(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن فريقا من المؤمنين لكارهون ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يجادلونك في الحق بعدما تبين كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون ( 6 )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم وتودون أن غير ذات الشوكة تكون لكم ويريد الله أن يحق الحق بكلماته ويقطع دابر الكافرين ( 7 ) )
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28979_29313كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ) اختلفوا في الجالب لهذه الكاف التي في قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كما أخرجك ربك ) قال
المبرد : تقديره الأنفال لله وللرسول وإن كرهوا ، كما أخرجك ربك من بيتك بالحق وإن كرهوا . وقيل : تقديره امض لأمر الله في الأنفال وإن كرهوا كما مضيت لأمر الله في الخروج من البيت لطلب العير وهم كارهون .
وقال
عكرمة : معناه فاتقوا الله وأصلحوا ذات بينكم فإن ذلك خير لكم ، كما أن إخراج
محمد - صلى الله عليه وسلم - من بيته بالحق خير لكم ، وإن كرهه فريق منكم .
وقال
مجاهد : معناه كما أخرجك ربك من بيتك بالحق على كره فريق منهم ، كذلك يكرهون القتال ويجادلون فيه .
وقيل : هو راجع إلى قوله : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4لهم درجات عند ربهم " تقديره : وعد الله الدرجات لهم حق ينجزه الله - عز وجل - كما أخرجك ربك من بيتك بالحق ، فأنجز الوعد بالنصر والظفر .
[ ص: 328 ]
وقيل : الكاف بمعنى على تقديره : امض على الذي أخرجك ربك .
وقال
أبو عبيدة : هي بمعنى القسم مجازا ، والذي أخرجك ؛ لأن " ما " في موضع الذي ، وجوابه " يجادلونك " وعليه يقع القسم . تقديره : يجادلونك والله الذي أخرجك ربك من بيتك بالحق . وقيل : الكاف بمعنى " إذ " تقديره : واذكر إذ أخرجك ربك .
قيل : المراد بهذا الإخراج هو إخراجه من
مكة إلى
المدينة . والأكثرون على أن المراد منه إخراجه من
المدينة إلى
بدر ، أي : كما أمرك ربك بالخروج من بيتك إلى
المدينة بالحق - قيل بالوحي - لطلب المشركين (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وإن فريقا من المؤمنين ) منهم ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5لكارهون )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يجادلونك في الحق ) أي : في القتال ، ( بعد ما تبين ) وذلك أن المؤمنين لما أيقنوا بالقتال كرهوا ذلك ، وقالوا : لم تعلمنا أنا نلقى العدو فنستعد لقتالهم ، وإنما خرجنا للعير ، فذلك جدالهم بعد ما تبين لهم أنك لا تصنع إلا ما أمرك ، وتبين صدقك في الوعد ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6كأنما يساقون إلى الموت ) لشدة كراهيتهم القتال ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6وهم ينظرون ) فيه تقديم وتأخير تقديره : وإن فريقا من المؤمنين لكارهون كأنما يساقون إلى الموت وهم ينظرون يجادلونك في الحق بعدما تبين . قال
ابن زيد : هؤلاء المشركون جادلوه في الحق كأنما يساقون إلى الموت حين يدعون إلى الإسلام لكراهيتهم إياه وهم ينظرون .
قوله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وإذ يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) قال
ابن عباس وابن الزبير nindex.php?page=showalam&ids=16903ومحمد بن إسحاق nindex.php?page=showalam&ids=14468والسدي أقبل
أبو سفيان من
الشام في عير
لقريش في أربعين راكبا من كفار
قريش فيهم :
عمرو بن العاص ،
ومخرمة بن نوفل الزهري ، وفيها تجارة كثيرة ، وهي اللطيمة حتى إذا كانوا قريبا من
بدر ، فبلغ النبي - صلى الله عليه وسلم - ذلك فندب أصحابه إليه وأخبرهم بكثرة المال وقلة العدد ، وقال : هذه عير
قريش فيها أموالكم فاخرجوا إليها لعل الله تعالى أن ينفلكموها ، فانتدب الناس فخف بعضهم وثقل بعضهم ، وذلك أنهم لم يظنوا أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يلقى حربا .
فلما سمع
أبو سفيان بمسير النبي - صلى الله عليه وسلم - استأجر
ضمضم بن عمرو الغفاري ، فبعثه إلى
مكة ، وأمره أن يأتي
قريشا فيستنفرهم ويخبرهم أن
محمدا قد عرض لعيرهم في أصحابه ، فخرج
ضمضم سريعا إلى
مكة .
[ ص: 329 ]
وقد
nindex.php?page=treesubj&link=29313رأت nindex.php?page=showalam&ids=10982عاتكة بنت عبد المطلب قبل قدوم ضمضم مكة بثلاث ليال رؤيا أفزعتها فبعثت إلى أخيها nindex.php?page=showalam&ids=18العباس بن عبد المطلب فقالت له : يا أخي والله لقد رأيت الليلة رؤيا أفزعتني وخشيت أن يدخل على قومك منها شر ومصيبة ، فاكتم علي ما أحدثك . قال لها : وما رأيت ؟ قالت : رأيت راكبا أقبل على بعير له حتى وقف بالأبطح ، ثم صرخ بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، فأرى الناس قد اجتمعوا إليه ، ثم دخل المسجد والناس يتبعونه فبينما هم حوله مثل به بعيره على ظهر الكعبة ثم صرخ بمثلها بأعلى صوته ألا انفروا يا آل غدر لمصارعكم في ثلاث ، ثم مثل به بعيره على رأس أبي قبيس ، فصرخ بمثلها ، ثم أخذ صخرة فأرسلها فأقبلت تهوي حتى إذا كانت بأسفل الجبل ارفضت فما بقي بيت من بيوت
مكة ولا دار من دورها إلا دخلتها منها فلقة .
فقال
العباس : والله إن هذه لرؤيا رأيت ! فاكتميها ولا تذكريها لأحد .
ثم خرج
العباس فلقي
الوليد بن عتبة بن ربيعة بن عبد شمس ، وكان له صديقا فذكرها له واستكتمه إياها ، فذكرها
الوليد لأبيه
عتبة ففشا الحديث حتى تحدثت به
قريش .
قال
العباس : فغدوت أطوف بالبيت
وأبو جهل بن هشام في رهط من
قريش قعود يتحدثون برؤيا
عاتكة ، فلما رآني
أبو جهل قال : يا
أبا الفضل إذا فرغت من طوافك فأقبل إلينا ، قال : فلما فرغت أقبلت حتى جلست معهم ، فقال لي
أبو جهل : يا
بني عبد المطلب متى حدثت هذه النبية فيكم ؟
قلت : وما ذاك ؟
قال : الرؤيا التي رأت
عاتكة
قلت : وما رأت ؟
قال : يا
بني عبد المطلب أما رضيتم أن تتنبأ رجالكم حتى تتنبأ نساؤكم ؟ قد زعمت
عاتكة في رؤياها أنه قال انفروا في ثلاث فسنتربص بكم هذه الثلاث ، فإن يك ما قالت حقا فسيكون ، وإن تمض الثلاث ، ولم يكن من ذلك شيء ، نكتب عليكم كتابا أنكم أكذب أهل بيت في العرب .
فقال
العباس : والله ما كان مني إليه كبير إلا أني جحدت ذلك وأنكرت أن تكون رأت شيئا ، ثم
[ ص: 330 ] تفرقنا فلما أمسيت لم تبق امرأة من
بني عبد المطلب إلا أتتني فقالت : أقررتم لهذا الفاسق الخبيث أن يقع في رجالكم ثم قد تناول النساء وأنت تسمع ، ثم لم تكن عندك غيرة لشيء مما سمعت
قال : قلت والله قد فعلت ما كان مني إليه من كثير ، وأيم الله لأتعرضن له فإن عاد لأكفينكه .
قال : فغدوت في اليوم الثالث من رؤيا
عاتكة وأنا حديد مغضب أرى أن قد فاتني منه أمر أحب أن أدركه منه ، قال : فدخلت المسجد فرأيته ، فوالله إني لأمشي نحوه أتعرضه ليعود لبعض ما قال فأقع به ، وكان رجلا خفيفا ، حديد الوجه ، حديد اللسان ، حديد النظر ، إذ خرج نحو باب المسجد يشتد .
قال : قلت في نفسي : ما له لعنه الله ؟ أكل هذا فرقا مني أن أشاتمه ؟ قال : فإذا هو قد سمع ما لم أسمع ، صوت
ضمضم بن عمرو ، وهو يصرخ ببطن الوادي واقفا على بعيره ، وقد جدع بعيره وحول رحله وشق قميصه وهو يقول : يا معشر
قريش اللطيمة اللطيمة أموالكم مع
أبي سفيان قد عرض لها
محمد في أصحابه ، لا أرى أن تدركوها ، الغوث الغوث . قال : فشغلني عنه وشغله عني ما جاء من الأمر ، فتجهز الناس سراعا فلم يتخلف من أشراف
قريش أحد إلا أن
أبا لهب قد تخلف وبعث مكانه
العاص بن هشام بن المغيرة .
فلما اجتمعت
قريش للمسير ذكرت الذي بينها وبين
بني بكر بن عبد مناة بن كنانة بن الحارث ، فقالوا : نخشى أن يأتونا من خلفنا فكاد ذلك أن يثنيهم ، فتبدى لهم إبليس في صورة
سراقة بن مالك بن جعشم وكان من أشراف
بني بكر ، فقال : أنا جار لكم من أن تأتيكم
كنانة من خلفكم بشيء تكرهونه .
فخرجوا سراعا ، وخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في أصحابه ، في ليال مضت من شهر رمضان ، حتى إذا بلغ واديا يقال له
ذفران ، فأتاه الخبر عن
nindex.php?page=treesubj&link=29313مسير قريش ليمنعوا عيرهم ، فخرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - حتى إذا كان
بالروحاء أخذ عينا للقوم فأخبره بهم .
وبعث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أيضا عينا له من
جهينة حليفا
للأنصار يدعى
عبد الله بن أريقط فأتاه بخبر القوم وسبقت العير رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فنزل
جبريل وقال : إن الله وعدكم إحدى الطائفتين إما العير وإما
قريشا ، وكانت العير أحب إليهم ،
nindex.php?page=treesubj&link=30764فاستشار النبي - صلى الله عليه وسلم - أصحابه في طلب العير وحرب النفير ، فقام
أبو بكر فقال فأحسن ، ثم قام
عمر فقال فأحسن ، ثم قام
المقداد بن عمرو فقال : يا رسول الله امض
[ ص: 331 ] لما أراك الله فنحن معك فوالله ما نقول لك كما قالت
بنو إسرائيل لموسى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فاذهب أنت وربك فقاتلا إنا هاهنا قاعدون ، ولكن نقول : اذهب أنت وربك فقاتلا إنا معكما مقاتلون ، فوالذي بعثك بالحق لو سرت بنا إلى
برك الغماد يعني مدينة
الحبشة لجالدنا معك من دونه حتى تبلغه ، فقال له رسول الله - صلى الله عليه وسلم - خيرا ودعا له بخير .
ثم قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
" أشيروا علي أيها الناس " وإنما يريد
الأنصار ، وذلك أنهم عدد الناس وأنهم حين بايعوه
بالعقبة قالوا : يا رسول الله إنا براء من ذمامك حتى تصل إلى دارنا ، فإذا وصلت إلينا فأنت في ذمامنا نمنعك مما نمنع منه أبناءنا ونساءنا ، فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتخوف أن لا تكون
الأنصار ترى عليها نصرته إلا على من دهمه
بالمدينة من عدوه ، وأن ليس عليهم أن يسير بهم إلى عدو من بلادهم .
فلما قال ذلك رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال له
nindex.php?page=showalam&ids=307سعد بن معاذ : والله لكأنك تريدنا يا رسول الله؟
قال : أجل .
قال : قد آمنا بك وصدقناك وشهدنا أن ما جئتنا به هو الحق أعطيناك على ذلك عهودا ومواثيق على السمع والطاعة ، فامض يا رسول الله لما أردت فوالذي بعثك بالحق لو استعرضت بنا هذا البحر فخضته لخضناه معك ما تخلف منا رجل واحد ، وما نكره أن تلقى بنا عدونا غدا إنا لصبر عند الحرب صدق في اللقاء ولعل الله تعالى يريك منا ما تقر به عينك ، فسر بنا على بركة الله ، فسر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بقول
سعد ونشطه ذلك ، ثم قال :
" سيروا على بركة الله وأبشروا فإن الله قد وعدني إحدى الطائفتين ، والله لكأني الآن أنظر إلى مصارع القوم " .
قال
ثابت عن
أنس قال : قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814707 " هذا مصرع فلان وهذا مصرع فلان " ، قال ويضع يده على الأرض هاهنا وهاهنا ، قال فما ماط أحد عن موضع يد رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ، فذلك قوله تعالى : ( وإذ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7يعدكم الله إحدى الطائفتين أنها لكم ) أي : الفريقين إحداهما
أبو سفيان مع العير والأخرى
أبو جهل مع النفير .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وتودون ) أي : تريدون (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7أن غير ذات الشوكة تكون لكم ) يعني العير التي ليس فيها قتال . والشوكة : الشدة والقوة . ويقال السلاح .
[ ص: 332 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7ويريد الله أن يحق الحق ) أي يظهره ويعليه ، ( بكلماته ) بأمره إياكم بالقتال . وقيل بعداته التي سبقت من
nindex.php?page=treesubj&link=30780إظهار الدين وإعزازه ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7ويقطع دابر الكافرين ) أي : يستأصلهم حتى لا يبقى منهم أحد ، يعني : كفار العرب .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ ( 5 )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ ( 6 )
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ وَتَوَدُّونَ أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ بِكَلِمَاتِهِ وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ( 7 ) )
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5nindex.php?page=treesubj&link=28979_29313كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ) اخْتَلَفُوا فِي الْجَالِبِ لِهَذِهِ الْكَافِ الَّتِي فِي قَوْلِهِ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ ) قَالَ
الْمُبَرِّدُ : تَقْدِيرُهُ الْأَنْفَالُ لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ وَإِنْ كَرِهُوا ، كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ وَإِنْ كَرِهُوا . وَقِيلَ : تَقْدِيرُهُ امْضِ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْأَنْفَالِ وَإِنْ كَرِهُوا كَمَا مَضَيْتَ لِأَمْرِ اللَّهِ فِي الْخُرُوجِ مِنَ الْبَيْتِ لِطَلَبِ الْعِيرِ وَهُمْ كَارِهُونَ .
وَقَالَ
عِكْرِمَةُ : مَعْنَاهُ فَاتَّقُوا اللَّهَ وَأَصْلِحُوا ذَاتَ بَيْنِكُمْ فَإِنَّ ذَلِكَ خَيْرٌ لَكُمْ ، كَمَا أَنَّ إِخْرَاجَ
مُحَمَّدٍ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مِنْ بَيْتِهِ بِالْحَقِّ خَيْرٌ لَكُمْ ، وَإِنْ كَرِهَهُ فَرِيقٌ مِنْكُمْ .
وَقَالَ
مُجَاهِدٌ : مَعْنَاهُ كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ عَلَى كُرْهِ فَرِيقٍ مِنْهُمْ ، كَذَلِكَ يَكْرَهُونَ الْقِتَالَ وَيُجَادِلُونَ فِيهِ .
