القول في تأويل قوله تعالى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير ( 103 ) )
قال
أبو جعفر : اختلف أهل التأويل في
nindex.php?page=treesubj&link=28977_29718_28781تأويل قوله : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " .
فقال بعضهم : معناه لا تحيط به الأبصار ، وهو يحيط بها .
ذكر من قال ذلك :
13694 - حدثني
محمد بن سعد قال : حدثني أبي قال : حدثني عمي قال : حدثني أبي ، عن أبيه ، عن
ابن عباس قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " ، يقول : لا يحيط بصر أحد بالملك .
13695 - حدثنا
بشر قال : حدثنا
يزيد قال : حدثنا
سعيد ، عن
قتادة قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " ، وهو أعظم من أن تدركه الأبصار .
13696 - حدثني
سعد بن عبد الله بن عبد الحكم قال : حدثنا
خالد بن عبد الرحمن قال : حدثنا
أبو عرفجة ، عن
عطية العوفي في قوله :
[ ص: 14 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) [ سورة القيامة : 22 - 23 ] ، قال : هم ينظرون إلى الله ، لا تحيط أبصارهم به من عظمته ، وبصره يحيط بهم ، فذلك قوله : " لا تدركه الأبصار " ، الآية .
قال
أبو جعفر : واعتل قائلو هذه المقالة لقولهم هذا ، بأن قالوا : إن الله قال : "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90حتى إذا أدركه الغرق قال آمنت " ، [ يونس 90 ] قالوا : فوصف الله تعالى ذكره الغرق بأنه أدرك
فرعون ، ولا شك أن الغرق غير موصوف بأنه رآه ، ولا هو مما يجوز وصفه بأنه يرى شيئا . قالوا : فمعنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار " بمعنى : لا تراه ، بعيد . لأن الشيء قد يدرك الشيء ولا يراه ، كما قال جل ثناؤه مخبرا عن قيل أصحاب
موسى صلى الله عليه وسلم
لموسى حين قرب منهم أصحاب فرعون : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61فلما تراءى الجمعان قال أصحاب موسى إنا لمدركون ) ، [ سورة الشعراء : 61 ] ؛ لأن الله قد كان وعد نبيه
موسى صلى الله عليه وسلم أنهم لا يدركون ، لقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77ولقد أوحينا إلى موسى أن أسر بعبادي فاضرب لهم طريقا في البحر يبسا لا تخاف دركا ولا تخشى ) ، [ سورة طه : 77 ] .
قالوا : فإن كان الشيء قد يرى الشيء ولا يدركه ، ويدركه ولا يراه ، فكان معلوما بذلك أن قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار " ، من معنى : لا تراه الأبصار ،
[ ص: 15 ] بمعزل وأن معنى ذلك : لا تحيط به الأبصار ؛ لأن الإحاطة به غير جائزة .
قالوا : فالمؤمنون
nindex.php?page=treesubj&link=28725وأهل الجنة يرون ربهم بأبصارهم ، ولا تدركه أبصارهم ، بمعنى : أنها لا تحيط به ؛ إذ كان غير جائز أن يوصف الله بأن شيئا يحيط به .
قالوا : ونظير جواز وصفه بأنه يرى ولا يدرك ، جواز وصفه بأنه يعلم ولا يحاط بعلمه ، وكما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255ولا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء ) [ سورة البقرة : 255 ] . قالوا : فنفى جل ثناؤه عن خلقه أن يكونوا يحيطون بشيء من علمه إلا بما شاء . قالوا : ومعنى " العلم " في هذا الموضع ، المعلوم . قالوا : فلم يكن في نفيه عن خلقه أن يحيطوا بشيء من علمه إلا بما شاء ، نفي عن أن يعلموه . قالوا : فإذا لم يكن في نفي الإحاطة بالشيء علما نفي للعلم به ، كان كذلك ، لم يكن في نفي إدراك الله عن البصر ، نفي رؤيته له . قالوا : وكما جاز أن يعلم الخلق أشياء ولا يحيطون بها علما ، كذلك جائز أن يروا ربهم بأبصارهم ولا يدركوه بأبصارهم ، إذ كان معنى " الرؤية " غير معنى " الإدراك " ، ومعنى " الإدراك " غير معنى " الرؤية " ، وأن معنى " الإدراك " ، إنما هو الإحاطة ، كما قال
ابن عباس في الخبر الذي ذكرناه قبل .
قالوا : فإن قال لنا قائل : وما أنكرتم أن يكون معنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار " ، لا تراه الأبصار ؟
قلنا له : أنكرنا ذلك ؛ لأن الله جل ثناؤه أخبر في كتابه أن وجوها في القيامة إليه ناظرة ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811486وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم أخبر أمته أنهم سيرون ربهم يوم القيامة ، كما يرى القمر ليلة البدر ، وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب . قالوا : فإذ كان الله قد أخبر في كتابه بما أخبر ، وحققت أخبار رسول الله صلى الله عليه
[ ص: 16 ] وسلم بما ذكرنا عنه من قيله صلى الله عليه وسلم : إن تأويل قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) [ سورة القيامة : 22 - 23 ] ، أنه نظر أبصار العيون لله جل جلاله ، وكان كتاب الله يصدق بعضه بعضا ، وكان مع ذلك غير جائز أن يكون أحد هذين الخبرين ناسخا للآخر ، إذ كان غير جائز في الأخبار لما قد بينا في كتابنا : " كتاب لطيف البيان ، عن أصول الأحكام " ، وغيره علم أن معنى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار " ، غير معنى قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ، فإن أهل الجنة ينظرون بأبصارهم يوم القيامة إلى الله ، ولا يدركونه بها ، تصديقا لله في كلا الخبرين ، وتسليما لما جاء به تنزيله على ما جاء به في السورتين .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تراه الأبصار ، وهو يرى الأبصار .
ذكر من قال ذلك :
13697 - حدثنا
محمد بن الحسين قال : حدثنا
أحمد بن المفضل قال : حدثنا
أسباط ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=14468السدي : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار " ، لا يراه شيء ، وهو يرى الخلائق .
13698 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
عامر ، عن
مسروق ، عن
عائشة قالت : من حدثك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم رأى ربه فقد كذب! "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=51وما كان لبشر أن يكلمه الله إلا وحيا أو من وراء حجاب ) ، [ سورة الشورى : 51 ] ، ولكن قد رأى
جبريل في صورته مرتين .
[ ص: 17 ]
13699 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
إسماعيل بن أبي خالد ، عن
عامر ، عن
مسروق قال : قلت
nindex.php?page=showalam&ids=25لعائشة : يا أم المؤمنين ، هل رأى
محمد ربه ؟ فقالت : سبحان الله ، لقد قف شعري مما قلت ! ثم قرأت : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار وهو اللطيف الخبير " .
13700 - حدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا
عبد الأعلى nindex.php?page=showalam&ids=13382وابن علية ، عن
داود ، عن
الشعبي ، عن
مسروق ، عن
عائشة بنحوه .
