قَوْمِ
مُوسَى وَأَبَوْا حَرْبَ الْجَبَّارِينَ دُخُولَ مَدِينَتِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، ثُمَّ فَتَحَهَا عَلَيْهِمْ وَأَسْكَنَهُمُوهَا ، وَأَهْلَكَ الْجَبَّارِينَ بَعْدَ حَرْبٍ مِنْهُمْ لَهُمْ ، بَعْدَ أَنِ انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً وَخَرَجُوا مِنَ التِّيهِ .
11690 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ
أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ قَالَ : لَمَّا قَالَ لَهُمُ الْقَوْمُ مَا قَالُوا ، وَدَعَا
مُوسَى عَلَيْهِمْ ، أَوْحَى اللَّهُ إِلَى
مُوسَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ فَلَا تَأْسَ عَلَى الْقَوْمِ الْفَاسِقِينَ " ، وَهُمْ يَوْمَئِذٍ ، فِيمَا ذُكِرَ ، سِتُّمِائَةِ أَلْفِ مُقَاتِلٍ . فَجَعَلَهُمْ "فَاسِقِينَ" بِمَا عَصَوْا . فَلَبِثُوا أَرْبَعِينَ سَنَةً فِي فَرَاسِخَ سِتَّةٍ ، أَوْ دُونَ ذَلِكَ ، يَسِيرُونَ كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ لِكَيْ يَخْرُجُوا مِنْهَا ، حَتَّى سَئِمُوا وَنَزَلُوا ، فَإِذَا هُمْ فِي الدَّارِ الَّتِي مِنْهَا ارْتَحَلُوا وَإِنَّهُمُ اشْتَكَوْا إِلَى
مُوسَى مَا فُعِلَ بِهِمْ ، فَأُنْزِلَ عَلَيْهِمُ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى ، وَأُعْطُوا مِنَ الْكِسْوَةِ مَا هِيَ قَائِمَةٌ لَهُمْ ، وَيَنْشَأُ النَّاشِئُ فَتَكُونُ مَعَهُ عَلَى هَيْئَتِهِ . وَسَأَلَ
مُوسَى رَبَّهُ أَنْ
[ ص: 191 ] يَسْقِيَهُمْ ، فَأَتَى بِحَجَرِ
الطُّورِ ، وَهُوَ حَجَرٌ أَبْيَضُ ، إِذَا مَا نَزَلَ الْقَوْمُ ضَرَبَهُ بِعَصَاهُ ، فَيَخْرُجُ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْنًا ، لِكُلِّ سِبْطٍ مِنْهُمْ عَيْنٌ ، قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَشْرَبَهُمْ . حَتَّى إِذَا خَلَتْ أَرْبَعُونَ سَنَةً ، وَكَانَتْ عَذَابًا بِمَا اعْتَدَوْا وَعَصَوْا ، أَوْحَى إِلَى
مُوسَى : أَنْ مُرْهُمْ أَنْ يَسِيرُوا إِلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ كَفَاهُمْ عَدُوَّهُمْ ، وَقُلْ لَهُمْ إِذَا أَتَوُا الْمَسْجِدَ : أَنْ يَأْتُوا الْبَابَ ، وَيَسْجُدُوا إِذَا دَخَلُوا ، وَيَقُولُوا : "حِطَّةٌ" وَإِنَّمَا قَوْلُهُمْ : "حِطَّةٌ" ، أَنْ يَحُطَّ عَنْهُمْ خَطَايَاهُمْ فَأَبَى عَامَّةُ الْقَوْمِ وَعَصَوْا ، وَسَجَدُوا عَلَى خَدِّهِمْ ، وَقَالُوا : "حِنْطَةٌ" ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=59فَبَدَّلَ الَّذِينَ ظَلَمُوا قَوْلًا غَيْرَ الَّذِي قِيلَ لَهُمْ إِلَى
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=59بِمَا كَانُوا يَفْسُقُونَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 59 ] .