وَقِيلَ : هُوَ رَاجِعٌ إِلَى قَوْلِهِ : "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=4لَهُمْ دَرَجَاتٌ عِنْدَ رَبِّهِمْ " تَقْدِيرُهُ : وَعْدُ اللَّهِ الدَّرَجَاتِ لَهُمْ حَقٌّ يُنْجِزُهُ اللَّهُ - عَزَّ وَجَلَّ - كَمَا أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ ، فَأَنْجَزَ الْوَعْدَ بِالنَّصْرِ وَالظَّفَرِ .
[ ص: 328 ]
وَقِيلَ : الْكَافُ بِمَعْنَى عَلَى تَقْدِيرُهُ : امْضِ عَلَى الَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ .
وَقَالَ
أَبُو عُبَيْدَةَ : هِيَ بِمَعْنَى الْقَسَمِ مَجَازًا ، وَالَّذِي أَخْرَجَكَ ؛ لِأَنَّ " مَا " فِي مَوْضِعِ الَّذِي ، وَجَوَابُهُ " يُجَادِلُونَكَ " وَعَلَيْهِ يَقَعُ الْقَسَمُ . تَقْدِيرُهُ : يُجَادِلُونَكَ وَاللَّهِ الَّذِي أَخْرَجَكَ رَبُّكَ مِنْ بَيْتِكَ بِالْحَقِّ . وَقِيلَ : الْكَافُ بِمَعْنَى " إِذْ " تَقْدِيرُهُ : وَاذْكُرْ إِذْ أَخْرَجَكَ رَبُّكَ .
قِيلَ : الْمُرَادُ بِهَذَا الْإِخْرَاجِ هُوَ إِخْرَاجُهُ مِنْ
مَكَّةَ إِلَى
الْمَدِينَةِ . وَالْأَكْثَرُونَ عَلَى أَنَّ الْمُرَادَ مِنْهُ إِخْرَاجُهُ مِنَ
الْمَدِينَةِ إِلَى
بَدْرٍ ، أَيْ : كَمَا أَمَرَكَ رَبُّكَ بِالْخُرُوجِ مِنْ بَيْتِكَ إِلَى
الْمَدِينَةِ بِالْحَقِّ - قِيلَ بِالْوَحْيِ - لِطَلَبِ الْمُشْرِكِينَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ ) مِنْهُمْ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=5لَكَارِهُونَ )
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ ) أَيْ : فِي الْقِتَالِ ، ( بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ ) وَذَلِكَ أَنَّ الْمُؤْمِنِينَ لَمَّا أَيْقَنُوا بِالْقِتَالِ كَرِهُوا ذَلِكَ ، وَقَالُوا : لَمْ تُعْلِمْنَا أَنَّا نَلْقَى الْعَدُوَّ فَنَسْتَعِدَّ لِقِتَالِهِمْ ، وَإِنَّمَا خَرَجْنَا لِلْعِيرِ ، فَذَلِكَ جِدَالُهُمْ بَعْدَ مَا تَبَيَّنَ لَهُمْ أَنَّكَ لَا تَصْنَعُ إِلَّا مَا أَمَرَكَ ، وَتَبَيَّنَ صِدْقُكَ فِي الْوَعْدِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ ) لِشِدَّةِ كَرَاهِيَتِهِمُ الْقِتَالَ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=6وَهُمْ يَنْظُرُونَ ) فِيهِ تَقْدِيمٌ وَتَأْخِيرٌ تَقْدِيرُهُ : وَإِنَّ فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ لَكَارِهُونَ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ وَهُمْ يَنْظُرُونَ يُجَادِلُونَكَ فِي الْحَقِّ بَعْدَمَا تَبَيَّنَ . قَالَ
ابْنُ زَيْدٍ : هَؤُلَاءِ الْمُشْرِكُونَ جَادَلُوهُ فِي الْحَقِّ كَأَنَّمَا يُسَاقُونَ إِلَى الْمَوْتِ حِينَ يُدْعَوْنَ إِلَى الْإِسْلَامِ لِكَرَاهِيَتِهِمْ إِيَّاهُ وَهُمْ يَنْظُرُونَ .
قَوْلُهُ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَإِذْ يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ) قَالَ
ابْنُ عَبَّاسٍ وَابْنُ الزُّبَيْرِ nindex.php?page=showalam&ids=16903وَمُحَمَّدُ بْنُ إِسْحَاقَ nindex.php?page=showalam&ids=14468وَالسُّدِّيُّ أَقْبَلَ
أَبُو سُفْيَانَ مِنَ
الشَّامِ فِي عِيرٍ
لِقُرَيْشٍ فِي أَرْبَعِينَ رَاكِبًا مِنْ كُفَّارِ
قُرَيْشٍ فِيهِمْ :
عَمْرُو بْنُ الْعَاصِ ،
وَمَخْرَمَةُ بْنُ نَوْفَلٍ الزُّهْرِيُّ ، وَفِيهَا تِجَارَةٌ كَثِيرَةٌ ، وَهِيَ اللَّطِيمَةُ حَتَّى إِذَا كَانُوا قَرِيبًا مِنْ
بَدْرٍ ، فَبَلَغَ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ذَلِكَ فَنَدَبَ أَصْحَابَهُ إِلَيْهِ وَأَخْبَرَهُمْ بِكَثْرَةِ الْمَالِ وَقِلَّةِ الْعَدَدِ ، وَقَالَ : هَذِهِ عِيرُ
قُرَيْشٍ فِيهَا أَمْوَالُكُمْ فَاخْرُجُوا إِلَيْهَا لَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى أَنْ يُنْفِلَكُمُوهَا ، فَانْتَدَبَ النَّاسَ فَخَفَّ بَعْضُهُمْ وَثَقُلَ بَعْضُهُمْ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ لَمْ يَظُنُّوا أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَلْقَى حَرْبًا .
