nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28995_26687ولا تأخذكم بهما رأفة في دين الله إن كنتم تؤمنون بالله واليوم الآخر
عطف على جملة ( فاجلدوا ) ; فلما كان الجلد موجعا وكان المباشر له قد يرق على المجلود من وجعه نهي المسلمون أن تأخذهم رأفة بالزانية والزاني فيتركوا الحد أو ينقصوه .
والأخذ : حقيقته الاستيلاء . وهو هنا مستعار لشدة تأثير الرأفة على المخاطبين وامتلاكها إرادتهم بحيث يضعفون عن إقامة الحد فيكون كقوله :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206أخذته العزة بالإثم فهو مستعمل في قوة ملابسة الوصف للموصوف .
و ( بهما ) يجوز أن يتعلق بـ ( رأفة ) فالباء للمصاحبة ; لأن معنى الأخذ هنا حدوث الوصف عند مشاهدتهما . ويجوز تعليقه بـ ( تأخذكم ) فتكون الباء للسببية ، أي : أخذ الرأفة بسببهما ، أي : بسبب جلدهما .
وتقديم المجرور على عامله للاهتمام بذكر الزاني والزانية تنبيها على الاعتناء بإقامة الحد . والنهي عن أن تأخذهم رأفة كناية عن النهي عن أثر ذلك وهو ترك الحد أو نقصه . وأما الرأفة فتقع في النفس بدون اختيار فلا يتعلق بها النهي ; فعلى المسلم أن يروض نفسه على دفع الرأفة في المواضع المذمومة فيها الرأفة .
والرأفة : رحمة خاصة تنشأ عند مشاهدة ضر بالمرءوف . وتقدم الكلام عليها عند قوله تعالى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إن الله بالناس لرءوف رحيم في سورة البقرة . ويجوز سكون الهمزة وبذلك قرأ الجمهور . ويجوز فتحها وبالفتح قرأ
ابن كثير .
وعلق بالرأفة قوله (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2في دين الله ) لإفادة أنها رأفة غير محمودة ; لأنها تعطل دين الله ، أي : أحكامه ، وإنما شرع الله الحد استصلاحا فكانت الرأفة
[ ص: 151 ] في إقامته فسادا . وفيه تعريض بأن الله الذي شرع الحد هو أرأف بعباده من بعضهم ببعض . وفي مسند
أبي يعلى عن
حذيفة مرفوعا :
يؤتى بالذي ضرب فوق الحد فيقول الله له : عبدي لم ضربت فوق الحد ؟ فيقول : غضبت لك . فيقول الله : أكان غضبك أشد من غضبي ؟ ويؤتى بالذي قصر فيقول : عبدي لم قصرت ؟ فيقول : رحمته . فيقول : أكانت رحمتك أشد من رحمتي . ويؤمر بهما إلى النار
وجملة
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2إن كنتم تؤمنون بالله شرط محذوف الجواب لدلالة ما قبله عليه ، أي : إن كنتم مؤمنين فلا تأخذكم بهما رأفة ، أي : لا تؤثر فيكم رأفة بهما . والمقصود : شدة التحذير من أن يتأثروا بالرأفة بهما بحيث يفرض أنهم لا يؤمنون . وهذا صادر مصدر التلهيب والتهييج حتى يقول السامع : كيف لا أومن بالله واليوم الآخر .
وعطف الإيمان باليوم الآخر على الإيمان بالله للتذكير بأن الرأفة بهما في تعطيل الحد أو نقصه نسيان لليوم الآخر فإن تلك الرأفة تفضي بهما إلى أن يؤخذ منهما العقاب يوم القيامة فهي رأفة ضارة كرأفة ترك الدواء للمريض ، فإن الحدود جوابر على ما تؤذن به أدلة الشريعة .
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2nindex.php?page=treesubj&link=28995_26687وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ
عُطِفَ عَلَى جُمْلَةِ ( فَاجْلِدُوا ) ; فَلَمَّا كَانَ الْجَلْدُ مُوجِعًا وَكَانَ الْمُبَاشِرُ لَهُ قَدْ يَرِقُّ عَلَى الْمَجْلُودِ مِنْ وَجَعِهِ نُهِيَ الْمُسْلِمُونَ أَنْ تَأْخُذَهُمْ رَأْفَةٌ بِالزَّانِيَةِ وَالزَّانِي فَيَتْرُكُوا الْحَدَّ أَوْ يُنْقِصُوهُ .
وَالْأَخْذُ : حَقِيقَتُهُ الِاسْتِيلَاءُ . وَهُوَ هُنَا مُسْتَعَارٌ لِشِدَّةِ تَأْثِيرِ الرَّأْفَةِ عَلَى الْمُخَاطَبِينَ وَامْتِلَاكِهَا إِرَادَتَهُمْ بِحَيْثُ يَضْعُفُونَ عَنْ إِقَامَةِ الْحَدِّ فَيَكُونُ كَقَوْلِهِ :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=206أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالْإِثْمِ فَهُوَ مُسْتَعْمَلٌ فِي قُوَّةِ مُلَابَسَةِ الْوَصْفِ لِلْمَوْصُوفِ .
وَ ( بِهِمَا ) يَجُوزُ أَنْ يَتَعَلَّقَ بِـ ( رَأْفَةٌ ) فَالْبَاءُ لِلْمُصَاحَبَةِ ; لِأَنَّ مَعْنَى الْأَخْذِ هُنَا حُدُوثُ الْوَصْفِ عِنْدَ مُشَاهَدَتِهِمَا . وَيَجُوزُ تَعْلِيقُهُ بِـ ( تَأْخُذُكُمْ ) فَتَكُونُ الْبَاءُ لِلسَّبَبِيَّةِ ، أَيْ : أَخْذُ الرَّأْفَةِ بِسَبَبِهِمَا ، أَيْ : بِسَبَبِ جَلْدِهِمَا .
