القول في
nindex.php?page=treesubj&link=28974_28723_28721تأويل قوله ( القيوم )
قال
أبو جعفر : قد ذكرنا اختلاف القرأة في ذلك ، والذي نختار منه ، وما العلة التي من أجلها اخترنا ما اخترنا من ذلك .
فأما تأويل جميع الوجوه التي ذكرنا أن القرأة قرأت بها فمتقارب . ومعنى ذلك كله : القيم بحفظ كل شيء ورزقه وتدبيره وتصريفه فيما شاء وأحب من تغيير وتبديل وزيادة ونقص كما : -
6550 - حدثني
محمد بن عمرو قال : حدثنا
أبو عاصم قال : حدثنا
عيسى بن ميمون قال : حدثنا
ابن أبي نجيح عن
مجاهد في قول الله - جل ثناؤه - : " الحي القيوم " قال : القائم على كل شيء .
[ ص: 158 ]
6551 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
أبو حذيفة قال : حدثنا
شبل عن
ابن أبي نجيح عن
مجاهد مثله .
6552 - حدثني
المثنى قال : حدثنا
إسحاق قال : حدثنا
ابن أبي جعفر عن أبيه ، عن
الربيع : " القيوم " قيم على كل شيء يكلؤه ويحفظه ويرزقه .
وقال آخرون : " معنى ذلك : القيام على مكانه " . ووجهوه إلى القيام الدائم الذي لا زوال معه ولا انتقال ، وأن الله - عز وجل - إنما نفى عن نفسه بوصفها بذلك التغير والتنقل من مكان إلى مكان ، وحدوث التبدل الذي يحدث في الآدميين وسائر خلقه غيرهم .
ذكر من قال ذلك :
6553 - حدثنا
ابن حميد قال : حدثنا
سلمة عن
محمد بن إسحاق عن
محمد بن جعفر بن الزبير : " القيوم " القائم على مكانه من سلطانه في خلقه لا يزول ، وقد زال
عيسى في قولهم يعني في قول الأحبار الذين حاجوا النبي - صلى الله عليه وسلم - من
أهل نجران في
عيسى عن مكانه الذي كان به ، وذهب عنه إلى غيره .
قال
أبو جعفر : وأولى التأويلين بالصواب ما قاله
مجاهد والربيع ، وأن ذلك وصف من الله - تعالى ذكره - نفسه بأنه القائم بأمر كل شيء ، في رزقه والدفع عنه ، وكلاءته وتدبيره وصرفه في قدرته من قول العرب : " فلان قائم بأمر هذه البلدة " يعني بذلك : المتولي تدبير أمرها .
[ ص: 159 ]
ف " القيوم " إذ كان ذلك معناه " الفيعول " من قول القائل : " الله يقوم بأمر خلقه " . وأصله " القيووم " غير أن " الواو " الأولى من " القيووم " لما سبقتها " ياء " ساكنة وهي متحركة قلبت " ياء " فجعلت هي و " الياء " التي قبلها " ياء " مشددة ؛ لأن العرب كذلك تفعل ب " الواو " المتحركة إذا تقدمتها " ياء " ساكنة .
وأما " القيام " فإن أصله " القيوام " وهو " الفيعال " من " قام يقوم " سبقت " الواو " المتحركة من " قيوام " " ياء " ساكنة ، فجعلتا جميعا " ياء " مشددة .
ولو أن " القيوم " " فعول " كان " القووم " ولكنه " الفيعول " . وكذلك " القيام " لو كان " الفعال " لكان " القوام " كما قيل : " الصوام والقوام " وكما قال - جل ثناؤه - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8كونوا قوامين لله شهداء بالقسط ) [ سورة المائدة : 8 ] ، ولكنه " الفيعال " فقيل : " القيام " .
وأما " القيم " فهو " الفيعل " من " قام يقوم " سبقت " الواو " المتحركة " ياء " ساكنة فجعلتا " ياء " مشددة ، كما قيل : " فلان سيد قومه " من " ساد يسود " و " هذا طعام جيد " من " جاد يجود " وما أشبه ذلك .
وإنما جاء ذلك بهذه الألفاظ ؛ لأنه قصد به قصد المبالغة في المدح ، فكان " القيوم " و " القيام " و " القيم " أبلغ في المدح من " القائم " وإنما كان
عمر رضي الله عنه يختار قراءته - إن شاء الله - " القيام " ؛ لأن ذلك الغالب على منطق
أهل الحجاز في ذوات الثلاثة من " الياء " " الواو " فيقولون للرجل الصواغ :
[ ص: 160 ] " الصياغ " ويقولون للرجل الكثير الدوران : " الديار " . وقد قيل إن قول الله - جل ثناؤه - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26لا تذر على الأرض من الكافرين ديارا ) [ سورة نوح : 26 ] إنما هو " دوار " " فعالا " من " دار يدور " ولكنها نزلت بلغة
أهل الحجاز ، وأقرت كذلك في المصحف .