فَلَمَّا سَمِعَ
أَبُو سُفْيَانَ بِمَسِيرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - اسْتَأْجَرَ
ضَمْضَمَ بْنَ عَمْرٍو الْغِفَارِيَّ ، فَبَعَثَهُ إِلَى
مَكَّةَ ، وَأَمَرَهُ أَنْ يَأْتِيَ
قُرَيْشًا فَيَسْتَنْفِرَهُمْ وَيُخْبِرَهُمْ أَنَّ
مُحَمَّدًا قَدْ عَرَضَ لِعِيرِهِمْ فِي أَصْحَابِهِ ، فَخَرَجَ
ضَمْضَمٌ سَرِيعًا إِلَى
مَكَّةَ .
[ ص: 329 ]
وَقَدْ
nindex.php?page=treesubj&link=29313رَأَتْ nindex.php?page=showalam&ids=10982عَاتِكَةُ بِنْتُ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ قَبْلَ قُدُومِ ضَمْضَمٍ مَكَّةَ بِثَلَاثِ لَيَالٍ رُؤْيَا أَفْزَعَتْهَا فَبَعَثَتْ إِلَى أَخِيهَا nindex.php?page=showalam&ids=18الْعَبَّاسِ بْنِ عَبْدِ الْمُطَّلِبِ فَقَالَتْ لَهُ : يَا أَخِي وَاللَّهِ لَقَدْ رَأَيْتُ اللَّيْلَةَ رُؤْيَا أَفْزَعَتْنِي وَخَشِيتُ أَنْ يَدْخُلَ عَلَى قَوْمِكَ مِنْهَا شَرٌّ وَمُصِيبَةٌ ، فَاكْتُمْ عَلَيَّ مَا أُحَدِّثُكَ . قَالَ لَهَا : وَمَا رَأَيْتِ ؟ قَالَتْ : رَأَيْتُ رَاكِبًا أَقْبَلَ عَلَى بَعِيرٍ لَهُ حَتَّى وَقَفَ بِالْأَبْطَحِ ، ثُمَّ صَرَخَ بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ، فَأَرَى النَّاسَ قَدِ اجْتَمَعُوا إِلَيْهِ ، ثُمَّ دَخَلَ الْمَسْجِدَ وَالنَّاسُ يَتْبَعُونَهُ فَبَيْنَمَا هُمْ حَوْلَهُ مَثُلَ بِهِ بِعِيرُهُ عَلَى ظَهْرِ الْكَعْبَةِ ثُمَّ صَرَخَ بِمِثْلِهَا بِأَعْلَى صَوْتِهِ أَلَا انْفِرُوا يَا آلَ غُدُرَ لِمَصَارِعِكُمْ فِي ثَلَاثٍ ، ثُمَّ مَثُلَ بِهِ بِعِيرُهُ عَلَى رَأْسِ أَبِي قُبَيْسٍ ، فَصَرَخَ بِمِثْلِهَا ، ثُمَّ أَخَذَ صَخْرَةً فَأَرْسَلَهَا فَأَقْبَلَتْ تَهْوِي حَتَّى إِذَا كَانَتْ بِأَسْفَلِ الْجَبَلِ ارْفَضَّتْ فَمَا بَقِيَ بَيْتٌ مِنْ بُيُوتِ
مَكَّةَ وَلَا دَارٌ مِنْ دُورِهَا إِلَّا دَخَلَتْهَا مِنْهَا فِلْقَةٌ .
فَقَالَ
الْعَبَّاسُ : وَاللَّهِ إِنَّ هَذِهِ لَرُؤْيَا رَأَيْتِ ! فَاكْتُمِيهَا وَلَا تَذْكُرِيهَا لِأَحَدٍ .
ثُمَّ خَرَجَ
الْعَبَّاسُ فَلَقِيَ
الْوَلِيدَ بْنَ عُتْبَةَ بْنِ رَبِيعَةَ بْنِ عَبْدِ شَمْسٍ ، وَكَانَ لَهُ صَدِيقًا فَذَكَرَهَا لَهُ وَاسْتَكْتَمَهُ إِيَّاهَا ، فَذَكَرَهَا
الْوَلِيدُ لِأَبِيهِ
عُتْبَةَ فَفَشَا الْحَدِيثُ حَتَّى تَحَدَّثَتْ بِهِ
قُرَيْشٌ .