وَقَالَ آخَرُونَ : بَلِ النَّاصِبُ لِ"الْأَرْبَعِينَ" ، "يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ" . قَالُوا : وَمَعْنَى الْكَلَامِ : قَالَ : فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَبَدًا ، يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ أَرْبَعِينَ سَنَةً . قَالُوا : وَلَمْ يَدْخُلْ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ أَحَدٌ مِمَّنْ قَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24إِنَّا لَنْ نَدْخُلَهَا أَبَدًا مَا دَامُوا فِيهَا فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَهُنَا قَاعِدُونَ " ، وَذَلِكَ أَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ حَرَّمَهَا عَلَيْهِمْ . قَالُوا : وَإِنَّمَا دَخَلَهَا مِنْ أُولَئِكَ الْقَوْمِ
يُوشَعُ وَكِلَابُ ، اللَّذَانِ قَالَا لَهُمُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=23ادْخُلُوا عَلَيْهِمُ الْبَابَ فَإِذَا دَخَلْتُمُوهُ فَإِنَّكُمْ غَالِبُونَ " ، وَأَوْلَادُ الَّذِينَ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ دُخُولَهَا ، فَتَيَّهَهُمُ اللَّهُ فَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
11691 - حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=15573مُحَمَّدُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ جَلَّ وَعَزَّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ " ، قَالَ : أَبَدًا .
11692 - حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سُلَيْمَانُ بْنُ حَرْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو هِلَالٍ ، عَنْ
قَتَادَةَ فِي قَوْلِ اللَّهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ " ، قَالَ : أَرْبَعِينَ سَنَةً .
11693 - حَدَّثَنَا
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
مُسْلِمُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ قَالَ : حَدَّثَنَا
هَارُونُ [ ص: 192 ] النَّحْوِيُّ قَالَ : حَدَّثَنِي
الزُّبَيْرُ بْنُ الْخِرِّيتِ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ " ، قَالَ : التَّحْرِيمُ ، التَّيْهَاءُ .
11694 - حَدَّثَنَا
مُوسَى بْنُ هَارُونَ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَمْرُو بْنُ حَمَّادٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ قَالَ : غَضِبَ
مُوسَى عَلَى قَوْمِهِ فَدَعَا عَلَيْهِمْ فَقَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=25رَبِّ إِنِّي لَا أَمْلِكُ إلَّا نَفْسِي وَأَخِي " الْآيَةَ ، فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ " . فَلَمَّا ضُرِبَ عَلَيْهِمُ التِّيهُ ، نَدِمَ
مُوسَى . وَأَتَاهُ قَوْمُهُ الَّذِينَ كَانُوا [ مَعَهُ ] يُطِيعُونَهُ ، فَقَالُوا لَهُ : مَا صَنَعْتَ بِنَا يَا
مُوسَى ! فَمَكَثُوا فِي التِّيهِ . فَلَمَّا خَرَجُوا مِنَ التِّيهِ ، رُفِعَ الْمَنُّ وَالسَّلْوَى وَأَكَلُوا مِنَ الْبُقُولِ . وَالْتَقَى
مُوسَى وَعَاجٌ ، فَنَزَا
مُوسَى فِي السَّمَاءِ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، وَكَانَتْ عَصَاهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، وَكَانَ طُولُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ فَأَصَابَ كَعْبَ
عَاجٍ فَقَتَلَهُ . وَلَمْ يَبْقَ [ أَحَدٌ ] مِمَّنْ أَبَى أَنْ يَدْخُلَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ مَعَ
مُوسَى ، إِلَّا مَاتَ وَلَمْ يَشْهَدِ الْفَتْحَ . ثُمَّ إِنَّ اللَّهَ جَلَّ وَعَزَّ لَمَّا انْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً ، بَعَثَ
يُوشَعَ بْنَ النُّونِ نَبِيًّا ، فَأَخْبَرَهُمْ أَنَّهُ نَبِيٌّ ، وَأَنَّ اللَّهَ قَدْ أَمَرَهُ أَنْ يُقَاتِلَ الْجَبَّارِينَ ، فَبَايَعُوهُ وَصَدَّقُوهُ ، فَهَزَمَ الْجَبَّارِينَ وَاقْتَحَمُوا عَلَيْهِمْ يَقْتُلُونَهُمْ ،
[ ص: 193 ] فَكَانَتِ الْعِصَابَةُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ يَجْتَمِعُونَ عَلَى عُنُقِ الرَّجُلِ يَضْرِبُونَهَا لَا يَقْطَعُونَهَا .
11695 - حَدَّثَنِي
nindex.php?page=showalam&ids=14316عَبْدُ الْكَرِيمِ بْنُ الْهَيْثَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا
إِبْرَاهِيمُ بْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ قَالَ : قَالَ
أَبُو سَعِيدٍ ، عَنْ
عِكْرِمَةَ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ لَمَّا دَعَا
مُوسَى : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26فَإِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ " . قَالَ : فَدَخَلُوا التِّيهَ ، فَكُلُّ مَنْ دَخَلَ التِّيهَ مِمَّنْ جَاوَزَ الْعِشْرِينَ سَنَةً مَاتَ فِي التِّيهِ .
قَالَ : فَمَاتَ
مُوسَى فِي التِّيهِ ، وَمَاتَ
هَارُونُ قَبْلَهُ . قَالَ : فَلَبِثُوا فِي تِيهِهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، فَنَاهَضَ
يُوشَعُ بِمَنْ بَقِيَ مَعَهُ مَدِينَةَ الْجَبَّارِينَ ، فَافْتَتَحَ
يُوشَعُ الْمَدِينَةَ .
11696 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ ، قَالَ اللَّهُ جَلَّ وَعَزَّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26إِنَّهَا مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً " ، حُرِّمَتْ عَلَيْهِمُ [ الْقُرَى ] ، فَكَانُوا لَا يَهْبِطُونَ قَرْيَةً وَلَا يَقْدِرُونَ عَلَى ذَلِكَ ، إِنَّمَا يَتَّبِعُونَ الْأَطْوَاءَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَذُكِرَ لَنَا أَنَّ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مَاتَ فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَأَنَّهُ لَمْ يَدْخُلْ
بَيْتَ الْمَقْدِسِ مِنْهُمْ إِلَّا أَبْنَاؤُهُمْ وَالرَّجُلَانِ اللَّذَانِ قَالَا مَا قَالَا .
11697 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ ، عَنِ
ابْنِ إِسْحَاقَ قَالَ : حَدَّثَنِي بَعْضُ أَهْلِ الْعِلْمِ بِالْكِتَابِ الْأَوَّلِ قَالَ : لَمَّا فَعَلَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ مَا فَعَلَتْ مِنْ
[ ص: 194 ] مَعْصِيَتِهِمْ نَبِيَّهُمْ ، وَهَمِّهِمْ
بِكَالِبَ وَيُوشَعَ ، إِذْ أَمَرَاهُمْ بِدُخُولِ مَدِينَةِ الْجَبَّارِينَ ، وَقَالَا لَهُمْ مَا قَالَا ظَهَرَتْ عَظَمَةُ اللَّهِ بِالْغَمَامِ عَلَى بَابِ قُبَّةِ الزُّمَرِ عَلَى كُلِّ بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَقَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
لِمُوسَى : إِلَى مَتَى يَعْصِينِي هَذَا الشَّعْبُ؟ وَإِلَى مَتَى لَا يُصَدِّقُونَ بِالْآيَاتِ كُلِّهَا الَّتِي وَضَعْتُ بَيْنَهُمْ؟ أَضْرِبُهُمْ بِالْمَوْتِ فَأُهْلِكُهُمْ ، وَأَجْعَلُ لَكَ شَعْبًا أَشَدَّ وَأَكْبَرَ مِنْهُمْ؟ فَقَالَ
مُوسَى : يَسْمَعُ أَهْلُ الْمِصْرِ الَّذِينَ أَخْرَجْتَ هَذَا الشَّعْبَ بِقُوَّتِكَ مِنْ بَيْنِهِمْ ، وَيَقُولُ سَاكِنُ هَذِهِ الْبِلَادِ الَّذِينَ قَدْ سَمِعُوا أَنَّكَ أَنْتَ اللَّهُ فِي هَذَا الشَّعْبِ ، فَلَوْ أَنَّكَ قَتَلْتَ هَذَا الشَّعْبَ كُلَّهُمْ كَرَجُلٍ وَاحِدٍ ، لَقَالَتِ الْأُمَمُ الَّذِينَ سَمِعُوا بِاسْمِكَ : "إِنَّمَا قَتَلَ هَذَا الشَّعْبَ مِنْ أَجْلِ الَّذِينَ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُدْخِلَهُمُ الْأَرْضَ الَّتِي خَلَقَ لَهُمْ ، فَقَتَلَهُمْ فِي الْبَرِّيَّةِ" ، وَلَكِنْ لِتَرْتَفِعْ أَيَادِيكَ وَيَعْظُمْ جَزَاؤُكَ ، يَا رَبِّ ، كَمَا كُنْتَ تَكَلَّمْتَ وَقُلْتَ لَهُمْ ، فَإِنَّهُ طَوِيلٌ صَبْرُكَ ، كَثِيرَةٌ نِعَمُكَ ، وَأَنْتَ تَغْفِرُ الذُّنُوبَ فَلَا تُوبِقْ ، وَإِنَّكَ تَحْفَظُ [ ذَنْبَ ] الْآبَاءِ عَلَى الْأَبْنَاءِ وَأَبْنَاءِ الْأَبْنَاءِ إِلَى ثَلَاثَةِ أَحْقَابٍ وَأَرْبَعَةٍ . فَاغْفِرْ ، أَيْ رَبِّ ، آثَامَ هَذَا الشَّعْبِ بِكَثْرَةِ
[ ص: 195 ] نِعَمِكَ ، وَكَمَا غَفَرْتَ لَهُمْ مُنْذُ أَخْرَجْتَهُمْ مِنْ
أَرْضِ مِصْرَ إِلَى الْآنَ . فَقَالَ اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ
لِمُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ : قَدْ غَفَرْتُ لَهُمْ بِكَلِمَتِكَ ، وَلَكِنْ حَيٌّ أَنَا ، وَقَدْ مَلَأَتِ الْأَرْضَ مَحْمَدَتِي كُلَّهَا ، لَا يَرَى الْقَوْمُ الَّذِينَ قَدْ رَأَوْا مَحْمَدَتِي وَآيَاتِي الَّتِي فَعَلْتُ فِي أَرْضِ مِصْرَ وَفِي الْقِفَارِ ، وَابْتَلَوْنِي عَشْرَ مَرَّاتٍ وَلَمْ يُطِيعُونِي ، لَا يَرَوْنَ الْأَرْضَ الَّتِي حَلَفْتُ لِآبَائِهِمْ ، وَلَا يَرَاهَا مَنْ أَغْضَبَنِي ، فَأَمَّا عَبْدِي
كَالِبُ الَّذِي كَانَ رُوحُهُ مَعِي وَاتَّبَعَ هَوَايَ ، فَإِنِّي مُدْخِلُهُ الْأَرْضَ الَّتِي دَخَلَهَا ، وَيَرَاهَا خَلَفُهُ .
وَكَانَ
الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ جُلُوسًا فِي الْجِبَالِ ، ثُمَّ غَدَوْا فَارْتَحَلُوا إِلَى الْقِفَارِ فِي طَرِيقِ بَحْرِ سُوفَ ، وَكَلَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ
مُوسَى وَهَارُونَ ، وَقَالَ لَهُمَا : إِلَى مَتَى تُوَسْوِسُ عَلَيَّ هَذِهِ الْجَمَاعَةُ جَمَاعَةُ السُّوءِ؟ قَدْ سَمِعْتُ وَسْوَسَةَ بَنِي إِسْرَائِيلَ . وَقَالَ :
[ ص: 196 ] لَأَفْعَلَنَّ بِكُمْ كَمَا قُلْتُ لَكُمْ ، وَلَتُلْقَيَنَّ جِيَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ ، وَكَحِسَابِكُمْ مِنْ بَنِي عِشْرِينَ سَنَةً فَمَا فَوْقَ ذَلِكَ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ عَلَيَّ ، فَلَا تَدْخُلُوا الْأَرْضَ الَّتِي رَفَعْتُ [ يَدِي ] إِلَيْهَا ، وَلَا يَنْزِلُ فِيهَا أَحَدٌ مِنْكُمْ غَيْرُ
كَالِبَ بْنِ يُوفَنَّا ، وَيُوشَعَ بْنِ نُونٍ ، وَتَكُونُ أَثْقَالُكُمْ كَمَا كُنْتُمُ الْغَنِيمَةَ ، وَأَمَّا بَنُوكُمُ الْيَوْمَ الَّذِينَ لَمْ يَعْلَمُوا مَا بَيْنَ الْخَيْرِ وَالشَّرِّ ، فَإِنَّهُمْ يَدْخُلُونَ الْأَرْضَ ، وَإِنِّي بِهِمْ عَارِفٌ ، لَهُمُ الْأَرْضُ الَّتِي أَرَدْتُ لَهُمْ ، وَتَسْقُطُ جِيَفُكُمْ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ ، وَتَتِيهُونَ فِي هَذِهِ الْقِفَارِ عَلَى حِسَابِ الْأَيَّامِ الَّتِي حَسِسْتُمُ الْأَرْضَ أَرْبَعِينَ يَوْمًا ، مَكَانَ كُلِّ يَوْمٍ سَنَةً وَتُقْتَلُونَ بِخَطَايَاكُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَتَعْلَمُونَ أَنَّكُمْ وَسْوَسْتُمْ قُدَّامِي . إِنَّى أَنَا اللَّهُ فَاعِلٌ بِهَذِهِ الْجَمَاعَةِ جَمَاعَةِ بَنِي إِسْرَائِيلَ الَّذِينَ وُعِدُوا قُدَّامِي بِأَنْ يَتِيهُوا فِي الْقِفَارِ ، فِيهَا يَمُوتُونَ .