13701 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
جرير ، عن
مغيرة ، عن
الشعبي قال : قالت
عائشة : من قال إن أحدا رأى ربه فقد أعظم الفرية على الله! قال الله : " لا تدركه الأبصار وهو يدرك الأبصار " .
فقال قائلو هذه المقالة : معنى " الإدراك " في هذا الموضع ، الرؤية وأنكروا أن يكون الله يرى بالأبصار في الدنيا والآخرة وتأولوا قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) ، بمعنى انتظارها رحمة الله وثوابه .
قال
أبو جعفر : وتأول بعضهم في الأخبار التي رويت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بتصحيح القول برؤية أهل الجنة ربهم يوم القيامة تأويلات ، وأنكر بعضهم مجيئها ، ودافعوا أن يكون ذلك من قول رسول الله صلى الله عليه وسلم ، وردوا القول فيه إلى عقولهم ، فزعموا أن عقولهم تحيل جواز الرؤية على الله عز وجل بالأبصار ، وأتوا في ذلك بضروب من التمويهات ، وأكثروا القول فيه من جهة الاستخراجات .
[ ص: 18 ]
وكان من أجل ما زعموا أنهم علموا به صحة قولهم ذلك من الدليل ، أنهم لم يجدوا أبصارهم ترى شيئا إلا ما باينها دون ما لاصقها ، فإنها لا ترى ما لاصقها . قالوا : فما كان للأبصار مباينا مما عاينته ، فإن بينه وبينها فضاء وفرجة . قالوا : فإن كانت الأبصار ترى ربها يوم القيامة على نحو ما ترى الأشخاص اليوم ، فقد وجب أن يكون الصانع محدودا . قالوا : ومن وصفه بذلك ، فقد وصفه بصفات الأجسام التي يجوز عليها الزيادة والنقصان .
قالوا : وأخرى ، أن من شأن الأبصار أن تدرك الألوان ، كما من شأن الأسماع أن تدرك الأصوات ، ومن شأن المتنسم أن يدرك الأعراف . قالوا : فمن الوجه الذي فسد أن يكون جائزا أن يقضى للسمع بغير إدراك الأصوات ، وللمتنسم إلا بإدراك الأعراف ، فسد أن يكون جائزا القضاء للبصر إلا بإدراك الألوان . قالوا : ولما كان غير جائز أن يكون الله تعالى ذكره موصوفا بأنه ذو لون ، صح أنه غير جائز أن يكون موصوفا بأنه مرئي .
وقال آخرون : معنى ذلك : لا تدركه أبصار الخلائق في الدنيا ، وأما في الآخرة فإنها تدركه . وقال أهل هذه المقالة : " الإدراك " في هذا الموضع الرؤية .
واعتل أهل هذه المقالة لقولهم هذا بأن قالوا : " الإدراك " ، وإن كان قد يكون في بعض الأحوال بغير معنى الرؤية ، فإن الرؤية من أحد معانيه . وذلك أنه غير جائز أن يلحق بصره شيئا فيراه ، وهو لما أبصره وعاينه غير مدرك ، وإن لم يحط بأجزائه كلها رؤية . قالوا : فرؤية ما عاينه الرائي إدراك له ، دون ما لم
[ ص: 19 ] يره . قالوا : وقد أخبر الله أن وجوها يوم القيامة إليه ناظرة . قالوا ، فمحال أن تكون إليه ناظرة وهي له غير مدركة رؤية . قالوا : وإذا كان ذلك كذلك ، وكان غير جائز أن يكون في أخبار الله تضاد وتعارض ، وجب وصح أن قوله : " لا تدركه الأبصار " ، على الخصوص لا على العموم ، وأن معناه : لا تدركه الأبصار في الدنيا ، وهو يدرك الأبصار في الدنيا والآخرة ، إذ كان الله قد استثنى ما استثنى منه بقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وجوه يومئذ ناضرة إلى ربها ناظرة ) .
وقال آخرون من أهل هذه المقالة : الآية على الخصوص ، إلا أنه جائز أن يكون معنى الآية : لا تدركه أبصار الظالمين في الدنيا والآخرة ، وتدركه أبصار المؤمنين وأولياء الله . قالوا : وجائز أن يكون معناها : لا تدركه الأبصار بالنهاية والإحاطة ، وأما بالرؤية فبلى . قالوا : وجائز أن يكون معناها : لا تدركه الأبصار في الدنيا وتدركه في الآخرة وجائز أن يكون معناها : لا تدركه أبصار من يراه بالمعنى الذي يدرك به القديم أبصار خلقه فيكون الذي نفى عن خلقه من إدراك أبصارهم إياه ، هو الذي أثبته لنفسه ؛ إذ كانت أبصارهم ضعيفة لا تنفذ إلا فيما قواها جل ثناؤه على النفوذ فيه ، وكانت كلها متجلية لبصره لا يخفى عليه منها شيء . قالوا : ولا شك في خصوص قوله : " لا تدركه الأبصار " ، وأن أولياء الله سيرونه يوم القيامة بأبصارهم ، غير أنا لا ندري أي معاني الخصوص الأربعة أريد بالآية . واعتلوا لتصحيح القول بأن الله يرى في الآخرة ، بنحو علل الذين ذكرنا قبل .
وقال آخرون : الآية على العموم ، ولن يدرك الله بصر أحد في الدنيا والآخرة; ولكن الله يحدث لأوليائه يوم القيامة حاسة سادسة سوى حواسهم الخمس ، فيرونه بها .
[ ص: 20 ]
واعتلوا لقولهم هذا بأن الله تعالى ذكره نفى عن الأبصار أن تدركه ، من غير أن يدل فيها أو بآية غيرها على خصوصها . قالوا : وكذلك أخبر في آية أخرى أن وجوها إليه يوم القيامة ناظرة . قالوا : فأخبار الله لا تتنافى ولا تتعارض ، وكلا الخبرين صحيح معناه على ما جاء به التنزيل . واعتلوا أيضا من جهة العقل بأن قالوا : إن كان جائزا أن نراه في الآخرة بأبصارنا هذه وإن زيد في قواها ، وجب أن نراه في الدنيا وإن ضعفت ؛ لأن كل حاسة خلقت لإدراك معنى من المعاني ، فهي وإن ضعفت كل الضعف ، فقد تدرك مع ضعفها ما خلقت لإدراكه وإن ضعف إدراكها إياه ، ما لم تعدم . قالوا : فلو كان في البصر أن يدرك صانعه في حال من الأحوال أو وقت من الأوقات ويراه ، وجب أن يكون يدركه في الدنيا ويراه فيها وإن ضعف إدراكه إياه . قالوا : فلما كان ذلك غير موجود من أبصارنا في الدنيا ، كان غير جائز أن تكون في الآخرة إلا بهيئتها في الدنيا في أنها لا تدرك إلا ما كان من شأنها إدراكه في الدنيا . قالوا : فلما كان ذلك كذلك ، وكان الله تعالى ذكره قد أخبر أن وجوها في الآخرة تراه ، علم أنها تراه بغير حاسة البصر ، إذ كان غير جائز أن يكون خبره إلا حقا .