الْقَوْلُ فِي
nindex.php?page=treesubj&link=28974_28723_28721تَأْوِيلِ قَوْلِهِ ( الْقَيُّومُ )
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : قَدْ ذَكَرْنَا اخْتِلَافَ الْقَرَأَةِ فِي ذَلِكَ ، وَالَّذِي نَخْتَارُ مِنْهُ ، وَمَا الْعِلَّةُ الَّتِي مِنْ أَجْلِهَا اخْتَرْنَا مَا اخْتَرْنَا مِنْ ذَلِكَ .
فَأَمَّا تَأْوِيلُ جَمِيعِ الْوُجُوهِ الَّتِي ذَكَرْنَا أَنَّ الْقَرَأَةَ قَرَأَتْ بِهَا فَمُتَقَارِبٌ . وَمَعْنَى ذَلِكَ كُلِّهِ : الْقَيِّمُ بِحِفْظِ كُلِّ شَيْءٍ وَرِزْقِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَتَصْرِيفِهِ فِيمَا شَاءَ وَأَحَبَّ مِنْ تَغْيِيرٍ وَتَبْدِيلٍ وَزِيَادَةٍ وَنَقْصٍ كَمَا : -
6550 - حَدَّثَنِي
مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرٍو قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو عَاصِمٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
عِيسَى بْنُ مَيْمُونٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ فِي قَوْلِ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : " الْحَيُّ الْقَيُّومُ " قَالَ : الْقَائِمُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ .
[ ص: 158 ]
6551 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
أَبُو حُذَيْفَةَ قَالَ : حَدَّثَنَا
شِبْلٌ عَنِ
ابْنِ أَبِي نَجِيحٍ عَنْ
مُجَاهِدٍ مِثْلَهُ .
6552 - حَدَّثَنِي
الْمُثَنَّى قَالَ : حَدَّثَنَا
إِسْحَاقُ قَالَ : حَدَّثَنَا
ابْنُ أَبِي جَعْفَرٍ عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ
الرَّبِيعِ : " الْقَيُّومُ " قَيِّمٌ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ يَكْلَؤُهُ وَيَحْفَظُهُ وَيَرْزُقُهُ .
وَقَالَ آخَرُونَ : " مَعْنَى ذَلِكَ : الْقِيَامُ عَلَى مَكَانِهِ " . وَوَجَّهُوهُ إِلَى الْقِيَامِ الدَّائِمِ الَّذِي لَا زَوَالَ مَعَهُ وَلَا انْتِقَالَ ، وَأَنَّ اللَّهَ - عَزَّ وَجَلَّ - إِنَّمَا نَفَى عَنْ نَفْسِهِ بِوَصْفِهَا بِذَلِكَ التَّغَيُّرَ وَالتَّنَقُّلَ مِنْ مَكَانٍ إِلَى مَكَانٍ ، وَحُدُوثَ التَّبَدُّلِ الَّذِي يَحْدُثُ فِي الْآدَمِيِّينَ وَسَائِرِ خَلْقِهِ غَيْرِهِمْ .
ذِكْرُ مَنْ قَالَ ذَلِكَ :
6553 - حَدَّثَنَا
ابْنُ حُمَيْدٍ قَالَ : حَدَّثَنَا
سَلَمَةُ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ إِسْحَاقَ عَنْ
مُحَمَّدِ بْنِ جَعْفَرِ بْنِ الزُّبَيْرِ : " الْقَيُّومُ " الْقَائِمُ عَلَى مَكَانِهِ مِنْ سُلْطَانِهِ فِي خَلْقِهِ لَا يَزُولُ ، وَقَدْ زَالَ
عِيسَى فِي قَوْلِهِمْ يَعْنِي فِي قَوْلِ الْأَحْبَارِ الَّذِينَ حَاجُّوا النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ
أَهْلِ نَجْرَانَ فِي
عِيسَى عَنْ مَكَانِهِ الَّذِي كَانَ بِهِ ، وَذَهَبَ عَنْهُ إِلَى غَيْرِهِ .
قَالَ
أَبُو جَعْفَرٍ : وَأَوْلَى التَّأْوِيلَيْنِ بِالصَّوَابِ مَا قَالَهُ
مُجَاهِدٌ وَالرَّبِيعُ ، وَأَنَّ ذَلِكَ وَصْفٌ مِنَ اللَّهِ - تَعَالَى ذِكْرُهُ - نَفْسَهُ بِأَنَّهُ الْقَائِمُ بِأَمْرِ كُلِّ شَيْءٍ ، فِي رِزْقِهِ وَالدَّفْعِ عَنْهُ ، وَكِلَاءَتِهِ وَتَدْبِيرِهِ وَصَرْفِهِ فِي قُدْرَتِهِ مِنْ قَوْلِ الْعَرَبِ : " فُلَانٌ قَائِمٌ بِأَمْرِ هَذِهِ الْبَلْدَةِ " يَعْنِي بِذَلِكَ : الْمُتَوَلِّي تَدْبِيرَ أَمْرِهَا .