فَأَمَّا الرَّهْطُ الَّذِينَ كَانَ
مُوسَى بَعَثَهُمْ لِيَتَحَسَّسُوا الْأَرْضَ ، ثُمَّ حَرَّشُوا الْجَمَاعَةَ ، فَأَفْشَوْا فِيهِمْ خَبَرَ الشَّرِّ ، فَمَاتُوا كُلُّهُمْ بَغْتَةً ، وَعَاشَ
يُوشَعُ وَكَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا مِنَ الرَّهْطِ الَّذِينَ انْطَلَقُوا يَتَحَسَّسُونَ الْأَرْضَ .
فَلَمَّا قَالَ
مُوسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ هَذَا الْكَلَامَ كُلَّهُ لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، حَزِنَ الشَّعْبُ
[ ص: 197 ] حُزْنًا شَدِيدًا ، وَغَدَوْا فَارْتَفَعُوا ، إِلَى رَأْسِ الْجَبَلِ ، وَقَالُوا : نَرْتَقِي الْأَرْضَ الَّتِي قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ ، مِنْ أَجْلِ أَنَّا قَدْ أَخْطَأْنَا . فَقَالَ لَهُمْ
مُوسَى : "لِمَ تَعْتَدُونَ فِي كَلَامِ اللَّهِ؟ مِنْ أَجْلِ ذَلِكَ لَا يَصْلُحُ لَكُمْ عَمَلٌ ، وَلَا تَصْعَدُوا مِنْ أَجْلِ أَنَّ اللَّهَ لَيْسَ مَعَكُمْ ، فَالْآنَ تَنْكَسِرُونَ مِنْ قُدَّامِ أَعْدَائِكُمْ ، مِنْ أَجْلِ
الْعَمَالِقَةِ وَالْكَنْعَانِيِّينَ أَمَامَكُمْ ، فَلَا تَقَعُوا فِي الْحَرْبِ مِنْ أَجْلِ أَنَّكُمُ انْقَلَبْتُمْ عَلَى اللَّهِ ، فَلَمْ يَكُنِ اللَّهُ مَعَكُمْ" . فَأَخَذُوا يَرْقَوْنَ فِي الْجَبَلِ ، وَلَمْ يَبْرَحِ التَّابُوتُ الَّذِي فِيهِ مَوَاثِيقُ اللَّهِ جَلَّ ذِكْرُهُ
وَمُوسَى مِنَ الْمَحَلَّةِ - يَعْنِي : مِنَ الْخَيْمَةِ - حَتَّى هَبَطَ
الْعَمَالِيقُ وَالْكَنْعَانِيُّونَ فِي ذَلِكَ الْحَائِطِ ، فَحَرَقُوهُمْ وَطَرَدُوهُمْ وَقَتَلُوهُمْ . فَتَيَّهَهُمُ اللَّهُ عَزَّ ذِكْرُهُ فِي التِّيهِ أَرْبَعِينَ سَنَةً بِالْمَعْصِيَةِ ، حَتَّى هَلَكَ مَنْ كَانَ اسْتَوْجَبَ الْمَعْصِيَةَ مِنَ اللَّهِ فِي ذَلِكَ . قَالَ : فَلَمَّا شَبَّ النَّوَاشِئُ مِنْ ذَرَارِيهِمْ وَهَلَكَ آبَاؤُهُمْ ، وَانْقَضَتِ الْأَرْبَعُونَ سَنَةً الَّتِي تُيِّهُوا فِيهَا ، وَسَارَ بِهِمْ
مُوسَى وَمَعَهُ
يُوشَعُ بْنُ نُونٍ وَكَالِبُ بْنُ يُوفَنَّا ، وَكَانَ - فِيمَا يَزْعُمُونَ - عَلَى
مَرْيَمَ ابْنَةِ عِمْرَانَ أُخْتِ
مُوسَى وَهَارُونَ ، وَكَانَ لَهُمَا صِهْرًا ، قَدِمَ
يُوشَعُ بْنُ نُونٍ إِلَى
أَرِيحَا ، فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَدَخَلَهَا بِهِمْ ، وَقَتَلَ بِهَا الْجَبَابِرَةَ الَّذِينَ
[ ص: 198 ] كَانُوا فِيهَا ، ثُمَّ دَخَلَهَا