قَالَ
الْعَبَّاسُ : فَغَدَوْتُ أَطُوفُ بِالْبَيْتِ
وَأَبُو جَهْلِ بْنُ هِشَامٍ فِي رَهْطٍ مِنْ
قُرَيْشٍ قُعُودٌ يَتَحَدَّثُونَ بِرُؤْيَا
عَاتِكَةَ ، فَلَمَّا رَآنِي
أَبُو جَهْلٍ قَالَ : يَا
أَبَا الْفَضْلِ إِذَا فَرَغْتَ مِنْ طَوَافِكَ فَأَقْبِلْ إِلَيْنَا ، قَالَ : فَلَمَّا فَرَغْتُ أَقْبَلْتُ حَتَّى جَلَسْتُ مَعَهُمْ ، فَقَالَ لِي
أَبُو جَهْلٍ : يَا
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ مَتَى حَدَّثَتْ هَذِهِ النَّبِيَّةُ فِيكُمْ ؟
قُلْتُ : وَمَا ذَاكَ ؟
قَالَ : الرُّؤْيَا الَّتِي رَأَتْ
عَاتِكَةُ
قُلْتُ : وَمَا رَأَتْ ؟
قَالَ : يَا
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ أَمَا رَضِيتُمْ أَنْ تَتَنَبَّأَ رِجَالُكُمْ حَتَّى تَتَنَبَّأَ نِسَاؤُكُمْ ؟ قَدْ زَعَمَتْ
عَاتِكَةُ فِي رُؤْيَاهَا أَنَّهُ قَالَ انْفِرُوا فِي ثَلَاثٍ فَسَنَتَرَبَّصُ بِكُمْ هَذِهِ الثَّلَاثَ ، فَإِنْ يَكُ مَا قَالَتْ حَقًّا فَسَيَكُونُ ، وَإِنْ تَمْضِ الثَّلَاثُ ، وَلَمْ يَكُنْ مِنْ ذَلِكَ شَيْءٌ ، نَكْتُبُ عَلَيْكُمْ كِتَابًا أَنَّكُمْ أَكْذَبُ أَهْلِ بَيْتٍ فِي الْعَرَبِ .
فَقَالَ
الْعَبَّاسُ : وَاللَّهِ مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ كَبِيرٌ إِلَّا أَنِّي جَحَدْتُ ذَلِكَ وَأَنْكَرْتُ أَنْ تَكُونَ رَأَتْ شَيْئًا ، ثُمَّ
[ ص: 330 ] تَفَرَّقْنَا فَلَمَّا أَمْسَيْتُ لَمْ تَبْقَ امْرَأَةٌ مِنْ
بَنِي عَبْدِ الْمُطَّلِبِ إِلَّا أَتَتْنِي فَقَالَتْ : أَقْرَرْتُمْ لِهَذَا الْفَاسِقِ الْخَبِيثِ أَنْ يَقَعَ فِي رِجَالِكُمْ ثُمَّ قَدْ تَنَاوَلَ النِّسَاءَ وَأَنْتَ تَسْمَعُ ، ثُمَّ لَمْ تَكُنْ عِنْدَكَ غَيْرَةٌ لِشَيْءٍ مِمَّا سَمِعْتَ
قَالَ : قَلْتُ وَاللَّهِ قَدْ فَعَلْتُ مَا كَانَ مِنِّي إِلَيْهِ مِنْ كَثِيرٍ ، وَأَيْمُ اللَّهِ لَأَتَعَرَّضَنَّ لَهُ فَإِنْ عَادَ لَأَكْفِيَنَّكَهُ .
قَالَ : فَغَدَوْتُ فِي الْيَوْمِ الثَّالِثِ مِنْ رُؤْيَا
عَاتِكَةَ وَأَنَا حَدِيدٌ مُغْضَبٌ أَرَى أَنْ قَدْ فَاتَنِي مِنْهُ أَمْرٌ أُحِبُّ أَنْ أُدْرِكَهُ مِنْهُ ، قَالَ : فَدَخَلْتُ الْمَسْجِدَ فَرَأَيْتُهُ ، فَوَاللَّهِ إِنِّي لَأَمْشِي نَحْوَهُ أَتَعَرَّضُهُ لِيَعُودَ لِبَعْضِ مَا قَالَ فَأَقَعَ بِهِ ، وَكَانَ رَجُلًا خَفِيفًا ، حَدِيدَ الْوَجْهِ ، حَدِيدَ اللِّسَانِ ، حَدِيدَ النَّظَرِ ، إِذْ خَرَجَ نَحْوَ بَابِ الْمَسْجِدِ يَشْتَدُّ .
قَالَ : قُلْتُ فِي نَفْسِي : مَا لَهُ لَعَنَهُ اللَّهُ ؟ أَكُلَّ هَذَا فَرَقًا مِنِّي أَنْ أُشَاتِمَهُ ؟ قَالَ : فَإِذَا هُوَ قَدْ سَمِعَ مَا لَمْ أَسْمَعْ ، صَوْتَ
ضَمْضَمِ بْنِ عَمْرٍو ، وَهُوَ يَصْرُخُ بِبَطْنِ الْوَادِي وَاقِفًا عَلَى بَعِيرِهِ ، وَقَدْ جَدَعَ بِعِيرَهُ وَحَوَّلَ رَحْلَهُ وَشَقَّ قَمِيصَهُ وَهُوَ يَقُولُ : يَا مَعْشَرَ
قُرَيْشٍ اللَّطِيمَةَ اللَّطِيمَةَ أَمْوَالُكُمْ مَعَ
أَبِي سُفْيَانَ قَدْ عَرَضَ لَهَا
مُحَمَّدٌ فِي أَصْحَابِهِ ، لَا أَرَى أَنْ تُدْرِكُوهَا ، الْغَوْثَ الْغَوْثَ . قَالَ : فَشَغَلَنِي عَنْهُ وَشَغَلَهُ عَنِّي مَا جَاءَ مِنَ الْأَمْرِ ، فَتَجَهَّزَ النَّاسُ سِرَاعًا فَلَمْ يَتَخَلَّفْ مِنْ أَشْرَافِ
قُرَيْشٍ أَحَدٌ إِلَّا أَنَّ
أَبَا لَهَبٍ قَدْ تَخَلَّفَ وَبَعَثَ مَكَانَهُ
الْعَاصَ بْنَ هِشَامِ بْنِ الْمُغِيرَةِ .
