القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32416_32424تأويل قوله تعالى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=64ثم توليتم من بعد ذلك )
قال
أبو جعفر : يعني بقوله جل ثناؤه : ( ثم توليتم ) : ثم أعرضتم . وإنما هو " تفعلتم " من قولهم : " ولاني فلان دبره " إذا استدبر عنه وخلفه خلف ظهره . ثم يستعمل ذلك في كل تارك طاعة أمر بها ، ومعرض بوجهه . يقال : " قد تولى فلان عن طاعة فلان ، وتولى عن مواصلته " ، ومنه قول الله جل ثناؤه : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فلما آتاهم من فضله بخلوا به وتولوا وهم معرضون ) [ التوبة : 76 ] ، يعني بذلك : خالفوا ما كانوا وعدوا الله من قولهم : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75لئن آتانا من فضله لنصدقن ولنكونن من الصالحين )
[ ص: 163 ] [ التوبة : 75 ] ، ونبذوا ذلك وراء ظهورهم .
ومن شأن العرب استعارة الكلمة ووضعها مكان نظيرها ، كما قال
أبو خراش الهذلي :
فليس كعهد الدار يا أم مالك ولكن أحاطت بالرقاب السلاسل وعاد الفتى كالكهل ليس بقائل
سوى الحق شيئا واستراح العواذل
يعني بقوله : " أحاطت بالرقاب السلاسل " ، أن الإسلام صار - في منعه إيانا ما كنا نأتيه في الجاهلية ، مما حرمه الله علينا في الإسلام - بمنزلة السلاسل المحيطة برقابنا ، التي تحول بين من كانت في رقبته مع الغل الذي في يده ، وبين ما حاول أن يتناوله .
ونظائر ذلك في كلام العرب أكثر من أن تحصى . فكذلك قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=64ثم توليتم من بعد ذلك ) ،
[ ص: 164 ] يعني بذلك : أنكم تركتم العمل بما أخذنا ميثاقكم وعهودكم على العمل به بجد واجتهاد ، بعد إعطائكم ربكم المواثيق على العمل به ، والقيام بما أمركم به في كتابكم ، فنبذتموه وراء ظهوركم .
وكنى بقوله جل ذكره : " ذلك " ، عن جميع ما قبله في الآية المتقدمة ، أعني قوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=63وإذ أخذنا ميثاقكم ورفعنا فوقكم الطور ) .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28973_32416_32424تَأْوِيلِ قَوْلِهِ تَعَالَى ( nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=64ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : يَعْنِي بِقَوْلِهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : ( ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ ) : ثُمَّ أَعْرَضْتُمْ . وَإِنَّمَا هُوَ " تَفَعَّلْتُمْ " مِنْ قَوْلِهِمْ : " وَلَّانِي فُلَانٌ دُبَرَهُ " إِذَا اسْتَدْبَرَ عَنْهُ وَخَلَّفَهُ خَلْفَ ظَهْرِهِ . ثُمَّ يُسْتَعْمَلُ ذَلِكَ فِي كُلِّ تَارِكِ طَاعَةِ أَمْرٍ بِهَا ، وَمُعْرِضٍ بِوَجْهِهِ . يُقَالُ : " قَدْ تَوَلَّى فُلَانٌ عَنْ طَاعَةِ فُلَانٍ ، وَتَوَلَّى عَنْ مُوَاصَلَتِهِ " ، وَمِنْهُ قَوْلُ اللَّهِ جَلَّ ثَنَاؤُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=76فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا وَهُمْ مُعْرِضُونَ ) [ التَّوْبَةِ : 76 ] ، يَعْنِي بِذَلِكَ : خَالَفُوا مَا كَانُوا وَعَدُوا اللَّهَ مِنْ قَوْلِهِمْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=9&ayano=75لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ )
[ ص: 163 ] [ التَّوْبَةِ : 75 ] ، وَنَبَذُوا ذَلِكَ وَرَاءَ ظُهُورِهِمْ .
وَمِنْ شَأْنِ الْعَرَبِ اسْتِعَارَةُ الْكَلِمَةِ وَوَضْعُهَا مَكَانَ نَظِيرِهَا ، كَمَا قَالَ
أَبُو خِرَاشٍ الْهُذَلِيُّ :
فَلَيْسَ كَعَهْدِ الدَّارِ يَا أُمَّ مَالِكٍ وَلَكِنْ أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ وَعَادَ الْفَتَى كَالْكَهْلِ لَيْسَ بِقَائِلٍ
سِوَى الْحَقِّ شَيْئًا وَاسْتَرَاحَ الْعَوَاذِلُ
يَعْنِي بِقَوْلِهِ : " أَحَاطَتْ بِالرِّقَابِ السَّلَاسِلُ " ، أَنَّ الْإِسْلَامَ صَارَ - فِي مَنْعِهِ إِيَّانَا مَا كُنَّا نَأْتِيهِ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، مِمَّا حَرَّمَهُ اللَّهُ عَلَيْنَا فِي الْإِسْلَامِ - بِمَنْزِلَةِ السَّلَاسِلِ الْمُحِيطَةِ بِرِقَابِنَا ، الَّتِي تَحُولُ بَيْنَ مَنْ كَانَتْ فِي رَقَبَتِهِ مَعَ الْغِلِّ الَّذِي فِي يَدِهِ ، وَبَيْنَ مَا حَاوَلَ أَنْ يَتَنَاوَلَهُ .
وَنَظَائِرُ ذَلِكَ فِي كَلَامِ الْعَرَبِ أَكْثَرُ مِنْ أَنْ تُحْصَى . فَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=64ثُمَّ تَوَلَّيْتُمْ مِنْ بَعْدِ ذَلِكَ ) ،
[ ص: 164 ] يَعْنِي بِذَلِكَ : أَنَّكُمْ تَرَكْتُمُ الْعَمَلَ بِمَا أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَعُهُودَكُمْ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ بِجِدٍّ وَاجْتِهَادٍ ، بَعْدَ إِعْطَائِكُمْ رَبَّكُمُ الْمَوَاثِيقَ عَلَى الْعَمَلِ بِهِ ، وَالْقِيَامِ بِمَا أَمَرَكُمْ بِهِ فِي كِتَابِكُمْ ، فَنَبَذْتُمُوهُ وَرَاءَ ظُهُورِكُمْ .
وَكَنَّى بِقَوْلِهِ جَلَّ ذِكْرُهُ : " ذَلِكَ " ، عَنْ جَمِيعِ مَا قَبْلَهُ فِي الْآيَةِ الْمُتَقَدِّمَةِ ، أَعْنِي قَوْلَهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=63وَإِذْ أَخَذْنَا مِيثَاقَكُمْ وَرَفَعْنَا فَوْقَكُمُ الطُّورَ ) .