وَتَقْدِيمُ الْمَجْرُورِ عَلَى عَامِلِهِ لِلِاهْتِمَامِ بِذِكْرِ الزَّانِي وَالزَّانِيَةِ تَنْبِيهًا عَلَى الِاعْتِنَاءِ بِإِقَامَةِ الْحَدِّ . وَالنَّهْيُ عَنْ أَنْ تَأْخُذَهُمْ رَأْفَةٌ كِنَايَةٌ عَنِ النَّهْيِ عَنْ أَثَرِ ذَلِكَ وَهُوَ تَرْكُ الْحَدِّ أَوْ نَقْصُهُ . وَأَمَّا الرَّأْفَةُ فَتَقَعُ فِي النَّفْسِ بِدُونِ اخْتِيَارٍ فَلَا يَتَعَلَّقُ بِهَا النَّهْيُ ; فَعَلَى الْمُسْلِمِ أَنْ يُرَوِّضَ نَفْسَهُ عَلَى دَفْعِ الرَّأْفَةِ فِي الْمَوَاضِعِ الْمَذْمُومَةِ فِيهَا الرَّأْفَةُ .
وَالرَّأْفَةُ : رَحْمَةٌ خَاصَّةٌ تَنْشَأُ عِنْدَ مُشَاهَدَةِ ضُرِّ بِالْمَرْءُوفِ . وَتَقَدَّمَ الْكَلَامُ عَلَيْهَا عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى :
nindex.php?page=tafseer&surano=2&ayano=143إِنَّ اللَّهَ بِالنَّاسِ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ . وَيَجُوزُ سُكُونُ الْهَمْزَةِ وَبِذَلِكَ قَرَأَ الْجُمْهُورُ . وَيَجُوزُ فَتْحُهَا وَبِالْفَتْحِ قَرَأَ
ابْنُ كَثِيرٍ .
وَعُلِّقَ بِالرَّأْفَةِ قَوْلُهُ (
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2فِي دِينِ اللَّهِ ) لِإِفَادَةِ أَنَّهَا رَأْفَةٌ غَيْرُ مَحْمُودَةٍ ; لِأَنَّهَا تُعَطِّلُ دِينَ اللَّهِ ، أَيْ : أَحْكَامَهُ ، وَإِنَّمَا شَرَعَ اللَّهُ الْحَدَّ اسْتِصْلَاحًا فَكَانَتِ الرَّأْفَةُ
[ ص: 151 ] فِي إِقَامَتِهِ فَسَادًا . وَفِيهِ تَعْرِيضٌ بِأَنَّ اللَّهَ الَّذِي شَرَعَ الْحَدَّ هُوَ أَرْأَفُ بِعِبَادِهِ مِنْ بَعْضِهِمْ بِبَعْضٍ . وَفِي مُسْنَدِ
أَبِي يَعْلَى عَنْ
حُذَيْفَةَ مَرْفُوعًا :
يُؤْتَى بِالَّذِي ضَرَبَ فَوْقَ الْحَدِّ فَيَقُولُ اللَّهُ لَهُ : عَبْدِي لِمَ ضَرَبْتَ فَوْقَ الْحَدِّ ؟ فَيَقُولُ : غَضِبْتُ لَكَ . فَيَقُولُ اللَّهُ : أَكَانَ غَضَبُكَ أَشَدَّ مِنْ غَضَبِي ؟ وَيُؤْتَى بِالَّذِي قَصَّرَ فَيَقُولُ : عَبْدِي لِمَ قَصَّرْتَ ؟ فَيَقُولُ : رَحِمْتُهُ . فَيَقُولُ : أَكَانَتْ رَحْمَتُكَ أَشَدَّ مِنْ رَحْمَتِي . وَيُؤْمَرُ بِهِمَا إِلَى النَّارِ
وَجُمْلَةُ
nindex.php?page=tafseer&surano=24&ayano=2إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ شَرْطٌ مَحْذُوفُ الْجَوَابِ لِدَلَالَةِ مَا قَبْلَهُ عَلَيْهِ ، أَيْ : إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ فَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ ، أَيْ : لَا تُؤَثِّرْ فِيكُمْ رَأْفَةٌ بِهِمَا . وَالْمَقْصُودُ : شِدَّةُ التَّحْذِيرِ مِنْ أَنْ يَتَأَثَّرُوا بِالرَّأْفَةِ بِهِمَا بِحَيْثُ يُفْرَضُ أَنَّهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ . وَهَذَا صَادِرٌ مَصْدَرَ التَّلْهِيبِ وَالتَّهْيِيجِ حَتَّى يَقُولَ السَّامِعُ : كَيْفَ لَا أُومِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ .
وَعُطِفَ الْإِيمَانُ بِالْيَوْمِ الْآخِرِ عَلَى الْإِيمَانِ بِاللَّهِ لِلتَّذْكِيرِ بِأَنَّ الرَّأْفَةَ بِهِمَا فِي تَعْطِيلِ الْحَدِّ أَوْ نَقْصِهِ نِسْيَانٌ لِلْيَوْمِ الْآخِرِ فَإِنَّ تِلْكَ الرَّأْفَةَ تُفْضِي بِهِمَا إِلَى أَنْ يُؤْخَذَ مِنْهُمَا الْعِقَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فَهِيَ رَأْفَةٌ ضَارَّةٌ كَرَأْفَةِ تَرْكِ الدَّوَاءِ لِلْمَرِيضِ ، فَإِنَّ الْحُدُودَ جَوَابِرٌ عَلَى مَا تُؤْذِنُ بِهِ أَدِلَّةُ الشَّرِيعَةِ .