[ ص: 159 ]
فَ " الْقَيُّومُ " إِذْ كَانَ ذَلِكَ مَعْنَاهُ " الْفَيْعُولُ " مِنْ قَوْلِ الْقَائِلِ : " اللَّهُ يَقُومُ بِأَمْرِ خَلْقِهِ " . وَأَصْلُهُ " الْقَيْوُومُ " غَيْرَ أَنَّ " الْوَاوَ " الْأُولَى مِنَ " الْقَيْوُومِ " لَمَّا سَبَقَتْهَا " يَاءٌ " سَاكِنَةٌ وَهِيَ مُتَحَرِّكَةٌ قُلِبَتْ " يَاءً " فَجُعِلَتْ هِيَ وَ " الْيَاءُ " الَّتِي قَبْلَهَا " يَاءً " مُشَدَّدَةً ؛ لِأَنَّ الْعَرَبَ كَذَلِكَ تَفْعَلُ بِ " الْوَاوِ " الْمُتَحَرِّكَةِ إِذَا تَقَدَّمَتْهَا " يَاءٌ " سَاكِنَةٌ .
وَأَمَّا " الْقَيَّامُ " فَإِنَّ أَصْلَهُ " الْقَيْوَامُ " وَهُوَ " الْفَيْعَالُ " مِنْ " قَامَ يَقُومُ " سَبَقَتِ " الْوَاوَ " الْمُتَحَرِّكَةَ مِنْ " قَيْوَامٍ " " يَاءٌ " سَاكِنَةٌ ، فَجُعِلَتَا جَمِيعًا " يَاءً " مُشَدَّدَةً .
وَلَوْ أَنَّ " الْقَيُّومَ " " فَعُولٌ " كَانَ " الْقَوُّومَ " وَلَكِنَّهُ " الْفَيْعُولُ " . وَكَذَلِكَ " الْقَيَّامُ " لَوْ كَانَ " الْفَعَّالُ " لَكَانَ " الْقَوَّامُ " كَمَا قِيلَ : " الصَّوَّامُ وَالْقَوَّامُ " وَكَمَا قَالَ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=8كُونُوا قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاءَ بِالْقِسْطِ ) [ سُورَةُ الْمَائِدَةِ : 8 ] ، وَلَكِنَّهُ " الْفَيْعَالُ " فَقِيلَ : " الْقَيَّامُ " .
وَأَمَّا " الْقَيِّمُ " فَهُوَ " الْفَيْعِلُ " مِنْ " قَامَ يَقُومُ " سَبَقَتِ " الْوَاوَ " الْمُتَحَرِّكَةَ " يَاءٌ " سَاكِنَةٌ فَجُعِلَتَا " يَاءً " مُشَدَّدَةً ، كَمَا قِيلَ : " فُلَانٌ سَيِّدُ قَوْمِهِ " مِنْ " سَادَ يَسُودُ " وَ " هَذَا طَعَامٌ جَيِّدٌ " مِنْ " جَادَ يَجُودُ " وَمَا أَشْبَهَ ذَلِكَ .
وَإِنَّمَا جَاءَ ذَلِكَ بِهَذِهِ الْأَلْفَاظِ ؛ لِأَنَّهُ قَصَدَ بِهِ قَصْدَ الْمُبَالَغَةِ فِي الْمَدْحِ ، فَكَانَ " الْقَيُّومُ " وَ " الْقَيَّامُ " وَ " الْقَيِّمُ " أَبْلَغَ فِي الْمَدْحِ مِنَ " الْقَائِمِ " وَإِنَّمَا كَانَ
عُمَرُ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ يَخْتَارُ قِرَاءَتَهُ - إِنْ شَاءَ اللَّهُ - " الْقَيَّامُ " ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ الْغَالِبُ عَلَى مَنْطِقِ
أَهْلِ الْحِجَازِ فِي ذَوَاتِ الثَّلَاثَةِ مِنَ " الْيَاءِ " " الْوَاوِ " فَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الصَّوَّاغِ :
[ ص: 160 ] " الصَّيَّاغُ " وَيَقُولُونَ لِلرَّجُلِ الْكَثِيرِ الدَّوْرَانِ : " الدَّيَّارُ " . وَقَدْ قِيلَ إِنَّ قَوْلَ اللَّهِ - جَلَّ ثَنَاؤُهُ - : (
nindex.php?page=tafseer&surano=71&ayano=26لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا ) [ سُورَةُ نُوحٍ : 26 ] إِنَّمَا هُوَ " دَوَّارٌ " " فَعَّالًا " مِنْ " دَارَ يَدُورُ " وَلَكِنَّهَا نَزَلَتْ بِلُغَةِ
أَهْلِ الْحِجَازِ ، وَأُقِرَّتْ كَذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ .