nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=28988_32416_32419ثم رددنا لكم الكرة عليهم وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم وإن أسأتم فلها عطف جملة ( فجاسوا ) فهو من تمام جواب ( إذا ) من قوله فإذا جاء وعد أولاهما ، ومن بقية المقضي في الكتاب ، وهو ماض لفظا مستقبل
[ ص: 32 ] معنى ، لأن ( إذا ) ظرف لما يستقبل ، وجيء به في صيغة الماضي لتحقيق وقوع ذلك ، والمعنى : نبعث عليكم عبادا لنا فيجوسون ، ونرد لكم الكرة عليهم ، ونمددكم بأموال وبنين ونجعلكم أكثر نفيرا .
و ( ثم ) تفيد التراخي الرتبي ، والتراخي الزمني معا .
والرد : الإرجاع ، وجيء بفعل رددنا ماضيا جاريا على الغالب في جواب ( إذا ) كما جاء شرطها فعلا ماضيا في قوله فإذا جاء وعد أولاهما بعثنا أي إذا يجيء يبعث . والكرة : الرجعة إلى المكان الذي ذهب منه .
فقوله عليهم ظرف مستقر هو حال من الكرة ؛ لأن رجوع
بني إسرائيل إلى
أورشليم كان بتغلب ملك فارس على ملك
بابل .
وذلك أن
بني إسرائيل بعد أن قضوا نيفا وأربعين سنة في أسر
البابليين ، وتابوا إلى الله ، وندموا على ما فرط منهم سلط الله ملوك فارس على ملوك
بابل الأشوريين ، فإن
الملك ( كورش ) ملك فارس حارب
البابليين ، وهزمهم فضعف سلطانهم ، ثم نزل بهم
( داريوس ) ملك فارس ، وفتح
بابل سنة 538 قبل
المسيح ، وأذن
لليهود في سنة 530 قبل
المسيح أن يرجعوا إلى
أورشليم ويجددوا دولتهم ، وذلك نصر انتصروه على
البابليين إذ كانوا أعوانا
للفرس عليهم .
والوعد بهذا النصر ورد أيضا في كتاب
أشعيا في الإصحاحات : العاشر ، والحادي عشر ، والثاني عشر ، وغيرها ، وفي كتاب
أرميا في الإصحاح الثامن والعشرين والإصحاح التاسع والعشرين .
وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6وأمددناكم بأموال وبنين وجعلناكم أكثر نفيرا هو من جملة المقضي الموعود به ، ووقع في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب
[ ص: 33 ] أرميا ( هكذا قال الرب إله إسرائيل لكل الذي سبيته من
أورشليم إلى
بابل : ابنوا بيوتا واسكنوا ، واغرسوا جنات ، وكلوا ثمرها ، خذوا نساء ولدوا بنين وبنات ، واكثروا هناك ولا تقلوا ) .
و ( نفيرا ) تمييز لـ ( أكثر ) فهو تبيين لجهة الأكثرية ، والنفير : اسم جمع للجماعة التي تنفر مع المرء من قومه وعشيرته ، ومنه قول
أبي جهل : لا في العير ، ولا في النفير .
والتفضيل في ( أكثر ) تفضيل على أنفسهم ، أي جعلناكم أكثر مما كنتم قبل الجلاء ، وهو المناسب لمقام الامتنان ، وقال جمع من المفسرين : أكثر نفيرا من أعدائكم الذين أخرجوكم من دياركم ، أي أفنى معظم
البابليين في الحروب مع
الفرس حتى صار عدد
بني إسرائيل في بلاد الأسر أكثر من عدد
البابليين .
وقوله إن أحسنتم أحسنتكم لأنفسكم وإن أسأتم فلها من جملة المقضي في الكتاب مما خوطب به
بنو إسرائيل ، وهو حكاية لما في الإصحاح التاسع والعشرين من كتاب
أرميا ( وصلوا لأجلها إلى الرب ؛ لأنه بسلامها يكون لكم سلام ) ، وفي الإصحاح الحادي والثلاثين ( يقول الرب أزرع بيت إسرائيل وبيت
يهوذا ويكون كما سهرت عليهم للاقتلاع والهدم والقرض والإهلاك ، كذلك أسهر عليهم للبناء والغرس في تلك الأيام لا يقولون : الآباء أكلوا حصرما وأسنان الأبناء ضرست بل كل واحد يموت بذنبه كل إنسان يأكل الحصرم تضرس أسنانه ) .
