nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=28979_29677فلم تقتلوهم ولكن الله قتلهم
الأظهر أن الفاء فصيحة ناشئة عن جملة " إذ يوحي ربك إلى الملائكة أني معكم " تفصح عن مقدر قبلها شرط أو غيره ، والأكثر أن يكون شرطا فتكون رابطة لجوابه ، والتقدير هنا إذا علمتم أن الله أوحى إلى الملائكة بضرب أعناق المشركين وقطع أيديهم فلم تقتلوهم أنتم ولكن الله قتلهم أي فقد تبين أنكم لم تقتلوهم أنتم ، وإلى هذا يشير كلام صاحب الكشاف هنا وتبعه صاحب المفتاح في آخر باب النهي .
ويجوز أن تكون الفاء عاطفة على جملة "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15يا أيها الذين آمنوا إذا لقيتم الذين كفروا زحفا فلا تولوهم الأدبار " أي يتفرع على النهي عن أن تولوا المشركين الأدبار تنبيهكم إلى أن الله هو الذي دفع المشركين عنكم وأنتم أقل منهم عددا وعدة ، والتفريع بالفاء تفريع العلة على المعلول ، فإن كون قتل المشركين ورميهم حاصلا من الله لأمن المسلمين يفيد تعليلا وتوجيها لنهيهم عن أن يولوهم الأدبار ، ولأمرهم الصبر والثبات وهو تعريض بضمان تأييد الله إياهم إن امتثلوا لقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=46واصبروا إن الله مع الصابرين " فإنهم إذا امتثلوا ما أمرهم الله كان الله ناصرهم ، وذلك يؤكد الوعيد على تولية الأدبار لأنه يقطع عذر المتولين والفارين ، ولذلك قال الله - تعالى - في وقعة
أحد nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=155إن الذين تولوا منكم يوم التقى الجمعان إنما استزلهم الشيطان ببعض ما كسبوا .
وإذ قد تضمنت الجملة إخبارا عن حالة أفعال فعلها المخاطبون ، كان المقصود إعلامهم بنفي ما يظنونه من أن حصول قتل المشركين يوم
بدر كان بأسباب ضرب سيوف المسلمين ، فأنبأهم أن تلك السيوف ما كان يحق لها أن تؤثر ذلك التأثير المصيب المطرد العام الذي حل بأبطال ذوي شجاعة ، وذوي شوكة وشكة ، وإنما كان ضرب سيوف المسلمين صوريا ، أكرم الله المسلمين بمقارنته فعل الله - تعالى - الخارق للعادة ، فالمنفي هو الضرب الكائن سبب القتل في العادة ، وبذلك كان القتل الحاصل يومئذ معجزة للرسول - صلى الله عليه وسلم - وكرامة لأصحابه ، وليس المنفي تأثير الضرب
[ ص: 294 ] في نفس الأمر بناء على القضاء والقدر ، لأنه لو كان ذلك لم يكن للقتل الحاصل يوم
بدر مزية على أي قتل يقع بالحق أو بالباطل ، في جاهلية أو إسلام ، وذلك سياق الآية الذي هو تكريم المسلمين وتعليل نهيهم عن الفرار إذا لقوا .
وليس السياق لتعليم العقيدة الحق .
وأصل الخبر المنفي أن يدل على انتفاء صدور المسند عن المسند إليه ، لا أن يدل على انتفاء وقوع المسند أصلا فلذلك صح النفي في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17فلم تقتلوهم " مع كون القتل حاصلا ، وإنما المنفي كونه صادرا عن أسبابهم .
ووجه الاستدراك المفاد ب " لكن " أن الخبر نفى أن يكون القتل الواقع صادرا عن المخاطبين فكان السامع بحيث يتطلب أكان القتل حقيقة أم هو دون القتل ، ومن كان فاعلا له ، فاحتيج إلى الاستدراك بقوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17ولكن الله قتلهم " .
وقدم المسند إليه على المسند الفعلي في قوله "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17ولكن الله قتلهم " دون أن يقال ولكن قتلهم الله ، لمجرد الاهتمام لا الاختصاص ، لأن نفي اعتقاد المخاطبين أنهم القاتلون قد حصل من جملة النفي ، فصار المخاطبون متطلبين لمعرفة فاعل قتل المشركين فكان مهما عندهم تعجيل العلم به .