قال
أبو جعفر : والصواب من القول في ذلك عندنا ، ما تظاهرت به الأخبار
nindex.php?page=hadith&LINKID=810504عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " إنكم سترون ربكم يوم القيامة كما ترون القمر ليلة البدر " " وكما ترون الشمس ليس دونها سحاب " ، فالمؤمنون يرونه ، والكافرون عنه يومئذ محجوبون ، كما قال جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كلا إنهم عن ربهم يومئذ لمحجوبون ) [ سورة المطففين : 15 ] .
فأما ما اعتل به منكرو رؤية الله يوم القيامة بالأبصار ، لما كانت لا ترى إلا ما باينها ، وكان بينها وبينه فضاء وفرجة ، وكان ذلك عندهم غير جائز أن تكون
[ ص: 21 ] رؤية الله بالأبصار كذلك ؛ لأن في ذلك إثبات حد له ونهاية ، فبطل عندهم لذلك جواز الرؤية عليه فإنه يقال لهم : هل علمتم موصوفا بالتدبير سوى صانعكم ، إلا مماسا لكم أو مباينا ؟
فإن زعموا أنهم يعلمون ذلك ، كلفوا تبيينه ، ولا سبيل إلى ذلك .
وإن قالوا : لا نعلم ذلك .
قيل لهم : أوليس قد علمتموه لا مماسا لكم ولا مباينا ، وهو موصوف بالتدبير والفعل ، ولم يجب عندكم إذ كنتم لم تعلموا موصوفا بالتدبير والفعل غيره إلا مماسا لكم أو مباينا ، أن يكون مستحيلا العلم به ، وهو موصوف بالتدبير والفعل ، لا مماس ولا مباين ؟
فإن قالوا : ذلك كذلك .
قيل لهم : فما تنكرون أن تكون الأبصار كذلك لا ترى إلا ما باينها وكانت بينه وبينها فرجة ، قد تراه وهو غير مباين لها ولا فرجة بينها وبينه ولا فضاء ، كما لا تعلم القلوب موصوفا بالتدبير إلا مماسا لها أو مباينا ، وقد علمته عندكم لا كذلك ؟ وهل بينكم وبين من أنكر أن يكون موصوفا بالتدبير والفعل معلوما ، لا مماسا للعالم به أو مباينا وأجاز أن يكون موصوفا برؤية الأبصار ، لا مماسا لها ولا مباينا ، فرق ؟
ثم يسألون الفرق بين ذلك ، فلن يقولوا في شيء من ذلك قولا إلا ألزموا في الآخر مثله .
وكذلك يسألون فيما اعتلوا به في ذلك : أن من شأن الأبصار إدراك الألوان ، كما أن من شأن الأسماع إدراك الأصوات ، ومن شأن المتنسم درك الأعراف ، فمن الوجه الذي فسد أن يقضى للسمع بغير درك الأصوات ، فسد أن يقضى للأبصار لغير درك الألوان .
[ ص: 22 ]
فيقال لهم : ألستم لم تعلموا فيما شاهدتم وعاينتم ، موصوفا بالتدبير والفعل إلا ذا لون ، وقد علمتموه موصوفا بالتدبير لا ذا لون ؟
فإن قالوا : " نعم " لا يجدون من الإقرار بذلك بدا ، إلا أن يكذبوا فيزعموا أنهم قد رأوا وعاينوا موصوفا بالتدبير والفعل غير ذي لون ، فيكلفون بيان ذلك ، ولا سبيل إليه .
فيقال لهم : فإذ كان ذلك كذلك ، فما أنكرتم أن تكون الأبصار فيما شاهدتم وعاينتم لم تجدوها تدرك إلا الألوان ، كما لم تجدوا أنفسكم تعلم موصوفا بالتدبير إلا ذا لون ، وقد وجدتموها علمته موصوفا بالتدبير غير ذي لون . ثم يسألون الفرق بين ذلك ، فلن يقولوا في أحدهما شيئا إلا ألزموا في الآخر مثله .
ولأهل هذه المقالة مسائل فيها تلبيس ، كرهنا ذكرها وإطالة الكتاب بها وبالجواب عنها ، إذ لم يكن قصدنا في كتابنا هذا قصد الكشف عن تمويهاتهم ، بل قصدنا فيه البيان عن تأويل آي الفرقان . ولكنا ذكرنا القدر الذي ذكرنا ؛ ليعلم الناظر في كتابنا هذا أنهم لا يرجعون من قولهم إلا إلى ما لبس عليهم الشيطان ، مما يسهل على أهل الحق البيان عن فساده ، وأنهم لا يرجعون في قولهم إلى آية من التنزيل محكمة ، ولا رواية عن رسول الله صلى الله عليه وسلم صحيحة ولا سقيمة ، فهم في الظلمات يخبطون ، وفي العمياء يترددون ، نعوذ بالله من الحيرة والضلالة .
وأما قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103وهو اللطيف الخبير " ، فإنه يقول : والله تعالى ذكره المتيسر له من إدراك الأبصار ، والمتأتي له من الإحاطة بها رؤية ما يعسر على الأبصار من إدراكها إياه وإحاطتها به ويتعذر عليها ، " الخبير " ، يقول : العليم بخلقه
[ ص: 23 ] وأبصارهم ، والسبب الذي له تعذر عليها إدراكه ، فلطف بقدرته فهيأ أبصار خلقه هيئة لا تدركه ، وخبر بعلمه كيف تدبيرها وشئونها وما هو أصلح بخلقه ، كالذي :
13702 - حدثنا
هناد قال : حدثنا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وكيع وحدثنا
ابن وكيع قال : حدثنا أبي ، عن
nindex.php?page=showalam&ids=11960أبي جعفر الرازي ، عن
الربيع بن أنس ، عن
أبي العالية في قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103اللطيف الخبير " ، قال : " اللطيف " باستخراجها " الخبير " ، بمكانها .
الْقَوْلُ فِي تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ ( 103 ) )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : اخْتَلَفَ أَهْلُ التَّأْوِيلِ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28977_29718_28781تَأْوِيلِ قَوْلِهِ : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " .
فَقَالَ بَعْضُهُمْ : مَعْنَاهُ لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ ، وَهُوَ يُحِيطُ بِهَا .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
13694 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي قَالَ : حَدَّثَنِي عَمِّي قَالَ : حَدَّثَنِي أَبِي ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
ابْنِ عَبَّاسٍ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " ، يَقُولُ : لَا يُحِيطُ بَصَرُ أَحَدٍ بِالْمَلِكِ .
13695 - حَدَّثَنَا
بِشْرٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
يَزِيدُ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَعِيدٌ ، عَنْ
قَتَادَةَ قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " ، وَهُوَ أَعْظَمُ مِنْ أَنْ تُدْرِكَهُ الْأَبْصَارُ .