مُوسَى بِبَنِي إِسْرَائِيلَ ، فَأَقَامَ فِيهَا مَا شَاءَ اللَّهُ أَنْ يُقِيمَ ، ثُمَّ قَبَضَهُ اللَّهُ إِلَيْهِ ، لَا يَعْلَمُ قَبْرَهُ أَحَدٌ مِنَ الْخَلَائِقِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى الْقَوْلَيْنِ فِي ذَلِكَ عِنْدِي بِالصَّوَابِ قَوْلُ مَنْ قَالَ : إِنَّ"الْأَرْبَعِينَ" مَنْصُوبَةٌ بِ"التَّحْرِيمِ" ، وَإِنَّ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=26مُحَرَّمَةٌ عَلَيْهِمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً " مَعْنِيٌّ بِهِ جَمِيعُ قَوْمِ
مُوسَى ، لَا بَعْضٌ دُونِ بَعْضٍ مِنْهُمْ . لِأَنَّ اللَّهَ عَزَّ ذِكْرُهُ عَمَّ بِذَلِكَ الْقَوْمَ ، وَلَمْ يُخَصِّصْ مِنْهُمْ بَعْضًا دُونَ بَعْضٍ . وَقَدْ وَفَّى اللَّهُ جَلَّ ثَنَاؤُهُ بِمَا وَعَدَهُمْ بِهِ مِنَ الْعُقُوبَةِ ، فَتَيَّهَهُمْ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، وَحَرَّمَ عَلَى جَمِيعِهِمْ ، فِي الْأَرْبَعِينَ سَنَةً الَّتِي مَكَثُوا فِيهَا تَائِهِينَ دُخُولَ الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ ، فَلَمْ يَدْخُلْهَا مِنْهُمْ أَحَدٌ ، لَا صَغِيرٌ وَلَا كَبِيرٌ ، وَلَا صَالِحٌ وَلَا طَالِحٌ ، حَتَّى انْقَضَتِ السُّنُونَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِمْ فِيهَا دُخُولَهَا . ثُمَّ أُذِنَ لِمَنْ بَقِيَ مِنْهُمْ وَذَرَارِيهِمْ بِدُخُولِهَا مَعَ نَبِيِّ اللَّهِ
مُوسَى وَالرَّجُلَيْنِ اللَّذَيْنِ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمَا ، وَافْتَتَحَ قَرْيَةَ الْجَبَّارِينَ ، إِنْ شَاءَ اللَّهُ ، نَبِيُّ اللَّهِ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَعَلَى مُقَدِّمَتِهِ
يُوشَعُ ، وَذَلِكَ لِإِجْمَاعِ أَهْلِ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ أَنَّ
عَوْجَ بْنَ عَنَاقٍ قَتَلَهُ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ . فَلَوْ كَانَ قَتْلُهُ إِيَّاهُ قَبْلَ مَصِيرِهِ فِي التِّيهِ ، وَهُوَ مِنْ أَعْظَمِ الْجَبَّارِينَ خَلْقًا ، لَمْ تَكُنْ بَنُو إِسْرَائِيلَ تَجْزَعُ مِنَ الْجَبَّارِينَ الْجَزَعَ الَّذِي ظَهَرَ مِنْهَا . وَلَكِنَّ ذَلِكَ كَانَ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - بَعْدَ فَنَاءِ الْأُمَّةِ الَّتِي جَزِعَتْ وَعَصَتْ رَبَّهَا ، وَأَبَتِ الدُّخُولَ عَلَى الْجَبَّارِينَ مَدِينَتَهُمْ .