ومعنى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إن أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) أننا نرد لكم الكرة لأجل التوبة ، وتجدد الجيل ، وقد أصبحتم في حالة نعمة ، فإن أحسنتم كان جزاؤكم حسنا ، وإن أسأتم لأنفسكم ، فكما أهلكنا من قبلكم بذنوبهم فقد أحسنا إليكم بتوبتكم ، فاحذروا الإساءة ; كيلا تصيروا إلى مصير من قبلكم .
[ ص: 34 ] وإعادة فعل أحسنتم تنويه فلم يقل : إن أحسنتم فلأنفسكم ، وذلك مثل قول
الأحوص :
فإذا تزول تزول عن متخمط تخشى بوادره على الأقران
قال
nindex.php?page=showalam&ids=13042أبو الفتح ابن جني في شرح بيت
الأحوص في الحماسة : إنما جاز أن يقول فإذا تزول تزول لما اتصل بالفعل الثاني من حرف الجر المفادة منه الفائدة ، ومثله قول الله تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=63هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم كما غوينا ) ، ولو قال : هؤلاء الذين أغوينا أغويناهم لم يفد القول شيئا كقولك : الذي ضربته ضربته ، وقد كان
أبو علي امتنع في هذه الآية مما أخذناه ( في الأصل أجزناه ) غير أن الأمر فيها عندي على ما عرفتك اهـ .
والظاهر أن امتناع أبي
علي من ذلك في هذه الآية أنه يرى جواز أن تكون أغويناهم تأكيدا لـ ( أغوينا ) . وقوله
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=63كما غوينا استئنافا بيانيا ; لأن اسم الموصول مسند إلى مبتدأ ، وهو اسم الإشارة فتم الكلام بذلك ، بخلاف بيت
الأحوص ومثال
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني : الذي ضربته ضربته ، فيرجع امتناع
أبي علي إلى أن ما أخذه
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابن جني غير متعين في الآية تعينه في بيت
الأحوص .
وأسلوب إعادة الفعل عند إرادة تعلق شيء به أسلوب عربي فصيح يقصد به الاهتمام بذلك الفعل ، وقد تكرر في القرآن ، قال تعالى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130وإذا بطشتم بطشتم جبارين ) وقال : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وإذا مروا باللغو مروا كراما ) .
وقوله : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7أحسنتم أحسنتم لأنفسكم ) جاء على طريقة التجريد بأن جعلت نفس المحسن كذات يحسن لها ، فاللام لتعدية فعل ( أحسنتم ) ، يقال : أحسنت لفلان .
وكذلك قوله : وإن أسأتم فلها ، فقوله فلها متعلق بفعل محذوف بعد فاء الجواب ، تقديره : أسأتم لها ، وليس المجرور بظرف مستقر خبرا عن مبتدأ محذوف يدل عليه فعل أسأتم ; لأنه لو كان كذلك لقال : فعليها ، كقوله في سورة فصلت : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46من عمل صالحا فلنفسه ومن أساء فعليها ) .
[ ص: 35 ] ووجه المخالفة بين أسلوب الآيتين أن آية فصلت ليس فيها تجريد ؛ إذ التقدير فيها : فعمله لنفسه ، وإساءته عليها ، فلما كان المقدر اسما كان المجرور بعده مستقرا غير حرف تعدية ، فجرى على ما يقتضيه الإخبار من كون الشيء المخبر عنه نافعا فيخبر عنه بمجرور باللام ، أو ضارا يخبر عنه بمجرور بـ ( إلى ) ، وأما آية الإسراء ففعل أحسنتم وأسأتم الواقعان في الجوابين مقتضيان التجريد فجاءا على أصل تعديتهما باللام لا لقصد نفع ، ولا ضر .