13696 - حَدَّثَنِي
سَعْدُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَبْدِ الْحَكَمِ قَالَ : حَدَّثَنَا
خَالِدُ بْنُ عَبْدِ الرَّحْمَنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَرْفَجَةَ ، عَنْ
عَطِيَّةَ الْعَوْفِيِّ فِي قَوْلِهِ :
[ ص: 14 ] (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [ سُورَةُ الْقِيَامَةِ : 22 - 23 ] ، قَالَ : هُمْ يَنْظُرُونَ إِلَى اللَّهِ ، لَا تُحِيطُ أَبْصَارُهُمْ بِهِ مِنْ عَظَمَتِهِ ، وَبَصَرُهُ يُحِيطُ بِهِمْ ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، الْآيَةَ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَاعْتَلَّ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا ، بِأَنْ قَالُوا : إِنَّ اللَّهَ قَالَ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=10&ayano=90حَتَّى إِذَا أَدْرَكَهُ الْغَرَقُ قَالَ آمَنْتُ " ، [ يُونُسَ 90 ] قَالُوا : فَوَصَفَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْغَرَقَ بِأَنَّهُ أَدْرَكَ
فِرْعَوْنَ ، وَلَا شَكَّ أَنَّ الْغَرَقَ غَيْرُ مَوْصُوفٍ بِأَنَّهُ رَآهُ ، وَلَا هُوَ مِمَّا يَجُوزُ وَصْفُهُ بِأَنَّهُ يَرَى شَيْئًا . قَالُوا : فَمَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " بِمَعْنَى : لَا تَرَاهُ ، بَعِيدٌ . لِأَنَّ الشَّيْءَ قَدْ يُدْرِكُ الشَّيْءَ وَلَا يَرَاهُ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ مُخْبِرًا عَنْ قِيلِ أَصْحَابِ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ
لِمُوسَى حِينَ قَرُبَ مِنْهُمْ أَصْحَابُ فِرْعَوْنَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=61فَلَمَّا تَرَاءَى الْجَمْعَانِ قَالَ أَصْحَابُ مُوسَى إِنَّا لَمُدْرَكُونَ ) ، [ سُورَةُ الشُّعَرَاءِ : 61 ] ؛ لِأَنَّ اللَّهَ قَدْ كَانَ وَعَدَ نَبِيَّهُ
مُوسَى صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُمْ لَا يُدْرَكُونَ ، لِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=20&ayano=77وَلَقَدْ أَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنْ أَسْرِ بِعِبَادِي فَاضْرِبْ لَهُمْ طَرِيقًا فِي الْبَحْرِ يَبَسًا لَا تَخَافُ دَرَكًا وَلَا تَخْشَى ) ، [ سُورَةُ طه : 77 ] .
قَالُوا : فَإِنْ كَانَ الشَّيْءُ قَدْ يَرَى الشَّيْءَ وَلَا يُدْرِكُهُ ، وَيُدْرِكُهُ وَلَا يَرَاهُ ، فَكَانَ مَعْلُومًا بِذَلِكَ أَنَّ قَوْلَهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، مِنْ مَعْنَى : لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ ،
[ ص: 15 ] بِمَعْزِلٍ وَأَنَّ مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُحِيطُ بِهِ الْأَبْصَارُ ؛ لِأَنَّ الْإِحَاطَةَ بِهِ غَيْرُ جَائِزَةٍ .
قَالُوا : فَالْمُؤْمِنُونَ
nindex.php?page=treesubj&link=28725وَأَهْلُ الْجَنَّةِ يَرَوْنَ رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ ، وَلَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُهُمْ ، بِمَعْنَى : أَنَّهَا لَا تُحِيطُ بِهِ ؛ إِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يُوصَفَ اللَّهُ بِأَنَّ شَيْئًا يُحِيطُ بِهِ .
قَالُوا : وَنَظِيرُ جَوَازِ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ يُرَى وَلَا يُدْرَكُ ، جَوَازُ وَصْفِهِ بِأَنَّهُ يَعْلَمُ وَلَا يُحَاطُ بِعِلْمِهِ ، وَكَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=255وَلَا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ) [ سُورَةُ الْبَقَرَةِ : 255 ] . قَالُوا : فَنَفَى جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَنْ خَلْقِهِ أَنْ يَكُونُوا يُحِيطُونَ بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ . قَالُوا : وَمَعْنَى " الْعِلْمِ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، الْمَعْلُومُ . قَالُوا : فَلَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِهِ عَنْ خَلْقِهِ أَنْ يُحِيطُوا بِشَيْءٍ مِنْ عِلْمِهِ إِلَّا بِمَا شَاءَ ، نَفْيٌ عَنْ أَنْ يَعْلَمُوهُ . قَالُوا : فَإِذَا لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ الْإِحَاطَةِ بِالشَّيْءِ عِلْمًا نَفْيٌ لِلْعِلْمِ بِهِ ، كَانَ كَذَلِكَ ، لَمْ يَكُنْ فِي نَفْيِ إِدْرَاكِ اللَّهِ عَنِ الْبَصَرِ ، نَفْيُ رُؤْيَتِهِ لَهُ . قَالُوا : وَكَمَا جَازَ أَنْ يَعْلَمَ الْخَلْقُ أَشْيَاءَ وَلَا يُحِيطُونَ بِهَا عِلْمًا ، كَذَلِكَ جَائِزٌ أَنْ يَرَوْا رَبَّهُمْ بِأَبْصَارِهِمْ وَلَا يُدْرِكُوهُ بِأَبْصَارِهِمْ ، إِذْ كَانَ مَعْنَى " الرُّؤْيَةِ " غَيْرَ مَعْنَى " الْإِدْرَاكِ " ، وَمَعْنَى " الْإِدْرَاكِ " غَيْرَ مَعْنَى " الرُّؤْيَةِ " ، وَأَنَّ مَعْنَى " الْإِدْرَاكِ " ، إِنَّمَا هُوَ الْإِحَاطَةُ ، كَمَا قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ فِي الْخَبَرِ الَّذِي ذَكَرْنَاهُ قَبْلُ .