وَبَعْدُ : فَإِنَّ أَهْلَ الْعِلْمِ بِأَخْبَارِ الْأَوَّلِينَ مُجْمِعُونَ عَلَى أَنَّ
بُلْعُمَ بْنَ بَاعُورَ ، كَانَ مِمَّنْ أَعَانَ الْجَبَّارِينَ بِالدُّعَاءِ عَلَى
مُوسَى . وَمُحَالٌ أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ كَانَ وَقَوْمُ
مُوسَى مُمْتَنِعُونَ مِنْ حَرْبِهِمْ وَجِهَادِهِمْ ، لِأَنَّ الْمَعُونَةَ إِنَّمَا يَحْتَاجُ إِلَيْهَا مَنْ كَانَ مَطْلُوبًا ، فَأَمَّا وَلَا طَالِبَ ، فَلَا وَجْهَ لِلْحَاجَةِ إِلَيْهَا .
[ ص: 199 ]
11698 - حَدَّثَنَا
ابْنُ بَشَّارٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
مُؤَمَّلٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
سُفْيَانُ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
نَوْفٍ قَالَ : كَانَ سَرِيرُ
عَوْجٍ ثَمَانِمِائَةِ ذِرَاعٍ ، وَكَانَ طُولُ
مُوسَى عَشَرَةَ أَذْرُعِ ، وَعَصَاهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، وَوَثَبَ فِي السَّمَاءِ عَشَرَةَ أَذْرُعِ ، فَضَرَبَ
عَوْجًا فَأَصَابَ كَعْبَهُ ، فَسَقَطَ مَيِّتًا ، فَكَانَ جِسْرًا لِلنَّاسِ يَمُرُّونَ عَلَيْهِ .
11699 - حَدَّثَنَا
أَبُو كُرَيْبٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ عَطِيَّةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
قَيْسٌ ، عَنْ
أَبِي إِسْحَاقَ ، عَنْ
سَعِيدِ بْنِ جُبَيْرٍ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ : كَانَتْ
nindex.php?page=treesubj&link=31907عَصَا مُوسَى عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، وَوَثْبَتُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، وَطُولُهُ عَشَرَةَ أَذْرُعٍ ، فَوَثَبَ فَأَصَابَ كَعْبَ
عَوْجٍ فَقَتَلَهُ ، فَكَانَ جِسْرًا لِأَهْلِ النِّيلِ سَنَةً .
وَمَعْنَى : "يَتِيهُونَ فِي الْأَرْضِ " ، يَحَارُونَ فِيهَا وَيَضِلُّونَ وَمِنْ ذَلِكَ قِيلَ لِلرَّجُلِ الضَّالِّ عَنْ سَبِيلِ الْحَقِّ : "تَائِهٌ" . وَكَانَ تِيهُهُمْ ذَلِكَ : أَنَّهُمْ كَانُوا يُصْبِحُونَ أَرْبَعِينَ سَنَةً كُلَّ يَوْمٍ جَادِّينَ فِي قَدْرِ سِتَّةِ فَرَاسِخَ لِلْخُرُوجِ مِنْهُ ، فَيُمْسُونَ فِي الْمَوْضِعِ الَّذِي ابْتَدَءُوا السَّيْرَ مِنْهُ .
11700 - حَدَّثَنِي بِذَلِكَ
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ اللَّهِ بْنُ أَبِي جَعْفَرٍ ، عَنْ
أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ .
11701 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
[ ص: 200 ] عِيسَى ، عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ ، عَنْ
مُجَاهِدٍ قَالَ : تَاهَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَرْبَعِينَ سَنَةً ، يُصْبِحُونَ حَيْثُ أَمْسَوْا ، وَيُمْسُونَ حَيْثُ أَصْبَحُوا فِي تِيهِهِمْ .