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6nindex.php?page=treesubj&link=28988_32416_32419ثُمَّ رَدَدْنَا لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا عَطَفَ جُمْلَةَ ( فَجَاسُوا ) فَهُوَ مِنْ تَمَامِ جَوَابِ ( إِذَا ) مِنْ قَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا ، وَمِنْ بَقِيَّةِ الْمَقْضِيِّ فِي الْكِتَابِ ، وَهُوَ مَاضٍ لَفْظًا مُسْتَقْبَلٌ
[ ص: 32 ] مَعْنًى ، لِأَنَّ ( إِذَا ) ظَرْفٌ لِمَا يُسْتَقْبَلُ ، وَجِيءَ بِهِ فِي صِيغَةِ الْمَاضِي لِتَحْقِيقِ وُقُوعِ ذَلِكَ ، وَالْمَعْنَى : نَبْعَثُ عَلَيْكُمْ عِبَادًا لَنَا فَيَجُوسُونَ ، وَنَرُدُّ لَكُمُ الْكَرَّةَ عَلَيْهِمْ ، وَنُمْدِدُكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَنَجْعَلُكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا .
وَ ( ثُمَّ ) تُفِيدُ التَّرَاخِيَ الرُّتْبِيَّ ، وَالتَّرَاخِيَ الزَّمَنِيَّ مَعًا .
وَالرَّدُّ : الْإِرْجَاعُ ، وَجِيءَ بِفِعْلِ رَدَدْنَا مَاضِيًا جَارِيًا عَلَى الْغَالِبِ فِي جَوَابِ ( إِذَا ) كَمَا جَاءَ شَرْطُهَا فِعْلًا مَاضِيًا فِي قَوْلِهِ فَإِذَا جَاءَ وَعْدُ أُولَاهُمَا بَعَثْنَا أَيْ إِذَا يَجِيءُ يَبْعَثُ . وَالْكَرَّةُ : الرَّجْعَةُ إِلَى الْمَكَانِ الَّذِي ذَهَبَ مِنْهُ .
فَقَوْلُهُ عَلَيْهِمْ ظَرْفٌ مُسْتَقِرٌّ هُوَ حَالٌ مِنَ الْكَرَّةِ ؛ لِأَنَّ رُجُوعَ
بَنِي إِسْرَائِيلَ إِلَى
أُورْشَلِيمَ كَانَ بِتَغَلُّبِ مَلِكِ فَارِسَ عَلَى مَلِكِ
بَابِلَ .
وَذَلِكَ أَنَّ
بَنِي إِسْرَائِيلَ بَعْدَ أَنْ قَضَوْا نَيِّفًا وَأَرْبَعِينَ سَنَةً فِي أَسْرِ
الْبَابِلِيِّينَ ، وَتَابُوا إِلَى اللَّهِ ، وَنَدِمُوا عَلَى مَا فَرَطَ مِنْهُمْ سَلَّطَ اللَّهُ مُلُوكَ فَارِسَ عَلَى مُلُوكِ
بَابِلَ الْأَشُورِيِّينَ ، فَإِنَّ
الْمَلِكَ ( كُورَشَ ) مَلِكَ فَارِسَ حَارَبَ
الْبَابِلِيِّينَ ، وَهَزَمَهُمْ فَضَعُفَ سُلْطَانُهُمْ ، ثُمَّ نَزَلَ بِهِمْ
( دَارِيُوسُ ) مَلِكُ فَارِسَ ، وَفَتَحَ
بَابِلَ سَنَةَ 538 قَبْلَ
الْمَسِيحِ ، وَأَذِنَ
لِلْيَهُودِ فِي سَنَةِ 530 قَبْلَ
الْمَسِيحِ أَنْ يَرْجِعُوا إِلَى
أُورْشَلِيمَ وَيُجَدِّدُوا دَوْلَتَهُمْ ، وَذَلِكَ نَصْرٌ انْتَصَرُوهُ عَلَى
الْبَابِلِيِّينَ إِذْ كَانُوا أَعْوَانًا
لِلْفُرْسِ عَلَيْهِمْ .
وَالْوَعْدُ بِهَذَا النَّصْرِ وَرَدَ أَيْضًا فِي كِتَابِ
أَشْعِيَا فِي الْإِصْحَاحَاتِ : الْعَاشِرِ ، وَالْحَادِي عَشَرَ ، وَالثَّانِي عَشَرَ ، وَغَيْرِهَا ، وَفِي كِتَابِ
أَرْمِيَا فِي الْإِصْحَاحِ الثَّامِنِ وَالْعِشْرِينَ وَالْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ .
وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=6وَأَمْدَدْنَاكُمْ بِأَمْوَالٍ وَبَنِينَ وَجَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ نَفِيرًا هُوَ مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْضِيِّ الْمَوْعُودِ بِهِ ، وَوَقَعَ فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ
[ ص: 33 ] أَرْمِيَا ( هَكَذَا قَالَ الرَّبُّ إِلَهُ إِسْرَائِيلَ لِكُلِّ الَّذِي سَبَيْتُهُ مِنْ
أُورْشَلِيمَ إِلَى
بَابِلَ : ابْنُوا بُيُوتًا وَاسْكُنُوا ، وَاغْرِسُوا جَنَّاتٍ ، وَكُلُوا ثَمَرَهَا ، خُذُوا نِسَاءً وَلِدُوا بَنِينَ وَبَنَاتٍ ، وَاكْثُرُوا هُنَاكَ وَلَا تَقِلُّوا ) .
وَ ( نَفِيرًا ) تَمْيِيزٌ لِـ ( أَكْثَرَ ) فَهُوَ تَبْيِينٌ لِجِهَةِ الْأَكْثَرِيَّةِ ، وَالنَّفِيرُ : اسْمُ جَمْعٍ لِلْجَمَاعَةِ الَّتِي تَنْفِرُ مَعَ الْمَرْءِ مِنْ قَوْمِهِ وَعَشِيرَتِهِ ، وَمِنْهُ قَوْلُ
أَبِي جَهْلٍ : لَا فِي الْعِيرِ ، وَلَا فِي النَّفِيرِ .
وَالتَّفْضِيلُ فِي ( أَكْثَرَ ) تَفْضِيلٌ عَلَى أَنْفُسِهِمْ ، أَيْ جَعَلْنَاكُمْ أَكْثَرَ مِمَّا كُنْتُمْ قَبْلَ الْجَلَاءِ ، وَهُوَ الْمُنَاسِبُ لِمَقَامِ الِامْتِنَانِ ، وَقَالَ جَمْعٌ مِنَ الْمُفَسِّرِينَ : أَكْثَرَ نَفِيرًا مِنْ أَعْدَائِكُمُ الَّذِينَ أَخْرَجُوكُمْ مِنْ دِيَارِكُمْ ، أَيْ أَفْنَى مُعْظَمَ
الْبَابِلِيِّينَ فِي الْحُرُوبِ مَعَ
الْفُرْسِ حَتَّى صَارَ عَدَدُ
بَنِي إِسْرَائِيلَ فِي بِلَادِ الْأَسْرِ أَكْثَرَ مِنْ عَدَدِ
الْبَابِلِيِّينَ .
وَقَوْلُهُ إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنَتْكُمْ لِأَنْفُسِكُمْ وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا مِنْ جُمْلَةِ الْمَقْضِيِّ فِي الْكِتَابِ مِمَّا خُوطِبَ بِهِ
بَنُو إِسْرَائِيلَ ، وَهُوَ حِكَايَةٌ لِمَا فِي الْإِصْحَاحِ التَّاسِعِ وَالْعِشْرِينَ مِنْ كِتَابِ
أَرْمِيَا ( وَصَلُّوا لِأَجْلِهَا إِلَى الرَّبِّ ؛ لِأَنَّهُ بِسَلَامِهَا يَكُونُ لَكُمْ سَلَامٌ ) ، وَفِي الْإِصْحَاحِ الْحَادِي وَالثَلَاثِينَ ( يَقُولُ الرَّبُّ أَزْرَعُ بَيْتَ إِسْرَائِيلَ وَبَيْتَ
يَهُوذَا وَيَكُونُ كَمَا سَهِرْتُ عَلَيْهِمْ لِلِاقْتِلَاعِ وَالْهَدْمِ وَالْقَرْضِ وَالْإِهْلَاكِ ، كَذَلِكَ أَسْهَرُ عَلَيْهِمْ لِلْبِنَاءِ وَالْغَرْسِ فِي تِلْكَ الْأَيَّامِ لَا يَقُولُونَ : الْآبَاءُ أَكَلُوا حِصْرِمًا وَأَسْنَانُ الْأَبْنَاءِ ضَرَسَتْ بَلْ كُلُّ وَاحِدٍ يَمُوتُ بِذَنْبِهِ كُلُّ إِنْسَانٍ يَأْكُلُ الْحِصْرِمَ تَضْرَسُ أَسْنَانُهُ ) .