قَالُوا : فَإِنْ قَالَ لَنَا قَائِلٌ : وَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ ؟
قُلْنَا لَهُ : أَنْكَرْنَا ذَلِكَ ؛ لِأَنَّ اللَّهَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ أَنَّ وُجُوهًا فِي الْقِيَامَةِ إِلَيْهِ نَاظِرَةٌ ،
nindex.php?page=hadith&LINKID=811486وَأَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَخْبَرَ أُمَّتَهُ أَنَّهُمْ سَيَرَوْنَ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ، كَمَا يُرَى الْقَمَرُ لَيْلَةَ الْبَدْرِ ، وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ . قَالُوا : فَإِذْ كَانَ اللَّهُ قَدْ أَخْبَرَ فِي كِتَابِهِ بِمَا أَخْبَرَ ، وَحَقَّقَتْ أَخْبَارُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ
[ ص: 16 ] وَسُلَّمَ بِمَا ذَكَرْنَا عَنْهُ مِنْ قِيلِهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ : إِنَّ تَأْوِيلَ قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) [ سُورَةُ الْقِيَامَةِ : 22 - 23 ] ، أَنَّهُ نَظَرُ أَبْصَارِ الْعُيُونِ لِلَّهِ جَلَّ جَلَالُهُ ، وَكَانَ كِتَابُ اللَّهِ يُصَدِّقُ بَعْضُهُ بَعْضًا ، وَكَانَ مَعَ ذَلِكَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ أَحَدُ هَذَيْنِ الْخَبَرَيْنِ نَاسِخًا لِلْآخَرِ ، إِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ فِي الْأَخْبَارِ لِمَا قَدْ بَيَّنَّا فِي كِتَابِنَا : " كِتَابِ لَطِيفِ الْبَيَانِ ، عَنْ أُصُولِ الْأَحْكَامِ " ، وَغَيْرِهِ عُلِمَ أَنَّ مَعْنَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، غَيْرُ مَعْنَى قَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، فَإِنَّ أَهْلَ الْجَنَّةِ يَنْظُرُونَ بِأَبْصَارِهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَى اللَّهِ ، وَلَا يُدْرِكُونَهُ بِهَا ، تَصْدِيقًا لِلَّهِ فِي كِلَا الْخَبَرَيْنِ ، وَتَسْلِيمًا لِمَا جَاءَ بِهِ تَنْزِيلُهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ فِي السُّورَتَيْنِ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تَرَاهُ الْأَبْصَارُ ، وَهُوَ يَرَى الْأَبْصَارَ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
13697 - حَدَّثَنَا
مُحَمَّدُ بْنُ الْحُسَيْنِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَحْمَدُ بْنُ الْمُفَضَّلِ قَالَ : حَدَّثَنَا
أَسْبَاطٌ ، عَنِ
nindex.php?page=showalam&ids=14468السُّدِّيِّ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، لَا يَرَاهُ شَيْءٌ ، وَهُوَ يَرَى الْخَلَائِقَ .
13698 - حَدَّثَنَا
هَنَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ
عَامِرٍ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ ، عَنْ
عَائِشَةَ قَالَتْ : مَنْ حَدَّثَكَ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ كَذَبَ! "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=42&ayano=51وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ) ، [ سُورَةُ الشُّورَى : 51 ] ، وَلَكِنْ قَدْ رَأَى
جِبْرِيلَ فِي صُورَتِهِ مَرَّتَيْنِ .
[ ص: 17 ]
13699 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
إِسْمَاعِيلَ بْنِ أَبِي خَالِدٍ ، عَنْ
عَامِرٍ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ قَالَ : قُلْتُ
nindex.php?page=showalam&ids=25لِعَائِشَةَ : يَا أُمَّ الْمُؤْمِنِينَ ، هَلْ رَأَى
مُحَمَّدٌ رَبَّهُ ؟ فَقَالَتْ : سُبْحَانَ اللَّهِ ، لَقَدْ قَفَّ شَعْرِي مِمَّا قُلْتَ ! ثُمَّ قَرَأَتْ : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " .
13700 - حَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عَبْدُ الْأَعْلَى nindex.php?page=showalam&ids=13382وَابْنُ عُلَيَّةَ ، عَنْ
دَاوُدَ ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ ، عَنْ
مَسْرُوقٍ ، عَنْ
عَائِشَةَ بِنَحْوِهِ .
13701 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
جَرِيرٌ ، عَنْ
مُغِيرَةَ ، عَنِ
الشَّعْبِيِّ قَالَ : قَالَتْ
عَائِشَةُ : مَنْ قَالَ إِنَّ أَحَدًا رَأَى رَبَّهُ فَقَدْ أَعْظَمَ الْفِرْيَةَ عَلَى اللَّهِ! قَالَ اللَّهُ : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ " .
فَقَالَ قَائِلُو هَذِهِ الْمَقَالَةِ : مَعْنَى " الْإِدْرَاكُ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ ، الرُّؤْيَةُ وَأَنْكَرُوا أَنْ يَكُونَ اللَّهُ يُرَى بِالْأَبْصَارِ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَتَأَوَّلُوا قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) ، بِمَعْنَى انْتِظَارِهَا رَحْمَةَ اللَّهِ وَثَوَابَهُ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَتَأَوَّلَ بَعْضُهُمْ فِي الْأَخْبَارِ الَّتِي رُوِيَتْ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ بِرُؤْيَةِ أَهْلِ الْجَنَّةِ رَبَّهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَأْوِيلَاتٍ ، وَأَنْكَرَ بَعْضُهُمْ مَجِيئَهَا ، وَدَافَعُوا أَنْ يَكُونَ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَرَدُّوا الْقَوْلَ فِيهِ إِلَى عُقُولِهِمْ ، فَزَعَمُوا أَنَّ عُقُولَهُمْ تُحِيلُ جَوَازَ الرُّؤْيَةِ عَلَى اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِالْأَبْصَارِ ، وَأَتَوْا فِي ذَلِكَ بِضُرُوبٍ مِنَ التَّمْوِيهَاتِ ، وَأَكْثَرُوا الْقَوْلَ فِيهِ مِنْ جِهَةِ الِاسْتِخْرَاجَاتِ .
[ ص: 18 ]
وَكَانَ مِنْ أَجَلِّ مَا زَعَمُوا أَنَّهُمْ عَلِمُوا بِهِ صِحَّةَ قَوْلِهِمْ ذَلِكَ مِنَ الدَّلِيلِ ، أَنَّهُمْ لَمْ يَجِدُوا أَبْصَارَهُمْ تَرَى شَيْئًا إِلَّا مَا بَايَنَهَا دُونَ مَا لَاصَقَهَا ، فَإِنَّهَا لَا تَرَى مَا لَاصَقَهَا . قَالُوا : فَمَا كَانَ لِلْأَبْصَارِ مُبَايِنًا مِمَّا عَايَنَتْهُ ، فَإِنَّ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فَضَاءً وَفُرْجَةً . قَالُوا : فَإِنْ كَانَتِ الْأَبْصَارُ تَرَى رَبَّهَا يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى نَحْوِ مَا تَرَى الْأَشْخَاصُ الْيَوْمَ ، فَقَدْ وَجَبَ أَنْ يَكُونَ الصَّانِعُ مَحْدُودًا . قَالُوا : وَمَنْ وَصَفَهُ بِذَلِكَ ، فَقَدْ وَصَفَهُ بِصِفَاتِ الْأَجْسَامِ الَّتِي يَجُوزُ عَلَيْهَا الزِّيَادَةُ وَالنُّقْصَانُ .