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17nindex.php?page=treesubj&link=28979_29677فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ
الْأَظْهَرُ أَنَّ الْفَاءَ فَصِيحَةٌ نَاشِئَةٌ عَنْ جُمْلَةِ " إِذْ يُوحِي رَبُّكَ إِلَى الْمَلَائِكَةِ أَنِّي مَعَكُمْ " تُفْصِحُ عَنْ مُقَدَّرٍ قَبْلَهَا شَرْطٌ أَوْ غَيْرُهُ ، وَالْأَكْثَرُ أَنْ يَكُونَ شَرْطًا فَتَكُونَ رَابِطَةً لِجَوَابِهِ ، وَالتَّقْدِيرُ هُنَا إِذَا عَلِمْتُمْ أَنَّ اللَّهَ أَوْحَى إِلَى الْمَلَائِكَةِ بِضَرْبِ أَعْنَاقِ الْمُشْرِكِينَ وَقَطْعِ أَيْدِيهِمْ فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ أَنْتُمْ وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ أَيْ فَقَدْ تَبَيَّنَ أَنَّكُمْ لَمْ تَقْتُلُوهُمْ أَنْتُمْ ، وَإِلَى هَذَا يُشِيرُ كَلَامُ صَاحِبِ الْكَشَّافِ هُنَا وَتَبِعَهُ صَاحِبُ الْمِفْتَاحِ فِي آخِرِ بَابِ النَّهْيِ .
وَيَجُوزُ أَنْ تَكُونَ الْفَاءُ عَاطِفَةً عَلَى جُمْلَةِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=15يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمُ الَّذِينَ كَفَرُوا زَحْفًا فَلَا تُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ " أَيْ يَتَفَرَّعُ عَلَى النَّهْيِ عَنْ أَنْ تُوَلُّوا الْمُشْرِكِينَ الْأَدْبَارَ تَنْبِيهُكُمْ إِلَى أَنَّ اللَّهَ هُوَ الَّذِي دَفَعَ الْمُشْرِكِينَ عَنْكُمْ وَأَنْتُمْ أَقَلُّ مِنْهُمْ عَدَدًا وَعُدَّةً ، وَالتَّفْرِيعُ بِالْفَاءِ تَفْرِيعُ الْعِلَّةِ عَلَى الْمَعْلُولِ ، فَإِنَّ كَوْنَ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ وَرَمْيِهِمْ حَاصِلًا مِنَ اللَّهِ لِأَمْنِ الْمُسْلِمِينَ يُفِيدُ تَعْلِيلًا وَتَوْجِيهًا لِنَهْيِهِمْ عَنْ أَنْ يُوَلُّوهُمُ الْأَدْبَارَ ، وَلِأَمْرِهِمُ الصَّبْرَ وَالثَّبَاتَ وَهُوَ تَعْرِيضٌ بِضَمَانِ تَأْيِيدِ اللَّهِ إِيَّاهُمْ إِنِ امْتَثَلُوا لِقَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=46وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ " فَإِنَّهُمْ إِذَا امْتَثَلُوا مَا أَمَرَهُمُ اللَّهُ كَانَ اللَّهُ نَاصِرَهُمْ ، وَذَلِكَ يُؤَكِّدُ الْوَعِيدَ عَلَى تَوْلِيَةِ الْأَدْبَارِ لِأَنَّهُ يَقْطَعُ عُذْرَ الْمُتَوَلِّينَ وَالْفَارِّينَ ، وَلِذَلِكَ قَالَ اللَّهُ - تَعَالَى - فِي وَقْعَةِ
أُحُدٍ nindex.php?page=tafseer&surano=3&ayano=155إِنَّ الَّذِينَ تَوَلَّوْا مِنْكُمْ يَوْمَ الْتَقَى الْجَمْعَانِ إِنَّمَا اسْتَزَلَّهُمُ الشَّيْطَانُ بِبَعْضِ مَا كَسَبُوا .