فَلَمَّا اجْتَمَعَتْ
قُرَيْشٌ لِلْمَسِيرِ ذَكَرَتِ الَّذِي بَيْنَهَا وَبَيْنَ
بَنِي بَكْرِ بْنِ عَبْدِ مَنَاةَ بْنِ كِنَانَةَ بْنِ الْحَارِثِ ، فَقَالُوا : نَخْشَى أَنْ يَأْتُونَا مِنْ خَلْفِنَا فَكَادَ ذَلِكَ أَنْ يُثْنِيَهُمْ ، فَتَبَدَّى لَهُمْ إِبْلِيسُ فِي صُورَةِ
سُرَاقَةَ بْنِ مَالِكِ بْنِ جَعْشَمٍ وَكَانَ مِنْ أَشْرَافِ
بَنِي بَكْرٍ ، فَقَالَ : أَنَا جَارٌ لَكُمْ مِنْ أَنْ تَأْتِيَكُمْ
كِنَانَةُ مِنْ خَلْفِكُمْ بِشَيْءٍ تَكْرَهُونَهُ .
فَخَرَجُوا سِرَاعًا ، وَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي أَصْحَابِهِ ، فِي لَيَالٍ مَضَتْ مِنْ شَهْرِ رَمَضَانَ ، حَتَّى إِذَا بَلَغَ وَادِيًا يُقَالُ لَهُ
ذَفِرَانَ ، فَأَتَاهُ الْخَبَرُ عَنْ
nindex.php?page=treesubj&link=29313مَسِيرِ قُرَيْشٍ لِيَمْنَعُوا عِيرَهُمْ ، فَخَرَجَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - حَتَّى إِذَا كَانَ
بِالرَّوْحَاءِ أَخَذَ عَيْنًا لِلْقَوْمِ فَأَخْبَرَهُ بِهِمْ .
وَبَعْثَ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَيْضًا عَيْنًا لَهُ مِنْ
جُهَيْنَةَ حَلِيفًا
لِلْأَنْصَارِ يُدْعَى
عَبْدَ اللَّهِ بْنَ أُرَيْقِطٍ فَأَتَاهُ بِخَبَرِ الْقَوْمِ وَسَبَقَتِ الْعِيرُ رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَنَزَلَ
جِبْرِيلُ وَقَالَ : إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ إِمَّا الْعِيرَ وَإِمَّا
قُرَيْشًا ، وَكَانَتِ الْعِيرُ أَحَبَّ إِلَيْهِمْ ،
nindex.php?page=treesubj&link=30764فَاسْتَشَارَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَصْحَابَهُ فِي طَلَبِ الْعِيرِ وَحَرْبِ النَّفِيرِ ، فَقَامَ
أَبُو بَكْرٍ فَقَالَ فَأَحْسَنَ ، ثُمَّ قَامَ
عُمَرُ فَقَالَ فَأَحْسَنَ ، ثُمَّ قَامَ
الْمِقْدَادُ بْنُ عَمْرٍو فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللَّهِ امْضِ
[ ص: 331 ] لِمَا أَرَاكَ اللَّهُ فَنَحْنُ مَعَكَ فَوَاللَّهِ مَا نَقُولُ لَكَ كَمَا قَالَتْ
بَنُو إِسْرَائِيلَ لِمُوسَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=5&ayano=24فَاذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا هَاهُنَا قَاعِدُونَ ، وَلَكِنْ نَقُولُ : اذْهَبْ أَنْتَ وَرَبُّكَ فَقَاتِلَا إِنَّا مَعَكُمَا مُقَاتِلُونَ ، فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوْ سِرْتَ بِنَا إِلَى
بَرْكِ الْغَمَادِ يَعْنِي مَدِينَةَ
الْحَبَشَةِ لَجَالَدْنَا مَعَكَ مَنْ دُونَهُ حَتَّى تَبْلُغَهُ ، فَقَالَ لَهُ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - خَيْرًا وَدَعَا لَهُ بِخَيْرٍ .