قَالُوا : وَأُخْرَى ، أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَبْصَارِ أَنْ تُدْرِكَ الْأَلْوَانَ ، كَمَا مِنْ شَأْنِ الْأَسْمَاعِ أَنْ تُدْرِكَ الْأَصْوَاتَ ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُتَنَسِّمِ أَنْ يُدْرِكَ الْأَعْرَافَ . قَالُوا : فَمِنَ الْوَجْهِ الَّذِي فَسَدَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا أَنْ يُقْضَى لِلسَّمْعِ بِغَيْرِ إِدْرَاكِ الْأَصْوَاتِ ، وَلِلْمُتَنَسِّمِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الْأَعْرَافِ ، فَسَدَ أَنْ يَكُونَ جَائِزًا الْقَضَاءُ لِلْبَصَرِ إِلَّا بِإِدْرَاكِ الْأَلْوَانِ . قَالُوا : وَلَمَّا كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ ذُو لَوْنٍ ، صَحَّ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِأَنَّهُ مَرْئِيٌّ .
وَقَالَ آخَرُونَ : مَعْنَى ذَلِكَ : لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْخَلَائِقِ فِي الدُّنْيَا ، وَأَمَّا فِي الْآخِرَةِ فَإِنَّهَا تُدْرِكُهُ . وَقَالَ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ : " الْإِدْرَاكُ " فِي هَذَا الْمَوْضِعِ الرُّؤْيَةُ .
وَاعْتَلَّ أَهْلُ هَذِهِ الْمَقَالَةِ لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنْ قَالُوا : " الْإِدْرَاكُ " ، وَإِنْ كَانَ قَدْ يَكُونُ فِي بَعْضِ الْأَحْوَالِ بِغَيْرِ مَعْنَى الرُّؤْيَةِ ، فَإِنَّ الرُّؤْيَةَ مِنْ أَحَدِ مَعَانِيهِ . وَذَلِكَ أَنَّهُ غَيْرُ جَائِزٍ أَنْ يَلْحَقَ بَصَرُهُ شَيْئًا فَيَرَاهُ ، وَهُوَ لَمَّا أَبْصَرَهُ وَعَايَنَهُ غَيْرُ مُدْرِكٍ ، وَإِنْ لَمْ يُحِطْ بِأَجْزَائِهِ كُلِّهَا رُؤْيَةً . قَالُوا : فَرُؤْيَةُ مَا عَايَنَهُ الرَّائِي إِدْرَاكٌ لَهُ ، دُونَ مَا لَمْ
[ ص: 19 ] يَرَهُ . قَالُوا : وَقَدْ أَخْبَرَ اللَّهُ أَنَّ وُجُوهًا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِلَيْهِ نَاظِرَةٌ . قَالُوا ، فَمُحَالٌ أَنْ تَكُونَ إِلَيْهِ نَاظِرَةً وَهِيَ لَهُ غَيْرُ مُدْرِكَةٍ رُؤْيَةً . قَالُوا : وَإِذَا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَكَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ فِي أَخْبَارِ اللَّهِ تَضَادٌّ وَتَعَارُضٌ ، وَجَبَ وَصَحَّ أَنَّ قَوْلَهُ : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، عَلَى الْخُصُوصِ لَا عَلَى الْعُمُومِ ، وَأَنَّ مَعْنَاهُ : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا ، وَهُوَ يُدْرِكُ الْأَبْصَارَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، إِذْ كَانَ اللَّهُ قَدِ اسْتَثْنَى مَا اسْتَثْنَى مِنْهُ بِقَوْلِهِ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=75&ayano=22وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ نَاضِرَةٌ إِلَى رَبِّهَا نَاظِرَةٌ ) .
وَقَالَ آخَرُونَ مِنْ أَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ : الْآيَةُ عَلَى الْخُصُوصِ ، إِلَّا أَنَّهُ جَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَى الْآيَةِ : لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الظَّالِمِينَ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ ، وَتُدْرِكُهُ أَبْصَارُ الْمُؤْمِنِينَ وَأَوْلِيَاءُ اللَّهِ . قَالُوا : وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ بِالنِّهَايَةِ وَالْإِحَاطَةِ ، وَأَمَّا بِالرُّؤْيَةِ فَبَلَى . قَالُوا : وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا : لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ فِي الدُّنْيَا وَتُدْرِكُهُ فِي الْآخِرَةِ وَجَائِزٌ أَنْ يَكُونَ مَعْنَاهَا : لَا تُدْرِكُهُ أَبْصَارُ مَنْ يَرَاهُ بِالْمَعْنَى الَّذِي يُدْرِكُ بِهِ الْقَدِيمُ أَبْصَارَ خَلْقِهِ فَيَكُونُ الَّذِي نَفَى عَنْ خَلْقِهِ مِنْ إِدْرَاكِ أَبْصَارِهِمْ إِيَّاهُ ، هُوَ الَّذِي أَثْبَتَهُ لِنَفْسِهِ ؛ إِذْ كَانَتْ أَبْصَارُهُمْ ضَعِيفَةً لَا تَنْفُذُ إِلَّا فِيمَا قَوَّاهَا جَلَّ ثَنَاؤُهُ عَلَى النُّفُوذِ فِيهِ ، وَكَانَتْ كُلُّهَا مُتَجَلِّيَةً لِبَصَرِهِ لَا يَخْفَى عَلَيْهِ مِنْهَا شَيْءٌ . قَالُوا : وَلَا شَكَّ فِي خُصُوصِ قَوْلِهِ : " لَا تُدْرِكُهُ الْأَبْصَارُ " ، وَأَنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ سَيَرَوْنَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِأَبْصَارِهِمْ ، غَيْرَ أَنَّا لَا نَدْرِي أَيُّ مَعَانِي الْخُصُوصِ الْأَرْبَعَةِ أُرِيدُ بِالْآيَةِ . وَاعْتَلُّوا لِتَصْحِيحِ الْقَوْلِ بِأَنَّ اللَّهَ يَرَى فِي الْآخِرَةِ ، بِنَحْوِ عِلَلِ الَّذِينَ ذَكَرْنَا قَبْلُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : الْآيَةُ عَلَى الْعُمُومِ ، وَلَنْ يُدْرِكَ اللَّهَ بَصَرُ أَحَدٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ; وَلَكِنَّ اللَّهَ يُحْدِثُ لِأَوْلِيَائِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ حَاسَّةً سَادِسَةً سِوَى حَوَاسِّهِمُ الْخَمْسِ ، فَيَرَوْنَهُ بِهَا .
[ ص: 20 ]
وَاعْتَلُّوا لِقَوْلِهِمْ هَذَا بِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى ذِكْرُهُ نَفَى عَنِ الْأَبْصَارِ أَنْ تُدْرِكَهَ ، مِنْ غَيْرِ أَنْ يَدُلَّ فِيهَا أَوْ بِآيَةٍ غَيْرِهَا عَلَى خُصُوصِهَا . قَالُوا : وَكَذَلِكَ أَخْبَرَ فِي آيَةٍ أُخْرَى أَنَّ وُجُوهًا إِلَيْهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ نَاظِرَةٌ . قَالُوا : فَأَخْبَارُ اللَّهِ لَا تَتَنَافَى وَلَا تَتَعَارَضُ ، وَكِلَا الْخَبَرَيْنِ صَحِيحٌ مَعْنَاهُ عَلَى مَا جَاءَ بِهِ التَّنْزِيلُ . وَاعْتَلُّوا أَيْضًا مِنْ جِهَةِ الْعَقْلِ بِأَنْ قَالُوا : إِنْ كَانَ جَائِزًا أَنْ نَرَاهُ فِي الْآخِرَةِ بِأَبْصَارِنَا هَذِهِ وَإِنْ زِيدَ فِي قُوَاهَا ، وَجَبَ أَنْ نَرَاهُ فِي الدُّنْيَا وَإِنْ ضَعُفَتْ ؛ لِأَنَّ كُلَّ حَاسَّةٍ خُلِقَتْ لِإِدْرَاكِ مَعْنًى مِنَ الْمَعَانِي ، فَهِيَ وَإِنْ ضَعُفَتْ كُلَّ الضَّعْفِ ، فَقَدْ تُدْرِكُ مَعَ ضَعْفِهَا مَا خُلِقَتْ لِإِدْرَاكِهِ وَإِنْ ضَعُفَ إِدْرَاكُهَا إِيَّاهُ ، مَا لَمْ تُعْدَمْ . قَالُوا : فَلَوْ كَانَ فِي الْبَصَرِ أَنْ يُدْرِكَ صَانِعَهُ فِي حَالٍ مِنَ الْأَحْوَالِ أَوْ وَقْتٍ مِنَ الْأَوْقَاتِ وَيَرَاهُ ، وَجَبَ أَنْ يَكُونَ يُدْرِكُهُ فِي الدُّنْيَا وَيَرَاهُ فِيهَا وَإِنْ ضَعُفَ إِدْرَاكُهُ إِيَّاهُ . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ غَيْرَ مَوْجُودٍ مِنْ أَبْصَارِنَا فِي الدُّنْيَا ، كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ فِي الْآخِرَةِ إِلَّا بِهَيْئَتِهَا فِي الدُّنْيَا فِي أَنَّهَا لَا تُدْرِكُ إِلَّا مَا كَانَ مِنْ شَأْنِهَا إِدْرَاكُهُ فِي الدُّنْيَا . قَالُوا : فَلَمَّا كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، وَكَانَ اللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ قَدْ أَخْبَرَ أَنَّ وُجُوهًا فِي الْآخِرَةِ تَرَاهُ ، عُلِمَ أَنَّهَا تَرَاهُ بِغَيْرِ حَاسَّةِ الْبَصَرِ ، إِذْ كَانَ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ يَكُونَ خَبَرُهُ إِلَّا حَقًّا .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَالصَّوَابُ مِنَ الْقَوْلِ فِي ذَلِكَ عِنْدَنَا ، مَا تَظَاهَرَتْ بِهِ الْأَخْبَارُ
nindex.php?page=hadith&LINKID=810504عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ : " إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ كَمَا تَرَوْنَ الْقَمَرَ لَيْلَةَ الْبَدْرِ " " وَكَمَا تَرَوْنَ الشَّمْسَ لَيْسَ دُونَهَا سَحَابٌ " ، فَالْمُؤْمِنُونَ يَرَوْنَهُ ، وَالْكَافِرُونَ عَنْهُ يَوْمَئِذٍ مَحْجُوبُونَ ، كَمَا قَالَ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=83&ayano=15كَلَّا إِنَّهُمْ عَنْ رَبِّهِمْ يَوْمَئِذٍ لَمَحْجُوبُونَ ) [ سُورَةُ الْمُطَفِّفِينَ : 15 ] .
فَأَمَّا مَا اعْتَلَّ بِهِ مُنْكِرُو رُؤْيَةِ اللَّهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ بِالْأَبْصَارِ ، لَمَّا كَانَتْ لَا تَرَى إِلَّا مَا بَايَنَهَا ، وَكَانَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ فَضَاءٌ وَفُرْجَةٌ ، وَكَانَ ذَلِكَ عِنْدَهُمْ غَيْرَ جَائِزٍ أَنْ تَكُونَ
[ ص: 21 ] رُؤْيَةُ اللَّهِ بِالْأَبْصَارِ كَذَلِكَ ؛ لِأَنَّ فِي ذَلِكَ إِثْبَاتَ حَدٍّ لَهُ وَنِهَايَةٍ ، فَبَطَلَ عِنْدَهُمْ لِذَلِكَ جَوَازُ الرُّؤْيَةِ عَلَيْهِ فَإِنَّهُ يُقَالُ لَهُمْ : هَلْ عَلِمْتُمْ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ سِوَى صَانِعِكُمْ ، إِلَّا مُمَاسًّا لَكُمْ أَوْ مُبَايِنًا ؟
فَإِنْ زَعَمُوا أَنَّهُمْ يَعْلَمُونَ ذَلِكَ ، كُلِّفُوا تَبْيِينَهُ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَى ذَلِكَ .
وَإِنْ قَالُوا : لَا نَعْلَمُ ذَلِكَ .
قِيلَ لَهُمْ : أَوَلَيْسَ قَدْ عَلِمْتُمُوهُ لَا مُمَاسًّا لَكُمْ وَلَا مُبَايِنًا ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ ، وَلَمْ يَجِبْ عِنْدَكُمْ إِذْ كُنْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ غَيْرَهُ إِلَّا مُمَاسًّا لَكُمْ أَوْ مُبَايِنًا ، أَنْ يَكُونَ مُسْتَحِيلًا الْعِلْمُ بِهِ ، وَهُوَ مَوْصُوفٌ بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ ، لَا مُمَاسَّ وَلَا مُبَايِنَ ؟
فَإِنْ قَالُوا : ذَلِكَ كَذَلِكَ .
قِيلَ لَهُمْ : فَمَا تُنْكِرُونَ أَنْ تَكُونَ الْأَبْصَارُ كَذَلِكَ لَا تَرَى إِلَّا مَا بَايَنَهَا وَكَانَتْ بَيْنَهُ وَبَيْنَهَا فُرْجَةٌ ، قَدْ تَرَاهُ وَهُوَ غَيْرُ مُبَايِنٍ لَهَا وَلَا فُرْجَةَ بَيْنَهَا وَبَيْنَهُ وَلَا فَضَاءَ ، كَمَا لَا تَعْلَمُ الْقُلُوبُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ إِلَّا مُمَاسًّا لَهَا أَوْ مُبَايِنًا ، وَقَدْ عَلِمَتْهُ عِنْدَكُمْ لَا كَذَلِكَ ؟ وَهَلْ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَ مَنْ أَنْكَرَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ مَعْلُومًا ، لَا مُمَاسًّا لِلْعَالَمِ بِهِ أَوْ مُبَايِنًا وَأَجَازَ أَنْ يَكُونَ مَوْصُوفًا بِرُؤْيَةِ الْأَبْصَارِ ، لَا مُمَاسًّا لَهَا وَلَا مُبَايِنًا ، فَرْقٌ ؟
ثُمَّ يُسْأَلُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ ، فَلَنْ يَقُولُوا فِي شَيْءٍ مِنْ ذَلِكَ قَوْلًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ .
وَكَذَلِكَ يُسْأَلُونَ فِيمَا اعْتَلُّوا بِهِ فِي ذَلِكَ : أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَبْصَارِ إِدْرَاكَ الْأَلْوَانِ ، كَمَا أَنَّ مِنْ شَأْنِ الْأَسْمَاعِ إِدْرَاكَ الْأَصْوَاتِ ، وَمِنْ شَأْنِ الْمُتَنَسِّمِ دَرْكَ الْأَعْرَافِ ، فَمِنَ الْوَجْهِ الَّذِي فَسَدَ أَنْ يُقْضَى لِلسَّمْعِ بِغَيْرِ دَرْكِ الْأَصْوَاتِ ، فَسَدَ أَنْ يُقْضَى لِلْأَبْصَارِ لِغَيْرِ دَرْكِ الْأَلْوَانِ .
[ ص: 22 ]
فَيُقَالُ لَهُمْ : أَلَسْتُمْ لَمْ تَعْلَمُوا فِيمَا شَاهَدْتُمْ وَعَايَنْتُمْ ، مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ إِلَّا ذَا لَوْنٍ ، وَقَدْ عَلِمْتُمُوهُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ لَا ذَا لَوْنٍ ؟
فَإِنْ قَالُوا : " نَعَمْ " لَا يَجِدُونَ مِنَ الْإِقْرَارِ بِذَلِكَ بُدًّا ، إِلَّا أَنْ يَكْذِبُوا فَيَزْعُمُوا أَنَّهُمْ قَدْ رَأَوْا وَعَايَنُوا مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ وَالْفِعْلِ غَيْرَ ذِي لَوْنٍ ، فَيُكَلَّفُونَ بَيَانَ ذَلِكَ ، وَلَا سَبِيلَ إِلَيْهِ .
فَيُقَالُ لَهُمْ : فَإِذْ كَانَ ذَلِكَ كَذَلِكَ ، فَمَا أَنْكَرْتُمْ أَنْ تَكُونَ الْأَبْصَارُ فِيمَا شَاهَدْتُمْ وَعَايَنْتُمْ لَمْ تَجِدُوهَا تُدْرِكُ إِلَّا الْأَلْوَانَ ، كَمَا لَمْ تَجِدُوا أَنْفُسَكُمْ تَعْلَمُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ إِلَّا ذَا لَوْنٍ ، وَقَدْ وَجَدْتُمُوهَا عَلِمَتْهُ مَوْصُوفًا بِالتَّدْبِيرِ غَيْرَ ذِي لَوْنٍ . ثُمَّ يُسْأَلُونَ الْفَرْقَ بَيْنَ ذَلِكَ ، فَلَنْ يَقُولُوا فِي أَحَدِهِمَا شَيْئًا إِلَّا أُلْزِمُوا فِي الْآخَرِ مِثْلَهُ .
وَلِأَهْلِ هَذِهِ الْمَقَالَةِ مَسَائِلُ فِيهَا تَلْبِيسٌ ، كَرِهْنَا ذِكْرَهَا وَإِطَالَةَ الْكِتَابِ بِهَا وَبِالْجَوَابِ عَنْهَا ، إِذْ لَمْ يَكُنْ قَصْدُنَا فِي كِتَابِنَا هَذَا قَصْدَ الْكَشْفِ عَنْ تَمْوِيهَاتِهِمْ ، بَلْ قَصْدُنَا فِيهِ الْبَيَانُ عَنْ تَأْوِيلِ آيِ الْفُرْقَانِ . وَلَكِنَّا ذَكَرْنَا الْقَدْرَ الَّذِي ذَكَرْنَا ؛ لِيَعْلَمَ النَّاظِرُ فِي كِتَابِنَا هَذَا أَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ مِنْ قَوْلِهِمْ إِلَّا إِلَى مَا لَبَّسَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطَانُ ، مِمَّا يَسْهُلُ عَلَى أَهْلِ الْحَقِّ الْبَيَانُ عَنْ فَسَادِهِ ، وَأَنَّهُمْ لَا يَرْجِعُونَ فِي قَوْلِهِمْ إِلَى آيَةٍ مِنَ التَّنْزِيلِ مُحْكَمَةٍ ، وَلَا رِوَايَةٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ صَحِيحَةٍ وَلَا سَقِيمَةٍ ، فَهُمْ فِي الظُّلُمَاتِ يَخْبِطُونَ ، وَفِي الْعَمْيَاءِ يَتَرَدَّدُونَ ، نَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الْحَيْرَةِ وَالضَّلَالَةِ .
وَأَمَّا قَوْلُهُ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103وَهُوَ اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ، فَإِنَّهُ يَقُولُ : وَاللَّهُ تَعَالَى ذِكْرُهُ الْمُتَيَسِّرُ لَهُ مِنْ إِدْرَاكِ الْأَبْصَارِ ، وَالْمُتَأَتِّي لَهُ مِنَ الْإِحَاطَةِ بِهَا رُؤْيَةُ مَا يَعْسُرُ عَلَى الْأَبْصَارِ مِنْ إِدْرَاكِهَا إِيَّاهُ وَإِحَاطَتِهَا بِهِ وَيَتَعَذَّرُ عَلَيْهَا ، " الْخَبِيرُ " ، يَقُولُ : الْعَلِيمُ بِخَلْقِهِ
[ ص: 23 ] وَأَبْصَارِهِمْ ، وَالسَّبَبِ الَّذِي لَهُ تَعَذَّرَ عَلَيْهَا إِدْرَاكُهُ ، فَلَطَفَ بِقُدْرَتِهِ فَهَيَّأَ أَبْصَارَ خَلْقِهِ هَيْئَةً لَا تُدْرِكُهُ ، وَخَبَرَ بِعَلَمِهِ كَيْفَ تَدْبِيرُهَا وَشُئُونُهَا وَمَا هُوَ أَصْلَحُ بِخَلْقِهِ ، كَالَّذِي :
13702 - حَدَّثَنَا
هَنَّادٌ قَالَ : حَدَّثَنَا
nindex.php?page=showalam&ids=17277وَكِيعٌ وَحَدَّثَنَا
ابْنُ وَكِيعٍ قَالَ : حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ
nindex.php?page=showalam&ids=11960أَبِي جَعْفَرٍ الرَّازِيِّ ، عَنِ
الرَّبِيعِ بْنِ أَنَسٍ ، عَنْ
أَبِي الْعَالِيَةِ فِي قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=6&ayano=103اللَّطِيفُ الْخَبِيرُ " ، قَالَ : " اللَّطِيفُ " بِاسْتِخْرَاجِهَا " الْخَبِيرُ " ، بِمَكَانِهَا .