وَإِذْ قَدْ تَضَمَّنَتِ الْجُمْلَةُ إِخْبَارًا عَنْ حَالَةِ أَفْعَالٍ فَعَلَهَا الْمُخَاطَبُونَ ، كَانَ الْمَقْصُودُ إِعْلَامَهُمْ بِنَفْيِ مَا يَظُنُّونَهُ مِنْ أَنَّ حُصُولَ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ يَوْمَ
بَدْرٍ كَانَ بِأَسْبَابِ ضَرْبِ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ ، فَأَنَّبَأَهُمْ أَنَّ تِلْكَ السُّيُوفَ مَا كَانَ يَحِقُّ لَهَا أَنْ تُؤَثِّرَ ذَلِكَ التَّأْثِيرَ الْمُصِيبَ الْمُطَّرِدَ الْعَامَّ الَّذِي حَلَّ بِأَبْطَالٍ ذَوِي شَجَاعَةٍ ، وَذَوِي شَوْكَةٍ وَشِكَّةٍ ، وَإِنَّمَا كَانَ ضَرْبُ سُيُوفِ الْمُسْلِمِينَ صُورِيًّا ، أَكْرَمَ اللَّهُ الْمُسْلِمِينَ بِمُقَارَنَتِهِ فِعْلَ اللَّهِ - تَعَالَى - الْخَارِقَ لِلْعَادَةِ ، فَالْمَنْفِيُّ هُوَ الضَّرْبُ الْكَائِنُ سَبَبَ الْقَتْلِ فِي الْعَادَةِ ، وَبِذَلِكَ كَانَ الْقَتْلُ الْحَاصِلُ يَوْمَئِذٍ مُعْجِزَةً لِلرَّسُولِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَكَرَامَةً لِأَصْحَابِهِ ، وَلَيْسَ الْمَنْفِيُّ تَأْثِيرَ الضَّرْبِ
[ ص: 294 ] فِي نَفْسِ الْأَمْرِ بِنَاءً عَلَى الْقَضَاءِ وَالْقَدَرِ ، لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ ذَلِكَ لَمْ يَكُنْ لِلْقَتْلِ الْحَاصِلِ يَوْمَ
بَدْرٍ مَزِيَّةٌ عَلَى أَيِّ قَتْلٍ يَقَعُ بِالْحَقِّ أَوْ بِالْبَاطِلِ ، فِي جَاهِلِيَّةٍ أَوْ إِسْلَامٍ ، وَذَلِكَ سِيَاقُ الْآيَةِ الَّذِي هُوَ تَكْرِيمُ الْمُسْلِمِينَ وَتَعْلِيلُ نَهْيِهِمْ عَنِ الْفِرَارِ إِذَا لَقُوا .
وَلَيْسَ السِّيَاقُ لِتَعْلِيمِ الْعَقِيدَةِ الْحَقِّ .
وَأَصْلُ الْخَبَرِ الْمَنْفِيِّ أَنْ يَدُلَّ عَلَى انْتِفَاءِ صُدُورِ الْمُسْنَدِ عَنِ الْمُسْنَدِ إِلَيْهِ ، لَا أَنْ يَدُلَّ عَلَى انْتِفَاءِ وُقُوعِ الْمُسْنَدِ أَصْلًا فَلِذَلِكَ صَحَّ النَّفْيُ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ " مَعَ كَوْنِ الْقَتْلِ حَاصِلًا ، وَإِنَّمَا الْمَنْفِيُّ كَوْنُهُ صَادِرًا عَنْ أَسْبَابِهِمْ .
وَوَجْهُ الِاسْتِدْرَاكِ الْمُفَادِ بِ " لَكِنَّ " أَنَّ الْخَبَرَ نَفَى أَنْ يَكُونَ الْقَتْلُ الْوَاقِعُ صَادِرًا عَنِ الْمُخَاطَبِينَ فَكَانَ السَّامِعُ بِحَيْثُ يَتَطَلَّبُ أَكَانَ الْقَتْلُ حَقِيقَةً أَمْ هُوَ دُونَ الْقَتْلِ ، وَمَنْ كَانَ فَاعِلًا لَهُ ، فَاحْتِيجَ إِلَى الِاسْتِدْرَاكِ بِقَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ " .
وَقَدَّمَ الْمُسْنَدَ إِلَيْهِ عَلَى الْمُسْنَدِ الْفِعْلِيِّ فِي قَوْلِهِ "
nindex.php?page=tafseer&surano=8&ayano=17وَلَكِنَّ اللَّهَ قَتَلَهُمْ " دُونَ أَنْ يُقَالَ وَلَكِنْ قَتَلَهُمُ اللَّهُ ، لِمُجَرَّدِ الِاهْتِمَامِ لَا الِاخْتِصَاصُ ، لِأَنَّ نَفْيَ اعْتِقَادِ الْمُخَاطَبِينَ أَنَّهُمُ الْقَاتِلُونَ قَدْ حَصَلَ مِنْ جُمْلَةِ النَّفْيِ ، فَصَارَ الْمُخَاطَبُونَ مُتَطَلِّبِينَ لِمَعْرِفَةِ فَاعِلِ قَتْلِ الْمُشْرِكِينَ فَكَانَ مُهِمًّا عِنْدَهُمْ تَعْجِيلُ الْعِلْمِ بِهِ .