وَمَعْنَى (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7إِنْ أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ) أَنَّنَا نَرُدُّ لَكُمُ الْكَرَّةَ لِأَجْلِ التَّوْبَةِ ، وَتَجَدُّدِ الْجِيلِ ، وَقَدْ أَصْبَحْتُمْ فِي حَالَةِ نِعْمَةٍ ، فَإِنْ أَحْسَنْتُمْ كَانَ جَزَاؤُكُمْ حَسَنًا ، وَإِنْ أَسَأْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ، فَكَمَا أَهْلَكْنَا مَنْ قَبْلَكُمْ بِذُنُوبِهِمْ فَقَدْ أَحْسَنَّا إِلَيْكُمْ بِتَوْبَتِكُمْ ، فَاحْذَرُوا الْإِسَاءَةَ ; كَيْلَا تَصِيرُوا إِلَى مَصِيرِ مَنْ قَبْلَكُمْ .
[ ص: 34 ] وَإِعَادَةُ فِعْلِ أَحْسَنْتُمْ تَنْوِيهٌ فَلَمْ يَقُلْ : إِنْ أَحْسَنْتُمْ فَلِأَنْفُسِكُمْ ، وَذَلِكَ مِثْلُ قَوْلِ
الْأَحْوَصِ :
فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ عَنْ مُتَخَمِّطٍ تُخْشَى بَوَادِرُهُ عَلَى الْأَقْرَانِ
قَالَ
nindex.php?page=showalam&ids=13042أَبُو الْفَتْحِ ابْنُ جِنِّيٍّ فِي شَرْحِ بَيْتِ
الْأَحْوَصِ فِي الْحَمَاسَةِ : إِنَّمَا جَازَ أَنْ يَقُولَ فَإِذَا تَزُولُ تَزُولُ لِمَا اتَّصَلَ بِالْفِعْلِ الثَّانِي مِنْ حَرْفِ الْجَرِّ الْمُفَادَةِ مِنْهُ الْفَائِدَةُ ، وَمِثْلُهُ قَوْلُ اللَّهِ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=63هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ كَمَا غَوَيْنَا ) ، وَلَوْ قَالَ : هَؤُلَاءِ الَّذِينَ أَغْوَيْنَا أَغْوَيْنَاهُمْ لَمْ يُفِدِ الْقَوْلُ شَيْئًا كَقَوْلِكَ : الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ ، وَقَدْ كَانَ
أَبُو عَلِيٍّ امْتَنَعَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ مِمَّا أَخَذْنَاهُ ( فِي الْأَصْلِ أَجَزْنَاهُ ) غَيْرَ أَنَّ الْأَمْرَ فِيهَا عِنْدِي عَلَى مَا عَرَّفْتُكَ اهـ .
وَالظَّاهِرُ أَنَّ امْتِنَاعَ أَبِي
عَلِيٍّ مِنْ ذَلِكَ فِي هَذِهِ الْآيَةِ أَنَّهُ يَرَى جَوَازَ أَنْ تَكُونَ أَغْوَيْنَاهُمْ تَأْكِيدًا لِـ ( أَغْوَيْنَا ) . وَقَوْلُهُ
nindex.php?page=tafseer&surano=28&ayano=63كَمَا غَوَيْنَا اسْتِئْنَافًا بَيَانِيًّا ; لِأَنَّ اسْمَ الْمَوْصُولِ مُسْنَدٌ إِلَى مُبْتَدَأٍ ، وَهُوَ اسْمُ الْإِشَارَةِ فَتَمَّ الْكَلَامُ بِذَلِكَ ، بِخِلَافِ بَيْتِ
الْأَحْوَصِ وَمِثَالُ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنِ جِنِّيٍّ : الَّذِي ضَرَبْتُهُ ضَرَبْتُهُ ، فَيَرْجِعُ امْتِنَاعُ
أَبِي عَلِيٍّ إِلَى أَنَّ مَا أَخَذَهُ
nindex.php?page=showalam&ids=13042ابْنُ جِنِّيٍّ غَيْرُ مُتَعَيِّنٍ فِي الْآيَةِ تَعَيُّنَهُ فِي بَيْتِ
الْأَحْوَصِ .