ثُمَّ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
" أَشِيرُوا عَلَيَّ أَيُّهَا النَّاسُ " وَإِنَّمَا يُرِيدُ
الْأَنْصَارَ ، وَذَلِكَ أَنَّهُمْ عَدَدُ النَّاسِ وَأَنَّهُمْ حِينَ بَايَعُوهُ
بِالْعَقَبَةِ قَالُوا : يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّا بَرَاءٌ مِنْ ذِمَامِكَ حَتَّى تَصِلَ إِلَى دَارِنَا ، فَإِذَا وَصَلْتَ إِلَيْنَا فَأَنْتَ فِي ذِمَامِنَا نَمْنَعُكَ مِمَّا نَمْنَعُ مِنْهُ أَبْنَاءَنَا وَنِسَاءَنَا ، فَكَانَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَتَخَوَّفُ أَنْ لَا تَكُونَ
الْأَنْصَارُ تَرَى عَلَيْهَا نُصْرَتَهُ إِلَّا عَلَى مَنْ دَهَمَهُ
بِالْمَدِينَةِ مِنْ عَدُوِّهِ ، وَأَنْ لَيْسَ عَلَيْهِمْ أَنْ يَسِيرَ بِهِمْ إِلَى عَدُوٍّ مِنْ بِلَادِهِمْ .
فَلَمَّا قَالَ ذَلِكَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ لَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=307سَعْدُ بْنُ مُعَاذٍ : وَاللَّهِ لَكَأَنَّكَ تُرِيدُنَا يَا رَسُولَ اللَّهِ؟
قَالَ : أَجَلْ .
قَالَ : قَدْ آمَنَّا بِكَ وَصَدَّقْنَاكَ وَشَهِدْنَا أَنَّ مَا جِئْتَنَا بِهِ هُوَ الْحَقُّ أَعْطَيْنَاكَ عَلَى ذَلِكَ عُهُودًا وَمَوَاثِيقَ عَلَى السَّمْعِ وَالطَّاعَةِ ، فَامْضِ يَا رَسُولَ اللَّهِ لِمَا أَرَدْتَ فَوَالَّذِي بَعَثَكَ بِالْحَقِّ لَوِ اسْتَعْرَضْتَ بِنَا هَذَا الْبَحْرَ فَخُضْتَهُ لَخُضْنَاهُ مَعَكَ مَا تَخَلَّفَ مِنَّا رَجُلٌ وَاحِدٌ ، وَمَا نَكْرَهُ أَنْ تَلْقَى بِنَا عَدُوَّنَا غَدًا إِنَّا لَصُبُرٌ عِنْدَ الْحَرْبِ صُدُقٌ فِي اللِّقَاءِ وَلَعَلَّ اللَّهَ تَعَالَى يُرِيكَ مِنَّا مَا تَقَرُّ بِهِ عَيْنُكَ ، فَسِرْ بِنَا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ ، فَسُرَّ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِقَوْلِ
سَعْدٍ وَنَشَّطَهَ ذَلِكَ ، ثُمَّ قَالَ :
" سِيرُوا عَلَى بَرَكَةِ اللَّهِ وَأَبْشِرُوا فَإِنَّ اللَّهَ قَدْ وَعَدَنِي إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ ، وَاللَّهِ لِكَأَنِيٍّ الْآنَ أَنْظُرُ إِلَى مَصَارِعِ الْقَوْمِ " .
قَالَ
ثَابِتٌ عَنْ
أَنَسٍ قَالَ : قَالَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - :
nindex.php?page=hadith&LINKID=814707 " هَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ وَهَذَا مَصْرَعُ فُلَانٍ " ، قَالَ وَيَضَعُ يَدَهُ عَلَى الْأَرْضِ هَاهُنَا وَهَاهُنَا ، قَالَ فَمَا مَاطَ أَحَدٌ عَنْ مَوْضِعِ يَدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ، فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى : ( وَإِذْ nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7يَعِدُكُمُ اللَّهُ إِحْدَى الطَّائِفَتَيْنِ أَنَّهَا لَكُمْ ) أَيْ : الْفَرِيقَيْنِ إِحْدَاهُمَا
أَبُو سُفْيَانَ مَعَ الْعِيرِ وَالْأُخْرَى
أَبُو جَهْلٍ مَعَ النَّفِيرِ .
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَتَوَدُّونَ ) أَيْ : تُرِيدُونَ (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7أَنَّ غَيْرَ ذَاتِ الشَّوْكَةِ تَكُونُ لَكُمْ ) يَعْنِي الْعِيرَ الَّتِي لَيْسَ فِيهَا قِتَالٌ . وَالشَّوْكَةُ : الشِّدَّةُ وَالْقُوَّةُ . وَيُقَالُ السِّلَاحُ .
[ ص: 332 ]
(
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَيُرِيدُ اللَّهُ أَنْ يُحِقَّ الْحَقَّ ) أَيْ يُظْهِرَهُ وَيُعْلِيهِ ، ( بِكَلِمَاتِهِ ) بِأَمْرِهِ إِيَّاكُمْ بِالْقِتَالِ . وَقِيلَ بِعِدَاتِهِ الَّتِي سَبَقَتْ مِنْ
nindex.php?page=treesubj&link=30780إِظْهَارِ الدِّينِ وَإِعْزَازِهِ ، (
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=7وَيَقْطَعَ دَابِرَ الْكَافِرِينَ ) أَيْ : يَسْتَأْصِلَهُمْ حَتَّى لَا يَبْقَى مِنْهُمْ أَحَدٌ ، يَعْنِي : كُفَّارَ الْعَرَبِ .