وَأُسْلُوبُ إِعَادَةِ الْفِعْلِ عِنْدَ إِرَادَةِ تَعَلُّقِ شَيْءٍ بِهِ أُسْلُوبٌ عَرَبِيٌّ فَصِيحٌ يُقْصَدُ بِهِ الِاهْتِمَامُ بِذَلِكَ الْفِعْلِ ، وَقَدْ تَكَرَّرَ فِي الْقُرْآنِ ، قَالَ تَعَالَى : (
nindex.php?page=tafseer&surano=26&ayano=130وَإِذَا بَطَشْتُمْ بَطَشْتُمْ جَبَّارِينَ ) وَقَالَ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=25&ayano=72وَإِذَا مَرُّوا بِاللَّغْوِ مَرُّوا كِرَامًا ) .
وَقَوْلُهُ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=17&ayano=7أَحْسَنْتُمْ أَحْسَنْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ ) جَاءَ عَلَى طَرِيقَةِ التَّجْرِيدِ بِأَنْ جُعِلَتْ نَفْسُ الْمُحْسِنِ كَذَاتٍ يُحْسَنُ لَهَا ، فَاللَّامُ لِتَعْدِيَةِ فِعْلِ ( أَحْسَنْتُمْ ) ، يُقَالُ : أَحْسَنْتُ لِفُلَانٍ .
وَكَذَلِكَ قَوْلُهُ : وَإِنْ أَسَأْتُمْ فَلَهَا ، فَقَوْلُهُ فَلَهَا مُتَعَلِّقٌ بِفِعْلٍ مَحْذُوفٍ بَعْدَ فَاءِ الْجَوَابِ ، تَقْدِيرُهُ : أَسَأْتُمْ لَهَا ، وَلَيْسَ الْمَجْرُورُ بِظَرْفٍ مُسْتَقِرٍّ خَبَرًا عَنْ مُبْتَدَأٍ مَحْذُوفٍ يَدُلُّ عَلَيْهِ فِعْلُ أَسَأْتُمْ ; لِأَنَّهُ لَوْ كَانَ كَذَلِكَ لَقَالَ : فَعَلَيْهَا ، كَقَوْلِهِ فِي سُورَةِ فُصِّلَتْ : (
nindex.php?page=tafseer&surano=41&ayano=46مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ) .
[ ص: 35 ] وَوَجْهُ الْمُخَالَفَةِ بَيْنَ أُسْلُوبِ الْآيَتَيْنِ أَنَّ آيَةَ فُصِّلَتْ لَيْسَ فِيهَا تَجْرِيدٌ ؛ إِذِ التَّقْدِيرُ فِيهَا : فَعَمَلُهُ لِنَفْسِهِ ، وَإِسَاءَتُهُ عَلَيْهَا ، فَلَمَّا كَانَ الْمُقَدَّرُ اسْمًا كَانَ الْمَجْرُورُ بَعْدَهُ مُسْتَقِرًّا غَيْرَ حَرْفِ تَعْدِيَةٍ ، فَجَرَى عَلَى مَا يَقْتَضِيهِ الْإِخْبَارُ مِنْ كَوْنِ الشَّيْءِ الْمُخْبَرِ عَنْهُ نَافِعًا فَيُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِاللَّامِ ، أَوْ ضَارًّا يُخْبَرُ عَنْهُ بِمَجْرُورٍ بِـ ( إِلَى ) ، وَأَمَّا آيَةُ الْإِسْرَاءِ فَفِعْلُ أَحْسَنْتُمْ وَأَسَأْتُمُ الْوَاقِعَانِ فِي الْجَوَابَيْنِ مُقْتَضِيَانِ التَّجْرِيدَ فَجَاءَا عَلَى أَصْلِ تَعْدِيَتِهِمَا بِاللَّامِ لَا لِقَصْدِ نَفْعٍ ، وَلَا ضُرٍّ .